ليبيون يطالبون بإخضاع سجون العاصمة للحكومة بعيداً عن الميليشيات

بعد خلاف «الوحدة» مع «جهاز الردع»

حقوقيون وأعضاء بـ«مجلس الدولة» في زيارة سابقة لسجن معيتيقة بطرابلس (المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان)
حقوقيون وأعضاء بـ«مجلس الدولة» في زيارة سابقة لسجن معيتيقة بطرابلس (المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان)
TT

ليبيون يطالبون بإخضاع سجون العاصمة للحكومة بعيداً عن الميليشيات

حقوقيون وأعضاء بـ«مجلس الدولة» في زيارة سابقة لسجن معيتيقة بطرابلس (المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان)
حقوقيون وأعضاء بـ«مجلس الدولة» في زيارة سابقة لسجن معيتيقة بطرابلس (المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان)

طالب سياسيون وحقوقيون ليبيون بإخضاع سجون العاصمة طرابلس كافة إلى سلطة حكومة «الوحدة الوطنية»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بعيداً عن الميليشيات المسلحة، وذلك عقب تشكيل الأخير لجنة لتسلّم سجني معيتيقة وعين زارة وحصر نزلائهما، بعد الاتفاق بين حكومته و«جهاز الردع»، الذي يعد من أبرز التشكيلات المسلحة بالعاصمة.

تساؤلات مشروعة

توقع الناشط الحقوقي الليبي، طارق لملوم، أن تطال الانتقادات حكومة «الوحدة» إذا ما اقتصر عمل اللجنة على سجنَي معيتيقة وعين زارة فقط. وتساءل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عما إذا كان القرار سيشمل سجن (الكتيبة 55 مشاة) في ورشفانة، التي يقودها معمر الضاوي، حليف الدبيبة.

وزاد لملوم من تساؤلاته قائلاً: «هل سيمتد قرار الدبيبة إلى سجون التشكيلات بمدينة مصراتة، أو سجن (المايا) غرب العاصمة؟ وهل سيمتد أيضاً إلى السجون ومراكز احتجاز المهاجرين غير النظاميين التابعة لوزارة الدفاع وجهاز حرس الحدود؟».

ويقرن لملوم تكليف الدبيبة بإعداد هذه اللجنة في سياق صراعه الراهن مع «جهاز الردع»، رغم توصلهما قبل أسابيع إلى اتفاق تهدئة برعاية تركيا، نص على انسحاب قوات «الردع» من مطار معيتيقة، وتسليم السجن القريب منه إلى وزارة العدل. ورأى أن الدبيبة يسعى «لتجريد هذا الجهاز من أدوات نفوذه الأمنية، وفي مقدمتها السجون، خشية تجنيد نزلائها في صفوفه؛ كما أن مراجعة ملفات السجناء قد تكشف عن انتهاكات وقعت خلال سنوات سيطرة (الردع)، بما يفتح الباب أمام تعاون أوثق من جانبه مع المحكمة الجنائية الدولية».

وكانت منظمة العفو الدولية قد وثّقت انتهاكات وصفتها بـ«المروعة» في سجن معيتيقة، شملت «التعذيب والقتل غير المشروع والإخفاء القسري»، وانتقدت «غياب المساءلة المحلية لقادة الميليشيات المتنفذين».

كما أبرز تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش» أن وزارة العدل في الحكومات الليبية المتعاقبة تمارس «سيطرة اسمية فقط على بعض السجون»، التي يقدر عددها بنحو 15 سجناً في عموم البلاد، بينما «تدير ميليشيات وأجهزة أمنية مرافق أخرى في ظروف غير إنسانية، من الاكتظاظ وسوء التغذية إلى انتشار الأمراض».

«اتفاق هش»

رغم وصفه تشكيل لجنة تضم في عضويتها مسؤولين من النيابة العامة ووزارة العدل لتسلّم سجني معيتيقة وعين زارة بأنه «خطوة إيجابية أولى»، ربط المستشار القانوني الليبي، هشام الحاراتي، نجاحها «بجدية التنفيذ واستمرارية الرقابة القضائية، وانتقال كل السجون إلى سلطة الدولة».

