خبراء الحفاظ على الآثار بالسودان يسعون جاهدين لاستعادة الكنوز المدمرة

45 بعثة دولية كانت تعمل قبل الحرب... ورحلت جميعها

المدخل الرئيسي للمتحف القومي السوداني (رويترز)
المدخل الرئيسي للمتحف القومي السوداني (رويترز)
TT

خبراء الحفاظ على الآثار بالسودان يسعون جاهدين لاستعادة الكنوز المدمرة

المدخل الرئيسي للمتحف القومي السوداني (رويترز)
المدخل الرئيسي للمتحف القومي السوداني (رويترز)

تتناثر بقايا قطع الفخار الأثرية المحطمة وشظايا التماثيل القديمة، بين الزجاج المهشم وفوارغ الطلقات في متحف السودان القومي، الذي لا يبعد كثيراً عن نقطة التقاء النيل الأزرق والنيل الأبيض في العاصمة الخرطوم.

وبعد مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب الأهلية، التي قتلت عشرات الآلاف وشردت الملايين، طرد الجيش السوداني «قوات الدعم السريع»، شبه العسكرية، من الخرطوم وضواحيها خلال الربيع، حسبما جاء في تقرير لوكالة «رويترز»، الثلاثاء.

أعمدة تاريخية في باحة المتحف القومي السوداني (رويترز)

لكن جزءاً كبيراً من المدينة لا يزال أنقاضاً، بما في ذلك العديد من مواقعها التراثية. فقد تضررت الآثار خلال القتال، وسرق اللصوص المزيد منها وهربوها إلى الدول المجاورة.

ويبحث خبراء الحفاظ على الآثار، الذين عادوا إلى المدينة بعد تقدم الجيش، بين الحطام في محاولة لاستعادة وترميم ما يمكنهم.

قالت رحاب خضر الرشيد، وهي رئيسة لجنة جرى تشكيلها لتقييم الأضرار وتأمين المتاحف والمواقع الأثرية في ولاية الخرطوم، وهي تقف في ردهة مليئة بالحطام، «المتحف تضرر ضرراً بالغاً جداً... سرقت كمية كبيرة من القطع الأثرية وهي بالنسبة لنا مهمة جداً... أي قطعة في المتحف لها قصة...كل القطع مهمة، لكن التي سرقت كانت بالغة الأهمية بالنسبة لنا نحن الآثاريين».

وقالت إخلاص عبد اللطيف، مديرة إدارة المتاحف بالهيئة العامة للآثار والمتاحف، إنه جرى حتى الآن إحصاء نحو 4 آلاف قطعة أثرية مفقودة بالسودان.

تماثيل لملوك السودان القدماء عند حائط المدخل الرئيسي للمتحف القومي بالخرطوم (رويترز)

وأضافت أن هذه الآثار تشمل قطعاً أثرية من الخرطوم، بالإضافة إلى مناطق أخرى من البلاد، مثل إقليم دارفور في غرب السودان؛ حيث اختفت نحو 700 قطعة أثرية من متحفي مدينتي نيالا والجنينة. وفي الجنينة، قُتل أمين المتحف إثر قصف المبنى.

ويبدو أن العديد من هذه القطع جرى تهريبها إلى دول مجاورة. والسودان من بين قائمة طويلة من الدول، منها العراق وسوريا وليبيا ومصر، استشرى فيها تهريب الآثار في أعقاب الاضطرابات السياسية.

ويضم فناء المتحف القومي عدداً من المعابد والقطع الأثرية الأخرى التي جرى نقلها إلى الخرطوم من شمال البلاد في ستينات القرن الماضي، للحفاظ عليها من الفيضانات الناجمة عن بناء السد العالي في أسوان بمصر.

بقايا مدمرة ومحطمة لآثار داخل المتحف (رويترز)

ومن أكثر هذه المعالم إثارة للإعجاب، معبد بوهين، الذي بنته الملكة المصرية حتشبسوت التي حكمت في نحو عام 1500 قبل الميلاد. وتعرّض المعبد لأضرار أثناء القتال، وتعمل السلطات على إصلاحه، وإن كان «بإمكانات شحيحة جداً جداً»، حسبما قالت رحاب.

