من اعتصام السرير وصولاً إلى قوافل غزة... فنانون بمواجهة قرونٍ من الحروب

TT

من اعتصام السرير وصولاً إلى قوافل غزة... فنانون بمواجهة قرونٍ من الحروب

تشابلن وساراندون وبيكاسو ولينون... فنانون ضد الحرب (أ.ب – رويترز – أ.ف.ب)
تشابلن وساراندون وبيكاسو ولينون... فنانون ضد الحرب (أ.ب – رويترز – أ.ف.ب)

مع مرور سنتَين على المجزرة الإسرائيلية المتواصلة في غزة، تتصاعد أصوات الفنانين العالميين اعتراضاً على ما يُرتكب من جرائم ضد الإنسانية على أرض القطاع. أكثر من أي وقت، يتجنّد الممثلون والموسيقيون والكتّاب والرسّامون لرفع صوتٍ جامع، ويتّخذون خطواتٍ عمليّة كأن يوقّعوا على عرائض تلتزم بمقاطعة المؤسسات الثقافية الإسرائيلية.

قبل شهر، أبحرت الممثلة الأميركية الفائزة بجائزة أوسكار سوزان ساراندون، على متن إحدى سفن «أسطول الصمود العالمي» المتجهة من برشلونة إلى غزة. وسط تهديدات إسرائيل بمنع وصول الأسطول، تواصل الممثلة الأميركية ورفاق الرحلة طريقهم في مسعى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى أهل القطاع.

الممثلة سوزان ساراندون تستعد للانطلاق ضمن قافلة الصمود إلى غزة (فيسبوك)

من جانبهم، وقّع الممثلون خواكين فينيكس، وإيما ستون، وخافيير بارديم و4000 من زملائهم على عريضة تلتزم بمقاطعة هيئات السينما الإسرائيلية. لحقَ بهم أكثر من 400 موسيقيّ أطلقوا حملة «لا موسيقى للإبادة الجماعيّة». وقد استتبع الموسيقيون خطوتهم تلك بوقف بثّ أغانيهم داخل إسرائيل، ومن بينهم فريق «ماسيف أتاك» والمغنية بيورك.

أمّا المغنية البريطانية دوا ليبا فقد طردت وكيل أعمالها بعد توقيعه على عريضة تدعو إلى استبعاد إحدى الفرق الموسيقية الداعمة لفلسطين عن مهرجان غلاستونبري.

علم فلسطين في صدارة حفل فريق Massive Attack البريطاني العام الماضي (إكس)

«في السرير من أجل السلام»

إذا كانت الموسيقى مرسال حبٍ وسلام، فإنه من البديهيّ أن يجاهر الملحّنون والمغنّون بعَدائهم للعنف والحرب. ولعلّ أبرز مَن حمل مشعل السلام من خلال موسيقاه ومواقفه، مؤسّس ومغنّي فريق «بيتلز» البريطاني جون لينون.

في نهاية الستينات وبالتزامن مع استعار حرب فيتنام، بدأ خطاب لينون يركّز على السلام. كان الفنان على مشارف الثلاثين من العمر، وقد اكتفى من الشهرة متطلّعاً إلى العمق الإنساني، لا سيّما بعد انفراط عقد الفريق الغنائي الأسطوري.

لم يكتفِ بالغناء من أجل السلام في Imagine، وWar is Over بل أطلق، إلى جانب زوجته يوكو أونو، حملة مناهضة للحرب. اعتصما لفترة أسبوعَين داخل السرير في فندقَين في أمستردام ومونتريال أمام عدسات الصحافة، ضمن حركة عُرفت بـ«في السرير من أجل السلام». وخلال ذلك الاعتصام الخارج عن المألوف، سجّل لينون أغنية Give Peace a Chance (أعطوا السلام فرصة)، والتي أصبحت نشيداً في المظاهرات الداعية لوقف حرب فيتنام، علماً بأن عدداً من تلك التحرّكات كان مموّلاً منه شخصياً.

اعتصام «في السرير من أجل السلام» بمبادرة من جون لينون وزوجته يوكو أونو (إ.ب.أ)

ديلان ضد «أسياد الحرب»

من بين الفنانين العالميين الذين لم يكتفوا بالغناء من أجل الشهرة والجماهيريّة والمال، بوب ديلان. منذ بداية مسيرته، التزم المغنّي الأميركي قضية مناهضة الحرب. كان في مطلع العشرينات من عمره عندما غنّى Masters of War (أسياد الحرب)، وذلك تزامناً مع الحرب الباردة وحرب فيتنام. انتقد في تلك الأغنية «مَن يتسبّبون بإطلاق النار ثم يجلسون ويتفرّجون على ارتفاع أعداد الضحايا». تلك الأغنية، وسواها ممّا أصدرَ ديلان خلال مسيرته، تحوّلت إلى شعاراتٍ ضد الحرب والأسلحة النووية، وهي ما زالت تواكب كل تحرّك عالمي مناهض للحروب أينما دارت.

