ما تفاصيل احتجاز 600 «مهاجر» من 10 دول في «بئر الغنم» الليبي؟

السلطات تتحدث عن «تأخر أو امتناع» بعض سفاراتهم عن تسلُّمهم

مئات من المهاجرين المحتجزين بمركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)
مئات من المهاجرين المحتجزين بمركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)
TT

ما تفاصيل احتجاز 600 «مهاجر» من 10 دول في «بئر الغنم» الليبي؟

مئات من المهاجرين المحتجزين بمركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)
مئات من المهاجرين المحتجزين بمركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

تعكس تقارير دولية وشهادات حقوقية ليبية واقعاً مأساوياً يتعلق بأوضاع المهاجرين غير النظاميين في مراكز الإيواء، ومن بينها «بئر الغنم» لتجميع المهاجرين غير النظاميين، جنوب غربي العاصمة طرابلس.

وتقول منظمات حقوقية دولية إن مراكز احتجاز المهاجرين كافة في ليبيا «تُرتكب فيها انتهاكات واسعة»، لكن يبرز اسم «بئر الغنم» في شكاوى عديدة، خاصة من مصريين يتحدثون عن اعتقال أبنائهم في هذا المركز.

والحال في «بئر الغنم» لا يختلف كثيراً عن باقي مراكز إيواء المهاجرين - بحسب المختصين في ملف الهجرة وحقوق الإنسان - غير أن الأنباء الصادرة عن هذا المركز تتحدث عن وجود 600 مهاجر ينتمون إلى عشر دول على الأقل، غالبيتهم من الأطفال والقُصَّر.

جانب من زيارة «المجلس الوطني للحريات» إلى مركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

وراج مقطع فيديو لسيدة مصرية على «إنستغرام» تناشد السلطات المصرية سرعة التحرك لإنقاذ محتجزين في «بئر الغنم» قالت إنهم «يتعرضون للمساومة على دفع فدية مقابل إطلاق سراحهم».

وتتضمن تقارير لمنظمات حقوقية دولية ومحلية «روايات عن التعذيب» في مراكز لاحتجاز المهاجرين، من ضمنها «بئر الغنم».

وأمام تزايد الشكاوى، قال «المجلس الوطني للحريات وحقوق الإنسان» في غرب ليبيا إنه نظم زيارة ميدانية إلى المعسكر المعروف بـ«مركز التجميع والعودة المؤقت» في منطقة بئر الغنم، للوقوف على أوضاع المهاجرين هناك.

وأضاف المجلس، مساء الأحد، أن «المعاينة أظهرت وجود 600 مهاجر بالمركز ينتمون إلى جنسيات متعددة، تشمل مصر والمغرب والجزائر واليمن والعراق وتونس وسوريا وأفغانستان وبنغلاديش وباكستان، وعدداً من الجنسيات الأفريقية».

وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مايو (أيار) الماضي إن معظم مراكز احتجاز المهاجرين «تخضع لسيطرة جماعات مسلحة منتهكة وغير خاضعة للمساءلة»، وأشارت إلى أن هذه الانتهاكات تشمل «الاكتظاظ الشديد، والضرب، والتعذيب، ونقص الطعام والماء، والعمل القسري، والاعتداء الجنسي والاغتصاب، واستغلال الأطفال».

وتحدث «المجلس الوطني للحريات» في بيان عن «تحديات إنسانية جسيمة»، أبرزها «طول فترة بقاء المهاجرين المحتجزين في مركز (بئر الغنم) نتيجة تأخر أو امتناع بعض السفارات عن إصدار وثائق السفر أو استقبال رعاياها».

جانب من زيارة «المجلس الوطني للحريات» إلى مركز «بئر الغنم» في غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

وقال المجلس - وهو جهة حكومية - إن السلطات المختصة بمكافحة الهجرة في غرب ليبيا تبعث بمراسلات رسمية بشكل متكرر إلى هذه السفارات، وهو «ما يشكل عبئاً مضاعفاً على الدولة الليبية والعاملين بالمركز».

