«الفيدرالي» يثبت استقلاليته ووحدته... رغم ضغوط ترمب

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» يثبت استقلاليته ووحدته... رغم ضغوط ترمب

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

عُدّ قرار الاحتياطي الفيدرالي، يوم الأربعاء، بخفض سعر الفائدة الرئيسي بمثابة عرض هادئ للوحدة والاستقلالية، في ظل الضغوط المستمرة من الرئيس دونالد ترمب للمطالبة بخفض أكبر، ومحاولته غير المسبوقة لإقالة مسؤول بارز في «الفيدرالي».

وكان كثير من المراقبين يتوقعون اجتماعاً محتدماً على مدار يومين هذا الأسبوع، وسط حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد، وإضافة عضو معين من قبل ترمب إلى مجلس الاحتياطي بشكل عاجل قبل ساعات قليلة من بدء الاجتماع. كما طرح البيت الأبيض أسماء عدة من أعضاء مجلس إدارة «الفيدرالي» بوصفهم مرشحين محتملين لخلافة رئيس المجلس الحالي، جيروم باول، عند انتهاء ولايته في مايو (أيار)، ما خلق حوافز لهؤلاء المسؤولين لدعم خفض الفائدة الكبير الذي طالب به ترمب، وفق «وكالة أسوشييتد برس».

وتوقع بعض الاقتصاديين أن يسجل ثلاثة أعضاء من بين 12 عضواً ممن لهم حق التصويت في لجنة تحديد الفائدة معارضتهم، وهو أكبر عدد من الاعتراضات خلال خمس سنوات، وهو أمر غير معتاد في مؤسسة تتسم عادة بالاتفاق. ولم يُستبعد أن يصل عدد المعارضين إلى أربعة، وهو ما لم يحدث منذ عام 1992.

وقد عيّن ترمب ثلاثة أعضاء في مجلس إدارة «الفيدرالي»، منهم اثنان في ولايته الأولى، وكان بإمكان جميعهم التصويت لصالح خفض أكبر للفائدة.

لكنّ كثيراً من المسؤولين في لجنة تحديد الفائدة كانوا حذرين من خفض الفائدة بسرعة كبيرة، مع بقاء التضخم أعلى من هدف «الفيدرالي» البالغ 2 في المائة. وكان من المتوقع أن يعارض أحد هؤلاء المسؤولين أي خفض للفائدة على الإطلاق.

وفي الواقع، عارض قرار «الفيدرالي» بخفض الفائدة ربع نقطة واحد فقط: ستيفن ميران، الذي رشحه ترمب لشغل مقعد شاغر، وأقره مجلس الشيوخ بشكل عاجل مساء الاثنين، قبل ساعات قليلة من بدء الاجتماع الذي استمر يومين.

وأبدى بريان بيثون، اقتصادي في كلية «بوسطن»، إعجابه بوحدة «الفيدرالي» في مواجهة ضغوط البيت الأبيض، قائلاً: «لقد اجتمعوا جميعاً لدعم ما يبدو أنه قرار متوازن للغاية. هذا التصويت بشبه إجماع يرسل رسالة قوية جداً مفادها أنهم لن ينحنوا أمام الرئيس، وأنهم سيفعلون ما هو مناسب للاقتصاد».

رئيس الاحتياطي الفيدرالي يتحدث في مؤتمر صحافي بعد قرار خفض الفائدة (أ.ف.ب)

وقال ترمب إن أحد الحكام الذين عيّنهم في 2018، كريستوفر والر، يعد مرشحاً محتملاً لخلافة باول، وكان والر قد اعترض على خفض الفائدة في يوليو (تموز)، عندما حافظ «الفيدرالي» على أسعار الاقتراض دون تغيير. وعضو آخر من تعييناته الأولى، ميشيل بومان، التي اعترضت أيضاً في يوليو، لكنها صوتت يوم الأربعاء مع زملائها.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، نشر جايسون فورمان، كبير المستشارين الاقتصاديين في إدارة أوباما، أنه كان «مسروراً» بأن بومان ووالر لم ينضما إلى اعتراض ميران، مضيفاً: «هذا مؤشر جيد لاستقلالية (الفيدرالي)».

وفي الأسابيع التي سبقت الاجتماع، حاول ترمب إقالة الحاكمة ليزا كوك، التي عيّنها الرئيس السابق جو بايدن، بعد اتهامه لها بالاحتيال العقاري، وهو ما نفته. وكانت هذه المرة الأولى في تاريخ «الفيدرالي» الممتد منذ 112 عاماً التي يسعى فيها رئيس لإقالة حاكم.

ويرى كثير من الخبراء القانونيين أن محاولة الإقالة تُشكّل تهديداً لاستقلالية «الفيدرالي»، حيث ناقش ترمب علناً تأمين أغلبية في مجلس إدارة «الفيدرالي». وقد رفعت كوك دعوى قضائية للبقاء في منصبها، وحكمت المحكمة بقدرتها على الاستمرار في المجلس أثناء نظر الدعوى.

