توفي النجم والمخرج الأميركي روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عاماً، تاركاً إرثاً غنياً يتعدى السينما واهتماماته الإنسانية والبيئية إلى عالم الموضة. لم يسعَ لأن يكون مؤثراً في هذا المجال، بل إنه كان يستغرب أحياناً لقب «النجم الوسيم»، واهتمام الناس بمظهره الخارجي. في تصريح له عام 1984، وأثناء الترويج لفيلمه «The Natural» عبر عن استيائه من تركيز وسائل الإعلام على مظهره بدلاً من القضايا الإنسانية والبيئية التي كان يريد تسليط الضوء عليها، قائلاً: «عندما نتحدث عن قضية مهمة، يتردد السؤال عما ترتديه، وما هو طولك، وهل أسنانك طبيعية».

وفي مقابلة أجرتها معه مجلة «إيسكواير» عام 2011 شرح رفضه التركيز على الوسامة بقوله: «عندما كنت صغيراً، لم يقل لي أحد إنني وسيم، أتمنى الآن لو أنهم فعلوا، ربما كنت سأستمتع بالأمر أكثر». رغم هذا الرفض، تصدرت صوره أغلفة المجلات البراقة مثل «جي كيو» عام 1974 تحت عنوان: «الفيلم الذي يؤثر على ما ترتديه». الفيلم المقصود كان «ذي غرايت غاتسبي». وفي عام 1988، ظهر على غلاف مجلة «إسكواير» ببدلة داكنة رسخت صورته كممثل للأناقة الأميركية العفوية.

والحقيقة أنه كان هناك من هم أكثر وسامة منه، من أبناء جيله ومن جاءوا بعدهم، مثل وارن بيتي وبول نيومان ثم براد بيت وجورج كلوني وغيرهم، إلا أن تأثيرهم في عالم الأزياء أقل. كان بشعره الأشقر المائل إلى الأحمر وابتسامته التي كانت تضئ وجهه، يتمتع بكاريزما نادرة تمنحه هالة من الرقي وتجعل تأثيره على ثقافة الشارع أمراً بديهياً وكأنه قدر.
باستثناء النجم ريتشارد غير، الذي غيَر وجه الموضة الرجالية في السبعينات بعد تعاونه مع المصمم الراحل جورجيو أرماني في فيلم «ذي أميركان جيغولو»، كان ريدفورد مؤثراً من العيار الثقيل. كان ولا يزال حتى بعد تعديه الثمانين بسنوات، يعكس الأناقة الأميركية بسلاسة وعفوية. الطريف أن في لامبالاته وعدم اهتمامه يكمن سحره وجاذبيته.

أدوار متنوعة... أساليب كثيرة
لستة عقود، جسَد شخصيات كثيرة ومتنوعة، منها الصحافي بأزيائه الرسمية والرياضي والعميل السري بالمعطف الممطر والسياسي ورجل القانون بربطة العنق التقليدية، والخارج عن القانون بالجينز، والمحب الولهان بالبدلات ذات الألوان الفاتحة وهلم جرا. كانت له قدرة عجيبة على منح الأزياء والإكسسوارات لغة واضحة، تمكنها من أداء الشخصية على أحسن وجه. أسلوبه الآن مرجعاً للمصممين، سواء كان بنطلون جينز مع قميص مفتوح أو كنزة بياقة عالية، أو كان «توكسيدو» أو بدلة مغرقة في الكلاسيكية تتكوَن من ثلاث قطع: سترة بأزرار مزدوجة وبنطلون وصديري.
ذي غرايت غاتسبي

ربما يكون دوره الأكثر تأثيراً في عالم الموضة منذ السبعينات إلى يومنا هذا، في فيلم «ذي غرايت غاتسبي» The Great Gatsby للكاتب ف. سكوت فيتزجيرالد، والذي صدر عام 1974. تم اقتباس الرواية في عدة أفلام بعده مباشرة، لكن الصورة التي رسمها للبطل جاي غاتسبي، بكل عنفوانه وضعفه، هي الراسخة في الأذهان لحد الآن. حتى النجم ليوناردو دي كابريو، الذي جسَد نفس الشخصية في نسخة عام 2013، لم يرتقِ إلى نفس الدرجة من التأثير. كان تأثيره على الموضة آنياً.

بعد صدور الفيلم في عام 1974، راجت البدلة ذات الألوان الكريمية والوردية وغيرها من الدرجات الفاتحة، إلى جانب البدلة الرسمية بكل إكسسواراتها مثل منديل الجيب وربطة العنق وغيرها. كانت في غاية الأناقة، وربما التنميق، وهو ما كان مهماً لتجسيد الحلم الأميركي وعصر الجاز في العشرينيات من القرن الماضي، ومع ذلك ظهر فيها ريدفورد غير متكلف أو متصنع. في هذا الدور، وقعت نساء العالم في غرامه، بينما أغرم رجال العالم بأسلوبه.
إرث مستمر

المصمم رالف لورين، الذي صمم ملابس ريدفورد في الفيلم أشار في نعيه له إلى عمق تأثيره قائلاً: «كان ريدفورد نجم أميركا السينمائي... من «غاتسبي» إلى (سندانس كيد)، لكن التزامه بفنه واهتماماته الإنسانية والبيئية ستكون إرثه الحقيقي. سنفتقد فرحته ونظرته المتفائلة للحياة». رالف لورين لا يزال يقدم نفس التصاميم في كل المواسم. يطورها لتواكب العصر، لكنها تستلهم دائماً من البطل جاي غاتسبي وتعيد ذكراه.
















