إسرائيل تواصل الضغط على مدينة غزة... انفجارات مدمِّرة ونزوح مستمر

الاعترافات بالدولة الفلسطينية لا تُنهي أهوال الحرب

فلسطينيون نازحون من شمال قطاع غزة بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية وأوامر الإخلاء التي يصدرها الاحتلال للسكان في مدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون نازحون من شمال قطاع غزة بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية وأوامر الإخلاء التي يصدرها الاحتلال للسكان في مدينة غزة (رويترز)
TT

إسرائيل تواصل الضغط على مدينة غزة... انفجارات مدمِّرة ونزوح مستمر

فلسطينيون نازحون من شمال قطاع غزة بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية وأوامر الإخلاء التي يصدرها الاحتلال للسكان في مدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون نازحون من شمال قطاع غزة بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية وأوامر الإخلاء التي يصدرها الاحتلال للسكان في مدينة غزة (رويترز)

توغل الجيش الإسرائيلي بشكل أكبر في المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في مدينة غزة اليوم (الثلاثاء)، في تذكير مؤلم لسكان غزة بأن اعتراف قوى غربية بدولة فلسطينية لا يعني نهاية أهوال الحرب.

وواصلت إسرائيل هجومها على غزة بعد يوم واحد من اجتماع العشرات من قادة العالم في الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية، في تحول دبلوماسي تاريخي، رغم أن هذا التحول يواجه مقاومة شرسة من إسرائيل وحليفتها الوثيقة الولايات المتحدة.

وقال مسعفون إن أربعة أشخاص على الأقل قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية على مبنى سكني في مدينة غزة، حيث أصدرت إسرائيل إنذارات للمدنيين بالإخلاء باتجاه جنوب قطاع غزة مع تقدم دباباتها.

فلسطينيون يتجمعون لدى دفن أحبائهم الذي قُتلوا بنيران إسرائيلية في ساحة مستشفى الشفا بمدينة غزة لعدم قدرتهم على نقلهم إلى مقبرة بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية (رويترز)

انفجارات تدمر المنازل والطرق

قالت هدى، وهي أُم لطفلين من مدينة غزة: «إحنا مش صامدين، إحنا يائسين وما حدا بيساعدنا، إحنا ما معنا فلوس ندفع ثمن النزوح للجنوب، وكمان ما في أي ضمانات عنّا إنه إذا نزحنا ما يقصفونا الإسرائيليين هناك».

وأضافت لـ«رويترز» عبر تطبيق للتراسل: «الأطفال طول الوقت بيرجفوا من صوت الانفجارات واحنا متلهم، الإسرائيليين بيمسحوا في مدينة عمرها آلاف السنين والعالم قاعد بيحتفل في اعتراف رمزي بدولة (فلسطين) بس هادا مش راح يوقف قتلنا».

وفجَّرت القوات الإسرائيلية مركبات مفخخة في حيي الصبرة وتل الهوى مع تقدم الدبابات بشكل كبير نحو الجانب الغربي من مدينة غزة. وقال سكان إن الانفجارات دمرت عشرات المنازل والطرق.

وذكرت السلطات المحلية أن ثلاثة مستشفيات خرجت من الخدمة، أمس (الاثنين)، بسبب الهجوم البري الإسرائيلي على مدينة غزة، مما أدى إلى إضعاف المنظومة الصحية وحرمان السكان من الرعاية الطبية.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر نظمته فرنسا والسعودية، أمس، اعتراف باريس بدولة فلسطينية، في خطوة يُمكن أن ترفع معنويات الفلسطينيين، لكنها ليست كافية فيما يبدو لإحداث تغيير كبير على أرض الواقع.

وعبَّرت إسرائيل عن قلقها من أن هذه الخطوة ستضر بفرص إيجاد حل سلمي للصراع.

حل الدولتين

حل الدولتين هو حجر الأساس لعملية السلام التي دعمتها الولايات المتحدة والتي انطلقت باتفاقات أوسلو المبرمة عام 1993، لكنَّ هذه العملية واجهت عقبات كبيرة من الطرفين وتكاد تنتهي تماماً.

ولم تُعقد مفاوضات حول حل الدولتين منذ عام 2014.

وأعلنت أكثر الحكومات اليمينية تطرفاً في إسرائيل منذ إعلان قيامها أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية، في الوقت الذي تمضي فيه قدماً في حربها على حركة «حماس» في قطاع غزة منذ الهجوم الذي قادته الحركة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص.

