تقرير سوق العمل الأميركي تحت المجهر وخطر إغلاق الحكومة يهدد بتأجيله

تباطؤ التوظيف يضع «الفيدرالي» أمام اختبار صعب وسط تخوف من الركود

باحثون عن عمل خلال معرض للوظائف في جنوب فلوريدا (أ.ف.ب)
باحثون عن عمل خلال معرض للوظائف في جنوب فلوريدا (أ.ف.ب)
TT

تقرير سوق العمل الأميركي تحت المجهر وخطر إغلاق الحكومة يهدد بتأجيله

باحثون عن عمل خلال معرض للوظائف في جنوب فلوريدا (أ.ف.ب)
باحثون عن عمل خلال معرض للوظائف في جنوب فلوريدا (أ.ف.ب)

تترقب أسواق المال الأميركية بحذر بيانات الوظائف للأسبوع المقبل، التي يجب أن تسير على «خط دقيق»، حيث يتعين عليها تأكيد تباطؤ سوق العمل لدعم خطط «الاحتياطي الفيدرالي» لخفض أسعار الفائدة مجدداً، دون أن يكون التباطؤ حاداً لدرجة إثارة مخاوف من الركود الاقتصادي المحتمل.

وتشير التوقعات إلى استمرار النمو البطيء لسوق العمل الأميركي في سبتمبر (أيلول)، مما يرسخ الفترة الضعيفة التي يمر بها قطاع التوظيف، مع ترقب بقاء معدل البطالة عند أعلى مستوى له في نحو أربع سنوات.

ويُتوقع أن يكون الاقتصاد قد أضاف 50 ألف وظيفة فقط، بناءً على متوسط مسح أجرته وكالة «بلومبرغ» للتقرير المرتقب من مكتب إحصاءات العمل، وهو ما يتماشى مع متوسط النمو المسجل على مدار الأشهر الثلاثة الماضية. وفيما توقع مسح لـ«رويترز» إضافة 39 ألف وظيفة غير زراعية، أشار استطلاع آخر أجرته «ياهو فاينانس» إلى رقم أعلى عند 70 ألف وظيفة. وعلى صعيد البطالة، يُتوقع أن يبقى المعدل مستقراً عند 4.3 في المائة.

وكانت القراءة الضعيفة لشهر أغسطس (آب) قد أظهرت إضافة 22 ألف وظيفة جديدة فقط، وهو ما جاء أقل بكثير من توقعات الاقتصاديين البالغة 75 ألفاً، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 في المائة.

تقرير الوظائف على طاولة «الفيدرالي» وخطر الإغلاق

تتوقف عملية إصدار تقرير الوظائف الشهري، المقرر يوم الجمعة 3 أكتوبر (تشرين الأول)، على قدرة المشرّعين في الكونغرس على التوصل إلى اتفاق حول مشروع قانون التمويل قبل نهاية السنة المالية يوم الثلاثاء. وفي حال فشل الاتفاق وإغلاق الحكومة الفيدرالية، سيتم تعليق إصدار جميع التقارير الاقتصادية الرئيسية.

وفي هذا السياق، قال مارك لوشيني، كبير استراتيجيي الاستثمار في «جاني مونتغمري سكوت»، إن بيانات الوظائف ستساعد في تحديد ما إذا كان سوق العمل «يشهد ببساطة فترة ضعف». وأضاف، وفقاً لـ«رويترز»: «لا أحد يتوقع رقماً قياسياً هنا. في الوقت نفسه، إذا جاءت القراءة سلبية، فسيؤكد ذلك الشكوك بأن سوق العمل ربما يتدهور بسرعة كبيرة، مما يطرح تساؤلاً واضحاً: هل نحن بالفعل على شفا ركود اقتصادي محتمل؟».

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

تضارب الضغوط وتوقعات خفض الفائدة

يخشى المستثمرون من أن يؤدي أي تقرير قوي غير متوقع للتوظيف إلى تباطؤ خطة «الاحتياطي الفيدرالي» لتخفيضات أسعار الفائدة، خاصة مع استمرار ارتفاع التضخم. وكان «الفيدرالي» قد رفع أسعار الفائدة بين مارس (آذار) 2022 ويوليو (تموز) 2023 للسيطرة على التضخم.

وقد أجرى مسؤولو البنك المركزي أول خفض للفائدة لعام 2025 في وقت سابق من هذا الشهر، بمقدار ربع نقطة مئوية لتصل إلى نطاق 4 في المائة إلى 4.25 في المائة، مدفوعين بمخاوف بشأن هشاشة سوق العمل. ونتيجة لذلك، يراهن المستثمرون بشكل كبير على خفض جديد لتكاليف الاقتراض في اجتماع البنك المركزي الذي يختتم في 29 أكتوبر. ومن المقرر أن يتحدث عدد من مسؤولي «الفيدرالي» البارزين، بمن فيهم فيليب جيفرسون وسوزان كولينز وأوستان غولسبي ولوري لوغان وجون ويليامز، خلال الأسبوع المقبل.