وأوضح الحاراتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مراجعة ملفات السجناء تحت إشراف مباشر للقضاء يمكن أن تكون بداية إصلاح حقيقي لملف السجون، إلا أنه أشار إلى «عدم إمكانية تجاهل السياق السياسي، واحتمال توظيف هذا الملف في صراعات النفوذ، خصوصاً بين حكومة الدبيبة وقيادات (الردع)». معتبراً أن «التحدي الحقيقي يكمن حالياً في تحويل هذه الخطوة من مجرد إجراء سياسي إلى مسار إصلاحي ممنهج وشامل».

أما مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، أشريف عبد الله، فقلّل من التعويل على الخطوة، مذكّراً بأن «اتفاق التهدئة بين (الوحدة) و(الردع) هش، ولم تُكشف كل بنوده وتوقيت تنفيذها بوضوح، مما ينبئ بتفجّر الكثير من الإشكاليات عند التطبيق».

وانتقد عبد الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إدراج مصير السجناء في صفقات تفاوضية بين أطراف متنازعة، وانتقال إدارتها من تشكيل مسلح إلى آخر تثار حوله أيضاً الشبهات بشأن الانتهاكات، مؤكداً أن المرجعية الوحيدة «يجب أن تكون للقضاء في الإشراف والرقابة على السجون».

ووصف عبد الله ملف السجون بـ«الكارثي»، نظراً «لتشابك الأبعاد القانونية والسياسية والأمنية فيه، في ظل تغلغل نفوذ قادة الميليشيات غرب البلاد، وخضوع سجون الشرق والجنوب للقيادة العامة للجيش الوطني». مشيراً إلى «خطورة أن يظل مصير مقاتلي (داعش) المحتجزين في معيتيقة غامضاً؛ إذ لا أحد يعرف بدقة عددهم أو جنسياتهم، سوى قادة (الردع)؛ ومَن تعاونوا معهم من أجهزة مخابرات أجنبية»، كما لا يعرف أحد عدد نزلاء سجون أخرى سيطر عليها «الردع» بالعاصمة، مثل «الجديدة» و«الرويمي» و«عين زارة».

من جانبها رأت أستاذة القانون بجامعة بنغازي وعضوة اللجنة الاستشارية الأممية، جازية شعيتير، أن أي إصلاح حقيقي بهذا الملف «يتطلب خطة استراتيجية تشترك فيها كل مؤسسات الدولة، وأن يتم التعامل معه كجزء من مسار العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، لا مجرد هدف مستقل». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن ينظر إلى هذا التحرك كآلية لتعزيز النسيج المجتمعي قبل الذهاب إلى الانتخابات».

وبالنظر إلى ما مرت به ليبيا منذ 2011 من صراعات وانقسامات، رأت شعيتير أنه من «غير المنصف مقارنة أوضاع أي قطاع خدمي في ليبيا، سواء تعليم أو صحة أو سجون، بالمعايير الحقوقية الدولية».


مقالات ذات صلة

«الوحدة» الليبية تتابع ملف الهيشري الموقوف لدى «الجنائية الدولية»

شمال افريقيا الهيشري القيادي في «جهاز الردع» الليبي خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية الأربعاء (المحكمة)

«الوحدة» الليبية تتابع ملف الهيشري الموقوف لدى «الجنائية الدولية»

قالت سفارة ليبيا في هولندا إن «القسم القنصلي سينظم زيارات دورية للمحتجز الهيشري، ضمن اختصاصاته ومسؤولياته القنصلية تجاه المواطنين الليبيين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

تيتيه تتهم الزعماء الليبيين بـ«التقاعس» عن تنفيذ «خريطة الطريق»

اتهمت هانا تيتيه، أصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين في ليبيا بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري أشاد بزيارته الأخيرة إلى الجزائر للمشاركة في أعمال الآلية الثلاثية حول ليبيا (إ.ب.أ)