وتواجه إسرائيل تنديداً عالمياً نتيجة عملياتها العسكرية في غزة، التي تقول سلطات الصحة في القطاع إنها أسفرت عن مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني.

ومع ذلك، بدأت إسرائيل هجوماً برياً على مدينة غزة مع وجود فرص ضئيلة لوقف إطلاق النار، وتطالب بأن تسلم حركة «حماس» آخر الرهائن الذين احتجزتهم في الهجوم على إسرائيل عام 2023.

وقال أبو مصطفى، بعد ساعات من فراره من منزله في مدينة غزة لأن الدبابات الإسرائيلية كانت قريبة منه: «يعني إحنا هلقيت قاعدين بيتم قتلنا كمواطنين دولة فلسطين؟ هل هذا اللي صار؟».

وأضاف: «هاي الدول اللي فجأة تذكرت إنه فلسطين محتلة نسيت إنه غزة بيتم مسحها، إحنا بدنا الحرب تنتهي، بدنا المذبحة اللي بتصير فينا تتوقف، هاد الشي اللي بدنا ايّاه الآن فوراً مش الإعلانات».

ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الانتقادات العالمية للحملة العسكرية وكذلك العزلة المتزايدة التي تواجهها إسرائيل، وقال إن الحرب لن تتوقف حتى يتم القضاء على «حماس».

لكنه لم يضع خطة لإدارة غزة بعد الحرب، التي دمرت أغلب القطاع.

نازحون فلسطينيون وأمتعتهم فوق شاحنات تتجه من شمال قطاع غزة إلى جنوبه (رويترز)

كلمة ترمب

يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قادةً ومسؤولين من عدة دول ذات أغلبية مسلمة، اليوم (الثلاثاء)، لمناقشة الوضع في قطاع غزة، الذي يشهد أزمة إنسانية تشمل انتشار الجوع على نطاق واسع.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، أمس، إن ترمب سيعقد اجتماعاً متعدد الأطراف مع السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان. وقال مصدر مطلع إن الاجتماع سيتضمن بحث قضية غزة.

وذكر موقع «أكسيوس» أن ترمب سيقدم للمجموعة مقترحاً للسلام ولإدارة غزة بعد الحرب.

وأضاف الموقع أن واشنطن ترغب في أن توافق الدول العربية والإسلامية على إرسال قوات عسكرية إلى غزة لتمكين الانسحاب الإسرائيلي وتأمين التمويل اللازم للمرحلة الانتقالية وبرامج إعادة الإعمار.

يحمل الرجل الفلسطيني محمد سكر جثمان ابنة أخته ليان سكر (4 سنوات) التي قُتلت في غارات إسرائيلية على منازل بمخيم الشاطئ للاجئين وسط عملية عسكرية إسرائيلية بمدينة غزة (رويترز)

وفي فبراير (شباط)، اقترح ترمب سيطرة الولايات المتحدة على غزة وتهجير الفلسطينيين من هناك بشكل دائم. ووصف خبراء حقوقيون والأمم المتحدة ذلك بأنه اقتراح «تطهير عرقي»، إذ يُعد التهجير القسري غير قانوني بموجب القانون الدولي. وصوّر ترمب الخطة على أنها فكرة لإعادة التنمية.

وسيدلي ترمب بكلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الثلاثاء).


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: ندعو لدخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لغزة

المشرق العربي أطفال ينتظرون الحصول على نصيبهم من الطعام بمخيم النصيرات في غزة (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: ندعو لدخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لغزة

رحب مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأحد، بالتقدم الذي أُحْرِزَ بشأن المجاعة في غزة، لكنه أوضح أن هذا التقدم لا يزال هشاً للغاية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية سيدات فلسطينيات أمام جنود إسرائيليين يعتقلون مواطنين في مخيم نور شمس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تقرير: إسرائيل تسمح للآلاف من جنود الاحتياط بالاحتفاظ ببنادق في منازلهم

يستعدّ الجيش الإسرائيلي لتسليح نحو 10 آلاف جندي احتياطي من الفرقة 96 ببنادق طويلة تُحفظ في منازلهم على مدار العام

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال اجتماع سابق (أرشيف - رويترز)