رد القائمين على المركز

في موازاة ما يتردد من اتهامات للقائمين على مركز «بئر الغنم» بارتكاب انتهاكات بحق المحتجزين به، نقل «المجلس الوطني للحريات» عن القائمين على المركز «التزامهم بتأمين المعاملة الإنسانية وضمان الحقوق الأساسية وفق التشريعات الوطنية والمعايير الدولية». لكن المركز اشتكى للمجلس من «عوائق إدارية ونقص في الموارد وتداخل في الاختصاصات؛ ما يعوق تسريع إجراءات الترحيل أو النقل إلى مراكز إيواء أخرى».

وجدد المجلس مطالبته لسفارات المهاجرين المحتجزين لديه بـ«ضرورة التعاون الفوري مع جهاز (مكافحة الهجرة غير المشروعة) لاستلام رعاياها»، كما دعا المنظمة الدولية للهجرة (IOM) إلى الاضطلاع بدورها بشكل أكثر فاعلية في تنظيم رحلات العودة الطوعية وفق الأطر القانونية والإنسانية المعمول بها.

ولفت المجلس إلى أن معظم هؤلاء المهاجرين تم اعتراضهم في عرض البحر من قبل قوات حرس السواحل الليبية، بعد أن انطلقت قواربهم من الشواطئ الليبية أو من مدينة صفاقس التونسية، قبل أن تدفعهم الأمواج إلى المياه الإقليمية الليبية، حيث جرى إنقاذهم ونقلهم إلى مركز «التجميع والعودة المؤقت» في «بئر الغنم».

وسبق لـ«منظمة ضحايا لحقوق الإنسان» الليبية أن أشارت إلى تلقيها شكاوى من ناجين تحدثوا عن «إهانة وضرب وتعذيب واستغلال للمحتجزين في أعمال البناء داخل المركز وخارجه، والإفراج عن البعض مقابل مبالغ مالية».

وعلق الحقوقي الليبي طارق لملوم، على زيارة «المجلس الوطني للحريات العامة» إلى «بئر الغنم»، قائلاً: «بدل أن يتناول المجلس حقيقة ظروف الاحتجاز والانتهاكات الموثقة، اختار تحميل المسؤولية للسفارات والجهات الدولية، متجاهلاً شهادات عديدة أكدت تعرض المهاجرين لمعاملة غير إنسانية وإهمال في أبسط الحقوق الأساسية».

موقف السفارات

وردَّ لملوم على حديث المجلس بشأن رفض سفارات المهاجرين تسلّمهم، وقال: «ادعاء المجلس أن السفارات رفضت التعاون غير صحيح؛ فالسفارات والمنظمات الدولية تتعامل بشكل مباشر مع مراكز مثل تاجوراء وطريق السكة، وتقوم بعمليات ترحيل بالتنسيق مع جهاز (الهجرة)».

وأضاف: «الحقيقة أن أزمة (بئر الغنم) مرتبطة بصراع داخلي داخل جهاز (مكافحة الهجرة) منذ قرار إغلاق المركز في ديسمبر (كانون الأول) 2021؛ إذ مُنعت المنظمات والسفارات من الوصول إليه».

ورأى أن «هذا هو سبب تكديس المهاجرين والقاصرين في (هناجر) بلا صور ولا توثيق لطبيعة المكان أو حتى لدورات المياه»، معتبراً أن المسؤولية لا تقع على السفارات، بل على إدارة الجهاز، مضيفاً: «عليهم حسم خلافاتهم الداخلية مع وزارة الداخلية، وضمان نقل المحتجزين إلى مراكز رسمية في طرابلس فور إنقاذهم من البحر».

فتى مصري يُدعى محمد محمود بدوي محتجز في «بئر الغنم» (الحقوقي الليبي طارق لملوم)

ومن بين الشباب المحتجزين في «بئر الغنم» أشار لملوم إلى مصري يُدعى محمد محمود بدوي (17 عاماً)، قال إنه محتجز منذ بداية أغسطس (آب) الماضي، وإن ذويه «يتلقون اتصالاً من جهات مجهولة تطالبهم بدفع مبالغ مالية تصل إلى 14 ألف دينار ليبي مقابل الإفراج عنه» (الدولار يساوي 5.4 دينار ليبي في السوق الرسمية).