وذكرت: «تأثرت المعابد بالحرب، وهذا التأثير كان كبيراً جداً، وظهر في أسقف المباني وفي الزجاج الخارجي المحيط بالمعبد... نحن بصفتنا فريقاً في الهيئة العامة للآثار والمتاحف، نعمل على إجراء بعض الصيانة بإمكانات شحيحة جداً... ومن هنا نسأل الجهات المختصة أو الوزارة بأن تمد لنا يد العون كي نُتم ترميم هذه المعابد».

ولم يكن المتحف القومي الموقع الوحيد الذي لحقت به أضرار، فمتحف القصر الجمهوري بالخرطوم يمتلئ الآن بالحطام المتفحم. وتتوقف سيارات عتيقة خارج المتحف وسط الأنقاض وقد تحطمت نوافذها ومصابيحها الأمامية.

رحاب خضر الرشيد رئيسة لجنة تقييم الأضرار بالمتحف (رويترز)

وقدّرت إخلاص تكلفة ترميم وصيانة متاحف السودان وتأمين ما تبقّى من الآثار بنحو 100 مليون دولار، وهو مبلغ من غير المرجّح أن يتوفّر لخبراء الحفاظ على الآثار في المستقبل القريب، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد. وتبرز كذلك مسألة توقيت شعور الخبراء الأجانب بأن الظروف باتت آمنة بما يكفي للعودة. وأشارت رحاب إلى أن السودان كان يحتضن نحو 45 بعثة أثرية قبل اندلاع الحرب، إلا أنها توقفت جميعها اليوم.

تمثالان تاريخيان في الساحة الرئيسية للمتحف وقد لحقتهما الأضرار أيضاً (رويترز)

وقالت: «عندنا نحو 45 بعثة أثرية كانت تعمل في الحقل الأثري في السودان قبل الحرب... بعد الحرب للأسف لا توجد أي بعثة... كل البعثات توقفت، ونأمل بإذن الله أن تعود البعثات وتزاول عملها».


مقالات ذات صلة

غوتيريش يدعو «الدول ذات التأثير» إلى استخدام نفوذها لوقف الحرب في السودان

شمال افريقيا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز) play-circle

غوتيريش يدعو «الدول ذات التأثير» إلى استخدام نفوذها لوقف الحرب في السودان

ندد الأمين العام للأمم المتحدة، الجمعة، بالهجمات على المدنيين والبنية التحتية بالسودان، مطالباً جميع أطراف الصراع بالالتزام بالقانون الدولي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (وسط) خلال اجتماعات لإطلاق «تحالف تأسيس» بنيروبي في فبراير الماضي (أ.ب) play-circle

عقوبات بريطانية على قادة من «الدعم السريع» بينهم شقيق «حميدتي»

بريطانيا تفرض عقوبات على أربعة من قادة «الدعم السريع»، أبرزهم عبد الرحيم دقلو شقيق «حميدتي»، واتهمتهم بارتكاب جرائم قتل جماعي وعنف جنسي بالسودان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا طفل سوداني يتيم يأكل في مخيم للاجئين في شرق تشاد 22 نوفمبر 2025 (رويترز)

لافروف يعرض وساطة بلاده لتيسير تسوية سياسية في السودان

أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف،أن موسكو «مستعدة لمواصلة المساعدة في إيجاد خطوات عملية لتسوية الأزمة الداخلية في السودان».

رائد جبر (موسكو)
شمال افريقيا أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز) play-circle

اتفاق ثلاثي بين البرهان وحميدتي وسلفا كير لتأمين نفط «هجليج»

أعلنت حكومة جنوب السودان نشر قوات تابعة لها في حقول «هجليج» بولاية غرب كردفان لحماية وتأمين المنشآت النفطية، بعد انسحاب الجيش السوداني، وسيطرة «الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي) وجدان طلحة (بورتسودان)
خاص أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز) play-circle

خاص خسارة هجليج النفطية... هل تعيد رسم أسس الدولة السودانية؟

مع سقوط هجليج وبابنوسة، وكامل ولاية غرب كردفان بيد «قوات الدعم السريع»، فإن خريطة الحرب في السودان تتجه لرسم جديد للأوضاع الميدانية العسكرية والجيوسياسية.