تقرير: اليونان تدرس إرسال مهندسين إلى غزة ضمن المرحلة الثانية من خطة ترمب

ذكرت قناة «إن 12» الإخبارية الإسرائيلية، يوم السبت، أن اليونان تدرس إرسال مهندسين إلى قطاع غزة ضمن المرحلة الثانية من اتفاق ترمب لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
المشرق العربي والدة أحمد زيود خلال تشييع جثمانه خلال جنازته قرب جنين في الضفة الغربية اليوم (أ.ب)

مقتل 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلي على شرق مدينة غزة

قُتل ثلاثة فلسطينيين، صباح اليوم الأحد، في قصف إسرائيلي استهدف حي الشجاعية شرق مدينة غزة، فيما قتل فتى وشاب برصاص الجيش الإسرائيلي في واقعتين منفصلتين بالضفة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترمب في دار المستشارية في برلين (إ.ب.أ) play-circle

الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا تدعو إلى ضبط النفس في غزة

حضّت الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا الطرفين المعنيين بوقف إطلاق النار في غزة على الوفاء بالتزاماتهما وممارسة ضبط النفس.

«الشرق الأوسط» (ميامي)

انهيار مبانٍ على رؤوس قاطنيها... أحد جوانب حرب غزة القاتمة

عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل في خان يونس خلال عمليات البحث عن جثامين ضحايا الحرب على غزة يوم السبت (إ.ب.أ)
عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل في خان يونس خلال عمليات البحث عن جثامين ضحايا الحرب على غزة يوم السبت (إ.ب.أ)
TT

انهيار مبانٍ على رؤوس قاطنيها... أحد جوانب حرب غزة القاتمة

عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل في خان يونس خلال عمليات البحث عن جثامين ضحايا الحرب على غزة يوم السبت (إ.ب.أ)
عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل في خان يونس خلال عمليات البحث عن جثامين ضحايا الحرب على غزة يوم السبت (إ.ب.أ)

رغم أنها بنايات متضررة أو منهارة جزئياً، لم يجد كثير من الغزيين بُداً من العيش فيها، غير مكترثين لجدرانها الآيلة للسقوط، ولا جوانبها المهدمة، فهي في عيونهم أفضل من خيام مكدسة تتقاذفها الرياح، وتغرقها الأمطار، وتفتقر لأبسط مقومات الحياة الآمنة.

ومع شدة الريح وغزارة المطر الذي انهمر على القطاع أياماً، سقطت مبانٍ ومنازل على رؤوس قاطنيها؛ إذ انهار 20 مبنى ومنزلاً على الأقل في غضون 10 أيام؛ ما تَسَبَّبَ في وفاة أكثر من 15 فلسطينياً؛ وحذر المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة في حديث لـ«الشرق الأوسط» من تداعيات «المماطلة» في ملف إعادة الإعمار.

وفجر الأحد، انهارت بناية سكنية جديدة في حي الشيخ رضوان بشمال مدينة غزة؛ ما أدى لوفاة 5 فلسطينيين، هم رجل وزوجته وابنتاه وحفيدته التي كانت قد فقدت أباها وإخوتها في قصف إسرائيلي خلال الحرب. وتمكنت طواقم الدفاع المدني من إنقاذ 3 من أفراد العائلة من تحت أنقاض المبنى المتضرر جزئياً والذي كان مكوناً من عدة طوابق.

خلال الأيام العشرة الماضية، انهار في حي الشيخ رضوان وحده ما لا يقل عن 6 بنايات؛ بينما انهارت بنايات ومنازل أخرى جميعها في مدينة غزة، وغالبيتها في مناطقها الغربية والشمالية، مثل حي النصر، ومخيم الشاطئ، وكذلك حي تل الهوا.

عناصر الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل في خان يونس خلال عمليات البحث عن جثامين ضحايا الحرب على غزة (إ.ب.أ)

ويرجح مختصون أن تكون عمليات النسف، التي تنفذها القوات الإسرائيلية باستخدام عربات متفجرة في مناطق متفرقة من القطاع، أحد أسباب ازدياد وتيرة التصدعات والانهيارات، حيث تُوضع أطنان من المتفجرات داخل العربات قبل تفجيرها عن بُعد؛ ما يُحدث هزات قوية يمتد أثرها كيلومترات عديدة، وصلت في مرات إلى وسط إسرائيل.

وتستمر هذه العمليات على جانبي الخط الأصفر، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

مراكز الإيواء «خطرة»

يقول المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، محمود بصل، إن أكثر من 90 بناية سكنية تواجه خطر الانهيار بفعل تضررها الجزئي، مشيراً إلى أن تلك البنايات يقطنها آلاف من أهالي القطاع لا يجدون مأوى للعيش فيه.

