نسرين ياسين: «عشر دقائق أصغر» مرآة للزمن الضائع في فلسطين

الفيلم يُعرض بمهرجان «الفنون بزيوريخ» ويستعيد براءة الطفولة وسط قسوة الواقع

يتناول الفيلم موضوعاً اجتماعياً إنسانياً (الشركة المنتجة)
يتناول الفيلم موضوعاً اجتماعياً إنسانياً (الشركة المنتجة)
TT

نسرين ياسين: «عشر دقائق أصغر» مرآة للزمن الضائع في فلسطين

يتناول الفيلم موضوعاً اجتماعياً إنسانياً (الشركة المنتجة)
يتناول الفيلم موضوعاً اجتماعياً إنسانياً (الشركة المنتجة)

قالت المخرجة الفلسطينية نسرين ياسين إنّ صناعة فيلم «عشر دقائق أصغر» كانت حلماً شخصياً ظلَّ يُطاردها، موضحةً أنّ الحلم في صورته الأولى كان أكثر قسوة مما ظهر في الفيلم، لكنها استطاعت عبر السيناريو والمونتاج صَوْغ تجربة بصرية قريبة من ذلك الإحساس مُتجنّبةً الغرق في قتامة مُطلقة.

ويُعرض الفيلم القصير للمرة الأولى ضمن مهرجان «فلسطين للفنون بزيوريخ» من 11 إلى 15 سبتمبر (أيلول) الحالي. وتدور أحداثه حول الطفلين «جولي» و«وليد»، وهما في بداية مراهقتهما، يتسلّلان من أجواء المطعم الخانقة وضجيج السياسة المتواصل في فلسطين معاً، ليذهبا في مغامرة عفوية عبر الطبيعة.

وتحدّثت المخرجة الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط» عن الفيلم، مؤكدة أنها حاولت أن تستخلص من حلمها نواة لفكرة سينمائية تنقل شعور الزمن الضائع والفرص المهدرة، وهو ما يعيشه كلّ إنسان في فلسطين حين يكبر بسرعة ويفقد طفولته مبكراً أمام قسوة الواقع.

وأضافت أنّ عنوان الفيلم يعكس هذا الهاجس تحديداً، فهو ليس مجرّد وصف زمني، بل إشارة رمزية إلى العمر الذي يضيع شيئاً فشيئاً، وإلى إحساس الإنسان في فلسطين أنه يحاول أن يعيش اللحظات التي سُرقت منه، سواء في الطفولة أو الحاضر. ولفتت إلى أنّ التجربة الفلسطينية تجعل الفرد واعياً لصعوبات الحياة في سنّ أصغر بكثير مما يجب، فيظلُّ دائماً في محاولة لاستعادة لحظات لم تتحقّق، كأنّ هناك فراغاً زمنياً لا يمكن تجاوزه.

القيود الاجتماعية والسياسية حاضرة في تفاصيل الفيلم (الشرق الأوسط)

وأوضحت المخرجة الفلسطينية أنّ المزج بين الواقع والأحلام كان خياراً جمالياً ودرامياً في آن واحد، لرغبتها في جعل الحرّية في الفيلم غامضة وغير مُكتملة، وأشبه بحلم قصير ينقطع قبل أن يكتمل. ولفتت إلى أنّ الواقع في فلسطين يشبه حلماً طويلاً مملاً ومكرراً، بينما المساحة الحقيقية للتحرُّر تأتي في المخيلة فقط، إذ يمكن للطفلين أن يركضا في الحقول، أو يتخيَّل المُشاهد وجود بديل عن الضيق اليومي والقيود الصارمة.

وأكدت نسرين ياسين أنّ هذا الاختيار انعكس على البنية البصرية للعمل، إذ لم يكن الفيلم معنياً بسردٍ خطِّي للقصة بقدر ما كان معنياً بنقل إحساس محدَّد، لذلك تبدو بعض الصور غير مترابطة أو واضحة، لكنها تحمل شحنة شعورية تصبّ في هدف واحد: الإحساس بمرور الزمن وفقدان السيطرة عليه.

وأضافت أنّ هذا الجانب التجريبي قريب من اهتمامها الدائم بالفيلم بكونه أداة لتصوير ما هو داخلي أكثر مما هو خارجي، مشيرةً إلى أنها حرصت على حضور السياسة بشكل غير مباشر، لأنّ تكرار الصور النمطية لا يضيف جديداً، ولرغبتها في تقديم رؤية مختلفة للحياة اليومية.