وفي السياق ذاته، صرح رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول هذا الأسبوع بأن مخاطر التضخم على المدى القريب «تميل إلى الارتفاع»، مشيراً إلى «وضع صعب» يواجهه البنك المركزي في الموازنة بين التضخم المرتفع وسوق العمل الضعيف.

وتوقعت فيكتوريا سكولار، رئيسة قسم الاستثمار في «إنترأكتيف إنفستور» لـ«ياهو فاينانس»، أن يقدم تقرير سبتمبر مزيداً من التأكيد على تدهور سوق العمل، وأن يبلغ عدد الوظائف الجديدة خارج القطاع الزراعي نحو 70 ألفاً، بينما «من المرجح أن يظل معدل البطالة عند 4.3 في المائة». في المقابل، توقعت نمواً ثابتاً في متوسط الأجور بالساعة بنسبة 3.7 في المائة على أساس سنوي، لكن مع تباطؤ بنسبة 0.2 في المائة على أساس شهري.

ولفتت إلى أن قراءة أغسطس الأضعف من المتوقع مهدت الطريق أمام «الاحتياطي الفيدرالي» لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، مشيرة إلى أن البنك المركزي «يوازن بين ضغوط متنافسة من التضخم المرتفع وسوق العمل الضعيف» عند اتخاذ قراراته.

رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يتحدث بعد قرار خفض الفائدة في 17 سبتمبر (رويترز)

رهان على خفض الفائدة ليس مضموناً

وعلى الرغم من التوقعات بخفضين إضافيين لأسعار الفائدة قبل نهاية العام، فإن سكولار حذرت من أن هذه التخفيضات «ليست مضمونة على الإطلاق»، مشيرة إلى أن تصريحات باول حول خطر خفض الفائدة «بشكل مفرط في العدوانية» تشير إلى أن السوق قد يبالغ في تسعير الخفوض هذا العام.

ومع ذلك، لفتت إلى وجود بيانات إيجابية، مثل مراجعة صعودية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني، وانخفاض طلبات إعانة البطالة الأسبوعية، وهي عوامل تشير إلى توازن الضغوط على صانعي السياسة النقدية. ويراقب المستثمرون من كثب التطورات المتعلقة بالإغلاق الحكومي المحتمل وتداعياته الاقتصادية.

بالإضافة إلى تقرير الوظائف، من المتوقع أن يُظهر تقرير حكومي منفصل يوم الثلاثاء أن فرص العمل في أغسطس كانت عند أحد أدنى مستوياتها منذ عام 2021. كما يترقب المستثمرون نتائج مسوحات معهد إدارة التوريد (ISM) لقطاعي التصنيع والخدمات لشهر سبتمبر، بالإضافة إلى التطورات المتعلقة بالإغلاق الحكومي المحتمل وتداعياته الاقتصادية.


مقالات ذات صلة

انخفاض طلبات إعانة البطالة الأميركية إلى أدنى مستوى منذ 3 سنوات

الاقتصاد من داخل معرض وظيفي للموظفين الفيدراليين المفصولين حديثاً في كانساس سيتي مارس 2025 (رويترز)

انخفاض طلبات إعانة البطالة الأميركية إلى أدنى مستوى منذ 3 سنوات

انخفض عدد المتقدمين الجدد للحصول على إعانات البطالة بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات في إشارة إلى صمود سوق العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة «نوظف الآن» معلّقة على نافذة صالون حلاقة بمدينة ميدفورد الكبرى في ولاية ماساتشوستس (رويترز)

تراجع حاد في تسريحات العمال الأميركيين رغم استمرار تباطؤ التوظيف

تراجعت عمليات تسريح العمالة المعلنة من جانب أصحاب العمل الأميركيين بشكل حاد خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، غير أن نيات التوظيف واصلت التباطؤ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يصطف المتقدمون في معرض للوظائف بمنتجع أوشن كازينو في أتلانتيك سيتي (أ.ب)

انخفاض غير متوقع بعدد الوظائف في القطاع الخاص الأميركي خلال نوفمبر

أظهر تقرير «ADP» للوظائف الصادر يوم الأربعاء، انخفاضاً غير متوقع في عدد الوظائف بالقطاع الخاص الأميركي خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد جانب من النسخة السابقة للمؤتمر (واس)

الرياض تستضيف النسخة الثالثة من «المؤتمر الدولي لسوق العمل» في يناير

ستستضيف الرياض في يناير المؤتمر الدولي لسوق العمل لبحث الذكاء الاصطناعي ومهارات المستقبل وتعزيز مرونة أسواق العمل عالمياً.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد مسافرون يسيرون على رصيف مترو محطة ألكسندر بلاتز في برلين (رويترز)

ارتفاع محدود في بطالة ألمانيا

ارتفع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا بأقل من المتوقع خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، في وقت يواصَل فيه الطلب على العمالة التراجع.

