مع بدء العد التنازلي لانطلاق سباق انتخابات مجلس النواب المصري، المقرر عقدها نهاية العام الحالي، بدأت تحركات مكثفة لعائلات بارزة في قرى الدلتا وصعيد مصر، تشمل لقاءات مع قواعدها الشعبية للإعلان عن تقديم مرشحين، أو بناء تحالفات أوسع لتوطيد نفوذها السياسي والاجتماعي.
ورغم تغيّر المشهد الانتخابي عن الماضي، من حيث النظام القانوني للعملية، والتركيبة السياسية للأحزاب المشاركة، فإن تأثير هذه العائلات لا زال حاضراً بقوة، وإن تداخل مع دور المال السياسي.
يظهر ذلك جلياً في تحركات تشهدها عائلة «أباظة» بمحافظة الشرقية، حيث بدأ النائب فؤاد أباظة استعداداته المبكرة لدورة برلمانية جديدة، مستنداً إلى شبكة علاقات عائلية واسعة، وهو ما ظهر في نشاط حسابه الرسمي عبر موقع «فيسبوك».
وعائلة أباظة، التي ارتبط اسمها بالبرلمان المصري منذ العهد الملكي قبل ثورة يوليو (تموز) 1952، عُرفت بأدوارها النيابية وتحالفاتها التي عزَّزت حضورها السياسي على مدار عقود.

هذا المشهد يتكرَّر في قرى أخرى، مثل قرية برما بمحافظة الغربية، التي تشهد نشاطاً اجتماعياً من مرشحين محتملين من عائلات بارزة مثل «الذهبي»، حيث رُصدت تحركاتهم في القرى والعزب المجاورة؛ بهدف ترسيخ تحالفاتهم قبل بدء السباق الانتخابي.
ويعتقد الدكتور عمرو هاشم ربيع، المستشار بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أن «التوازنات العائلية والتحالفات والقبلية تلعب دوراً مؤثراً في حسم مقاعد البرلمان المقبل، خصوصاً في المقاعد الفردية».
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «تحكم قواعد التركيبات العائلية والنفوذ القبلي، بشكل كبير، اختيارات الأحزاب السياسية لمرشحيها في نظام القوائم المغلقة، أخذاً في الاعتبار أن الاتصال الشخصي يحدِّد سلوك الناخب خلال اختياراته لمرشحيه».
ولم يُفتح بعد باب الترشح لانتخابات مجلس النواب رسمياً، لكن وفق القانون يجب إجراء الانتخابات قبل 60 يوماً من انتهاء مدة المجلس الحالي في يناير (كانون الثاني) 2026، أي قبل نهاية عام 2025.
وينص القانون على أن يتألف مجلس النواب من 568 عضواً منتخباً، نصفهم بالنظام الفردي، والنصف الآخر بنظام القوائم المغلقة المطلقة، التي تمنح الفوز الكامل للقائمة الحاصلة على أعلى الأصوات.
ويترسخ تأثير العصبيات العائلية بشكل أعمق في صعيد مصر. ففي أغسطس (آب) الماضي، عقدت قبيلة «الحميدات» بمحافظة قنا، وهي أحد فروع قبيلة «الهوارة»، مجمعاً انتخابياً لاختيار مرشح وحيد لها، في خطوة هدفت لتوحيد الصف ومنع تشتت الأصوات، بما يعكس - وحسب متابعين - الدور المحوري للقبيلة في حسم المنافسة.
وسلطت دراسة أكاديمية، أعدّها الباحث السياسي حازم عمر، الضوء على السلوك الانتخابي في محافظة سوهاج، التي تُعدّ من أكثر مناطق صعيد مصر زخماً بالنفوذ العائلي، عادّاً أن هذا النفوذ مستمر بفعل «المكانة الاجتماعية الموروثة، والتحالفات القبلية».

وفي قرية الغرق بمحافظة الفيوم فإن «الولاء القبلي يحفز المشاركة في الانتخابات»، حسب ورقة أكاديمية أعدّتها الباحثة، الدكتورة إيمان هيكل، لكنها حذَّرت من أن هذا الولاء «يضعف المنافسة الحقيقية»، محوّلاً العملية الانتخابية إلى «صراع عائلي» يستمر حتى بعد إعلان النتائج.
ولا يتوقف المشهد الانتخابي عند حدود العصبيات التقليدية. فوفق علاء عصام، عضو مجلس النواب وأمين الشباب بحزب «التجمع»، أصبح المال السياسي لاعباً بارزاً في السباق الانتخابي. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قد تشهد الانتخابات المقبلة منافسةً بين مرشحَين من العائلة نفسها، سيحسمها الأغنى والأكثر إنفاقاً، لا الأكثر وجاهة أو حضوراً اجتماعياً».
ولفت عصام إلى أن تحديد رسوم الترشح عند 30 ألف جنيه مصري (نحو 650 دولاراً) يحدّ من قدرة المرشحين محدودي الدخل على خوض السباق، مضيفاً: «وخلال الانتخابات يصوِّت بعض الناخبين لأقاربهم أو مقابل مكاسب مادية مباشرة».
ورأى أن هذا الواقع «يجعل البرلمان أقل تمثيلاً للفئات الفقيرة والمتوسطة، ويمنح الأفضلية للمرشحين المدعومين بمال سياسي ضخم، أو ولاء قبلي متين».
في المقابل، يرى سياسيون آخرون أن توسع الدوائر الانتخابية واعتماد نظام القوائم حدَّا من تأثير التحالفات العائلية التقليدية.
يقول النائب السابق إسماعيل الشرقاوي إن دمج بعض الدوائر «أضعف الروابط القبلية والعائلية في مسار الانتخابات»، موضحاً: «كانت دائرتي سابقاً تقتصر على قرية واحدة وعدد من القرى والعزب المجاورة، أما الآن فهي تشمل نطاق مركز إداري كامل، ما جعل تأثير العائلات أقل مقارنة بالمال السياسي والأحزاب».
ورغم تأكيده على أهمية نظام القوائم في تنشيط الحياة الحزبية، فإن الشرقاوي انتهى إلى التحذير من أن هذا النظام «قد يضعف التواصل المباشر بين النائب وأبناء دائرته، ويقضي على الدور التاريخي للنواب في ربط القرى بالإدارة السياسية في العاصمة».