وأضاف: «كل من زار المركز ومن يديره يتحمل تبعات استمرار الاحتجاز التعسفي لأشهر طويلة». وتساءل: «هل حصل المجلس على قوائم بأسماء المحتجزين وتواريخ احتجازهم؟ وما مصير القاصرين الذين وعد نائب جهاز (مكافحة الهجرة) بإخراجهم؟ وكيف كانت ظروف احتجازهم طيلة هذه الفترة؟».

واختتم لملوم بالقول: «الحقوق لا تُختصر في لوم الآخرين، بل في مواجهة الانتهاكات والاعتراف بالمسؤولية».

مندوب سفارة باكستان لدى ليبيا خلال زيارة لمركز «مكافحة الهجرة» الاثنين لاستلام رعايا بلده المحتجزين في «بئر الغنم» (جهاز مكافحة الهجرة)

وأعلن أسامة قرصع رئيس وحدة التحقيق بمكتب نائب رئيس جهاز «مكافحة الهجرة» في غرب ليبيا، الاثنين، أنه استقبل مندوب سفارة باكستان لدى ليبيا، حسن سليم، وذلك من أجل استلام المهاجرين من رعايا بلده.

عشرات من المهاجرين المصريين قبيل ترحيلهم الاثنين (جهاز مكافحة الهجرة)

في السياق ذاته، أعلن جهاز «مكافحة الهجرة» في ليبيا، الاثنين، ترحيل «عشرات» من المهاجرين غير النظاميين من حاملي الجنسية المصرية عن طريق البر عبر منفذ أمساعد البري، بعد الانتهاء من إعداد وثائق سفر لهم.

وأشار الجهاز إلى أنه سيعمل في الأيام المقبلة على ترحيل «أعداد كبيرة» من مهاجرين ينتمون إلى جنسيات أفريقية مختلفة عبر المنافذ البرية والجوية.


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا جانب من ترحيل السلطات الليبية لمهاجرين من الجنسية الغانية (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ليبيا ترحّل دفعات جديدة من المهاجرين... براً وجواً

تعمل السلطات الأمنية المعنية بمكافحة الهجرة غير النظامية في ليبيا على إعادة دفعات جديدة من الموقوفين إلى دولهم، براً وجواً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يستعد لتوسيع حملته على الهجرة في 2026

يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتوسيع حملته على المهاجرين في عام 2026، بإضافة تمويلات جديدة تصل إلى مليارات الدولارات، وتتضمن مداهمة مزيد من مواقع العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

حريق هائل بسوق في كابل يخلف خسائر قدرها 700 ألف دولار

ذكر مسؤولون أن حريقاً هائلاً اندلع بسوق «مندوي» التاريخية في كابل، فجر الأحد؛ ما أدى إلى تدمير عشرات المتاجر وتسبب في خسائر تقدر بنحو 700 ألف دولار.

«الشرق الأوسط» (كابل )
آسيا يقف أفراد الأمن حراساً بالقرب من كاتدرائية القديس يوحنا قبيل احتفالات عيد الميلاد في بيشاور 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

السلطات الباكستانية تخلي مخيماً للاجئين بعد هجوم على سيارة شرطة

أفادت تقارير بقيام مسلحين بالهجوم على سيارة تابعة للشرطة بالقرب من مخيم للاجئين الأفغان يقع على طريق كوهات في بانو بإقليم خيبر باختنخوا.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد )

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» تعتمد نتائج «مجالس بلدية»

مركز العد والإحصاء بمفوضية الانتخابات (مكتب المفوضية)
مركز العد والإحصاء بمفوضية الانتخابات (مكتب المفوضية)
TT

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» تعتمد نتائج «مجالس بلدية»

مركز العد والإحصاء بمفوضية الانتخابات (مكتب المفوضية)
مركز العد والإحصاء بمفوضية الانتخابات (مكتب المفوضية)

أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا اعتماد نتائج المرحلة الثالثة من انتخابات المجالس البلدية، التي شملت 9 بلديات، كما ألغت نتائج بعضها بعد ثبوت «خروقات ومخالفات».