تشابلن خرج عن صمته

في وقتٍ يتردّد عدد كبير من نجوم هوليوود حالياً في اتخاذ موقفٍ من الحرب على غزة، خوفاً ربما من عقابٍ مهني أو شعبي، جاهرَ كبار الشاشة الفضية عبر التاريخ بعدائهم للعنف المسلّح. هكذا فعل أسطورة السينما الصامتة تشارلي تشابلن خلال الحرب العالمية الثانية.

خارج الشاشة، قدّم الممثل البريطاني نفسه كمدافع عن الحرية والسلام، ومعارضاً شرساً للفاشيّة. وفي فيلم The Great Dictator (الديكتاتور العظيم) عام 1940، أطلق موقفاً صارخاً دخل تاريخ السينما. بأسلوبه الكوميدي الساخر، خرج تشابلن عن صمته المعهود ليختتم الفيلم بخطاب مناهض للحرب. أدان تشابلن الفاشية ودعا إلى عالم موحّد ديمقراطي خالٍ من الجشع والكراهية. النداء المؤثّر امتدّ 4 دقائق وانتقد بشكلٍ مباشر الاستبداد، وقد حمّله تشابلن لشخصيته في الفيلم الحلّاق اليهودي «هينكل».

آلة كيوبريك المناهضة للحرب

من بين السينمائيين الذين جنّدوا أعمالهم رفضاً للحرب وأسلحة الدمار الشامل، المخرج الأميركي ستانلي كيوبريك. خصّص أفلاماً مثل Paths of Glory (مسارات المجد – 1957)، وDr. Strangelove (دكتور سترينجلوف – 1964)، وFull Metal Jacket (سترة معدنية كاملة – 1987) للتعبير عن معارضته للآلة العسكرية ولعبثيّة الحرب ومجازرها، منتقداً الدوافع السياسية التي تؤدّي إلى موت الجنود والمدنيين. ولم ينحصر انتقاد كيوبريك بحرب واحدة، بل شمل الحرب العالمية الأولى، والحرب الباردة، وحرب فيتنام.

المخرج الأميركي ستانلي كيوبريك خلال تصوير أحد أفلامه عام 1975 (أ.ب)

رسم في خدمة السلام

شكّل الرسم كذلك أداة تعبيرٍ فني ضد الحرب. في مطلع القرن التاسع عشر، خصّص الرسّام الإسباني فرانشيسكو غويا 80 لوحة لتصوير فظائع ما ارتُكب خلال الاجتياح الفرنسي لإسبانيا والبرتغال. عُرفت بحرب شبه الجزيرة واستمرت من 1807 حتى 1814.

في زمنٍ لم تكن فيه الصورة ولا الفيديو شاهداً على المآسي، وثّق غويا كل ما عاين من خلال سلسلة لوحات بعنوان «كوارث الحرب». بدل أن يرسم الانتصارات والمعارك على غرار ما كان يفعل الرسّامون في تلك الآونة، ركّز غويا على الضحايا وعلى بشاعة الحرب. وهو يُعتبر من أول الفنانين الذين أدانوا العنف من خلال فنّهم.

المقاومة الإسبانية لجيوش نابليون في إحدى لوحات فرانشيسكو غويا (ويكيبيديا)

مثله فعل بابلو بيكاسو الذي تحوّلت لوحته الشهيرة Guernica (غيرنيكا) إلى رمز عالميّ ضدّ أهوال الحرب. رسمَها الفنان الإسباني عام 1937 مستلهماً تفاصيلها من القصف الجوي العنيف الذي تعرضت له بلدة غرنيكا الإسبانية من قِبَل القوى الألمانية النازية، والإيطالية الفاشية خلال الحرب الأهلية الإسبانية.

رغم أسلوبها التجريدي السريالي ولونَيها الأسود والأبيض تماهياً مع صفحات الصحف، فإن هذه اللوحة ما زالت حتى اليوم بمثابة صرخة ضدّ كل الحروب، أينما حلّت.