وأوضحت أنّ حضور السياسة تجلّى في تفاصيل صغيرة مثل شخصية «وليد» الذي يُجبَر على العمل في سنّ مبكرة بدلاً من أن يعيش طفولته بشكل طبيعي، أو في الجدار الذي يفصل بين الأولاد والبنات ويمنعهم من تكوين صداقات طبيعية في هذا العمر، مشيرةً إلى أنّ إدخال أصوات خطابات سياسية عبر الراديو كان كافياً لإبراز الثقل السياسي الطاغي على المكان، من دون أن يتحوَّل الفيلم إلى شعارات مباشرة.

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأشارت إلى أنّ شخصية «جولي» مستوحاة منها ومن معظم الفتيات الفلسطينيات اللواتي يُواجهن قمعاً اجتماعياً يمنعهن من خوض مغامرات طبيعية في سنّ المراهقة، لافتةً إلى أنها أرادت أن تعكس عبر هذه الشخصية توق الفتيات إلى استكشاف العالم رغم القيود، وإلى اختبار براءة اللقاءات الأولى في مجتمع لا يسمح بصداقات طبيعية بين الجنسين في هذا العمر.

وأكدت ياسين أنّ اختيار النهر والحقول جاء من إحساسها بأنّ هذه الأماكن تمنح الإنسان شعوراً نادراً بالحرّية، مشيرةً إلى أنّ الفارق بين حماستهما في تصوير مَشاهد النهر والحقول، وبين الملل الذي أصابهما في تصوير مَشاهد المُنتزه المكتظّ، ساعدها على إبراز الفرق بين الحرّية المؤقتة والواقع الرتيب.

ولفتت إلى أنّ العمل مع الطفلَيْن كان من أجمل مراحل التجربة، إذ كانا على وعي كامل بحالة الملل والحصار التي أرادت إيصالها بالفيلم. وأوضحت أنّ تعابير وجهَيْهما العفوية والخجل المتبادَل بينهما نقلا صدقاً نادراً لا يمكن افتعاله مع ممثّلين محترفين.

ورأت أنّ التحدّي الأكبر خلال التصوير كان التنقُّل بين المدن يومياً، وهو ما جعل الالتزام بالجدول صعباً جداً بسبب الحواجز ونقاط التفتيش المُفاجئة. وأكدت أنّ هذا الأمر كان اختباراً قاسياً للفريق كلّه، لكنه في الوقت نفسه أضاف إلى التجربة شعوراً حقيقياً بالحصار الذي يعانيه الفلسطينيون؛ كأنّ الفيلم حمل بصمات الواقع ليس فقط في قصته بل في عملية إنتاجه أيضاً.

الملصق الدعائي للفيلم (الشركة المنتجة)

وقالت إنّ التعاون مع مدير التصوير أشرف دواني كان أساسياً في نجاح الفيلم، لأنه يفهم أسلوبها ورؤيتها بحُكم معرفتهما السابقة ومشاركتهما في أعمال أخرى. وأكدت أنّ التفاهم بينهما سمح بترجمة الحلم البصري إلى صور واقعية، مع الاعتماد على مراجع بصرية مشتركة عزَّزت وحدة الشكل النهائي للعمل.

وأشارت إلى أنّ الموسيقي أليساندرو جيزي انضمّ إلى المشروع بالمصادفة بعدما شاهدت له عرضاً موسيقياً يعتمد على أصوات الطبيعة وأدوات بسيطة، فوجدت أنّ هذا الأسلوب يتناغم مع رؤيتها. ولفتت إلى أنّ الموسيقى في الفيلم صُنعت من أصوات قريبة من الطبيعة مثل الحجارة والماء لتعكس الإحساس بالبساطة والحرّية، بعيداً عن التعقيد الموسيقي التقليدي.

يتناول الفيلم موضوعاً اجتماعياً إنسانياً (الشركة المنتجة)

وأكدت نسرين ياسين أنّ الهدف الأساسي من الفيلم لم يكن تقديم قصة مُكتملة أو حلول سياسية، بل نقل إحساس محدّد بالزمن الضائع والحرّية المؤقتة، في صيغة بصرية تجريبية قريبة من الوثائقي. وأوضحت أنّ ردود الأفعال الأولى على الفيلم تباينت بين صمت طويل وتأمُّل حائر في التمييز بين الواقع والخيال، لكن معظم المُشاهدين خرجوا بشعور من السلام والنوستالجيا والارتباط بالطبيعة بعيداً عن ضجيج السياسة، وهو ما كانت تسعى إليه، في مَنْح المُشاهد فرصة للتوقُّف والتفكير في الزمن المهدَر والعلاقة بين الحاضر والخيال.

