مخاوف من تصاعد استهداف قيادات عسكرية وأمنية في ليبيا

بعد التعرف على جثة قيادي بجهاز الأمن الداخلي قُتل بطرابلس

الدبيبة يعزي أسرة القيادي العسكري الليبي علي الرياني في أبريل الماضي (مكتب الدبيبة)
الدبيبة يعزي أسرة القيادي العسكري الليبي علي الرياني في أبريل الماضي (مكتب الدبيبة)
TT

مخاوف من تصاعد استهداف قيادات عسكرية وأمنية في ليبيا

الدبيبة يعزي أسرة القيادي العسكري الليبي علي الرياني في أبريل الماضي (مكتب الدبيبة)
الدبيبة يعزي أسرة القيادي العسكري الليبي علي الرياني في أبريل الماضي (مكتب الدبيبة)

تنتاب قوى سياسية وأمنية في ليبيا بعض المخاوف من «تصاعد استهداف» قيادات أمنية وعسكرية، على خلفية توصّل السلطات في العاصمة طرابلس إلى معرفة هوية جثة عُثر عليها قبل 3 أشهر، وتبين أنها للضابط بجهاز الأمن الداخلي، محمد القمودي، الذي كان قد خُطف قبل 5 سنوات.

ويرى وزير الداخلية الليبي الأسبق عاشور شوايل، أن واقعة تصفية العميد القمودي وحوادث أخرى مشابهة «تعكس وجود شبهة تعمُّد في استهداف ضباط أمن وعسكريين». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «هؤلاء الضباط غالباً يملكون معلومات حساسة تجعلهم هدفاً لقوى تسعى إلى إسكاتهم، أو منعهم من كشف ما لديهم».

قوات من الشرطة التابعة لحكومة «الوحدة» في شوارع طرابلس بغرب ليبيا (وزارة الداخلية)

ولم يتبين حتى الآن الطرف الذي يقف وراء اغتيال القمودي الذي خُطف قبل 5 سنوات، وعُثر على جثمانه بـ«مستشفى الخضراء» في أبو سليم في 13 مايو (أيار) الماضي، في أثناء اشتباكات بين قوات حكومة «الوحدة» المؤقتة، ومجموعة مسلحة كانت تسيطر على المستشفى.

والكشف الرسمي عن مصير القمودي يذكِّر بحوادث غامضة أخرى أبرزها الإعلان عن مقتل الضابط بجهاز الأمن الخارجي الرائد سليمان بالعروق في جنزور غرب العاصمة في أبريل (نيسان) الماضي، وفق تقارير إعلامية محلية آنذاك، وهو ما تتخوف منه قوى سياسية واجتماعية.

والملاحَظ أن الرائد بالعروق تعرّض - وفقاً لوسائل إعلام محلية - لتصفية جسدية برصاص مسلحين لا يزالون مجهولين حتى الآن، دون أي بيان حكومي رسمي... وهذه الواقعة جاءت متزامنة مع اغتيال العميد علي الرياني، ضابط هندسة الصواريخ، خلال «عملية سطو» على منزله، وفق مصادر حكومية.

ولا يزال الغموض يلف ملابسات الجهة التي تقف وراء واقعة خطف للقيادي بالاستخبارات مصطفى الوحيشي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

ويسلط شوايل الضوء على أن العاصمة طرابلس، كغيرها من مدن ليبية، «بيئة خصبة لنمو المجموعات المسلحة التي تعيش على اقتصاد السلاح»، محذراً من أن هذه المجموعات «تتحكم في مسار السياسة والسلطة».

عنصران من قوة إنفاذ القانون التابعة لوزارة الداخلية بغرب ليبيا 26 أغسطس 2025 (وزارة الداخلية)

ولم يستبعد الوزير الليبي السابق فرضية وجود «أصابع إرهابية لخلايا (داعش) تقف وراء هذه الحوادث»، لكنه رأى أيضاً أن «خطر هذه التنظيمات تراجع مقارنة بالسنوات السابقة».

ولا يختلف هذا التقييم كثيراً عن تقديرات تقرير لمعهد «تشاتام هاوس» في فبراير (شباط) الماضي، بأن «مجموعات مسلحة تستفيد من وصولها إلى المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجيستي، لتعزيز سيطرتها على طرق الهجرة وربما توسيع عمليات التهريب التي تنفذها».

وفق هذا التقدير، يرى الباحث في «تشاتام هاوس» أن «الصراع على السيطرة في البلاد غالباً ما يتجلى في عمليات اغتيال واستهداف مدروس، وأعمال ترهيب، بدلاً من اندلاع مواجهة شاملة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث هو بمثابة حرب خفية للهيمنة على المجال الاستخباراتي».