Guernica لبابلو بيكاسو إحدى أهم اللوحات المناهضة للحروب (أ.ف.ب)

من بين أبرز الأدباء الذين أخذوا موقفاً ضد الحرب، الروائية البريطانية فرجينيا وولف، لا سيما في كتابها Three Guineas (ثلاث جنيهات – 1938)، والمفكّران الروسي ليو تولستوي والألماني برتولت برشت.


مقالات ذات صلة

باع له مخدراً تسبب بوفاته... الحكم على طبيب الممثل ماثيو بيري بالسجن 30 شهراً

يوميات الشرق نجم مسلسل «فريندز» التلفزيوني الراحل ماثيو بيري (رويترز)

باع له مخدراً تسبب بوفاته... الحكم على طبيب الممثل ماثيو بيري بالسجن 30 شهراً

حُكم، أمس (الأربعاء)، على الطبيب الذي غذى إدمان نجم مسلسل «فريندز» التلفزيوني ماثيو بيري الذي توفي بسبب جرعة زائدة من الكيتامين في أكتوبر 2023.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق البابا ليو مصافحاً الممثلة كيت بلانشيت خلال زيارتها الفاتيكان مع وفد فني (رويترز)

الفاتيكان محجّة الفنانين... والبابا ليو ذوّاقة سينما وثقافة

البابا ليو يفتح أبواب الفاتيكان أمام فنّاني هوليوود ويشاركهم قائمة بأفلامه المفضّلة، محذّراً من أن مستقبل السينما في خطر.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق عادت شيرين كرامة إلى السينما بعد غياب بفيلم «كلب ساكن» (الشركة المنتجة)

شيرين كرامة: علم النفس قادني إلى عمق شخصية «عايدة» في «كلب ساكن»

وَقْع الجائزة كان أعمق من مجرّد فوز. فهو بالنسبة إليها حدث رمزي يمسّ جذوراً شخصية لا تنفصل عنها...

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق الممثل الأميركي كيفن سبيسي يحمل جائزة بعد تكريمه في إيطاليا (أرشيفية - رويترز)

بعد 7 سنوات من اتهامه بالتحرش... كيفن سبيسي «بلا مأوى»

بعد سبع سنوات من فضيحة اعتداء جنسي هزت مسيرته المهنية، كشف كيفن سبيسي أنه بلا مأوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل الأسترالي هيو جاكمان يحضر حفل توزيع جوائز في لوس أنجليس بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

هيو جاكمان: الموسيقى «شافية» وساعدتني في تجاوز الأوقات العصيبة

احتفل نجم هوليوود هيو جاكمان جاكمان مساء أمس الأربعاء في العاصمة الألمانية برلين بالعرض الأوروبي الأول لفيلمه الموسيقي «سونغ سانغ بلو».

«الشرق الأوسط» (برلين)

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
TT

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

في لحظة يصعب نسيانها، ظهر النجم الأميركي فين ديزل، وهو يدفع الأسطورة البريطانية مايكل كين على كرسيه المتحرّك فوق خشبة مسرح حفل افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، مساء الخميس، في مشهد بدا كأنه يُلخّص روح دورة خامسة تجمع بين شغف السينما وامتنانها لرموزها، وبين حضور دولي يُرسّخ جدة منصةً تلتقي فيها قصص نجوم «هوليوود» و«بوليوود» والعالم العربي.

وقف ديزل على المسرح لتقديم الجائزة التكريمية، قائلاً: «هذه الليلة مميّزة بالنسبة إليّ، لأنني أقدّم جائزة لشخص تعرفونه جميعاً بأنه من أفضل الممثلين الذين عاشوا على الإطلاق... مايكل كين يملك من الكاريزما ما يفوق ما لدى معظم نجوم هوليوود». أمّا كين، الذي بلغ التسعين من عمره، فصعد إلى المسرح بدعم 3 من أحفاده، وقال مازحاً: «أتيتُ لأتسلم جائزة، ولا يفاجئني ذلك... فقد فزت بأوسكارين».

مايكل كين متأثّراً خلال كلمته على المسرح (إدارة المهرجان)

كان ذلك المشهد الشرارة التي أعطت مساء الافتتاح طابعاً مختلفاً؛ إذ لم تكن الدورة الخامسة مجرّد احتفاء بفنّ السينما، وإنما إعلان عن نقلة نوعية في موقع السعودية داخل الخريطة العالمية، حيث تتقاطع الأضواء مع الطموح السينمائي، ويتحوَّل الافتتاح من استقطاب للنجوم وعروض الأفلام، إلى قراءة لصناعة تتشكَّل أمام العالم.