وأعلنت المخرجة الفلسطينية تحضيرها لمشروع سينمائي وثائقي جديد بعنوان «جذور همجية»، وهو تجريبي يتناول تجربة الهوية الفلسطينية في المنفى وصعوبة الانتماء في أوروبا، مؤكدةً أنّ الفيلم لن يكون عن الحدود المرسومة على الخرائط بقدر ما سيكون عن الحدود الخفية في العقل، حيث يعيش الفلسطيني في الخارج وحشة الاغتراب، وتتشابك ذكريات الوطن والأصوات مع شوارع لا تُشبه البيت أبداً.

وأكدت أنّ هدفها من هذا العمل هو الإضاءة على ما يعنيه أن تكون فلسطينياً في عالم لا يبدو بيتاً على الإطلاق، وكيف يصبح التشبُّث بالهوية أكثر عمقاً كلما ازداد البعد عن الأرض.


مقالات ذات صلة

الأفلام السعودية في 2025.. سينما تتسع وجمهور يقترب

سينما ‎من العرض العربي الأول لفيلم «المجهولة» في مهرجان البحر الأحمر بجدة (تصوير: إيمان الخطاف)

الأفلام السعودية في 2025.. سينما تتسع وجمهور يقترب

في 2025، صُنعت الأفلام السعودية لتُشاهَد، ودخلت الموسم وهي تعرف موقعها وطبيعة المتلقي، وتتحرك ضمن مسارات واضحة: صالات السينما أو المنصات الرقمية أو المهرجانات.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق «الهندول» رصد مناطق متعددة من مدينة جدة التاريخية (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

ممدوح سالم: «الهندول» يتعمق في تأثير الفقد على الأطفال

قال المخرج السعودي، ممدوح سالم، إن فيلمه «الهندول» ارتبط بمشهد عاشه في وداع جده، وإن الفكرة ظلت تلح عليه حتى كتبها بعد 10 سنوات.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق دواين جونسون تهاوى في «الآلة المدمرة» (A24)

في 2025... نجوم السينما لا تتلألأ كما بالأمس

أصبح نوع الفيلم هو المسيطر على مستقبل الممثل، ويُحدد نجاحه أو فشله أكثر من الموهبة نفسها.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
يوميات الشرق ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق مؤسسة «فيلم إندبندنت» تنظم ورشة عمل لصناع الأفلام ومنتجي التلفزيون السعوديين (الشرق الأوسط)

الشراكات الأميركية - السعودية تعيد تشكيل «المشهد السينمائي»

بمشهد يعكس تحوّل السينما من فعل ثقافي إلى صناعة عابرة للحدود حضرت البعثة الأميركية لدى المملكة العربية السعودية على هامش «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي».

أسماء الغابري (جدة)

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
TT

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)

شرع «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي» في منطقة المدينة المنورة (غرب السعودية) أبوابه لكل المهتمين بالخط العربي من جميع أنحاء العالم بما يعزز من حضور هذا الفن العريق الذي يمثل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع، عبر 5 محاور يندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية.

يمثل المركز منصة عالمية لدعم الخط العربي وفنونه المتعددة، بوصفه وسيلة تواصل عالمية عابرة للثقافات في مجال التراث والفنون والعمارة والتصميم، مع تعزيز مكانة السعودية وتأثيرها في حفظه وتطويره، إلى جانب احتضان المواهب وتنمية المعارف في مجالات الخط العربي.

وتحت رعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، حضر الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة رئيس مجلس هيئة تطوير المنطقة، الاثنين، حفل افتتاح المركز، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة.

الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة يرافقه الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة خلال جولة على مرافق المركز العالمي للخط العربي في أثناء حفل افتتاحه (الثقافة السعودية)

واطلع أمير المدينة المنورة خلال جولة على مرافق المركز وما يضمه من معارض فنية واستمع إلى شرح عن المحتوى الثقافي وما حققه المركز بمسماه السابق «دار القلم» من جوائز ومنجزات ثقافية، كما شاهد عدداً من المقتنيات والأعمال الفنية التي تعكس قيمة الخط العربي ومكانته الثقافية والحضارية.

وقال وزير الثقافة السعودي في كلمة له خلال الحفل: «من أرض النور والعلوم، نسعد بتدشين مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، الذي يؤسس منصة عالمية للخط العربي بوصفه قيمة ثقافية عريقة، في ظل ما يحظى به القطاع الثقافي من دعم كريم وغير محدود من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء».