أحمد يونس (كمبالا)

غوتيريش يدعو «الدول ذات التأثير» إلى استخدام نفوذها لوقف الحرب في السودان

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)
TT

غوتيريش يدعو «الدول ذات التأثير» إلى استخدام نفوذها لوقف الحرب في السودان

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الجمعة)، بالهجمات على المدنيين والبنية التحتية في السودان.

وطالب غوتيريش، في بيان، جميع الأطراف في السودان بالالتزام بالقانون الدولي، داعياً «الدول ذات التأثير» إلى استخدام نفوذها لإجبار أطراف الصراع في السودان على الوقف الفوري للقتال.

وجدد غوتيريش دعوته أطراف النزاع في السودان إلى الاتفاق على وقف فوري للقتال، واستئناف المحادثات للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وبدء عملية سياسية شاملة.

كما عبّر الأمين العام للأمم المتحدة عن استعداد المنظمة «لدعم الخطوات الجادة لإنهاء القتال في السودان ورسم مسار نحو سلام دائم».

وأضاف البيان: «مع اقتراب مرور ألف يوم على هذا الصراع المدمر، يجدد الأمين العام دعوته جميع الدول ذات النفوذ على الأطراف إلى اتخاذ إجراءات فورية واستخدام نفوذها، لإجبارها على وقف فوري للقتال، ووقف تدفق الأسلحة الذي يغذّي الصراع».


محكمة تونسية تقضي بسجن عبير موسي 12 عاماً

عبير موسي (موقع الحزب)
عبير موسي (موقع الحزب)
TT

محكمة تونسية تقضي بسجن عبير موسي 12 عاماً

عبير موسي (موقع الحزب)
عبير موسي (موقع الحزب)

قال المحامي نافع العريبي، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن محكمة تونسية قضت، اليوم الجمعة، بسجن موكلته المعارِضة البارزة عبير موسي 12 عاماً، في خطوةٍ تقول منظمات حقوقية إنها أحدث تحرك لترسيخ الحكم الفردي للرئيس قيس سعيّد، واستخدام القضاء لسحق معارضيه. وأضاف العريبي، لـ«رويترز»: «هذا الحكم ظالم، وهو ليس قراراً قضائياً، بل قرار بتعليمات سياسية... هو حكم سياسي». وتقبع موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحر في السجن منذ عام 2023، بعد أن اعتقلتها الشرطة عند مدخل القصر الرئاسي بتهمة الاعتداء بهدف إثارة الفوضى، في حين يرى منتقدون أن ذلك كان جزءاً من حملة قمع واسعة ضد قادة المعارضة البارزين.

وتولت عبير موسي، وهي محامية وسياسية تونسية، في أغسطس (آب) 2016، رئاسة الحزب الدستوري الحر، وأصبحت محامية في نقابة المحامين في محكمة التعقيب، وهي أيضاً نائبة رئيس بلدية أريانة، ورئيسة لجنة التقاضي وعضو في المنتدى الوطني للمحامين في التجمع الدستوري الديمقراطي، والأمينة العامة للجمعية التونسية لضحايا الإرهاب.

وفي 12 يناير (كانون الثاني) 2010، جرى تعيينها نائبة للأمين العام للمرأة في التجمع الدستوري الديمقراطي. وبعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي وحلّ التجمع الدستوري الديمقراطي في عام 2011، والذي عارضته بصفتها محامية، انضمت موسي إلى الحركة الدستورية التي أسسها رئيس الوزراء السابق حامد القروي. وفي 13 أغسطس 2016، جرى تعيينها رئيساً للحركة الدستورية، التي سُميت لاحقاً باسم الحزب الدستوري الحر.

