الحرب و«الكوليرا» يتفاقمان في دارفور وكردفان بالسودان

احتدام المعارك حول مدينتي الفاشر والأُبيّض

صورة جوية تظهر تصاعد الدخان من مخيم «زمزم» قرب مدينة الفاشر في دارفور أبريل الماضي (أ.ف.ب)
صورة جوية تظهر تصاعد الدخان من مخيم «زمزم» قرب مدينة الفاشر في دارفور أبريل الماضي (أ.ف.ب)
TT

الحرب و«الكوليرا» يتفاقمان في دارفور وكردفان بالسودان

صورة جوية تظهر تصاعد الدخان من مخيم «زمزم» قرب مدينة الفاشر في دارفور أبريل الماضي (أ.ف.ب)
صورة جوية تظهر تصاعد الدخان من مخيم «زمزم» قرب مدينة الفاشر في دارفور أبريل الماضي (أ.ف.ب)

قالت مصادر محلية في السودان إن المعارك المحتدمة في إقليمَي دارفور وكردفان، بالإضافة إلى تفشي مرض الكوليرا، أصبحا «يتفاقمان ويدمّران الإقليمَيْن وسكانهما». وأوضحت المصادر أن الفاشر، أكبر مدن إقليم دارفور، شهدت منذ فجر الاثنين اشتباكات عنيفة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» التي تحاصر المدينة منذ أكثر من عام.

وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش يواصل التصدي لهجمات متتالية تشنها «قوات الدعم السريع» على المناطق الجنوبية والشرقية من الفاشر، في محاولة للتقدم صوب مقر قيادة الفرقة العسكرية التابعة للجيش في وسط المدينة. وتُعد الفاشر المعقل الأخير للجيش وحلفائه في إقليم دارفور، في حين تسيطر «قوات الدعم السريع» على بقية الإقليم الشاسع.

وفي غضون ذلك، أعلنت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في السودان وفاة 25 شخصاً خلال 48 ساعة في إقليم دارفور غرب البلاد. ونقلت صحيفة «سودان تريبيون»، يوم الاثنين، عن المتحدث باسم المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال، قوله، في بيان صحافي، إن 12 شخصاً تُوفوا بالكوليرا يوم السبت، و13 شخصاً تُوفوا يوم الأحد.

وأكد ارتفاع العدد التراكمي للإصابات منذ تفشي الكوليرا إلى 11 ألفاً و733 حالة، منها 454 حالة وفاة، مشيراً إلى أن المناطق التي شهدت أعلى معدلات تفشٍّ للكوليرا مساحتها كبيرة (60 كيلومتراً غرب الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور)، بإجمالي 5417 حالة إصابة منذ تفشي المرض، بما في ذلك 78 حالة وفاة.

وأوضح المتحدث أن المنطقة سجلت 58 حالة إصابة جديدة يوم الأحد، مؤكداً استمرار الوباء في الانتشار بمناطق أخرى في إقليم دارفور بجبل مرة، وزالنجي بوسط الإقليم، ونيالا ومخيمات النازحين بجنوب دارفور. وتابع قائلاً: «تهدد هذه التحديات حياة الناس، وتمثّل كابوساً وكارثة إنسانية منسية يتجاهلها المجتمع الدولي في بلد مزقته الحرب والمجاعة والأمراض والأوبئة ونقص الغذاء».

ويعاني إقليم دارفور منذ يونيو (حزيران) الماضي من تفشٍّ غير مسبوق لوباء الكوليرا، وفقاً لتقارير منظمات إنسانية وكيانات مدنية.

معارك كردفان

نازحون من الخرطوم لجأوا إلى إقليم كردفان (أ.ف.ب)

وفي إقليم كردفان، بثت «قوات الدعم السريع» السودانية مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي، قالت إنها تمكنت من استعادة السيطرة على منطقة كازقيل الاستراتيجية في شمال الإقليم، وأسرت أعداداً كبيرة من قوات الجيش والحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانبه.

ويشهد إقليم كردفان منذ أيام تصعيداً في القتال بين الطرفَيْن، وتتواصل معارك الكر والفر في مناطق تبعد 40 كيلومتراً جنوب مدينة الأُبيّض، أكبر مدن الإقليم.

وقالت «قوات الدعم السريع»، في بيان على منصة «تلغرام»، إنها تمكنت صباح الاثنين من إحكام السيطرة الكاملة على منطقتي كازقيل والرياش، عقب معارك حاسمة ضد الجيش، وتواصل التقدم من عدة محاور باتجاه مدينة الأُبيّض. وأضاف البيان: «تكبدت قوات العدو خسائر فادحة في الأرواح، بلغت مئات القتلى، والاستيلاء على 43 عربة قتالية مجهزة بكامل العتاد، بالإضافة إلى تدمير عشرات المركبات الأخرى».

وأشارت «قوات الدعم السريع» إلى أن استعادة المنطقتين تُعد خطوة متقدمة ضمن العمليات العسكرية الواسعة التي تخطط لها، بهدف السيطرة على مدينة الأُبيّض، والتقدم نحو أهداف استراتيجية أخرى.