وقالت المفوضية في بيانين منفصلين، الثلاثاء، إنها اعتمدت نتائج 9 بلديات يقع معظمها في شرق البلاد (طبرق، وقصر الجدي، وبنغازي، وتوكرة، وقمينس، وسلوق، والأبيار)، بينما تقع «سرت» في الوسط، و«سبها» في الجنوب الغربي، وهي مناطق تخضع فعلياً لسيطرة «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وحكومة أسامة حماد.

وأوضحت المفوضية أن هذا القرار جاء بعد استكمال مركز العد والإحصاء إدخال استمارات النتائج كافة، الواردة من مكاتب الإدارة الانتخابية، وفق أعلى معايير الشفافية والدقة، وبعد فصل المحاكم الجزئية في الأحكام المتعلقة بالطعون الانتخابية.

كما قررت المفوضية إلغاء النتائج في 4 مراكز اقتراع ببلدية سرت، ومركز اقتراع واحد ببلدية الأبيار، استناداً إلى المادة (34) من اللائحة التنفيذية، بعد ثبوت خروقات ومخالفات في تلك المحطات؛ مؤكدة أن هذا الإجراء يستهدف حماية إرادة الناخبين، وضمان الشفافية وتكافؤ الفرص، مع بقاء نتائج المحطات الأخرى سارية.

في شأن مختلف، أعلنت وزارة العدل بحكومة «الوحدة» المؤقتة أنها بصدد دراسة إغلاق ودمج بعض السجون، في إطار حرصها على متابعة ملف حقوق الإنسان، وترسيخ مبدأ سيادة القانون، ووفقاً لما نصَّ عليه القانون الخاص بمؤسسات الإصلاح والتأهيل.

وأكدت الوزارة في بيان مقتضب، مساء الاثنين، أن هذه الخطوة تأتي ضمن مراجعة أوضاع السجون، وتحسين آليات العمل، بها بما ينسجم مع التشريعات النافذة.

من حملة الانتخابات البلدية (المفوضية)

وعدَّت «المؤسسة الليبية لحقوق الإنسان»، في بيان الثلاثاء، أن هذا البيان «لا يعدو كونه شكلياً». وقالت: «إن المؤسسات الحقوقية تُمنع من إجراء زيارات دورية تفقدية إلى السجون».

وتواجه أوضاع السجون في ليبيا تحديات كبيرة، مثل الاكتظاظ، والانتهاكات الموثقة دولياً، مع سيطرة لوزارة العدل على مرافق عدة تتجاوز 20 سجناً رسمياً وشبه رسمي، إضافة إلى مراكز احتجاز غير رسمية. وتعكس هذه الخطوة استجابة حكومة «الوحدة» للضغوط الدولية، وتتقاطع مع ما ورد في إحاطة المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن الدولي مؤخراً، التي شدَّدت فيها على أن إصلاح قطاع العدالة ومعالجة الاحتجاز التعسفي يمثلان ركيزتين أساسيَّتين لبناء الثقة والاستقرار.

في غضون ذلك، أعلنت «قوة حماية طرابلس»، أحد التشكيلات المسلحة البارزة في العاصمة، دعمها الكامل لـ«الحراك الشعبي»، الذي انطلق من مدينة مصراتة، ووصفته بـ«الانتفاضة ضد السنين العجاف من الفساد المستشري والمحسوبية والظلم». وحذَّرت «القوة» من أي محاولات لقمع الانتفاضة، مؤكدة أنها ستكون «السد المنيع» لحماية إرادة الشعب.

وتعدّ «قوة حماية طرابلس» تحالفاً مسلحاً تَشكَّل نهاية عام 2018، ورغم غيابها النسبي عن المشهد مؤخراً، فإنها تسعى عبر هذا البيان لإعادة التموضع، وتنشيط دورها في التوازنات الأمنية بالعاصمة.

صورة وزَّعها مجلس النواب لاجتماع لجنته التشريعية لبحث زيادة رواتب «الجيش الوطني» بشرق ليبيا

وفي شأن يتعلق بالمؤسسة العسكرية، ناقشت اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، في اجتماع بمدينة بنغازي، مشروع قانون زيادة رواتب منتسبي «الجيش الوطني» لدعم المؤسسة العسكرية وتحسين أوضاع أفرادها.