الجزائر ومصر تؤكدان «دعمهما الكامل» لمسار الحل الليبي - الليبي

تبادل وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج بدر عبد العاطي مع نظيره الجزائري أحمد عطاف، الرؤى حول الأزمة الليبية، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صالح خلال اجتماعه بمسؤولين فرنسيين في باريس (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

ليبيا: هل يدفع فشل اجتماع صالح وتكالة تيتيه إلى تبنّي «خيارات بديلة»؟

تزامن فشل «اجتماع باريس» بين صالح وتكالة واللافي للمرة الأولى مع إحاطة هانا تيتيه، المبعوثة الأممية، أمام مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السياسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا من حفل توقيع اتفاق بين «الجيش الوطني» الليبي والجيش الباكستاني (القيادة العامة)

تعاون حفتر والجيش الباكستاني يثير قلقاً داخل ليبيا

أثمرت زيارة قائد الجيش الباكستاني، الفريق أول عاصم منير، إلى بنغازي توقيع اتفاقية تعاون مشترك مع الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر، الأمر الذي أثار قلقاً ليبياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)

ضمن مساعٍ مصرية لتعزيز تعاونها الأفريقي، شددت مصر والكونغو على «تعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية». كما أكدت القاهرة وبرازافيل «استمرار التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية».

جاء ذلك خلال محادثات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع وزير خارجية جمهورية الكونغو، جون كلود جاكوسو، تناولت «سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب التنسيق والتشاور حول القضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك».

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، أكد عبد العاطي «أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الكونغو وزيادة حجم التبادل التجاري بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة»، مشدداً على «مواصلة تطوير التعاون في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال التدريب وبناء القدرات».

وأشار إلى «حرص مصر على دعم التعاون الاقتصادي مع جمهورية الكونغو، خصوصاً في مجالات الاستثمار والتجارة»، لافتاً إلى اهتمام الشركات المصرية ذات الخبرات الكبيرة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والنقل والتشييد بالمشاركة في المشروعات التنموية، مجدداً التأكيد على أهمية تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وتذليل العقبات أمام حركة التبادل التجاري.

وتوافقت مصر والكونغو على «تعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية»، وذلك خلال زيارة عبد العاطي إلى الكونغو ولقاء الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نجيسو، في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الكونغولي خلال استقبال وزير الخارجية المصري في الكونغو مارس الماضي (الخارجية المصرية)

وقدّم عبد العاطي حينها رسالة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره الكونغولي تناولت «التطورات الإيجابية التي تشهدها علاقات البلدين»، إلى جانب التأكيد على «اتخاذ مزيد من الخطوات لدفع مجالات التعاون الثنائي».

كما توافقت رؤى مصر والكونغو حينها في العديد من ملفات الأوضاع الإقليمية، لا سيما التطورات في مناطق «البحيرات العظمى والساحل والقرن الأفريقي»، وتوافق البلدان أيضاً على ضرورة «الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان والصومال».

وفيما يتعلق بالتعاون الإقليمي ومتعدد الأطراف، أكد وزير الخارجية المصري، السبت، أهمية التنسيق والتشاور المشترك إزاء مختلف القضايا الأفريقية، ولا سيما ما يتعلق بملف الإصلاح المؤسسي لأجهزة الاتحاد الأفريقي، باعتباره ركيزة أساسية لتطوير كفاءة عمل تلك الأجهزة وتمكينها من الاضطلاع بمهامها على النحو الأمثل، مع التأكيد على «ضرورة أن تتم عملية الإصلاح بصورة منهجية وتدريجية وواضحة، وعلى أساس من الشمولية ومشاركة جميع الدول الأعضاء في مسار الإصلاح».