«قوات درع السودان»

أرشيفية للقائد المنشق مع «الدعم السريع» أبو عاقلة كيكل (الثالث من اليسار) قبل انضمامه إلى الجيش (مواقع التواصل)

وفي سياق متصل، نعت حركات مسلحة تقاتل بجانب الجيش، عدداً من كبار قادتها الميدانيين من الصف الأول في المعارك التي دارت أخيراً حول مدينة الأُبيّض. وأعلنت «قوات درع السودان»، بقيادة أبو عاقلة كيكل، مقتل قائد قطاع الدندر، قمر الدين الجزولي، في مدينة بارا التي استردها الجيش من قبضة «الدعم السريع» الأسبوع الماضي، في معركة عدها الجيش أكبر تقدم يحرزه في إقليم كردفان الواقع وسط غربي البلاد. وقُتل في المواجهات أيضاً الضابط محمد ملك الزين، أحد طاقم الحراسة الأمنية المكلفة بحماية قائد «قوات درع السودان».

وكان كيكل قد انشق عن «قوات الدعم السريع» في العام الماضي، وانضم إلى الجيش، ثم شاركت قواته -التي تتحدر غالبية عناصرها من قبائل وسط السودان- في معارك استرداد ولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم، وهي الآن تشارك في العمليات العسكرية بإقليم كردفان.

وبدوره قال قائد حركة «البراء بن مالك»، المصباح أبو زيد طلحة، على صفحته الرسمية في «فيسبوك»، إن 5 من قياداته قُتلوا خلال المعارك في كردفان، وهم: عبد الرحمن الخير من قطاع الخرطوم، وخالد عبد الله وعبد العزيز يحيى من قطاع بورتسودان، بالإضافة إلى محمد عبد الله وعبد الستار جابر من قطاع غرب كردفان.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت، الأسبوع الماضي، عقوبات على «البراء بن مالك»، أهم الحركات الإسلامية المسلحة والمرتبطة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير؛ لدورها البارز في إشعال حرب أبريل (نيسان) 2023، وتلقيها تدريبات وسلاحاً من «الحرس الثوري» الإيراني.

«عمليات تعذيب وحشي»

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان يونيو 2024 (أ.ف.ب)

واتهمت وزارة الخزانة الأميركية مقاتلي «البراء بن مالك» بالتورط في عمليات تعذيب وحشي وإعدامات خارج نطاق القانون ضد مدنيين في المناطق التي استعادها الجيش في العاصمة الخرطوم والولايات الوسطى، بجانب أنها تمثّل عائقاً كبيراً أمام إنهاء الحرب الأهلية في السودان، وتقوّض جهود حل الصراع.

وفي أغسطس (آب) الماضي قُتل أحد أبرز القادة الميدانيين في «البراء بن مالك»، وهو مهند إبراهيم فضل الذي كان مسؤولاً عن العمليات العسكرية، ونعاه الأمين العام للحركة الإسلامية، علي أحمد كرتي.

وتداولت حسابات وصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، موالية لــ«قوات الدعم السريع»، التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي»، أنباء عن أن مقتل قادة «البراء بن مالك» تم بطائرة مسيّرة وإحداثيات دقيقة لتلك القيادات في مدينة بارا.

ولا توجد حتى الآن إحصائية دقيقة حول عدد قتلى حركة «البراء بن مالك» التي يُقدّر عدد مقاتليها بنحو 20 ألفاً، في حين تقول «قوات الدعم السريع» إنها قتلت المئات منهم في معارك كردفان.

وتعرّض الجيش لخسائر كبيرة في صفوفه وصفوف القوات الموالية له، إبان المعارك التي دارت في مناطق الخوي وأم صميمة وكازقيل في كردفان، منتصف مايو (أيار) الماضي، ما أجبره على الانسحاب وإعادة التموضع في القاعدة العسكرية الرئيسية داخل مدينة الأُبيّض. ويعدّ الجيش المعارك الجارية حالياً في كردفان خطوة مهمة لفتح الطريق أمام تحركاته لفك الحصار عن مدينة الفاشر، كبرى مدن إقليم دارفور.


مقالات ذات صلة

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

أعرب بدر عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» مع روسيا، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر (أ.ف.ب) play-circle

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

قال شهود لـ«رويترز» إن «قوات الدعم السريع»، التي حاصرت مدينة الفاشر في دارفور قبل اجتياحها، تحتجز ناجين من الحصار، وتطلب فدى لإطلاق سراحهم.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا 
صورة متداولة تبيّن جانباً من الدمار الذي ألحقته مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان play-circle

بعد بابنوسة «النفطية»... ما الهدف التالي لـ«الدعم السريع»؟

بعد قتال شرس استمر لأكثر من عامين، أعلنت «قوات الدعم السريع» الاثنين الماضي، سيطرتها «بشكل كامل» على مدينة بابنوسة... فما الهدف التالي؟

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار يناقش في لقاء سابق مع نظيره السوداني هيثم إبراهيم عوض الله تقديم الدعم اللازم (وزارة الصحة المصرية)

مرضى سودانيون في مصر رهن مبادرات الإغاثة

يعيش عشرات الآلاف من المرضى السودانيين في مصر، بعد فرارهم من الحرب السودانية، رهن مبادرات إغاثة دولية «محدودة»، وجهود حكومية مصرية لرعايتهم، في ظل ظروف صعبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (يسار) خلال اجتماع مجلس الوزراء وإلى يساره الرئيس دونالد ترمب في غرفة مجلس الوزراء في البيت الأبيض في العاصمة واشنطن... 2 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

روبيو: ترمب يتولى شخصياً ملف الحرب في السودان

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، إن الرئيس دونالد ترمب يتولى ملف الحرب في السودان شخصياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.