وأشار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن طواقم مختصة من الجهاز وجهات أخرى أجرت جولات تفقدية واسعة، وطالبت سكان تلك البنايات بإخلائها، وحذرت قاطني مبانٍ أخرى من أنها قد تنهار في أي لحظة.

ولفت إلى أن الجهاز يعاني نقصاً حاداً في الإمكانات يعرقل قدرته على مساعدة السكان عند انهيار تلك المباني، خصوصاً مع اعتماده على أدوات بدائية في محاولات إنقاذ السكان وانتشالهم من تحت الأنقاض.

كما أشار إلى أن مراكز الإيواء تتعرض هي الأخرى للغرق نتيجة الأمطار الغزيرة، الأمر الذي يثير مخاوف النازحين فيها من احتمال انهيار أي أجزاء منها، لا سيما أن غالبيتها متضررة بالفعل.

ودعا إلى ضرورة العمل على إغاثة سكان القطاع، وتوفير الاحتياجات الطارئة وإدخال الكرافانات «تمهيداً لبدء عملية إعادة إعمار حقيقية»، محذراً من المماطلة في هذا الملف الذي قد يطول ويتسبب في سقوط مزيد من الضحايا.

كانت المديرية العامة للدفاع المدني قد ناشدت أهالي غزة إخلاء المباني والمنازل التي استهدفتها القوات الإسرائيلية سابقاً وصُنفت بأنها خطرة «غير صالحة للسكن». وأشارت في بيان إلى أن 22 منزلاً وبناية تعرضت لانهيارات جزئية أو كلية منذ بدء المنخفض الجوي بالقطاع في العاشر من الشهر الحالي؛ ما أسفر عن وفاة 18 شخصاً بينهم 4 لا يزالون مفقودين تحت الأنقاض، بينما ذكرت وزارة الداخلية أن عدد البنايات والمنازل بلغ 46.

خروقات متواصلة ومنظومة صحية متهاوية

يتزامن ذلك مع استمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار؛ إذ قتلت طائرة مسيرة 3 فلسطينيين في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، الأحد، بعد استهدافهم بقنبلة، بينما أصيب آخران بالرصاص، أحدهما بالحي نفسه، والآخر في جباليا البلد بشمال القطاع.

ويوم السبت، شيع فلسطينيون 7 قتلى من عائلة واحدة بعد أن أطلقت المدفعية الإسرائيلية قذيفتين تجاه مركز إيواء بحي التفاح شرق مدينة غزة، في أثناء احتفالهم بزفاف أحد أبناء العائلة.

خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على حفل زفاف في مركز إيواء للنازحين في غزة السبت (أ.ب)

وقُتل ما يزيد على 400 فلسطيني منذ العاشر من أكتوبر الماضي، بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، نتيجة الخروقات الإسرائيلية المستمرة.

وفي سياق الوضع الإنساني، قالت وزارة الصحة في غزة إن المنظومة الصحية تشهد «استنزافاً خطيراً وغير مسبوق بعد عامين من الحرب والحصار المطبق» أدى إلى انخفاض حاد في قدرتها على تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية وانخفاض في أرصدة الأدوية والمستهلكات الطبية والمواد المخبرية.

وبينت أن عدد الأصناف الصفرية من قائمة الأدوية الأساسية بلغ 321 صنفاً دوائياً وبنسبة عجز 52 في المائة، في حين بلغ عدد الأصناف الصفرية من قائمة المستهلكات الطبية 710 أصناف وبنسبة عجز 71 في المائة، بينما بلغت نسبة العجز في قوائم الفحوصات المخبرية وبنوك الدم 59 في المائة.

شاب يحتضن جثمان شقيقه البالغ من العمر 5 أشهر الذي قُتل مع آخرين من عائلته في قصف إسرائيلي استهدف مركز إيواء بمدينة غزة قبل تشييعه السبت (أ.ف.ب)

وقال علاء حلس مدير دائرة الصيدلة بوزارة الصحة بغزة في مؤتمر صحافي، الأحد، إن نسبة العجز من خدمة الطوارئ والعناية المركزة بلغت 38 في المائة «وقد يؤدي ذلك إلى حرمان 200 ألف مريض من خدمة الطوارئ، و100 ألف مريض من خدمة العمليات، و700 مريض في خدمة العناية المركزة».

