كان فيل فودين أحد أبرز ألغاز الموسم الماضي بالنسبة لمانشستر سيتي. فمنذ أن كان فودين لاعباً صغيراً في السن، كان الجميع يعلم مدى جودته وإمكاناته. وتألق بشكل لافت للأنظار بعد بلوغه السابعة عشرة من عمره، حين فازت إنجلترا بكأس العالم تحت 17 عاماً عام 2017، وكانت هناك مطالبات كبيرة للدفع به في صفوف الفريق الأول لمانشستر سيتي قبل وقتٍ طويلٍ من بدء جوسيب غوارديولا في إشراكه بشكل منتظم في موسم 2020-2021. وعلى مدار أربعة مواسم، كان فودين أحد أفضل لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز، قبل أن يتراجع مستواه فجأة، على الأقل وفقاً للمعايير الاستثنائية التي وضعها هو بنفسه.
لم يُقدم فودين أداءً جيداً في بطولة كأس الأمم الأوروبية 2024، بل لم يُقدم أبداً أفضل ما لديه مع منتخب إنجلترا، ربما لأنه يلعب مع نادٍ يعتمد على طريقة لعب مختلفة تماما. فبمجرد أن يخرج فودين من تلك البيئة المنضبطة للغاية في مانشستر سيتي والتي يعرف فيها متى وكيف يركض، وأين سيتحرك زملاؤه، فإنه يجد صعوبة كبيرة في التأقلم والتكيف. لم يُقدم منتخب إنجلترا أداءً جيداً في كأس الأمم الأوروبية الأخيرة، رغم وصوله إلى النهائي، وكان خط الهجوم يعاني من حالة من الارتباك ويفتقر إلى التوازن الذي كانت تتميز به الفرق السابقة تحت قيادة غاريث ساوثغيت.
لكن لماذا لم يتمكن فودين من استعادة مستواه مع بداية الموسم الجديد؟ من المألوف أن يعاني اللاعبون الذين شاركوا مع أندية وصلت لمراحل بعيدة في البطولات الصيفية من الإرهاق وأن يبدأوا الموسم التالي ببطء. لكن فودين لم يتمكن أبداً من استعادة مستواه. لقد عانى من المرض مرتين، وتعرض لإصابة في الكاحل، ورغم أن ذلك قد أثر بالفعل على مستواه خلال الموسم، فإنه لم يُعانِ من أي أمراض أو إصابات مزمنة. لقد شارك في التشكيلة الأساسية لمانشستر سيتي في 20 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز، وشارك بديلاً في ثماني مناسبات، وسجل سبعة أهداف، لكنه لم يستعد مستواه الحقيقي. ورغم التعاقدات الجديدة التي أبرمها مانشستر سيتي هذا العام، فإن إحدى أهم مهام غوارديولا تتمثل في مساعدة فودين على تقديم أفضل مستوياته مرة أخرى.
شارك فودين بديلاً في المباراة التي خسرها مانشستر سيتي أمام توتنهام، وبدأ أساسياً لأول مرة هذا الموسم في المباراة التي سحق فيها السيتي مانشستر يونايتد بثلاثية نظيفة. سيكون من عدم الحكمة المبالغة بشأن ما قدمه مانشستر سيتي أمام مانشستر يونايتد المتواضع والذي يعاني من الكثير من المشكلات تحت قيادة مديره الفني البرتغالي روبن أموريم، لكن كانت هناك علامات ومؤشرات واعدة لسيتي. وكانت الشراكة بين فودين وجيريمي دوكو، الذي يعد نوعا مختلفا تماماً من المهاجمين على الأطراف، مثيرة للاهتمام حقاً: دوكو يركض نحو المنافسين ويراوغهم ويتفوق عليهم بمهارة فنية رائعة، في حين ينطلق فودين إلى الداخل ويخلق الفرص من خلال تمريراته المتقنة وتحركاته الذكية.

وكان الهدف الأول لمانشستر سيتي في مرمى مانشستر يونايتد نموذجياً في هذا الصدد. فعندما مرر رودري الكرة إلى دوكو على الناحية اليمنى، وجد فودين مساحة في منتصف منطقة الجزاء - على الرغم من أن كل لاعبي مانشستر يونايتد كانوا في الثلث الدفاعي. ومرة أخرى، ينبغي التأكيد على أنه لا ينبغي المبالغة في ما قدمه مانشستر سيتي في هذه المباراة، نظراً لأن لاعبي مانشستر يونايتد غير قادرين على التمركز بشكل جيد داخل الملعب. وعندما وصلت الكرة العرضية إلى فودين، سددها برأسه بطريقة ذكية لتتجاوز ألتاي بايندير وتدخل المرمى. وأظهرت الابتسامة العريضة التي ارتسمت على وجه فودين مدى أهمية هذا الهدف بالنسبة له، خاصة أنه أول هدف له في الدوري منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقال غوارديولا: «لقد افتقدناه كثيراً، ونحن بحاجة ماسة إليه هذا الموسم. كان يتحرك خلف المهاجمين في هذا المركز، ولديه حس تهديفي رائع وإحساس بالتمركز الصحيح، وجودة كبيرة تمكنه من الاحتفاظ بالكرة. أحب اللاعبين الذين يلعبون خلف المهاجمين - معظمهم يمررون الكرة ويقفون ليشاهدوا مدى جودة تمريرهم، لكن فودين يمرر وينطلق إلى منطقة الجزاء بكل قوة ويسجل. عندما يتسلم الكرة يكون متحمساً للغاية، لأنه يعرف أنه قادر على هز الشباك». وأضاف المدير الفني الإسباني: «لا يمكننا أن ننسى ما حدث قبل موسمين، عندما فزنا في المباراة الأخيرة ضد وست هام، فقد كان أهم لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، وربما كان اللاعب الرئيسي في الفوز بذلك الدوري، بفضل أهدافه الحاسمة ونجاحه في تقديم مستويات ثابتة. لكن خلال الموسم الماضي، لم يتمكن من الوجود معنا بسبب الإصابات، ولأسباب أخرى. وهذا الموسم، تعرض أيضاً لكدمات وإصابات، لكن نأمل أن يستعيد مستواه تدريجياً، خاصة بعد الأداء القوي الذي قدمه اليوم أمام مانشستر يونايتد. لقد كانت مباراة مميزة بالنسبة له، لأنه قدم أداء قوياً: إنه يحظى بالدعم الكافي، ويُمكنه فعل ما يُجيده. ونحن نستمتع بالسعادة التي ترتسم على وجهه».
من المؤكد أن مباراة الديربي تعني الكثير في مدينة مانشستر، لكن الشعور السائد لدى فودين هو أن اللعب بحرية وثقة مجدداً، والتسجيل، يعني الكثير في حد ذاته. يحتاج فودين إلى اللعب بشكل جيد إذا كان يريد حقاً الانضمام إلى قائمة المنتخب الإنجليزي في نهائيات كأس العالم العام المقبل، خاصة أن هناك الكثير من اللاعبين المبدعين الآخرين الذين يتنافسون على الانضمام لقائمة منتخب الأسود الثلاثة. وإذا كان مانشستر سيتي بحاجة إلى فودين في الموسم الماضي، فإن هذا الاحتياج أصبح أكثر إلحاحاً الآن بعد رحيل النجم البلجيكي كيفن دي بروين. ما زال الوقت مبكراً، وستكون هناك اختبارات أصعب بكثير من مانشستر يونايتد، لكن مباراة الديربي قدمت أسباباً تدعو للتفاؤل!
* خدمة «الغارديان»
