مصارف لبنان تعاني فجوات حادة في الميزانيات والمؤشرات

مراجعة إحصائية تظهر تسريح نصف الموظفين خلال الأزمة المستمرة

مقر مصرف لبنان في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)
مقر مصرف لبنان في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

مصارف لبنان تعاني فجوات حادة في الميزانيات والمؤشرات

مقر مصرف لبنان في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)
مقر مصرف لبنان في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)

كشفت المراجعة الكليّة الاقتصاديّة التي أجراها مصرف لبنان المركزي، مدى حدّة وعمق الفجوات التي شهدها الجهاز المصرفي خلال سنوات الانهيارات المالية والنقدية، والتي تشرف على ختام عامها السادس بعد أقل من شهر، وبانتظار ترجمة وعود حكومية بصياغة مشروع قانون إعادة الانتظام المالي، والمعني خصوصاً بتحديد سبل وآليات معالجة نواة الأزمات (الفجوة المالية العامة)، والمقدرة بنحو 73 مليار دولار.

وبدا شكلياً في الرصد الإحصائي، والمحقق لغاية نهاية النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة عينها من منتصف عام 2019، أي مع بدء انفجار الأزمات الحادة، أنّ القطاع المصرفي اللبناني يضم حالياً 57 مصرفاً، منها 45 تجاريّاً، موزعاً بين 36 مصرفاّ مملوكاً من لبنانيين - وهو ما يمثل انخفاضاً عن رقم 38 في بداية الأزمة - و9 مصارف مملوكة من أجانب و12 مصرفاً استثمارياً متخصصاً - أي بانخفاض عن رقم 16 قبل الأزمة.

وتبدأ «تراجيديا» الأرقام والبيانات، في مقارنات بيانات الميزانية المجمعة، بعدما لجأت المصارف كافة، وتحت الضغوط الناشئة عن الأزمات، إلى تقليص ذاتي لكياناتها وعمليّاتها، سواء من حيث عدد الفروع المحليّة التي انخفضت بمقدار 425 فرعاً، أي بنسبة 40.2 في المائة ليستقر العدد عند 633 فرعاً، بينما تقلّص عدد الفروع في الخارج بمقدار 29 فرعاً، أي بنسبة 39.7 في المائة لتهبط إلى 44 فرعاً. وبالمثل، انحدر عدد أجهزة الصرّاف الآلي بمقدار 571 جهازاً، أو بنسبة 28.5 في المائة، لتفضي هذه الأرقام المتراجعة إلى الضرر الأكبر المتمثل بكادرات الموظفين واليد العاملة التي انخفضت بمقدار انحدر بنحو 12 ألف موظّف، أي بنسبة 47.7 في المائة، لينخفض الإجمالي إلى نحو 13 ألف موظف.

استتباعاً، أظهر الرصد الإحصائي حجم الكارثة التي لحقت بالمؤشرات الرئيسية للميزانيات المجمعة، ولا سيما بيانات الرساميل والأصول، ليشمل استطراداً المدخرات العالقة وتسجيل الضمور الحاد في محافظ الائتمان والتمويل، التي تعدّت أرقام الناتج المحلي البالغ نحو 53 مليار دولار قبل الأزمات، وذلك جراء موجات سداد بالسعر الرسمي السابق لليرة، أو من خلال شيكات مصرفية بالدولار المصرفي، الذي يوازي بين 10 و15 في المائة فقط من القيمة الفعلية للدولار النقدي في أسواق الصيرفة.

وقد أدّت عمليات السداد الضخمة للقروض التي شهدتها المصارف التجاريّة خلال الأزمة، بالإضافة إلى التدهور الحاد في سعر صرف العملة المحليّة إلى انكماش كبير في حجم محفظة التسليفات الذي تراجع من 56 مليار دولار، كما هو عشية الأزمة، بينها نحو 39.2 مليار محررة بالدولار، و16.8 مليار محررة بالليرة بسعر 1507 ليرات للدولار الواحد، لتنحدر بحدّة بالغة إلى نحو 5.5 مليار دولار، في منتصف العام الحالي، بينها 5.3 مليار بالدولار.

ويقر البنك المركزي في تحليله، بأنّه نتيجة للتباين في سعر الصرف فقد كانت القيمة الحقيقيّة للقروض المسدّدة أقل بكثير من قيمتها الدفتريّة. وهو ما كبّد المصارف خسائر كبيرة. في حين يتوقّع «المركزي» أن يظل نشاط الإقراض خجولاً ما لم تتم إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي وحلّ مشكلة المودعين.