وأضاف: «70 في المائة من أدوية خدمات الأورام غير متوفرة، وما يقدَّم من بروتوكولات علاجية لمرضى الأورام لا يمكن استكماله؛ ما يسبب انتكاسة في الحالات»، مؤكداً وفاة عدد من المرضى جراء نقص الأدوية.

ووجَّه حلس نداءً عاجلاً إلى جميع الجهات المعنية «لممارسة دورها الكامل» بما يضمن وصول الإمدادات الطبية ومقومات تقديم الرعاية الصحية.


جدل في العراق بعد شكر القضاء للفصائل المسلحة على «نزع السلاح»

رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)
رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)
TT

جدل في العراق بعد شكر القضاء للفصائل المسلحة على «نزع السلاح»

رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)
رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)

في خضم الحديث المتصاعد في العراق حول قبول بعض قادة الفصائل المسلحة بمبدأ «حصر السلاح بيد الدولة»، أثار البيان المقتضب الذي أصدره رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، وقدم فيه الشكر إلى قادة الفصائل لاستجابتهم لنزع السلاح، أسئلة وانتقادات من متابعين ومراقبين للشأن العراقي، كما أثار ردة فعل غاضبة من النائب الأميركي جو ولسن.

وقال مجلس القضاء الأعلى في بيان مقتضب، السبت، إن «رئيس مجلس القضاء الأعلى يشكر الأخوة قادة الفصائل على الاستجابة لنصيحته المقدّمة إليهم بخصوص التعاون معاً لفرض سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة والانتقال إلى العمل السياسي بعد انتفاء الحاجة الوطنية إلى العمل العسكري».

وتمحورت معظم الاعتراضات والنقاشات المحلية حول «الوظيفة الطبيعية للقضاء» التي، حسب المنتقدين، تقوم على تحقيق العدالة لا على «تقديم الشكر للخارجين عن القانون».

ويبدو أن اللغط والانتقادات التي رافقت البيان قد وصلت إلى مسامع مجلس القضاء، ودفعته إلى إصدار إيضاح يشرح الأمر مفصلاً.

وقال المجلس في إيضاح نشره على موقعه الرسمي، إن ما صدر عن القاضي زيدان «يعكس تأكيده ضرورة التزام جميع الأطراف بمسار سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة، توجهاً مؤسساتياً راسخاً ينسجم مع متطلبات بناء الدولة العراقية الحديثة».

وأضاف أن شكره لقادة الفصائل على استجابتهم لدعوته بالتعاون في هذا المسار يأتي «بوصفه تعبيراً عن مقاربة قانونية مسؤولة، لا تنطوي على أبعاد سياسية ظرفية، بل تستند إلى مرجعيات دستورية وتشريعية واضحة وملزمة».

رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأشار الإيضاح إلى أن الدستور العراقي ينص في المادة الخامسة على أن «السيادة للقانون»، كما «تؤكد المادة التاسعة منه حظر تكوين الميليشيات المسلحة خارج إطار الدولة»، الأمر الذي يجعل حصر السلاح بيدها «التزاماً دستورياً واجب النفاذ، لا خياراً سياسياً خاضعاً للتقدير».

ورأى المجلس أن دعوة رئيسه، فائق زيدان، «إلى الانتقال من منطق العمل المسلح إلى فضاء العمل السياسي المشروع تكتسب أهميتها الخاصة لصدورها عن السلطة القضائية المستقلة».

وخلص إلى القول إن «هذا التوجّه (الشكر) يؤسس لرؤية قانونية تهدف إلى ترسيخ سلطة الدولة وتعزيز الأمن والاستقرار، عبر إدماج جميع القوى الفاعلة ضمن الإطار الدستوري، وتكريس مبدأ حاسم مفاده أن القرار السيادي واحتكار استخدام القوة لا يكونان إلا بيد الدولة».

مع ذلك، لم يحل إيضاح القضاء دون استمرار الانتقادات وعلامات الاستفهام المحلية. وكتب الناشط السياسي موسى رحمة الله عبر صفحته في «فيسبوك» أن «القضاء مرجع محايد، وأي اشتراك له في محادثات مع أطراف مسلحة أو منتهكي القانون يفقده حياده ويضعه في موقع الانحياز».

