في حفل يعدّ الأول لها في بيروت، أحيت الفنانة الفرنسية، اللبنانية الأصل، يارا واكيم لابيدوس، أمسية غنائية في «مترو المدينة».
يارا التي تعدّ هذه الخطوة بمثابة حلم وحققته، قدّمت مجموعة من أغانيها المعروفة، واستهلتها بواحدة تحكي فيها عن مدينة صور الجنوبية مسقط رأسها. واختارت أخرى مشهورة كأغنيتي «يا ماما» و«اللي». ومن كتاب «النبي» لجبران خليل جبران استوحت أغنيتها «روكينغ شير». وتحكي فيها عن الحياة ومصاعبها.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» تشير يارا لابيدوس، التي لا تزال تجيد العربية رغم هجرتها عن لبنان منذ سنوات طويلة: «هذا الحفل يعني لي الكثير. فلبنان مهد طفولتي ومرقد ذكرياتي. ومسيرتي ترتكز على وطني الحبيب. وأشعر من دونه كأنني خسرت نصفي».

ترى يارا لابيدوس أن لبنان يزخر بمواهب فنية عديدة، وأنها في الحفل الذي أحيته رغبت في أن تترك بصمتها الفنية على الساحة.
سبق ووقفت يارا لابيدوس على أهم مسارح باريس والعالم، من بينها في البرازيل وأميركا. نجاحاتها ملأت الدنيا وشكّلت أغانيها اكتشافاً لجمهور آمن بموهبتها. وتسألها «الشرق الأوسط» عن سبب تأخرها في القيام بهذه الخطوة. «هذا التأخير تسببت به ظروف عدة. وعندما تلقيت العرض لإقامة الحفل لم أتردد. وجاء ذلك بعد أن وردني اتصال من متعهدة حفلات ونشاطات فنية تدعى وفاء خشن. فهي عندما سمعت أغنيتي (اللي) أحبتها كثيراً. وكونها من مدينة صور مسقط رأسي تحمست أكثر».
خلال الحفل قدّمت يارا أكثر من تحية لبلدها. فأدّت أغنيتها «قومي يا بيروت». وغنّت لفيروز «بكتب اسمك يا حبيبي»، ورافقها على الخشبة فريق من العازفين وبينهم اثنان من لبنان. فهي شاءت أن تطعّم حفلها بالموسيقى الشرقية. وخصصت لعازف الكمان طارق خوري مساحة ليبرز موهبته التي أعجبت بها. وكذلك قدّمت أغنية «أهواك» للراحل عبد الحليم حافظ.
اللافت هو أن يارا لديها القدرة على كتابة أشعارها بالعربية. فالهجرة لم تنسها أصولها وجذورها. وتعلّق: «أحياناً تفوتني أثناء أحاديثي بالعربية كلمات أو عبارات معينة. ولكن خلال الكتابة يخرج قلمي بسلاسة وهو أمر أستغربه كثيراً. تخرج الكلمات مني بعفوية كبيرة. وأعتقد أن هذا هو سرّ تعلّق الجمهور بأغنياتي، لأنها صادقة وعفوية تخرج من القلب».

وعما إذا تفكّر بتلوين مشوارها بتعاون مع ملحنين لبنانيين تقول: «آفاقي واسعة لا حدود لها. كنت أنوي التعاون مع الراحل زياد الرحباني، لكن تواصلنا معاً كان يشوبه مرات كثيرة بعد المسافات فتنقطع الاتصالات. أتطلّع إلى الشرق من باب واسع، وأتمنى العمل مع ملحنين لبنانيين. سبق وقمت بذلك مع بشار مار خليفة في أغنية (يا ماما)».
ترى بالموسيقى مساحات شاسعة لا حدود لها. وتعدّ الشرقية منها رائعة، خاصة أنها اليوم تلاقي انتشاراً واسعاً. وماذا عن الأغاني اللبنانية التي تستمع إليها؟ «لا زلت حتى اليوم أستمع إلى أغاني فيروز، فهي تمثّل كل ذكرياتي وحنيني إلى لبنان. وأحياناً أختار أغنية للراحلة أم كلثوم، وكذلك أحب ماجدة الرومي. لا أقوم بأي جهد للاطلاع على أعمال فنانين معاصرين وحديثين. حتى في هوايتي للقراءة أختار الأشعار والكتب القديمة. أعتبر أن كل ما هو قديم يخاطبني بشكل مباشر ويحيي ذكرياتي. وربما علي الاجتهاد لأواكب كل جديد على الساحة الفنية اللبنانية».
وصفت يارا لابيدوس أولى لحظات حفلها في بيروت بالصعبة. «شعرت وكأني أريد أن أغمر الجمهور وأحضن لبنان. ومن ثم تفاعل الجمهور بالصالة معي. وهو ما أسهم في إحيائي حفلاً مليئاً بمشاعر الحب».
وترى لابيدوس أن كل ذكرياتها استعادتها عند وقوفها على المسرح في بيروت. «إن هذا البلد أحببته جداً، ولكنني تركته بطريقة لا تليق بهذا الحب. يومها هربت خوفاً منه لأني عشت لحظات حرب مرعبة. اليوم ومن خلال هذا الحفل أشعر وكأني تصالحت معه إلى الأبد».
تجاوزت يارا لابيدوس صعوبات كثيرة في حياتها. ومن بينها تعرّضها لحادثة تسببت لها بشلل في يدها. فاضطرت لأن تقلب الصفحة تماماً. تركت عملها في تصميم الأزياء لتتفرّغ للغناء. «لعب زوجي أوليفييه لابيدوس دوراً هاماً في دعمي وتشجيعي. وأصرّ علي لتحقيق حلمي الفني ودخول مجال الغناء. وبالفعل استجمعت قوتي وانطلقت في مشواري الغنائي. فدائماً أشعر بأني قوية ومتفائلة».
وتشير إلى أنها حتى عندما كتبت أغنية عن الموت، حاكتها مع لمسة من الفانتازيا. فبرأيها الموت يلتصق بالحياة. فخاطبته بأسلوبها المتفائل ووصفته تقول: «بكرا لما بموت لا تبكي يا بنّوت ويللا ع بيروت».
ولكن من أين تستمد قوّتها؟ تجاوب بسرعة: «من والدتي فهي مثالي الأعلى وملهمتي. إنها على فكرة، تشبه الممثلة صوفيا لورين، وأتصورها دائماً بفستان السهرة الطويل تتحضّر للخروج مع والدي في لبنان. لقد تعلمت منها الصلابة والتفاؤل. ولا أنسى بعد تعرضها لوعكة صحية طرحتها الفراش بعد عملية عسيرة، كيف استقبلتني وأخي بابتسامة عريضة. في تلك اللحظة أدركت أني سأكون مثلها تماماً. وسيكون الرجاء رفيقي دائماً وأبداً».
وتعد يارا كل ما عاشته من حرب في لبنان زادها صلابة أيضاً. «أحياناً عندما أرى أحدهم في فرنسا يخاف من عتمة المترو، أو من انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ. أضحك بصورة لاشعورية لأني قادرة على تجاوز الصعوبات. فبلدي زادني صلابة».
وتتحدث يارا لابيدوس عن الدور الذي لعبه زوجها مصمم الأزياء أباً عن جد أوليفييه تيد لابيدوس. «لقد كان داعمي الأول لدخول مجال الغناء. وأصرّ على ذلك بعد الحادث الذي تعرضت له وأصاب يدي بالشلل».









