عززت تصريحات حكومية مصرية، مساء السبت، من توقعات إرجاء النظر في مشروع قانون «الإجراءات الجنائية» الذي تحفّظ عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) الجديد، في ظل ضيق الوقت المتبقي أمام المجلس الحالي، والذي يتزامن دور انعقاده الأخير مع إجراء الانتخابات.
ولم يُفتح بعد باب الترشح لانتخابات مجلس النواب رسمياً، لكن وفق القانون، يجب إجراء الانتخابات قبل 60 يوماً من انتهاء مدة المجلس الحالي في يناير (كانون الثاني) 2026 أي قبل نهاية هذا العام.
وقال وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي في مصر، محمود فوزي، إنه «لا يوجد إلزام دستوري أو قانوني على مجلس النواب للانتهاء من تعديلات قانون (الإجراءات الجنائية) في وقت محدد، فالقرار النهائي يعود للمجلس لتقدير ما إذا كان سيتمكن من إنجازه خلال ما تبقى من عمره التشريعي». ونوه فوزي خلال تصريحات متلفزة، مساء السبت، بأن «الفترة الأخيرة من عمر البرلمان تشهد عادة انشغالاً من النواب بالاستعداد للانتخابات المقبلة».
وأصدر السيسي قراراً، الأحد الماضي، بإعادة مشروع قانون «الإجراءات الجنائية» لمجلس النواب لبحث الاعتراضات على عدد من مواده. وطالب «النواب» بإعادة النظر في بعض المواد المعترض عليها، بما «يعزز الضمانات المقررة لحرمة المسكن ويحمي حقوق المتهمين أمام جهات التحقيق والمحاكمة».
ودعا المحامي الحقوقي، عضو حملة «نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية»، محمد فتحي، بتأجيل ملف «الإجراءات الجنائية» للمجلس القادم، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «إعادة الرئيس مشروع القانون أمر جيد جداً، ونشكره عليه، ونتمنى من المجلس الحالي أن يترك مناقشته للمجلس القادم».
وأرجع فتحي ذلك إلى أن «الفترة المتبقية في عمر المجلس أقل من أن تستوعب الاختلافات حول القانون ومناقشتها. ومن جهة أخرى، فإن هذا المجلس هو من أعد المشروع بشكله الحالي، وخاض معارك ودافع بشكل كبير عنه، فمن غير المفضل أن يكون هو نفسه من يعدله».
وأشار فتحي إلى أن حملتهم التي أطلقوها حول مشروع القانون خلصت في ورقة بحثية إلى حاجة 148 مادة للتعديل، متوقعاً «ألا يخرج المشروع بالشكل المرضي؛ إذا تسرع البرلمان الحالي في إصداره بعد تعديل عدد من المواد».
وتضمن بيان الرئاسة المصرية توجيهاً لمجلس النواب بـ«إعادة دراسة بعض المواد لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحدّ من اللجوء إليه، وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق على أرض الواقع».

ودافع وزير الشؤون النيابية عن مشروع قانون «الإجراءات الجنائية»، قائلاً إنه «لا يتفق مع الرأي القائل إن المشروع أُعد على عجل»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الرئيس السيسي بإعادته القانون لـ«النواب» يهدف إلى «تحسين المشروع (...) لأن الشعب المصري يستحق ما هو أفضل».
وأضاف فوزي أن «رسالة الرئيس السيسي بشأن الاعتراضات على القانون ستُحال إلى اللجنة العامة بالمجلس، التي تتكون من رئيس المجلس والوكيلين، ورؤساء اللجان النوعية البالغ عددها 25 لجنة، بالإضافة إلى رؤساء الهيئات البرلمانية وعدد من النواب المستقلين، بينهم ممثلون عن المعارضة، وستنظر هذه اللجنة في الاعتراضات الرئاسية وتصدر تقريراً يُعرض على الجلسة العامة للمجلس».
وأوضح أن المجلس أمامه خياران، قبول الاعتراضات أو رفضها، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن البيان الصادر عن البرلمان عقب تلقي الرسالة؛ أعلن عن احترامه الشديد لرغبة رئيس الجمهورية في تعزيز الضمانات وزيادة الحقوق، بما يعني قبول اعتراضات رئيس الجمهورية.
أستاذ القانون الدستوري في مصر صلاح فوزي، علق على الإجراءات المتبعة في هذا الشأن، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إنه «حتى الآن ما زال مجلس النواب في الإجازة البرلمانية، وسيعود لدور الانعقاد بداية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وعندها يتلو رئيس المجلس خطاب رئيس الجمهورية بالاعتراض على عدد من المواد (8 مواد) ثم تُشكّل لجنة لتدارس الأمر». وأضاف أن «هذه اللجنة تأخذ مقدار ما تحتاجه من الوقت، إذا استطاعت أن تناقش الاعتراضات خلال ما تبقى من عمر المجلس تفعل ذلك، وإلا أُحيل مشروع القانون للدورة البرلمانية المقبلة، أي للبرلمان القادم»، مشيراً إلى أنه بشكل شخصي يُفضّل عدم التسرع في مناقشة المواد محل الاعتراض، وأن يأخذ المجلس ما يحتاجه من وقت، حتى لو لم يُنجز المشروع في الدورة البرلمانية الحالية.
وحسب أستاذ القانون الدستوري، «يستأنف مجلس النواب الجديد العمل على المشروع من النقطة التي توقف عندها المجلس السابق، أي من عند مناقشة اعتراضات الرئيس على المشروع، والاكتفاء بتعديل المواد الثمانية مع ما يتداخل معها من مواد أخرى ذات صلة، لتحقيق الانسجام بين مواده، أو حتى نظر مشروع جديد لو قدمت الحكومة مشروعاً آخر، أو توسعة النقاشات لتشمل مواد أخرى، وفق ما يرى المجلس آنذاك».
وكان «المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة» (حقوقي)، دعا الأربعاء الماضي، إلى أن «تُتبع خطوة رد المشروع بإجراءات أخرى، بينها إطلاق حوار مجتمعي يشارك فيه أساتذة الجامعات وخبراء مستقلون ومنظمات مدنية، وتشكيل لجنة خبراء مستقلة تضم ممثلين عن كليات الحقوق والنقابات المهنية لصياغة مشروع جديد يوازن بين المصلحة العامة وضمانات المحاكمة العادلة».