وأضاف أن «القاضي لا يوجّه النصح إلى المخالف ولا يشاركه النقاش، بل يحاسبه وفق القانون. فلا يجوز إرشاد من يُفترض محاسبته، ولا فتح حوار مع من ينتهك حقوق الإنسان أو يحمل السلاح خارج الدولة. إن هيبة القضاء تُصان حين يكون القانون هو اللغة الوحيدة».

انتقادات جو ولسن

ووجّه النائب الأميركي الجمهوري جو ويلسون، المعروف بانتقاداته المتواصلة لرئيس مجلس القضاء، فائق زيدان، انتقادات شديدة للأخير على خلفية تقديمه الشكر للفصائل المسلحة العراقية لموافقتها على إلقاء السلاح.

وكتب ويلسون في منشور على منصة «إكس» أن «رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي وجّه الشكر علناً للفصائل المسلحة على نيتها المعلنة بنزع السلاح. إن هذا الكلام لا يعكس سلوك مؤسسة دولة ولا حياد القضاء، بل يُظهر بوضوح وجود قناة اتصال وعلاقة مستمرة بين قيادة القضاء والفصائل المسلحة».

وأضاف أن «القضاء المستقل لا يقدم الشكر للجماعات المسلحة على اتباع نصائحه، ولا يقيّم تحركاتها السياسية أو العسكرية. هذا السلوك خارج تماماً عن نطاق صلاحياته الدستورية».

واعتبر ويلسون أن «هذا الخطاب يؤكد أن المسألة لا تتعلق بسيادة القانون، بل بتداخل الأدوار ومحاولة توجيه رسائل سياسية تحت غطاء القضاء. هذا السلوك يُعد من أخطر التهديدات التي تواجه العدالة والدولة».

وتواصل الفصائل المسلحة استجابتها لدعوات حصر السلاح بيد الدولة، وقد صدرت خلال اليومين الأخيرين مواقف رسمية بهذا الشأن من الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، والأمين العام لـ«كتائب الإمام علي»، شبل الزيدي، وقائد فصيل «أنصار الله الأوفياء»، حيدر الغراوي، إضافة إلى المتحدث الرسمي باسم «كتائب سيد الشهداء».


عملية أمنية تستهدف وكراً لتنظيم «داعش» في داريا بريف دمشق

عناصر الأمن السوري في داريا بريف دمشق (سانا)
عناصر الأمن السوري في داريا بريف دمشق (سانا)
TT

عملية أمنية تستهدف وكراً لتنظيم «داعش» في داريا بريف دمشق

عناصر الأمن السوري في داريا بريف دمشق (سانا)
عناصر الأمن السوري في داريا بريف دمشق (سانا)

فكَّك الأمن الداخلي السوري خلية إرهابية تابعة لتنظيم «داعش»، وألقى القبض على أفرادها، وذلك خلال عملية أمنية محكمة في منطقة داريا بريف دمشق.

ونقلت الوكالة الرسمية (سانا) تصريح العميد أحمد الدالاتي قائد الأمن الداخلي في محافظة ريف دمشق، الذي قال فيه إن الوحدات المختصة في الأمن الداخلي، نفّذت بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العامة، عمليةً أمنية محكمة في منطقة داريا، استهدفت وكراً لتنظيم «داعش» الإرهابي، بعد تحريات ومعلومات استخبارية دقيقة ومتابعة مستمرة لتحركات عناصره خلال الأسابيع الماضية.

وأضاف العميد الدالاتي: «أسفرت العملية عن تفكيك الخلية الإرهابية بالكامل، وإلقاء القبض على متزعمها، إضافة إلى 6 من أفرادها، وضبط أسلحة وذخائر متنوعة بحوزتهم، معدّة لاستخدامها في أنشطتهم الإرهابية». وأوضح أنه جرى تنفيذ العملية، وفق أعلى درجات التخطيط والدقة، مع الالتزام التام بالإجراءات الاحترازية لضمان سلامة المدنيين.

عنصر من قوات الأمن بريف دمشق في أثناء الحملة على خلية إرهابية في داريا (سانا)

ورأى المسؤول الأمني أن العملية تعكس مستوى التنسيق بين وحدات الأمن والاستخبارات، وقدرتها على تفكيك الخلايا الإرهابية. وتأتي هذه العملية ضمن استراتيجية مستمرة لتجفيف منابع الإرهاب، ومنع أي تهديد لأمن المجتمع، وتحقيق السلم والاستقرار فيه.