وزير الخارجية المصري يلتقي نظيره الكونغولي في القاهرة السبت لبحث تعزيز التعاون الثنائي (الخارجية المصرية)

وحسب «الخارجية المصرية»، السبت، شهد لقاء الوزير عبد العاطي ونظيره الكونغولي تبادلاً للرؤى حول أبرز القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الأوضاع في منطقتي الساحل والبحيرات العظمى، حيث أكد الجانبان «التزامهما بمواصلة التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز التعاون في مجالات التنمية والأمن، بما يدعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة».

وكانت القاهرة وبرازافيل قد توافقتا خلال محادثات الرئيس الكونغولي مع وزير الخارجية المصري في مارس الماضي على أهمية «تعزيز التعاون في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والتنموية»، وأشارت وزارة الخارجية المصرية حينها إلى «تطلع الشركات المصرية لزيادة استثماراتها بالسوق الكونغولية في مجالات البنية التحتية والطاقة والموارد المائية والزراعة والدواء».


تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
TT

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

اتَّهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحابَ المصلحة السياسيين الرئيسيين في هذا البلد بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

وأشارت تيتيه خلال تقديم إحاطتها، أمس، أمام أعضاء مجلس الأمن، إلى أنَّ الجهود مع الجهات الليبية المعنية بخصوص تنفيذ «خريطة الطريق» تمثل «تحدياً كبيراً»، لا سيما لجهة إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، والنظر في التعديلات المقترحة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات. كما أكدت أنَّ الجهود المتواصلة مع لجنتَي المناصب السيادية في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة «لم تُفضِ حتى الآن إلى إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات». ورأت تيتيه أنَّ «التأخيرات دليل على انعدام الثقة بين المؤسستين».


سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

أحيا مدنيون سودانيون ذكرى ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أسقطت نظام التيار الإسلامي، بوقفات احتجاجية في عدد من مدن البلاد، وإسفيرية (عبر الفضاء الإلكتروني/ الإنترنت)، طالبوا خلالها بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وفي غضون ذلك، أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على بلدة «برنو» القريبة من مدينة «كادوقلي» عاصمة ولاية جنوب كردفان، وعززت انتشارها في المنطقة التي كان الجيش قد استعاد سيطرته عليها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وفي وقت تضيق فيه الحرب المجال العام، أحيا ناشطون سودانيون ذكرى انطلاق ثورة ديسمبر، بدعوات لمواكب ووقفات احتجاجية، و«تظاهرات إسفيرية» على منصات التواصل، جددوا خلالها دعوتهم لوقف الحرب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي. وعلى الأرض، تداول ناشطون وتنسيقيات مرتبطة بـ«لجان المقاومة» منشورات تعبئة وتوثيق رمزي للذكرى.

بوستر نشر على موقع «فيسبوك» احتفالاً بذكرى ثورة 19 ديسمبر

وفي مدينة أم درمان، فرقت الشرطة بالغاز المسيل للدموع مئات الشباب الذين تجمعوا في بعض ميادين المدينة، وهتفوا بشعارات ديسمبر «حرية وسلام وعدالة»، و«العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني.

وقال شاهد تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن العشرات من لجان المقاومة تجمعوا في «ميدان الخليفة» بوسط أم درمان، وهتفوا بشعار الثورة «سلمية... سلمية... حرية وسلام وعدالة... الثورة خيار الشعب»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وإن الشرطة تصدت لهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات، فيما طاردت الشرطة مجموعات أخرى بساحة «الأزهري» قرب جسر شمبات.

تظاهرات في بورتسودان

وفي بورتسودان خرج العشرات من المحتجين ورفعوا لافتات طالبوا فيها بوقف الحرب، فيما ألقت الشرطة القبض على عدد من المحتجين في ولاية القضارف طالبوا بوقف الحرب. وبالتوازي مع ذلك، حضرت الذكرى على الإنترنت، وروجت مجموعات وصفحات متعددة لـ«تظاهرة إسفيرية»، وسط دعوات للنشر بالوسوم والشعارات، تؤكد أن الحرب استهدفت مكتسبات الثورة، واعتبرت إحياء ذكراها، تجديداً للتمسك بخيار الدولة المدنية وعودة العسكر للثكنات.