وأيدت محكمة الاستئناف هذا القرار، مساء الاثنين، مما أتاح لكوك التصويت لصالح خفض الفائدة يوم الأربعاء. وفي اليوم نفسه، صوّت مجلس الشيوخ على تأكيد ميران حاكماً في «الفيدرالي» وفق خطوط حزبية، وأدى اليمين صباح الثلاثاء.

وسبق لرؤساء تعيين مستشاريهم الاقتصاديين في «الفيدرالي». فقد كان الرئيس السابق بن برنانكي مستشاراً في إدارة بوش قبل أن يُعيّن رئيساً للمجلس. لكن حالة ميران استثنائية، لأنه احتفظ بمنصبه في البيت الأبيض أثناء أخذ إجازة دون أجر.

ترمب وباول خلال زيارة قام بها الرئيس الأميركي إلى مبنى الاحتياطي الفيدرالي في يوليو الماضي (رويترز)

ودائماً ما سعى باول إلى تجنب المواجهة المباشرة مع ترمب، وتجنب التعليق على قضية كوك خلال مؤتمر صحافي يوم الأربعاء، ولم يعلق مباشرة على وضع ميران. وقال باول: «نحن ملتزمون بشدة بالحفاظ على استقلاليتنا، وما عدا ذلك ليس لدي ما أضيفه».

وأشار باول مراراً إلى أن التضخم لا يزال أعلى من هدف «الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين ارتفع معدل البطالة، لذا ليس واضحاً ما الخطوات التالية التي ينبغي أن يتخذها «الفيدرالي». وإذا خفض الفائدة بشكل مفرط، فقد يؤدي ذلك إلى تحفيز الاقتصاد بسرعة مفرطة وتسريع التضخم، وإذا أبقاها مرتفعة جداً، فقد تتفاقم تباطؤات التوظيف الحالية. وقال باول: «من الصعب معرفة ما يجب فعله، فلا توجد طرق خالية من المخاطر حالياً».

ومع ذلك، أضاف: «لقد اجتمعنا في الاجتماع وتصرفنا بوحدة عالية المستوى».

وقالت كلوديا ساهام، الاقتصادية السابقة في «الفيدرالي» والرئيسة الحالية للاقتصاد في «نيو سنشيري أدفايزرز»، إن صانعي السياسة في «الفيدرالي» تصرفوا على الأرجح دعماً للمؤسسة نفسها. وأضافت: «المؤسسة تتعرض لهجوم، ولم يكن الوقت مناسباً لثلاثة اعتراضات».


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» محاصر بين ضغوط خفض الفائدة وتصاعد الانقسامات

تحليل إخباري مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» محاصر بين ضغوط خفض الفائدة وتصاعد الانقسامات

يدخل مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» اجتماعه الأخير لعام 2025 وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، ومستوى عالٍ من الانقسام الداخلي.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد ناقلة نفط ترفع علم بنما مستأجرة من شركة «شيفرون» تنتظر تحميل النفط الخام قرب ميناء باجو غراندي في فنزويلا (رويترز)

هل النفط هو الدافع الحقيقي وراء التصعيد الأميركي ضد فنزويلا؟

وضع التصعيد الأخير من إدارة الرئيس دونالد ترمب ضد حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، الثروة النفطية الفنزويلية تحت المجهر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركات «سبيس إكس» و«تويتر» وصانع السيارات الكهربائية «تسلا» (أ.ف.ب)

«سبيس إكس» تطرح أسهماً داخلية بتقييم تاريخي يقترب من 800 مليار دولار

تستعد شركة «سبيس إكس»، عملاق الصواريخ والأقمار الاصطناعية المملوكة لإيلون ماسك، لإجراء صفقة داخلية لبيع حصص من أسهمها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد إعلان شركة «نتفليكس» إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على «وارنر براذرز».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجلس، نيويورك )
الاقتصاد رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)

تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

أظهرت البيانات الأولية الصادرة يوم الجمعة ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان إلى 53.3 نقطة في بداية ديسمبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الأسواق الخليجية تُغلق مرتفعة وسط صعود النفط وتوقعات «الفيدرالي»

مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)
مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)
TT

الأسواق الخليجية تُغلق مرتفعة وسط صعود النفط وتوقعات «الفيدرالي»

مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)
مستثمران يتابعان شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)

أغلقت الأسواق الخليجية، اليوم، على ارتفاع جماعي في جلسة شهدت أداءً إيجابياً لعدد من المؤشرات الرئيسية، مدعومة بتفاؤل المستثمرين حيال أسعار النفط وترقب قرار «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي بشأن الفائدة.

وارتفع مؤشر «تداول» السعودي بنسبة 0.05 في المائة، في حين سجّل مؤشر بورصة قطر تراجعاً طفيفاً بنسبة 0.08 في المائة. كما صعد مؤشر بورصة الكويت بنسبة 0.35 في المائة، وارتفع مؤشر بورصة البحرين بنسبة 0.30 في المائة، في حين حقق سوق مسقط للأوراق المالية مكاسب بلغت 0.94 في المائة.