وتؤكد إحصاءات القروض الجديدة بالدولار «الفريش» صعوبات استعادة البنوك حضورها القوي والميسر في أسواق الائتمان، حيث لاحظ الرصد الإحصائي أنّها لا تزال في مستويات منخفضة، حيث بلغت قيمة هذه القروض 553 مليون دولار منتصف العام الحالي، مع اقتضاء التنويه بأنّ غالبية هذه التمويلات على شكل قروض شخصيّة صغيرة بأسعار فائدة مرتفعة للغاية، كما تتطلب فرض معايير صارمة، مثل توطين الراتب وقياس القدرة الفعلية على التزام سداد الأقساط، مما يستبعد شرائح كبيرة من السكّان والشركات.

ولم يكن حجم الكارثة الرقمية أقل وطأة في بيانات الخصوم (المطلوبات)، حيث تظهر الفوارق الخيالية بين أرقام حقيقية معززة بتوظيفات مصرفية موازية لصالح المودعين، وأرقام معلقة يتم سداد مبالغ صغيرة منها تتراوح بين 400 و800 دولار كأنها حصص شهرية، حسب تعاميم البنك المركزي.

وتم رصد تراجع حجم بيانات الودائع المجمعة في الجهاز المصرفي من نحو 172 مليار دولار عشية الأزمة، موزعة بين 123.1 مليار دولار مودعة بالعملات الأجنبيّة وما يماثل بالسعر الرسمي حينها نحو 49 مليار دولار مودعة بالليرة، لتنحدر إلى نحو 88.8 مليار دولار منتصف العام الحالي، منها 87.3 مليار محررة بالدولار وفق القيود الدفترية لدى البنوك. مع التنويه بأن الودائع بالليرة قد استُنفدت بشكل رئيسي بسبب عمليات السحب، وتراجع سعر صرف العملة المحليّة، بينما جرى استخدام جزء كبير من الودائع بالعملات الأجنبيّة لتسوية القروض المباشرة أو الاتجار بالشيكات لتسويتها.

أما فيما يتعلق بالودائع «الفريش»، أي الدولار القابل للتسييل نقداً أو بسعر 89.5 ألف ليرة، فقد كشف الرصد ارتفاعها بشكل مطرد لتصل إلى نحو 4.36 مليار دولار منتصف العام الحالي، ومنها 2.2 مليار دولار أرصدة قائمة بموجب تعميم مصرف لبنان رقم 158، أي لصرف الحصص الشهرية للمودعين، ولا تُمثل بالتالي سيولة فعليّة لأنها تخضع للسداد التدريجي. أما المبلغ المتبقي، وقدره 2.16 مليار دولار، فهو يُمثّل ودائع جديدة يتعين على المصارف تحويطها بالكامل، وبحد أدنى للسيولة بنسبة 100 في المائة، من خلال الاحتفاظ بأرصدة معادلة في فروعها أو لدى بنوك مراسلة في الخارج، وبالتالي ليس لها تأثير مضاعف، ولا يمكن استخدامها لدعم الإقراض أو الاستثمار أو الوساطة الماليّة.

بحصيلة هذه الانخفاضات الحادة في بندي الأصول والخصوم (موجودات ومطلوبات)، تقلصّت بحدة مماثلة حسابات رأس المال لدى المصارف التجارية من مستوى 20.9 مليار دولار، لتصل إلى 5.2 مليار دولار خلال فترة القياس عينها. لتعكس بذلك فجوات الخسائر المتكرّرة التي تُسجّلها المصارف، وتنسحب تلقائياً على مستوى الرسملة الضعيف لدى في مؤشر القدرة على امتصاص الصدمات.


مقالات ذات صلة

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

يوميات الشرق كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور...

فاطمة عبد الله (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة النبطية في مايو 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

حسمت إسرائيل الخميس التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» جراء المفاوضات المدنية مع لبنان، أو عزلها عن المسار العسكري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نواف سلام مستقبلاً السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

ترحيب لبناني ودولي بتعيين كرم رئيساً للجنة الـ«ميكانيزم»

أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن ترؤس السفير سيمون كرم الوفد اللبناني في لجنة الـ«ميكانيزم» «يشكّل خطوة مهمة في دفع عملها».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي «حزب الله» غير راضٍ عن التفاوض السياسي مع إسرائيل... ولن يواجهه

«حزب الله» غير راضٍ عن التفاوض السياسي مع إسرائيل... ولن يواجهه

تفادى مسؤولو «حزب الله» التعليق على قرار «لبنان الرسمي» بتعيين السفير السابق، سيمون كرم، رئيساً للوفد اللبناني بإطار لجنة «الميكانيزم».

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي دورية لـ«يونيفيل» على الحدود مع إسرائيل في منطقة الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب) play-circle 02:21

لبنان يوكّل مدنياً للتفاوض مع إسرائيل لاحتواء الضغوط وإحباط التصعيد

خطا لبنان، الأربعاء، خطوة كبيرة باتجاه محاولات احتواء الضغوط الأميركية وإحباط التهديدات الإسرائيلية بشن حرب عليه، عبر تكليف مدني ترؤس وفد البلاد للمفاوضات.