وتُعد موسي سليلة نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي أطاحت به الثورة في عام 2011، حيث شغلت عدة مناصب داخل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ، آخِرها في يناير 2010 حين تقلدت منصب نائبة الأمين العام للحزب لشؤون المرأة. وقد اشتهرت بكونها تُكن العداء والكره الشديدين للجماعات الإسلامية، وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين التي تصفها بالجماعة «الإرهابية»، كما باركت الإطاحة بحكم الجماعة عام 2013 في مصر، وأكدت أن «إسقاط المصريين جماعة الإخوان شكّل ضربة قوية ومُوجعة لتنظيمهم الدولي». كما ترفض موسي أي شكل من أشكال الحوار مع حركة النهضة التونسية، التي تتهمها بأنها «فرع للتنظيم الدولي للإخوان في تونس».


محادثات «مصرية - فرنسية» تتناول تطورات الأوضاع في «الضفة» والسودان

السيسي وماكرون خلال لقاء جرحى فلسطينيين في أبريل الماضي (الرئاسة المصرية)
السيسي وماكرون خلال لقاء جرحى فلسطينيين في أبريل الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات «مصرية - فرنسية» تتناول تطورات الأوضاع في «الضفة» والسودان

السيسي وماكرون خلال لقاء جرحى فلسطينيين في أبريل الماضي (الرئاسة المصرية)
السيسي وماكرون خلال لقاء جرحى فلسطينيين في أبريل الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات «مصرية - فرنسية» «الحرب في غزة» والمستجدات في الضفة الغربية، والسودان. وتلقّى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء الجمعة، اتصالاً هاتفياً من الرئيس إيمانويل ماكرون؛ حيث بحثا تطورات الأوضاع الإقليمية.

ووفق إفادة للمتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، فإن الرئيس السيسي أعرب عن تقديره العميق لما تشهده العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا من تطور نوعي، خصوصاً عقب الارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة في أبريل (نيسان) 2025، وهو ما انعكس إيجاباً على تنامي التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

وأوضح المتحدث الرئاسي أن الرئيسين بحثا سُبل مواصلة دفع العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، عبر تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والاستثماري، وزيادة حجم التبادل التجاري الذي شهد تقدماً ملموساً خلال الأشهر الماضية، فضلاً عن التعاون في قطاعات الصناعة والسياحة والنقل.

وتناول الاتصال مستجدات الأوضاع الإقليمية، وفي مقدمتها قطاع غزة؛ حيث أعرب السيسي عن تقدير مصر الدعم الفرنسي للجهود المصرية التي أفضت للتوصل إلى اتفاق وقف الحرب، مؤكداً «ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار، والانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام». وشدّد على أهمية تعزيز إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والبدء الفوري في مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

وأعرب ماكرون عن تقديره الدور المحوري الذي تضطلع به مصر في تحقيق الاستقرار الإقليمي، ولا سيما في تثبيت اتفاق وقف الحرب في غزة.

وكان الرئيس المصري ونظيره الفرنسي قد أكدا خلال زيارة مدينة العريش المصرية في أبريل الماضي «ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وأهمية العمل على الإسراع في نفاذ المساعدات الإنسانية، وضمان حماية المدنيين وعمال الإغاثة». وشددا على «رفضهما القاطع لأي محاولات تستهدف تهجير الفلسطينيين من أرضهم». وزار السيسي وماكرون حينها مستشفى العريش، والتقيا عدداً من الجرحى الفلسطينيين.

وحسب متحدث الرئاسة المصرية، تطرّق الاتصال الهاتفي بين السيسي وماكرون، مساء الجمعة، إلى تطورات الأوضاع في الضفة الغربية؛ حيث أكد الرئيس السيسي رفض مصر القاطع للانتهاكات الإسرائيلية، مشدداً على ضرورة دعم الشعب الفلسطيني وزيادة الضغط الدولي لوقف هذه الانتهاكات، ودعم السلطة الفلسطينية في الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها.

واتفق الرئيسان على أن الجهود الراهنة يجب أن تفضي إلى إطلاق عملية سياسية شاملة تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وفيما يتعلّق بالشأن السوداني، أكد الرئيس السيسي دعم مصر الكامل لوحدة وسيادة السودان وسلامة أراضيه، ورفضها أي محاولات تُهدد أمنه، معرباً عن مساندة مصر جهود إنهاء الحرب واستعادة السلم والاستقرار في السودان الشقيق.