ويستحضر ليبيون - في إطار هذه المخاوف - واقعة وفاة اللواء عبد القادر التهامي، رئيس جهاز الاستخبارات السابق، عام 2020، والتي كان «المجلس الرئاسي» السابق قد تحدث حينها عن إصابته بسكتة قلبية، وسط تداول تقارير إعلامية محلية عن تعرضه لوعكة صحية مفاجئة بعد اعتقاله؛ ما أثار تساؤلات حول ملابسات وفاته.

ميليشيات «جهاز الردع» في ليبيا (أرشيفية)

وفي هذا السياق، لم يستبعد مصدر ليبي مطَّلع، أن يكون اغتيال واختطاف الضباط ضمن أهداف محتملة «لشبكات تهريب البشر والأسلحة». وأيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الرؤية القائلة إن هذه الشبكات «تنظر إلى جهاز المخابرات بوصفه تهديداً مباشراً لمصالحها».

ومن بين التفسيرات الأخرى لاستهداف هؤلاء الضباط الأمنيين والعسكريين «التدخلات الخارجية»، وهي رؤية يتبناها رئيس تجمع «تكنوقراط ليبيا» أشرف بلها، الذي وصفها في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنها «جرائم إخفاء قسري شهدت تصاعداً ملحوظاً، وهي موثقة، وتشكل انتهاكاً يخضع للملاحقة محلياً ودولياً».

ولا يعني تباعد المسافات الزمنية أن هذه الحوادث «محض مصادفة»، وفق بلها، الذي يرى أن «بعض ضباط الاستخبارات كانوا مكلفين بملفات شائكة تعود إلى حقبة نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، مثل قضية إخفاء الإمام موسى الصدر، وتفجير لوكيربي، ودور ليبيا في تمويل وتسليح منظمات عربية وأجنبية».

وقائع الخطف والاغتيالات لرجال أمن وعسكريين، وهي غير متزامنة، ترسّخ الاعتقاد لدى فريق من المحللين بأن ليبيا أصبحت «ساحة صراع على المعلومات والنفوذ»، حيث تتقاطع مصالح الميليشيات والجريمة المنظمة مع حسابات إقليمية ودولية.

ميليشيات مسلّحة في طرابلس (متداولة)

في هذا السياق، رأى الباحث الليبي فيصل أبو الرايقة أن هذه الاغتيالات «ضمن سلسلة اغتيالات تستهدف قادة أمنيين، تنفذها جهات محلية وخارجية عبر شبكات معقدة من التحالفات السرية، بهدف تقويض الدولة وإفشال جهود بنائها».

وفي ليبيا التي تعاني انقساماً سياسياً وأمنياً حاداً، وغياب مؤسسات دولة موحدة ومتماسكة، تظل هوية مرتكبي هذه الجرائم معلقة، بانتظار نتائج التحقيقات. ويحذر شوايل من احتمال «ازدياد وتيرة الاغتيالات ما لم يواجه هذا الواقع بآلية ردع فعالة وقضاء نزيه»، مشيراً إلى أن «غياب المساءلة يشجع على تكرار هذه الجرائم».


مقالات ذات صلة

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

شمال افريقيا صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

دخل المشهد السياسي الليبي مرحلة جديدة من التصعيد والتجاذب بعد الجدل الذي أثاره إقرار البرلمان زيادة مرتبات العسكريين بنسبة 150 % وهي خطوة قوبلت بمعارضة

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة لحكمين قضائيين بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى مصراتة.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)

«شلل ليلي» مستمر في طرابلس على وقع الاحتجاجات... و«الوحدة» تغض الطرف

تواصل لليوم الثالث مشهد «الشلل الليلي» في بعض أحياء العاصمة الليبية طرابلس على وقع احتجاجات مناهضة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

عاشت العاصمة الليبية طرابلس ليلة جديدة على صفيح ساخن، مع تجدُّد موجة احتجاجات غاضبة ضد حكومة «الوحدة» المؤقتة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

أُقيمت في العاصمة الليبية طرابلس، السبت، مراسم تأبين رسمية وعسكرية مهيبة لرئيس أركان قوات حكومة «الوحدة» (المؤقتة)، محمد الحداد، ومرافقيه.