نذير رضا (بيروت)

في خطوة قد تثير غضب واشنطن... الاتحاد الأوروبي يغرم «إكس» 140 مليون دولار

نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
TT

في خطوة قد تثير غضب واشنطن... الاتحاد الأوروبي يغرم «إكس» 140 مليون دولار

نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
نموذج مصغر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد لإيلون ماسك وشعار «إكس» يظهر في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

فرض الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، غرامة قدرها 120 مليون يورو (140 مليون دولار) على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، المملوكة لإيلون ماسك، لخرقها قواعد المحتوى الرقمي، في أول تطبيق لعقوبة بموجب تشريع رقمي تاريخي قد يثير غضب الحكومة الأميركية.

وتجنبت شركة «تيك توك» العقوبة نفسها من خلال تقديم تنازلات لتعزيز الشفافية، وفق «رويترز».

واعتبرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن حملة أوروبا الصارمة على شركات التكنولوجيا الكبرى تميّز الشركات الأميركية وتستهدف الأميركيين، بينما أكدت المفوضية الأوروبية أن قوانينها لا تميّز على أساس الجنسية، وتهدف فقط لحماية المعايير الرقمية والديمقراطية التي غالباً ما تُصبح معياراً عالمياً.

وأشار رئيس قسم التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي إلى أن الغرامة متناسبة مع المخالفات، ولا تمثل شكلاً من أشكال الرقابة، لافتاً إلى أن العقوبة جاءت بعد تحقيق استمر عامين بموجب قانون الخدمات الرقمية، الذي يُلزم المنصات بتحمل مسؤولية أكبر في معالجة المحتوى غير القانوني والضار.

وأوضح تحقيق الاتحاد الأوروبي في منصة «تيك توك»، التابعة لشركة «بايت دانس»، أن الشركة انتهكت شروط القانون من خلال مستودع الإعلانات الذي يسمح للباحثين والمستخدمين باكتشاف الإعلانات الاحتيالية. وقالت هينا فيركونين، رئيسة قسم التكنولوجيا في المفوضية الأوروبية، إن الغرامة المفروضة على «إكس» محسوبة بعناية وفق طبيعة المخالفات وعدد المستخدمين المتأثرين ومدتها، مؤكدةً أن الهدف هو إنفاذ التشريعات الرقمية وليس فرض أعلى الغرامات.

وأضافت فيركونين أن القرارات المستقبلية بشأن الشركات المتهمة بانتهاكات قانون الخدمات الرقمية ستصدر في وقت أقصر مقارنة بالعامين اللذين استغرقتهما قضية «إكس». من جهته، أكد نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، أن الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يهاجم الشركات الأميركية، محذراً من أن الغرامة لا ينبغي أن تُستخدم أداةً للرقابة على المحتوى.

وحثّت «تيك توك»، التي تعهدت بإصلاح مكتبة إعلاناتها لزيادة الشفافية، الجهات التنظيمية على تطبيق القانون بشكل متساوٍ على جميع المنصات. وأوضحت الهيئات الأوروبية أن انتهاكات «إكس» شملت التصميم المُضلّل للعلامة الزرقاء للحسابات الموثقة، وانعدام الشفافية في مستودع الإعلانات، وعدم تمكين الباحثين من الوصول إلى البيانات العامة.

وأكدت المفوضية استمرار التحقيق في محتوى غير قانوني على «إكس»، والإجراءات المتخذة لمكافحة التلاعب بالمعلومات، بالإضافة إلى تحقيق منفصل في نظام «تيك توك» الخوارزمي والتزامه بحماية الأطفال. وتصل الغرامات المقررة بموجب قانون الخدمات الرقمية إلى 6 في المائة من الإيرادات العالمية السنوية للشركة.


دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
TT

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس»، أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

واستطلعت الدراسة آراء أكثر من 400 شركة قبل وبعد موافقة سويسرا الشهر الماضي، على اتفاق لخفض الرسوم الجمركية الأميركية من 39 في المائة إلى 15 في المائة، حيث حدد نحو ربع الشركات بالفعل خطوات ملموسة ستتخذها، وفق «رويترز».

وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من ثلث هذه الشركات قررت زيادة استثماراتها خارج سويسرا، ونقل إنتاجها وعملياتها إلى الخارج. وأفاد نحو 16 في المائة من الشركات بأنها ستنقل عملياتها إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فيما ستتجه 10 في المائة إلى الولايات المتحدة، و5 في المائة أخرى نحو الاتحاد الأوروبي.