وانضم إلى مايكل كين في قائمة النجوم المكرّمين لهذا العام: سيغورني ويفر، وجولييت بينوش، ورشيد بوشارب، وستانلي تونغ، فيما استمرَّت أسماء عالمية في التوافد إلى جدة في اليومين الماضيين، من بينهم جيسيكا ألبا، وأدريان برودي، ودارين أرونوفسكي، والمخرجة كوثر بن هنية.

وينسجم ذلك مع كلمة وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، خلال الحفل، بأنّ المهرجان أصبح منصةً تعكس التحوّل الكبير الذي يشهده القطاع الثقافي في المملكة، ويُظهر دور الشباب في تشكيل مشهد سينمائي ينسجم مع طموحات «رؤية 2030»، مشيراً إلى أنّ الثقافة تُعد إحدى أقوى أدوات التأثير عالمياً.

حشد سينمائي عالمي كبير في الحفل (إدارة المهرجان)

السعودية... بدايات هوليوود

ومثل عادة المهرجانات، اتّجهت الأنظار نحو السجادة الحمراء، فامتلأت «الريد كاربت» الواقعة في منطقة البلد التاريخية بطيف نادر من نجوم السينما العالمية؛ من داكوتا جونسون، وآنا دي أرماس، ورئيس لجنة التحكيم شون بيكر وأعضاء اللجنة رض أحمد، وناعومي هاريس، ونادين لبكي، وأولغا كوريلنكو، إضافة إلى كوين لطيفة، ونينا دوبريف؛ اللتين شاركتا في جلسات حوارية مُعمَّقة قبل الافتتاح.

وخلال الحفل، أكد رئيس لجنة التحكيم شون بيكر، أنه متحمّس جداً للحضور في السعودية، التي شبَّهها بـ«هوليوود في أيامها الأولى»، مضيفاً: «بينما نُقاتل للحفاظ على دور العرض في الولايات المتحدة، افتُتِحت هنا مئات الصالات خلال 5 سنوات، لتصبح السعودية أسرع أسواق شباك التذاكر نمواً في العالم. ما يحدث هنا مُلهم ودافئ للقلب».

رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد (إدارة المهرجان)

من جهتها، تحدَّثت رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي»، جمانا الراشد، عن أثر المؤسّسة خلال السنوات الخمس الماضية، قائلة: «لقد بنينا بهدوء ما كان كثيرون يرونه مستحيلاً: منظومة تمنح صنّاع الأفلام من آسيا وأفريقيا والعالم العربي القدرة على القيادة». وأشارت إلى أنّ 7 أفلام دعمها «صندوق البحر الأحمر» اختارتها بلدانها لتمثيلها في «الأوسكار»، وهو دليل على أثر الصندوق الذي دعم أكثر من 130 مشروعاً خلال 5 سنوات فقط. وأوضحت أنّ الدورة الخامسة تضم هذا العام 111 فيلماً من أكثر من 70 دولة، وتسلّط الضوء على 38 مُخرجة، مؤكدة أنّ حضور المرأة في هذه الدورة يُسهم في إعادة تعريف حدود السرد السينمائي، ويشكّل جزءاً أساسياً من روح المهرجان.

«العملاق»... فيلم الافتتاح

وفي نهاية الحفل، بدأ عرض فيلم الافتتاح «العملاق» للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، وهو عمل يستعيد سيرة الملاكم البريطاني - اليمني الأصل نسيم حمد «برنس ناز»، والفيلم من إنتاج سيلفستر ستالون، ويقدّم فيه الممثل المصري - البريطاني أمير المصري أهم أدواره حتى الآن، بينما يلعب بيرس بروسنان دور المدرّب الذي شكّل مسيرة ناز.

ورغم أنّ السِّير الرياضية مألوفة في السينما العالمية، فإنّ اختيار هذا الفيلم تحديداً يحمل دلالة ضمنية؛ فهو عن شاب صنع مساراً لم يكن موجوداً، وعَبَر حدود التصوّرات الطبقية والثقافية ليصنع له مكاناً يُشبهه. بما يُشبه إلى حد كبير قصة الصناعة السينمائية المحلّية التي تُحاول إعادة تعريف صورتها أمام العالم، وتبني حضورها من نقطة البدايات، بمزيج من الحلم والهوية والإصرار، لتصل اليوم إلى مرحلة النضج في دورة تحتفي بشعار «في حبّ السينما»، وتحمل معها 10 أيام من عروض وتجارب تُعيد إلى الفنّ السابع قدرته الأولى على الدهشة.


ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».