«الشرق الأوسط» (برلين)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
TT

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس»، أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

واستطلعت الدراسة آراء أكثر من 400 شركة قبل وبعد موافقة سويسرا الشهر الماضي، على اتفاق لخفض الرسوم الجمركية الأميركية من 39 في المائة إلى 15 في المائة، حيث حدد نحو ربع الشركات بالفعل خطوات ملموسة ستتخذها، وفق «رويترز».

وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من ثلث هذه الشركات قررت زيادة استثماراتها خارج سويسرا، ونقل إنتاجها وعملياتها إلى الخارج. وأفاد نحو 16 في المائة من الشركات بأنها ستنقل عملياتها إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فيما ستتجه 10 في المائة إلى الولايات المتحدة، و5 في المائة أخرى نحو الاتحاد الأوروبي.

وشملت الخيارات الأخرى البحث عن أسواق جديدة، ورفع الأسعار، وحتى تعليق الصادرات إلى الولايات المتحدة.

وقال رودولف مينش، كبير الاقتصاديين في «إيكونومي سويس»، إن نقل العمليات والاستثمار في الخارج لم يضر بسويسرا، التي تظل وجهةً تجارية جاذبة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية وأنشطة البحث والتطوير.

وكجزء من الاتفاق، تعهدت برن أيضاً باستثمارات بقيمة 200 مليار دولار من شركاتها في الولايات المتحدة، ما أثار مخاوف بشأن التأثير الاقتصادي المحتمل على المدى الطويل.

وأشار بنك «يو بي إس» إلى أنه في حال نقل صناعة الأدوية - أكبر قطاع تصدير في سويسرا - جميع إنتاجها المتجه إلى الولايات المتحدة إلى هناك، فإن النمو الاقتصادي التراكمي السويسري على مدى 5 سنوات سينخفض من 10 في المائة إلى 7.7 في المائة.

وأضاف مينش أن سويسرا أصغر من أن تستوعب مبلغ 200 مليار دولار، لكنها تمتلك تاريخاً طويلاً في الاستثمار بالخارج، وقد ساعدت هذه الاستثمارات أيضاً في تأمين فرص عمل داخل البلاد.


حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
TT

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل، وذلك وسط توقعات متزايدة بأن يقدم البنك على رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وقال وزير إنعاش الاقتصاد مينورو كيووتشي إن الحكومة «تأمل أن يواصل بنك اليابان إدارة السياسة النقدية بالشكل المناسب لتحقيق استقرار التضخم عند 2 في المائة، بالتعاون الوثيق مع الحكومة»، مضيفاً أن قرار رفع الفائدة وآلياته أمر يعود للبنك المركزي وحده.

وفي مؤتمر منفصل، أعرب كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيّهارا عن قلق طوكيو من التحركات السريعة من جانب واحد في سوق العملات، خصوصاً مع تراجع الين لمستويات قرب 155 للدولار. وقال كيّهارا: «نراقب السوق عن كثب، ومستعدون لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد التحركات المفرطة أو غير المنتظمة، بما في ذلك سلوكيات المضاربة». وتأتي تلك التصريحات في حين يقترب بنك اليابان من إنهاء مرحلة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض بعد عقود من السياسات التيسيرية.

وفي تحليل نشرته «رويترز»، أفاد مسؤولون بأن رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي بدأت تنتهج خطاباً أكثر حذراً تجاه الأسواق بعد ارتفاع حاد في عوائد السندات اليابانية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ 2007. وخلال اجتماع مع فريقها الاقتصادي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضت وزيرة المالية ساتسوكي كاتاياما على تاكايتشي مخططاً يوضح تسارع عمليات بيع السندات وارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما جعل تعبيرات رئيسة الوزراء «أكثر جدية»، وفق مصدر مطّلع. وتاكايتشي، التي تُعد من ورثة «أبينوميكس»، تواجه تحدياً كبيراً في تمويل خطتها التحفيزية البالغة 137 مليار دولار، والمعتمدة في جزء كبير منها على إصدار ديون جديدة. وتحاول رئيسة الوزراء تهدئة الأسواق، نافية أن تواجه اليابان سيناريو مشابهاً لـ«صدمة تراس» في بريطانيا عام 2022، التي شهدت انهيار السندات والإطاحة بالحكومة على خلفية تمويل خطط إنفاق غير ممولة.