وطبقاً لوسائل إعلام محلية، أحال رئيس المجلس، عقيلة صالح، مشروع قانون تعديل مرتبات وعلاوات منتسبي الجيش إلى اللجان المالية والتشريعية والتخطيط؛ لإدراجه بجدول الأعمال في أقرب جلسة نظراً لأهميته.


استقالة الأمين العام لـ«اتحاد الشغل التونسي» قبل إضراب مرتقب

نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (إ.ب.أ)
نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (إ.ب.أ)
TT

استقالة الأمين العام لـ«اتحاد الشغل التونسي» قبل إضراب مرتقب

نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (إ.ب.أ)
نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (إ.ب.أ)

قالت مصادر نقابية تونسية إن نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، ​الذي يحظى بنفوذ كبير في البلاد، قدَّم استقالته، اليوم (الثلاثاء)، وذلك قبل شهر من الإضراب المرتقب على مستوى البلاد؛ بسبب حملة الرئيس قيس سعيد المتصاعدة ضد المعارضة، بحسب ما أورده تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء.

وقال الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد، سامي الطاهري، في تصريح صحافي، إنّ الطبوبي أودع صباح اليوم (الثلاثاء) استقالته بمكتب الضبط، وقد تسلّمها الأمين العام المساعد المكلّف النظام الداخلي، دون أن يقدِّم تفاصيل بشأن دوافع هذه الخطوة.

وبيَّن الطاهري أنّ الاستقالة لا تُفعَّل بشكل فوري، لأن القانون الداخلي للاتحاد ينصُّ على دعوة المعني بالأمر خلال 15 يوماً للاستفسار عن أسباب استقالته، ومحاولة ثنيه عنها، ثم تصبح نافذةً في حال تمسّكه بها.

وأشار إلى أنّ لقاءات عدة ستعقد خلال الأيام القليلة المقبلة داخل الهياكل النقابية لتدارس الخطوات، التي سيتم اتخاذها تباعاً، في ظلّ التطورات الأخيرة.

وكان الصحافي المختص في الشؤون النقابية، سفيان الأسود، قد أكّد أنّ «استقالة الطبوبي أصبحت رسمية باعتبار أنّه قدّمها لمكتب الضبط المركزي، وهي في انتظار أن تأخذ المجرى القانوني، وتفعيلها بالقبول أو بالرفض»، وفق تعبيره.

وأوضح الأسود، في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي بموقع «فيسبوك»، أن استقالة الطبوبي تطور لافت في مسار الأزمة التي يعيشها الاتحاد منذ انعقاد المجلس الوطني الأخير بالمنستير. وختم الأسود تدوينته بالتنبيه إلى أن هذه الخطوة مرشحة لتعقيد الوضع أكثر داخل المنظمة، وقد تسهم في تعميق الخلافات والانقسامات داخل هياكلها القيادية.

يشار إلى أنّ الطبوبي كان قد هدَّد بتقديم استقالته منذ مدّة، وأيضاً بعد الاجتماع الأخير للهيئة الإدارية الوطنية. وقد يؤدي رحيل الطبوبي إلى إضعاف الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي ‌يُنظر إليه ‌على نطاق واسع ‌على ⁠أنه ​آخر معقل ‌قوي للمجتمع المدني الديمقراطي في تونس. ولم يصدر «الاتحاد» أي تعليق فوري بعد على ما تردد عن رحيل الطبوبي.

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يضم مليون عضو ولعب دوراً رئيسياً ⁠في الانتقال الديمقراطي في تونس بعد عام ‌2011، ينتقد ما يعدّه تحولاً متسارعاً للرئيس قيس سعيد نحو الحكم المتفرد. وقد دعا قبل أيام إلى إضراب في أنحاء البلاد في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على حملة الرئيس المتصاعدة ضد منتقديه، والمطالبة بالتفاوض على الأجور. ويقول منتقدو ⁠الرئيس سعيد إن الاعتقالات، التي طالت قادة المعارضة وجماعات المجتمع المدني والصحافيين تؤكد التحول الذي اتخذه الرئيس منذ توليه سلطات استثنائية في 2021 ليحكم بمرسوم. في حين يقول الرئيس سعيد إنه تولى صلاحيات أوسع للقضاء على الفساد المستشري وسوء الإدارة. لكن المعارضة تصف قراراته بأنها «انقلاب». وأدى التضخم المرتفع، ونقص بعض السلع الأساسية، وسوء الخدمات العامة إلى تأجيج الاستياء، ‌واندلاع موجة من الاحتجاجات في الشوارع.


الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
TT

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

تزامناً مع إعلان البرلمان الجزائري تنظيم جلسة تصويت، الأربعاء، على نصّين يثيران جدلاً واسعاً، يتعلقان بـ«تجريم الاستعمار» و«سحب الجنسية من المعارضين»، هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بالنص الثاني، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف»، بل أولئك الذين «تثبت بحقهم تهمة الخيانة العظمى».

وإذا كان الجدل الدائر بشأن مقترح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830 - 1962) يثير حفيظة قطاع من الطيف السياسي الفرنسي، لا سيما اليمين التقليدي، فإن هناك إجماعاً واسعاً في الجزائر على تسريع وتيرة إصداره، ونشره في الجريدة الرسمية، في خطوة مرتبطة بالتوترات القائمة مع باريس، التي كانت اندلعت صيف عام 2024 على خلفية اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء. وقد شهدت هذه التوترات مع مرور الوقت تصعيداً خطيراً، ظل ملف الاستعمار وما تُعرف بـ«آلام الذاكرة» في صلبه.

البرلمان الجزائري (البرلمان)

وعشية اجتماع مكتب «المجلس الشعبي الوطني» لضبط أجندة التصويت على المقترحَين، سعى وزير العدل، لطفي بوجمعة، في تصريحات أمام النواب، إلى التخفيف من المخاوف المرتبطة بنص تعديل قانون الجنسية الذي تقدم به هشام صيفر، النائب عن حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» المؤيد لسياسات السلطة التنفيذية، حيث شدد على أن «المعارضين أصحاب الرأي المخالف للحكومة الذين يوجدون في الخارج، غير معنيين بإجراءات التجريد من الجنسية» المتضمنة في النص الذي يحظى بتأييد غالبية الكتل البرلمانية.

وقال الوزير إن النص، الذي أثار كثيراً من الانتقادات، «يتضمن ضمانات صارمة تهدف إلى تأطير إجراءات إسقاط الجنسية، من خلال تحديد الحالات التي يمكن فيها تطبيق هذا الإجراء بشكل واضح ودقيق». مؤكداً أن التعديلات المقترحة «تنص على تعزيز الإطار القانوني، إذ تشترط توفر أدلة ملموسة ومعطيات ثابتة تثبت ارتكاب أفعال خطيرة».

كما تتناول، وفق قوله، استحداث «لجنة مختصة»، تتولى دراسة ملفات سحب الجنسية «بطريقة موضوعية ومحايدة»، من دون أن يذكر هوية الأشخاص الذين ستُسند إليهم عضوية هذه «اللجنة». وأوضح الوزير أيضاً أن مقترح تعديل القانون يتضمن تدابير «تتيح للشخص الذي أُسقطت عنه جنسيته إمكانية استرجاعها في ظل شروط معينة، بما يمنحه فرصة ثانية قبل أن يصبح القرار نهائياً».

«نظام إنذار» يسبق إسقاط الجنسية

من جانبه، صرَح النائب هشام صيفر بأن المقترح الذي تقدم به «يحترم بدقة (المادة 36) من الدستور، ولا يتعارض مع القانون الدولي». وتفيد المادة الدستورية بأن «شروط اكتساب الجنسية الجزائرية، والاحتفاظ بها، وفقدانها أو سحبها، تُحدَّد بمقتضى القانون».