ويترقب المستثمرون قرار اجتماع «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي المزمع يومي الثلاثاء والأربعاء، الذي قد يشهد خفض الفائدة للمرة الثالثة هذا العام لدعم سوق العمل المتباطئة، أو الإبقاء عليها مرتفعة لمواجهة التضخم الذي لا يزال أعلى من المستهدف البالغ 2 في المائة.

وشهدت الجلسة تداولات متوسطة؛ حيث ركّز المستثمرون على تأثير أسعار النفط وقرارات السياسة النقدية الأميركية على الأسواق الإقليمية.


«منتدى أعمال الشرق الأوسط وأفريقيا - الهند» يبحث في الرياض الشراكات الاستراتيجية

جانب من أفق العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
جانب من أفق العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
TT

«منتدى أعمال الشرق الأوسط وأفريقيا - الهند» يبحث في الرياض الشراكات الاستراتيجية

جانب من أفق العاصمة السعودية الرياض (رويترز)
جانب من أفق العاصمة السعودية الرياض (رويترز)

في خطوة لافتة لتعزيز الروابط الاقتصادية والمهنية بين ثلاث قارات حيوية، تستعد شركات محاسبة وخدمات مهنية سعودية لاستضافة وفد دولي من أعضاء شبكة «ألينيال غلوبال» (Allinial Global) لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والهند، في «منتدى أعمال الشرق الأوسط وأفريقيا – الهند 2025»، المنوي عقده في العاصمة الرياض.

هذا المنتدى الذي يُعقَد على مدى يومين في العاصمة السعودية في 8 و9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تحت شعار: «البحث العالمي – القوة المحلية»، صُمم ليكون منصة ديناميكية تهدف إلى إبرام الشراكات الاستراتيجية وتعزيز فرص النمو. كما أنه يُعدّ حدثاً رئيسياً لربط شركات المحاسبة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والهند بهدف الاستفادة من المواهب المحاسبية المتنامية.

ويجمع المنتدى أعضاء شبكة «ألينيال غلوبال» في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند لاستكشاف سبل جديدة للنمو في مجالات التجارة، والمواهب، والخدمات الاستشارية.

و«ألينيال غلوبال» هي جمعية دولية رائدة للشركات المستقلة في مجال المحاسبة والاستشارات الإدارية تضم 270 شركة عالمية بإيرادات إجمالية 6.76 مليار دولار. وتهدف إلى تزويد الشركات الأعضاء بالموارد والفرص اللازمة لخدمة عملائها على نطاق عالمي. ولا تعمل «ألينيال غلوبال» كشركة محاسبة واحدة، بل كمظلة تعاونية؛ حيث تساعد الشركات الأعضاء على الحفاظ على استقلاليتها، مع توفير وصول شامل إلى الخبرات، والمعرفة الفنية، والتغطية الجغرافية في جميع أنحاء العالم، من خلال شبكة موثوقة من المهنيين.

تتصدر الاستضافة في الرياض مجموعة من الشركات السعودية الأعضاء في شبكة «ألينيال غلوبال»، وهي: شركة «علي خالد الشيباني وشركاه (AKS)» وشركة «سلطان أحمد الشبيلي - محاسبون قانونيون»، و«الدار الدولية للاستشارات في الحوكمة»، وشركة «الدليجان للاستشارات المهنية».

وتتضمن أبرز فعاليات البرنامج عرضاً للرؤى العالمية حول مهنة المحاسبة والاستشارات يقدمه الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة، توني ساكري، واستعراض لقدرات الشركات الأعضاء في المناطق الثلاث مع التركيز على بناء الشراكات والتعاون، وتعزيز فرص التواصل بين المشاركين من خلال مناقشات تفاعلية وجولات ثقافية اختيارية.


الأسواق الخليجية تترقب تحركات «الفيدرالي» وسط موجة صعود متقلبة

مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
TT

الأسواق الخليجية تترقب تحركات «الفيدرالي» وسط موجة صعود متقلبة

مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)

شهدت أسواق الأسهم الخليجية ارتفاعاً ملحوظاً في أولى جلسات الأسبوع، متأثرة بتوقعات دعم محتمل من خفض الفائدة الأميركية وصعود أسعار النفط، بعد موجة من التراجع الأسبوع الماضي. فقد واصل المؤشر الرئيسي للبورصة السعودية «تاسي» الصعود للجلسة الثالثة على التوالي، مسجلاً مكاسب طفيفة عند 0.3 في المائة، بعد أن كان أغلق الأسبوع الماضي بخسائر للأسبوع الخامس على التوالي، في أطول موجة هبوط منذ نهاية 2022.

ويترقب المستثمرون قرار اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المزمع يومي الثلاثاء والأربعاء، الذي قد يشهد خفض الفائدة للمرة الثالثة هذا العام لدعم سوق العمل المتباطئة، أو الإبقاء عليها مرتفعة لمواجهة التضخم الذي لا يزال أعلى من المستهدف، البالغ 2 في المائة.

وسط هذه البيئة، تمرُّ الأسواق الخليجية بمرحلة توازن دقيقة بين الضغوط الخارجية والفرص الداخلية، مع متابعة دقيقة لتحركات أسعار النفط والقرارات الاقتصادية الكبرى في المنطقة والعالم.