واعتبرت الاحتجاجات تحدياً لحملات القمع والتخوين التي يشنها أنصار النظام السابق والإسلاميون، وقال نشطاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الوقفات الاحتجاجية المحدودة التي خرجت في بعض أنحاء البلاد، تعتبر تحدياً مباشراً لمناخ القمع والترهيب الذي يستهدف الرافضين للحرب والأصوات المدنية، وحملات التخوين والتنمر، والاتهامات بالتعاون مع «قوات الدعم السريع».

نموذج للدعوات للتظاهر والاحتجاج لإحياء ذكرى 19 ديسمبر

ويوافق يوم 19 ديسمبر تاريخ انطلاق موجة احتجاجات ديسمبر التي بدأت في 19 ديسمبر 2018 بمدينة عطبرة باحتجاجات طلابية على الغلاء وارتفاع أسعار الخبز، ثم تحولت لثورة شاملة في أنحاء البلاد كافة، انتهت بسقوط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وأصبحت بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ذكرى سنوية تستحضر مطالب السودانيين: «حرية، وسلام، وعدالة، الثورة خيار الشعب».

معارك كردفان

قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن قواتها حققت الجمعة، انتصارات ميدانية مهمة، في بلدة «برنو» التابعة لمحلية الريف الشمالي الشرقي بولاية جنوب كردفان، بعد معارك شرسة. وأوضحت أن الجيش هاجم مواقعها القريبة من بلدة «برنو» بالمدفعية الثقيلة والمدرعات، فتصدت له قواتها المرابطة قريباً من البلدة، وألحقت به هزيمة كبيرة، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ثم تقدمت وبسطت سيطرتها الكاملة على المنطقة ودخلت وسط «برنو»، وارتكزت في محيطها، معززة انتشارها وتأمين مواقعها الحيوية.

وتقع منطقة «برنو» بولاية جنوب كردفان السودانية، وهي منطقة زراعية مهمة تبعد عن عاصمة الولاية بنحو 30 كيلومتراً، وكان الجيش قد سيطر على البلدة بعد اشتباكات عنيفة مع «قوات الدعم السريع» وحليفته الحركة الشعبية - الشمال، 17 نوفمبر الماضي.

حصار مدن كردفان

وتحاصر «قوات الدعم السريع» وحليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان تيار عبد العزيز الحلو، معظم مدن ولاية جنوب كردفان المهمة، بما فيها العاصمة «كادوقلي» والمدينة الثانية في الولاية «الدلنج»، فيما تسيطر الحركة الشعبية على منطقة «كاودا» جنوب شرقي العاصمة كادوقلي، وتبعد عنها بنحو 96 كيلومتراً في جهة الجنوب الشرقي.

ومنذ استيلاء «قوات الدعم السريع» على الفرقة 22 بابنوسة (ولاية غرب كردفان)، كثفت «قوات الدعم السريع» حصارها على ولاية جنوب كردفان، ودأبت على قصف مدنها الرئيسية المحاصرة، بالمدفعية الثقيلة والمسيّرات، خاصة مدينتي كادوقلي والدلنج، ويرد الجيش هو الآخر بقصف مدفعي وقصف المسيّرات على تمركزات «قوات الدعم السريع».

وخلال هذا الأسبوع، واصلت «قوات الدعم السريع» شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على عدة مدن وبلدات في ولايتي شمال وجنوب كردفان، خاصة مدن كادوقلي والدلنج والأبيض، لقي خلالها العشرات مصرعهم، من بينهم 6 من جنود قوات الأمم المتحدة في بعثة حفظ السلام «يونيسفا». وقصفت مسيّرات «الدعم السريع»، الخميس، مدينة «عطبرة» بشمال السودان، بأعداد كبيرة من المسيّرات الانتحارية، أودت بحياة خمسة أشخاص على الأقل، واستهدفت محطة الكهرباء بالمدينة، ما أدى لانقطاع التيار من عدد من ولايات البلاد.