قال المخرج الفلسطيني سعيد زاغة إن فيلمه القصير الجديد «مهدد بالانقراض» (Coyotes) وُلد من تجربة شخصية عميقة، ومن شعور متراكم بضرورة صياغة رد سينمائي على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ممارسات قمعية متواصلة. وأوضح أن القصة التي يطرحها العمل تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها دلالات أوسع تتصل بمفهوم الإنسان حين يُدفع إلى زاوية ضيقة بلا مهرب.
وعُرض الفيلم للمرة الأولى ضمن فعاليات الدورة الماضية من مهرجان «فينسيا السينمائي الدولي» بدورته الـ82 في قسم «آفاق»، وتدور أحداثه في 20 دقيقة حول طبيبة فلسطينية تسير في طريق عودتها من عملها بعد ليلة طويلة، لكن الطريق المهجور الذي تسلكه في الضفة الغربية يغير حياتها للأبد.
وأكد زاغة أنه بدأ التفكير في الفيلم منذ عام 2020، حيث كتب مسودة أولى ثم أجرى عليها تعديلات عديدة حتى استقرت الصياغة النهائية بالتعاون مع المنتجة ميريام ساسين، مضيفاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «اتفقنا على إنجاز الفيلم باعتباره عملاً قصيراً قبل خوضي تجربتي الأولى في الفيلم الطويل الذي أحضّر له حالياً، خصوصاً أن التطورات السياسية والإنسانية الأخيرة جعلت الفكرة أكثر إلحاحاً وأقوى تعبيراً عن اللحظة الراهنة».

وأوضح أن «التصوير جرى في صيف العام الماضي، والموقع المفترض للأحداث يقع بين أريحا ورام الله على طريق المعرجات داخل الجبال، إلا أن الظروف الأمنية حالت دون التصوير هناك؛ لكون المكان شديد الخطورة»، مشيراً إلى أنهم اضطروا إلى نقل مواقع التصوير إلى الأردن، باعتبار أنهم لم يضمنوا إمكانية دخول فريق العمل إلى فلسطين، خصوصاً مدير التصوير الإيطالي.
وأشار إلى أنهم صوّروا بعض المشاهد الخاصة بالذئاب في بودابست بالمجر، ثم أضافوا مؤثرات بصرية لتعزيز حضورها داخل العمل، مؤكداً أن «الذئاب ليست مجرد عنصر جمالي، وإنما كائن حاضر في البيئة الأصلية للمكان، ويحمل رمزية إضافية ترتبط بالخوف والمطاردة».
وقال زاغة إن «اختيار الممثلين كان خطوة حاسمة في مسار الفيلم، حيث استعنت بالفنان الفلسطيني علي سليمان، الذي أعتبره شريكاً إبداعياً، فهذا الفيلم يمثل ثالث تعاون بيننا، وفي كثير من الأحيان أكتب العمل وفي ذهني شخصية يؤديها سليمان، بل سيكون أيضاً بطل فيلمي الطويل الأول».
ووصف المخرج الفلسطيني الفنانة ماريا زريق، بأنها «ممثلة مميزة وتتمتع بقدرة تمثيلية خاصة، لذلك حرصت على الاستفادة منها، إلى جانب الممثلة اللبنانية يمنى مروان التي يعود اختيارها لقدرتها على إجادة اللهجة الفلسطينية وعلى الارتجال، فقد كنت حريصاً على أن يعيش الممثلون الشخصيات بعمق، ويجدون أنفسهم داخلها».
وأكد زاغة أن الفيلم «كان تجربة صعبة من الناحيتين النفسية والفنية، خصوصاً مشهد النهاية الذي كان الأكثر تعقيداً وتصويراً وتحضيراً، إذ كان يجب أن يترك أثراً قوياً في نفس الجمهور».

وأوضح أن الأفلام القصيرة تتميز بضغط الزمن، مما يجعل إيصال الفكرة والمشاعر يتطلب دقة شديدة، خصوصاً في بناء التوتر وتقديم خاتمة قادرة على هز الجمهور والتأثير فيه.
وحول رحلة الحصول على تمويل ودعم للفيلم، وصف المخرج الفلسطيني هذه المرحلة بأنها «كانت صعبة للغاية؛ لتزامنها مع تصاعد الحرب داخل فلسطين»، مشيراً إلى أن «بعض الجمهور في الخارج يترقب الأفلام الفلسطينية، لكن ذلك لا يلغي حجم التحديات التي تواجه صناع السينما في تجاربهم لكي تخرج أعمالهم للنور».
وعبّر سعيد زاغة عن سعادته باختيار فيلمه للعرض والتنافس بمهرجان «فينسيا» بدورته الماضية من بين آلاف الأفلام المتقدمة، مبدياً تفهمه لعدم حصوله على جائزة؛ لكون جميع الأفلام القصيرة المعروضة تتنافس على جائزة واحدة وتلعب الأذواق الشخصية عاملاً حاسماً في قرارات لجان التحكيم.
وأكد أنه لا يترقب الجوائز ولا يهتم بها بقدر ما يترقب تفاعل الجمهور مع فيلمه، معتبراً أن لحظة خروج المشاهد متأثراً هي الجائزة الحقيقية التي يسعى إليها، وقال: «أتمنى أن تترك أفلامي أثراً».

وحول انتقاله من تقديم تجارب تحمل طابعاً كوميدياً إلى أفلام التشويق، قال المخرج الفلسطيني إن «الكوميديا أصعب من التشويق؛ لأنها تعتمد على التوقيت المثالي للإيفيه، لكنني ابتعدت عن الكوميديا في السنوات الأخيرة لأن الأوضاع الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون لم تعد تسمح بمساحة للضحك»، مضيفاً: «لم أعد قادراً على إضحاك الناس حتى ولو كان ضحكاً باكياً، لذلك وجدت نفسي أميل إلى أعمال أكثر قتامة وتشويقاً».
وعن مشاريعه المقبلة، قال إنه يحضّر حالياً لفيلم طويل بعنوان «حشيشتان»، تدور أحداثه في قرية نائية بالمنطقة «ج» بالضفة الغربية، حيث يزرع الخارجون عن القانون نبات الحشيش، ومن خلال بطل الفيلم الميكانيكي الذي يستشهد نجله على يد شخص، فيقرر أن ينتقم، لتصبح القصة مرآة لعائلة تتعرض للتفكك إثر استشهاد أحد أبنائها.
وأوضح أن الفيلم سيُنتج بدعم من فلسطين والأردن وبرنامج «آفاق» ومهرجان «البحر الأحمر»، مرجحاً أن يُصوَّر في الأردن مع محاولة تخصيص يومين أو ثلاثة للتصوير في الضفة الغربية إذا سمحت الظروف؛ نظراً لطبيعة الأحداث، مع استحالة تصوير الفيلم بالكامل في المنطقة الحقيقية للأحداث.



