في خطوة تعكس التوجه نحو ترسيخ الهوية الثقافية المصرية وتعزيز حضور الفنون التراثية في المشهد العام، أعلنت وزارة الثقافة المصرية عن تخصيص يوم 18 مارس (آذار) من كل عام ليكون احتفالاً بـ«اليوم المصري للفن الشعبي»، وهو الإعلان الذي جاء خلال احتفال مصر بـ«اليوم المصري للموسيقى».
وأعلن وزير الثقافة المصري، أحمد فؤاد هَنو، أن اختيار ذلك التاريخ تحديداً يأتي تزامناً مع ذكرى ميلاد رائد الرقص والفن الشعبي المصري الراحل محمود رضا، الذي أسس مدرسة متفردة في التعبير عن جماليات الروح المصرية عبر الفنون الشعبية، موضحاً أن «هذا اليوم سيشهد انطلاق ملتقى القاهرة الأول للغناء الشعبي، الذي يجمع مختلف ألوان الغناء الشعبي من تنويعات ثقافية متعددة، إلى جانب إبداعات الفرق المستقلة والخاصة، ليكون نافذة للتعريف بثراء الهوية المصرية وتنوعها»، وفق بيان لوزارة الثقافة، الثلاثاء.
وولد محمود رضا عام 1930 بالقاهرة، وتوفي بها عام 2020، وهو مؤسس «فرقة رضا للفنون الشعبية» مع شقيقه الراحل علي رضا، عام 1959، التي تعد أهم وأشهر الفرق الاستعراضية العربية، التي تخصصت في تقديم الفنون الشعبية بشكل منظم، ووضعت الكثير من تصميمات الاستعراضات التي وصلت بالفرقة إلى العالمية، وكانت وراء اكتشاف الكثير من المواهب الفنية.

كان وزير الثقافة المصري شهد، الاثنين، احتفالية تدشين الموسم الأول لـ«اليوم المصري للموسيقى»، الذي اختير أيضاً ليواكب ذكرى أحد أهم المجددين في الموسيقى العربية، الفنان سيد درويش (1892 – 1923)، حيث تم تخصيص 15 سبتمبر (أيلول) من كل عام كاحتفال وطني سنوي يعزز مكانة الموسيقى المصرية كجزء من الهوية الوطنية وقوة مصر الناعمة.
ويشهد برنامج الاحتفالات تقديم 100 فعالية في أكثر من 80 موقعاً بالقاهرة والمحافظات في وقت واحد، تتنوع بين العروض الفنية الغنائية والموسيقية، والندوات، والمعارض الفنية، ومعارض الكتب، وفتح المتاحف الفنية بالمجان، بمشاركة قطاعات الوزارة المختلفة.
وحرص وزير الثقافة خلال الاحتفالية على تكريم عدد من الشخصيات والأسماء البارزة تقديراً لإسهاماتهم في إثراء المشهد الموسيقي المصري، حيث تضمنت قائمة المكرمين: اسم الموسيقار الراحل سيد مكاوي، والموسيقار راجح داوود، والفنان توفيق فودة، والفنانة نسمة عبد العزيز، والموسيقار علي سعد، والفنانة فاطمة عيد.
وخلال كلمته، قال هَنو: «كانت أدوات الموسيقى في عصور المصريين القدماء جزءاً من الحياة اليومية؛ يصدح بها الفلاح، ويتغنى بها الكهنة في المعابد، وترافق الاحتفالات والأعياد، وعلى جدران المعابد وُثّقت الآلات الموسيقية التي جسدت قدسيتها، فهي لغة للتعبير الإنساني في الطقوس والمناسبات، ووسيلة للبهجة في الحياة اليومية، ومن هنا بدأ أجدادنا الفن وقدّروه، ومنهم انتشرت الفنون والعلوم إلى العالم كله».

وأضاف: «لقد كانت الموسيقى دائماً تعبيراً صادقاً عن الشخصية المصرية، في قوتها وحنانها، في فرحها ونضالها، وهي التي جمعت المصريين في الميادين ورافقتهم في البيوت، وظلت لساناً يترجم مشاعرهم وأحلامهم، ومن هنا يأتي تخصيص يوم وطني للموسيقى كتقدير لدورها في تشكيل وجدان الأمة».
من جانبها، عبرت مديرة فرقة رضا للفنون الشعبية، الدكتورة إيناس عبد العزيز، عن سعادتها البالغة تجاه قرار تخصيص يوم 18 مارس من كل عام ليكون احتفالاً بـ«اليوم المصري للفن الشعبي»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «اختيار تاريخ ميلاد الراحل محمود رضا، ليكون يوماً للفن الشعبي، هو احتفاء بمكانة مؤسس الفرقة وأيقونة الرقص الشعبي المصري، الذي كان أول من قدّم الفن الشعبي المصري على خشبة المسرح بشكل احترافي، ونجح في نقله إلى العالم، ليصبح سفيراً للهوية المصرية بكل تنوعاتها وجمالياتها».
وتابعت: «بالنسبة لي، كواحدة من تلاميذ محمود رضا، فإنني ممتنة لهذا الإعلان الذي يحفظ ويوثق إرث الفنان الراحل ومسيرته الفنية، كما أنه يعكس كيف أن الدولة تولي اهتماماً رسمياً بهذا الفن الذي يمثل تراثنا الأصيل، كما أن هذا القرار سيساعد في جذب الجيل الجديد للفن الشعبي، بعد أن تراجعت مكانته لديهم في السنوات الأخيرة، حيث إن وجود احتفالية سنوية ستعمل على ارتباط الشباب بجذورهم الثقافية، وتعريفهم بالفن الشعبي كجزء من الهوية الوطنية».

وأضافت: «سنبدأ في التحضير لهذا اليوم، ونعكف على وضع تصور متكامل للاحتفالية، التي نأمل أن تتحول إلى مهرجان سنوي يعكس اهتمام مصر بالفن الشعبي أمام العالم، لدينا أفكار كثيرة، وسنحرص على تقديم أبرز الرقصات التي أبدعها محمود رضا، بمشاركة الفرقة، في عروض تليق بمكانته، وبما يعمل على مزيد من الترويج للفن الشعبي المصري عالمياً».
يذكر أن فرقة رضا قدمت العديد من الاستعراضات الشعبية الشهيرة، مثل «حلاوة شمسنا»، و«الأقصر بلدنا»، و«رقصة اللمونة»، و«الفلاحين»، و«الإسكندراني»، و«التنورة»، و«التحطيب»، و«الكرنبة والنوبة»، وغيرها من الأغاني التراثية التي ذاع صيتها محلياً وعربياً وعالمياً.



