أعاد اتفاق أميركي - إسرائيلي بإطلاق خط أنابيب لمصر الحديث عن الصفقة الإسرائيلية - المصرية، التي لوّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتجميدها قبل نحو أسبوعين في ظل توتراته المتكررة مع القاهرة.
ذلك التأكيد الأميركي - الإسرائيلي للصفقة مع مصر، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يتجاوز ما وصفوه بـ«مكايدات نتنياهو ومناوراته السياسية»، ويؤكد أن المصالح الاقتصادية لها أولوية بعيداً عن «الحسابات الشخصية».
وأعلنت شركة «شيفرون» الأميركية، في بيان نقلته «رويترز»، الثلاثاء، توقيع اتفاق مع شركة «خطوط الغاز الطبيعي» الإسرائيلية المملوكة للدولة، لإطلاق مشروع خط الأنابيب الجديد «نيتسانا»، لنقل الغاز من حقل «ليفياثان» الذي يحتوي على احتياطات تُقدّر بنحو 600 مليار متر مكعب إلى مصر.
ووفق «شيفرون»، فإن خط «نيتسانا» سينقل نحو 600 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً عند اكتمال بنائه خلال 3 سنوات، ما سيرفع إجمالي القدرة التصديرية لإسرائيل إلى مصر لأكثر من 2.2 مليار قدم مكعبة يومياً.
وكانت الشركات المالكة لحقل «ليفياثان» - وهي «نيو ميد» التابعة لمجموعة «ديليك» التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي إسحاق تشوفا و«شيفرون» و«راتيو إنرجيز» - قد وقعت الشهر الماضي صفقة تصدير ضخمة بقيمة 35 مليار دولار لتوريد الغاز إلى مصر، فيما وصف وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، تلك الصفقة، حينها، بأنها «الكبرى في تاريخ» إسرائيل.
وعقب ضجة بمنصات التواصل بشأن تأثير ذلك الاتفاق على الموقف المصري كوسيط في ملف غزة، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي أغسطس (آب) الماضي، إن تمديد الاتفاقية السارية من 2019 إلى 2040 «لن يؤثر على موقف مصر القوي الواضح منذ وقوع الأزمة في غزة»، ورفضها كل محاولات «تصفية القضية الفلسطينية، أو تهجير أشقائنا الفلسطينيين من أراضيهم».
للمصالح الاقتصادية شأن آخر
في أوائل سبتمبر (أيلول) الحالي، أفادت صحيفة «يسرائيل هيوم» بأن نتنياهو أصدر توجيهات «بعدم المضي في اتفاق الغاز الضخم مع مصر من دون موافقته الشخصية»، على أن يبحث مع وزير الطاقة وعضو مجلس الوزراء السياسي والأمني المصغر (الكابينت) إيلي كوهين «ما إذا كان ينبغي المضي في الاتفاق، وكيفية القيام بذلك»، قبل أن يتخذ قراراً نهائياً بهذا الشأن.
جاء ذلك في ضوء مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدم التزام مصر بتعهداتها بموجب اتفاقية السلام. وعدَّت الصحيفة القرار «ضغطاً اقتصادياً على مصر في ظل حاجتها للغاز الإسرائيلي».
وأوضح وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال أن «هذا تأكيد على أن مصر لم ولن يكون الغاز ورقة ضغط عليها، وأن مواقفها واضحة ولا تتغير، وأن الطرف الآخر هو مَن يراجع نفسه».
ويعتقد الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء سمير فرج أن المصالح الاقتصادية «انتصرت على مكايدات نتنياهو، خاصة أن إسرائيل في ورطة: ماذا ستفعل بكميات الغاز الزائدة على الاستخدام المحلي؟»، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يخاطب الداخل وهو يعلم أنه لا يستطيع أن يمضي في تلك المواقف نهائياً.
ويرى خبير البترول المصري عضو «مجلس الطاقة العالمي»، الدكتور ماهر عزيز، أن المضي في الاتفاق من جانب شركة أميركية وأخرى إسرائيلية يؤكد أن حديث نتنياهو كان مجرد مناورة سياسية لكن الصفقة قائمة وحسابات الطاقة ومصالحها تجاوزت رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ونبه إلى أن الأوضاع الاقتصادية تتجاوز الحروب، فهناك دول في صراع ومواجهات عسكرية ولكن النشاط الاقتصادي يستمر بشكل موازٍ، ضارباً المثل بحدوث تعاون بين دول أوروبية مع روسيا في قطاع الطاقة رغم دعمها لأوكرانيا.
وتحدّت مصر نتنياهو أن يمسّ الاتفاق الجديد، بحسب ما جاء على لسان ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، عقب تلك التسريبات الإسرائيلية التي أفادت بأن نتنياهو يدرس تعليق الاتفاقية الحيوية للقاهرة لإمدادها بالطاقة.
وقال رشوان آنذاك: «أنصح نتنياهو، وأتمنى إلغاء صفقة الغاز إن كان يستطيع تحمل النتائج الاقتصادية»، موضحاً أن الصفقة مهمة اقتصادياً للطرفين لكن الكفة «تميل أكثر لإسرائيل».
وأشار المسؤول المصري إلى أن بلاده تستخدم هذا الغاز في الداخل وجزء آخر يتم تسييله وإعادة تصديره، معتبراً أن مصر لن تواجه أي أزمة حالياً مع قرب انتهاء فصل الصيف إذا علّقت إسرائيل ضخ إمدادات الغاز.
وأكد أن مصر لديها بدائل كثيرة في ملف الطاقة والغاز، وأن نتنياهو «واهم تماماً» إذا كان يرى أن مصر ليس لديها سوى هذا المسار في مواجهة أزمة طاقة، متابعاً: «لا أدافع ولكن أتحدث عن معلومات بأن مصر لديها بدائل وسيناريوهات لما يمكن أن يحدث».
ولفت الوزير المصري الأسبق أسامة كمال إلى أن ما قاد لهذا التغيير في المواقف من جانب الطرف الآخر هو أن لمصر أوراق قوة وليست في موقف ضعف، خاصة مع البدائل التي سعت لتوفيرها لدعم قطاع الغاز وتفادي أي عجز.
وشدد اللواء فرج على أن موقف مصر ثابت وقوي ولا يمكن لأحد أن يفرض عليها شيئاً أو ينتقص من حقوقها، خاصة أن لديها بدائل حقيقية وإسرائيل تعلم ذلك، مشدداً على أن المصالح الاقتصادية لم ولن تمسّ مواقف مصر الثابتة والداعمة للحق الفلسطيني، ولن تحمل أي تغيير في التوتر بين نتنياهو ومصر في الوقت الحالي، خاصة أن التصعيد لا يزال مستمراً.
ويعتقد خبير البترول ماهر عزيز أن التعاون الاقتصادي يخفف عادة من التوترات «ويجعل البعض يتراجع عن قراراته المندفعة، كما فعل نتنياهو»، مشدداً على أن خطابات مصر كانت بمثابة إنذار سياسي واضح يحمل رسائل واضحة بأنها لم ولن تغير مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني.