خالد محمود (القاهرة )

مجلس الوزراء السوداني يجيز «موازنة 2026 الطارئة» ويصفها بـ«المعجزة»

 مجلس الوزراء السوداني عقد أمس جلسته برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس (سونا)
مجلس الوزراء السوداني عقد أمس جلسته برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس (سونا)
TT

مجلس الوزراء السوداني يجيز «موازنة 2026 الطارئة» ويصفها بـ«المعجزة»

 مجلس الوزراء السوداني عقد أمس جلسته برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس (سونا)
مجلس الوزراء السوداني عقد أمس جلسته برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس (سونا)

وصف رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس، مشروع الموازنة الطارئة للعام المالي 2026، التي أقراها مجلس الوزراء يوم أمس (الثلاثاء)، بـ«المعجزة»

مشيداً بضبط وزارة المالية الإنفاق وحسن إدارة موارد الدولة وزيادة الإيرادات في ظل ظروف استثنائية.

وأشار رئيس الوزراء السوداني إلى أن «المعجزة» الأولى هي توقع الموازنة بتحقيق معدل نمو في الناتج المحلي الاجمالي بحوالي 9 في المائة، والثانية خفض متوسط معدل التضخم خلال العام 2026 إلى 65 في المائة.

وأوضح وزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم، أن الموازنة تشمل تحسين الأجور وتوفير وظائف في مداخل الخدمة، مشيراً إلى اعتماد توسيع قاعدة الإيرادات على التوسع الأفقي وعدم تحميل المواطن اي أعباء ضريبية جديدة، كما تستهدف الموازنة خفض متوسط معدل التضخم خلال العام 2026 الى 65 في المائة مقارنة بمعدل 101.9 في المائة للعام 2025.

وأبان إبراهيم، أن الموازنة تركز على إصلاح المالية العامة بترتيب أولويات الصرف المحددة والإنفاق العام، وتوفير احتياجات القوات والأجهزة النظامية، ومقابلة الإحتياجات الأساسية للوزارات والوحدات الحكومية، إضافة إلى تحسين أوضاع النازحين واللاجئين السودانيين بدول الجوار ومقابلة تكاليف توفير المساعدات الإنسانية لهم .

وأوضح وزير المالية، أن أداء موازنة العام 2025 جاء فوق التوقعات رغم استمرار تحديات الحرب، حيث حققت الايرادات العامة نسبة اداء 147 في المائة، واستمر الصرف على الاحتياجات الحتمية، مشيراً إلى أن الموازنة التزمت بتهيئة البيئة المناسبة للعودة للخرطوم وتأهيل مطار الخرطوم.


تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر

علم تونس (رويترز)
علم تونس (رويترز)
TT

تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر

علم تونس (رويترز)
علم تونس (رويترز)

مددت تونس حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهر تبدأ مطلع شهر يناير (كانون الثاني) المقبل حتى يوم 30 من الشهر نفسه.

ونشر قرار التمديد من قبل الرئيس قيس سعيد في الجريدة الرسمية. وكان آخر تمديد شمل عام 2025 بأكمله.

ويستمر بذلك سريان حالة الطوارئ في البلاد لأكثر من عشر سنوات، منذ التفجير الإرهابي الذي استهدف حافلة للأمن الرئاسي وسط العاصمة يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، وأدى إلى مقتل 12 عنصراً أمنياً ومنفذ الهجوم الذي تبناه تنظيم «داعش».


«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
TT

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

وقالت المنظمة، في بيانٍ نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، إن مسحاً حديثاً أظهر أن أكثر من نصف الأطفال الذين جرى تقييمهم في محلية أم برو بالولاية يعانون سوء التغذية الحادّ، «في ظل استمرار القتال وقيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة».

ووفقاً للمسح، الذي أجرته «اليونيسف»، في الفترة بين 19 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يعاني واحد من بين كل ستة أطفال من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تُودي بحياة الطفل في غضون أسابيع إذا لم يجرِ علاجها.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل إن «كل يوم يمر دون وصول آمن ودون عوائق يزيد خطر ضعف الأطفال ومزيد من الوفيات والمعاناة من أسباب يمكن الوقاية منها تماماً».

ودعت «اليونيسف» كل الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وحضّت المجتمع الدولي - بما يشمل الدول التي لها نفوذ على أطراف الصراع - على تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي، بشكل عاجل، لضمان الاتفاق على هدنة إنسانية واحترامها.

وتابعت المنظمة: «دون هدنة إنسانية يمكن التنبؤ بها واحترامها، لن يكون بوسع عمال الإغاثة إيصال الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية وخدمات الحماية بأمان، ويستمر الأطفال في دفع الثمن الأكبر».