وتكشف التحليلات أن تراجع مشتريات بنك اليابان وشركات التأمين المحلية يضع عبئاً كبيراً على سوق السندات؛ إذ تشير تقديرات بنك أوف أميركا إلى أن صافي المعروض سيرتفع بـ11 تريليون ين إضافية في 2026. وقال مدير محافظ في طوكيو: «خطة تاكايتشي تعتمد على نمو اقتصادي قوي... لكن إذا لم يتحقق هذا النمو، فلن يبقى إلا جبل الديون». كما بدأ بعض المستثمرين بالرهان على مزيد من انخفاض الين وارتفاع عوائد السندات، بسبب التوقعات برفع الفائدة قريباً.

من جانبه، قال محافظ بنك اليابان كازو أويدا إن هناك «عدم يقين» بشأن المستوى المناسب لرفع الفائدة مستقبلاً، لافتاً إلى أن المعدل الطبيعي (الحيادي) في اليابان يتراوح بين 1 في المائة و2.5 في المائة. ومن المتوقع أن يصبح مؤتمر أويدا الصحافي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحدث الأكثر أهمية للأسواق، مع محاولة المستثمرين استشراف مسار التشديد النقدي في 2026.


الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)

يواصل الاقتصاد اليوناني مسار التعافي بثبات، بعدما سجل نمواً بنسبة 0.6 في المائة في الربع الثالث من 2025 مقارنة بالربع السابق، مدفوعاً بارتفاع الاستثمارات وتحسن الاستهلاك المحلي، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن هيئة الإحصاء اليونانية يوم الجمعة.

وجرى تعديل نمو الربع الثاني بالخفض إلى 0.4 في المائة، إلا أن الربع الثالث أظهر ديناميكية أقوى في القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية، في مؤشر على استمرار زخم النمو رغم الضغوط التي تواجه الاقتصاد الأوروبي عموماً.

وأظهرت البيانات المعدلة موسمياً ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي النهائي بنسبة 0.6 في المائة، حيث ارتفع استهلاك الأسر بنسبة 1.2 في المائة، وزاد إنفاق القطاع الحكومي بنسبة 2.3 في المائة. ويعكس هذا الاتجاه تحسناً في ثقة المستهلكين، وتوسّعاً في الطلب المحلي، وهو عامل أساسي في اقتصاد يعتمد على الاستهلاك والسياحة.

وسجّل إجمالي تكوين رأس المال الثابت، وهو مؤشر رئيسي لقياس الاستثمار في الأصول طويلة الأجل، مثل المنشآت والبنية التحتية، ارتفاعاً لافتاً بلغ 3.5 في المائة، مقارنة بالربع السابق. ويأتي هذا التحسن في إطار سعي أثينا إلى جذب مزيد من الاستثمارات المدعومة بإصلاحات هيكلية وبرامج تمويل أوروبية ضمن خطة التعافي من آثار الجائحة.

كما سجّلت الصادرات، وخدمات السياحة التي تُعد ركيزة مهمة للدخل القومي، ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.2 في المائة. وفي حين تراجعت الواردات إجمالاً بنسبة 1.6 في المائة، وكانت الواردات السلعية الأكثر تأثراً بتراجع بلغ 2.3 في المائة، فقد ارتفعت واردات الخدمات 1 في المائة. وساهم تراجع الواردات في تخفيف الضغط على الميزان التجاري خلال الربع الثالث.

وفي تطور لافت يعزز صورة التعافي الاقتصادي، انخفض معدل البطالة في اليونان خلال الربع الثالث إلى 8.2 في المائة، مقارنة بـ8.6 في المائة في الربع الثاني، وفق بيانات هيئة الإحصاء الصادرة يوم الخميس. وحسب الأرقام، فقد بلغت البطالة بين النساء 10.6 في المائة مقابل 6.2 في المائة للرجال. وكان ما يقرب من 59 في المائة من العاطلين عن العمل هم من العاطلين لفترات طويلة (12 شهراً فأكثر). ويمثل هذا المعدل الأدنى للبطالة منذ أكثر من عقد، في بلد كان قد سجّل معدلات بطالة تجاوزت 27 في المائة خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربته قبل سنوات.

وتعتمد اليونان في نموها على مزيج من نشاط السياحة القوي وارتفاع الاستهلاك المحلي وتحسّن الاستثمارات المرتبطة بخطة التعافي الأوروبية، إضافة إلى إصلاحات مالية وهيكلية دعمت ثقة المستثمرين. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، بما في ذلك ارتفاع الأسعار، وتكاليف الاقتراض الأوروبية، واستمرار حساسية الاقتصاد تجاه أي تباطؤ في قطاع السياحة... لكن بيانات الربع الثالث تعطي انطباعاً بأن اليونان تسير بثبات نحو تعزيز نموها الاقتصادي بعد سنوات من التقشف والأزمات.