من عملية ضد «داعش» في ريف إدلب (وزارة الداخلية السورية)

وكانت قيادة الأمن الداخلي في محافظة إدلب قد تمكنت في السادس عشر من الشهر الحالي، بالتعاون مع إدارة مكافحة الإرهاب بجهاز الاستخبارات العامة، وخلال عملية أمنية محكمة، من إلقاء القبض على خلية إرهابية تابعة لتنظيم «داعش» مسؤولة عن تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية التي استهدفت دوريات أمنية وعسكرية في محافظتي إدلب وحلب.

وتجدر الإشارة إلى أن الغارات الجوية المكثفة التي شنتها الولايات المتحدة على سوريا، مساء الجمعة، أبرزت التحديات التي يواجهها الرئيس السوري أحمد الشرع، في سعيه الحثيث لفرض سيطرته على البلاد، وإدارة علاقته الناشئة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

استخدمت قوات القيادة المركزية الأميركية في عمليتها ضد تنظيم «داعش» طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ومدفعية (سنتكوم)

وأكدت القيادة المركزية الأميركية أن طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ومدفعية أميركية قصفت أكثر من 70 موقعاً يُشتبه بأنها تابعة للتنظيم في وسط سوريا، مستهدفةً البنية التحتية ومواقع الأسلحة التابعة للتنظيم. وشاركت طائرات حربية أردنية في العملية.

ومنذ انضمام سوريا إلى التحالف الدولي، كثّف التنظيم هجماته في البلاد، وفقاً لمسؤولين أميركيين وسوريين، فضلاً عن خبراء أمنيين. وصرّحت الحكومة السورية، يوم السبت، بأنها تُكثّف عملياتها العسكرية ضد التنظيم. وجاء في البيان السوري: «تدعو الجمهورية العربية السورية الولايات المتحدة والدول الأعضاء في التحالف الدولي إلى دعم هذه الجهود؛ ما يُسهم في حماية المدنيين، واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة».

القبض على أحد عناصر «خلية داعش» في داريا بريف دمشق (سانا)

ويواجه الشرع مهمة صعبة تتمثل في توحيد الجماعات المتباينة والأقليات الدينية تحت قيادته، بما في ذلك فصائل تحمل أفكاراً متطرفة، وأخرى كانت تابعة لتنظيم «القاعدة»، كما كان هو نفسه.

ولم يستبعد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسائل عملياتية، إمكانية شنّ مزيد من الغارات الجوية الأميركية. وقال المسؤول إن قوات الأمن السورية، بدعمٍ من الاستخبارات الأميركية، ستُكثّف جهودها في الوقت الراهن لشنّ غاراتٍ على عناصر تنظيم «داعش»، وقطع إمدادات الأسلحة عنهم.

وبعد الهجوم الدامي على أميركيين، جدد ترمب دعمه للزعيم السوري. وشنّت الولايات المتحدة هجمات واسعة النطاق ضد التنظيم عندما كان الأسد لا يزال يحكم سوريا. ورغم تراجع قوة التنظيم في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك في معظمه إلى الهزائم العسكرية وفقدان الأراضي، فإنه لا يزال موجوداً في صحاري وسط سوريا النائية، حيث يشن هجمات متفرقة.

عملية لقوات الأمن السوري اعتقلت فيها منفذي استهداف عناصر أمن في معرة النعمان بمحافظة إدلب (سانا)

وفي هذا الشهر، أعلن التنظيم مسؤوليته عن مقتل 4 ضباط حكوميين سوريين في محافظة إدلب شمال غربي البلاد. كما أعلنت السلطات السورية مسؤوليتها عن هجومين في محافظة دير الزور شرق البلاد، استهدف أحدهما مركبة عسكرية بعبوة ناسفة.

وخلال الأسبوع الماضي، صرّحت السلطات السورية بأنها ألقت القبض على عدد من الأشخاص المنتمين إلى خلية تابعة لتنظيم الإرهابي في إدلب، بالإضافة إلى عضو في التنظيم بالعاصمة دمشق، عُثر بحوزته على مواد متفجرة وطائرات مسيّرة انتحارية.

ويوم السبت، كان المحللون العسكريون لا يزالون يقيّمون مدى تأثير هذه الضربات على قدرات التنظيم. وقال أندرو تابلر، الذي شغل منصب مدير مكتب البيت الأبيض لشؤون سوريا خلال إدارة ترمب الأولى: «يُظهر عدد الضربات أن وجود تنظيم (داعش) لا يزال أقوى مما كان يُعتقد سابقاً».