وشملت الخيارات الأخرى البحث عن أسواق جديدة، ورفع الأسعار، وحتى تعليق الصادرات إلى الولايات المتحدة.

وقال رودولف مينش، كبير الاقتصاديين في «إيكونومي سويس»، إن نقل العمليات والاستثمار في الخارج لم يضر بسويسرا، التي تظل وجهةً تجارية جاذبة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية وأنشطة البحث والتطوير.

وكجزء من الاتفاق، تعهدت برن أيضاً باستثمارات بقيمة 200 مليار دولار من شركاتها في الولايات المتحدة، ما أثار مخاوف بشأن التأثير الاقتصادي المحتمل على المدى الطويل.

وأشار بنك «يو بي إس» إلى أنه في حال نقل صناعة الأدوية - أكبر قطاع تصدير في سويسرا - جميع إنتاجها المتجه إلى الولايات المتحدة إلى هناك، فإن النمو الاقتصادي التراكمي السويسري على مدى 5 سنوات سينخفض من 10 في المائة إلى 7.7 في المائة.

وأضاف مينش أن سويسرا أصغر من أن تستوعب مبلغ 200 مليار دولار، لكنها تمتلك تاريخاً طويلاً في الاستثمار بالخارج، وقد ساعدت هذه الاستثمارات أيضاً في تأمين فرص عمل داخل البلاد.


حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
TT

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل، وذلك وسط توقعات متزايدة بأن يقدم البنك على رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وقال وزير إنعاش الاقتصاد مينورو كيووتشي إن الحكومة «تأمل أن يواصل بنك اليابان إدارة السياسة النقدية بالشكل المناسب لتحقيق استقرار التضخم عند 2 في المائة، بالتعاون الوثيق مع الحكومة»، مضيفاً أن قرار رفع الفائدة وآلياته أمر يعود للبنك المركزي وحده.

وفي مؤتمر منفصل، أعرب كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيّهارا عن قلق طوكيو من التحركات السريعة من جانب واحد في سوق العملات، خصوصاً مع تراجع الين لمستويات قرب 155 للدولار. وقال كيّهارا: «نراقب السوق عن كثب، ومستعدون لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد التحركات المفرطة أو غير المنتظمة، بما في ذلك سلوكيات المضاربة». وتأتي تلك التصريحات في حين يقترب بنك اليابان من إنهاء مرحلة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض بعد عقود من السياسات التيسيرية.

وفي تحليل نشرته «رويترز»، أفاد مسؤولون بأن رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي بدأت تنتهج خطاباً أكثر حذراً تجاه الأسواق بعد ارتفاع حاد في عوائد السندات اليابانية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ 2007. وخلال اجتماع مع فريقها الاقتصادي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضت وزيرة المالية ساتسوكي كاتاياما على تاكايتشي مخططاً يوضح تسارع عمليات بيع السندات وارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما جعل تعبيرات رئيسة الوزراء «أكثر جدية»، وفق مصدر مطّلع. وتاكايتشي، التي تُعد من ورثة «أبينوميكس»، تواجه تحدياً كبيراً في تمويل خطتها التحفيزية البالغة 137 مليار دولار، والمعتمدة في جزء كبير منها على إصدار ديون جديدة. وتحاول رئيسة الوزراء تهدئة الأسواق، نافية أن تواجه اليابان سيناريو مشابهاً لـ«صدمة تراس» في بريطانيا عام 2022، التي شهدت انهيار السندات والإطاحة بالحكومة على خلفية تمويل خطط إنفاق غير ممولة.

وتكشف التحليلات أن تراجع مشتريات بنك اليابان وشركات التأمين المحلية يضع عبئاً كبيراً على سوق السندات؛ إذ تشير تقديرات بنك أوف أميركا إلى أن صافي المعروض سيرتفع بـ11 تريليون ين إضافية في 2026. وقال مدير محافظ في طوكيو: «خطة تاكايتشي تعتمد على نمو اقتصادي قوي... لكن إذا لم يتحقق هذا النمو، فلن يبقى إلا جبل الديون». كما بدأ بعض المستثمرين بالرهان على مزيد من انخفاض الين وارتفاع عوائد السندات، بسبب التوقعات برفع الفائدة قريباً.

من جانبه، قال محافظ بنك اليابان كازو أويدا إن هناك «عدم يقين» بشأن المستوى المناسب لرفع الفائدة مستقبلاً، لافتاً إلى أن المعدل الطبيعي (الحيادي) في اليابان يتراوح بين 1 في المائة و2.5 في المائة. ومن المتوقع أن يصبح مؤتمر أويدا الصحافي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحدث الأكثر أهمية للأسواق، مع محاولة المستثمرين استشراف مسار التشديد النقدي في 2026.