ووفق صيفر فإنه لا تطبق إجراءات التجريد من الجنسية «إلا على المواطنين الجزائريين الذين تتوفر بحقهم أدلة قوية ومتماسكة تثبت ارتكابهم خارج التراب الوطني أفعالاً خطيرة محددة قانوناً، واستمرارهم في ارتكابها رغم توجيه إنذار رسمي من قبل الحكومة». وأشار إلى أن النص يشمل «نظام إنذار، وهو آلية تتيح للشخص المعني التراجع عن أفعاله، قبل اتخاذ قرار إسقاط الجنسية؛ مما يشكل ضمانة إضافية لتحقيق العدالة»، وفق تصريحات البرلماني، الذي لفت إلى إدراج شرط في النص يقضي بعدم جواز إسقاط الجنسية الأصلية عن أي شخص لا يحمل جنسية أخرى؛ تفادياً لحالات انعدام الجنسية، مع استثناءات محددة تتعلق بالجرائم الخطيرة، مثل الخيانة والتجسس لمصلحة دولة أجنبية، أو حمل السلاح ضد الجزائر.

رئيس «ماك» فرحات مهني مستهدَف بخطوة سحب الجنسية الجزائرية (ناشطون)

ويتضمن المقترح كذلك إنشاء لجنة خاصة تتكفل الدراسة والبت في ملفات إسقاط الجنسية، على أن يحدَّد تنظيمها، وتشكيلها، وكيفيات عملها، بموجب نص تنظيمي.

وبشأن الآثار المترتبة على الأقارب، فإن إجراء إسقاط الجنسية لا يشمل الزوج ولا الزوجة ولا الأطفال القُصّر. كما يمكن للأطفال المولودين بعد صدور قرار إسقاط الجنسية اكتساب الجنسية الجزائرية تلقائياً عن طريق الأم.

وطُرحت فكرة إسقاط الجنسية أول مرة في مارس (آذار) 2025، بمناسبة هجوم حاد من الرئيس عبد المجيد تبون ضد الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال، بسبب تصريحات صحافية، زعم فيها أن «أجزاء واسعة من الغرب الجزائري اجتزأها الاستعمار الفرنسي من المغرب». وجره هذا الكلام إلى المتابعة القضائية، حيث أدانه القضاء بالسجن 7 سنوات مع التنفيذ، لكن أُفرج عنه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بموجب إجراءات عفو رئاسي بناء على التماس من الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير.

الكاتب بوعلام صنصال (حسابات ناشطين متعاطفين معه)

وظلت الفكرة مجرّد اقتراح ذي طابع سياسي تقدّم به النائب صيفر، لكنها عادت بقوة خلال الأيام الأخيرة على خلفية إعلان انفصاليي القبائل الجزائرية من باريس قيام «دولة مستقلة». ويُعتقد أن النص الجديد قد يُطبق ضد عدد كبير منهم، على رأسهم زعيم «حركة تقرير مصير القبائل (ماك)» فرحات مهني.

«أداة للتكميم»

أكدت منظمة «شعاع لحقوق الإنسان»، المهتمة بالأوضاع الحقوقية في الجزائر التي يوجد مقرها في لندن، في بيان، أن التعديل المقترح لقانون الجنسية، «يفتح الباب أمام المساس بحق الجزائريين في جنسيتهم الأصلية، استناداً إلى مفاهيم فضفاضة، من قبيل المسّ بمصالح الدولة أو بالوحدة الوطنية؛ مما يشكل تهديداً مباشراً لحقوق المواطنة، ويكرّس في الوقت ذاته مساراً تشريعياً خطيراً، من شأنه تحويل التجريد من الجنسية إلى أداة لتكميم الأفواه ومعاقبة الرأي المخالف، بدل أن يظل إجراء استثنائياً محكوماً بضوابط صارمة تحمي الحقوق والحريات».

ووفق البيان، «يحوّل المسعى الجنسية من حق أصيل وملازم للشخص، إلى وسيلة ضغط وابتزاز سياسي مشروطة بالولاء للسلطة لا بالانتماء للوطن»، لافتاً إلى أن «تركيز النص على الأفعال المرتكبة خارج التراب الوطني يكشف عن استهداف خاص للجزائريين المقيمين في الخارج، الذين يشكّلون اليوم الفئة الأكثر ممارسة لحقها في انتقاد السلطة، بحكم وجودهم خارج سطوة الاعتقال والسجن، رغم ما يواجهه العديد منهم من متابعات قضائية، وأحكام غيابية قاسية».