وأكد أن «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي يوجّه رسالةً إلى العالم أجمع عن حجم هذا الإرث العظيم والمكانة الرفيعة للخط العربي، ويؤكد الاهتمام الذي تُوليه قيادتُنا لثقافتنا وهويتنا».

وزير الثقافة السعودي خلال إلقاء كلمته (الثقافة السعودية)

وأشار إلى أن «المركز يُجسّد رؤيةً واضحة للارتقاء بالخط العربي بصفته وسيلةَ تواصل عالمية وراسخة في التراث العربي والفنون والعمارة والتصميم، ويعزز مكانة المملكة ودورها التاريخي في صونه وتطويره، كما يُعدّ منصة للإبداع والابتكار والتواصل الحضاري.

كما يشكّل المركز، منصةً لتطوير المواهب وصقل مهارات الخطاطين والاستثمار في المبدعين، إلى جانب تعزيز الهوية الثقافية للمملكة وترسيخ حضورها الدولي، مستهدفاً مختلف الفئات، ومنهم الخطاطون والمواهب الناشئة والفنانون التشكيليون والباحثون في الفنون الإسلامية والمؤسسات التعليمية والثقافية، إضافةً إلى الجمهور المحلي والعالمي من محبي الفنون والتراث، بما يسهم في توسيع دائرة التأثير وزيادة الوعي الثقافي وإبراز جماليات الخط العربي».

المركز يجسّد دوره كمنصةً عالمية لحفظ الخط العربي وتطويره (الثقافة السعودية)

وترتكز استراتيجية المركز على 5 محاور رئيسة، تشمل: المعرفة والتطوير، وتنمية المهارات، والمشاركة المجتمعية، والأعمال والفرص، والابتكار، ويندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية، من أبرزها: وحدة البحث والأرشفة، وبرنامج تعلم الخط العربي، ومنح الدراسات والأبحاث، ومتحف الخط العربي الدائم، والمعارض المتنقلة، والجمعية الدولية للخط العربي، وحاضنة الأعمال المرتبطة بالخط العربي.

ويعمل المركز على تنفيذ حزمةٍ من البرامج النوعية، تشمل: برنامج الإقامة الفنية، وتنظيم الورش التخصصية، وتطوير المناهج والمعايير المرتبطة بالخط العربي، إلى جانب مبادرات تعليمية وتدريبية دولية تسهم في حفظ التراث الثقافي، وتعزّز الحضور العالمي لهذا الفن العريق، الذي يمثّل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع.

جانب من الأعمال الفنية التي تبرز جماليات الخط العربي وتنوّع مدارسه (الثقافة السعودية)

يأتي تدشين المركز تأكيداً للعناية التي توليها المملكة للثقافة والفنون، وانطلاقاً من المكانة التاريخية للمدينة المنورة بوصفها مهداً للخط العربي، وذاكرةً حضارية ارتبطت بكتابة المصحف الشريف وتدوين العلوم الإسلامية، وامتداداً لدورها التاريخي ممثلاً في «دار القلم»، بما يرسّخ حضور المدينة منصةً عالميةً للخط العربي، ويجسّد اتساق هذه المبادرات مع مستهدفات «رؤية المملكة 2030».


عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
TT

عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)

بعد مرور 20 عاماً على عرضها الأول، يعود الأخوان فريد وماهر صبّاغ إلى الخشبة بمسرحية «أنا وغيفارا» في صياغة جديدة. وقد افتُتح عرضها على «مسرح جورج الخامس - أدونيس»، ويشارك في بطولتها «الأخوان صبّاغ» إلى جانب نادين الراسي، وكارين رميا، وأنطوانيت عقيقي، وريمون صليبا، وجوزيف أصاف، ورفيق فخري، وألان العيلي.

«أنا وغيفارا» تُقدَّم بأسلوب إخراجي ممتع (الشرق الأوسط)

يتناول العمل الثورة التي قادها كل من فيدل كاسترو وتشي غيفارا لتحرير كوبا، ومن خلالها تحوَّل الرجلان إلى رمزَين عالميين ثوريين.

يطغى المشهد العسكري على مجريات المسرحية منذ اللحظة الأولى، سواء أكان من خلال مشاهد الثوار أم الجيش الكوبي. غير أن حدّة هذه الأجواء يخففها الحضور الذكي للأغنيات والموسيقى؛ إذ أحسن «الأخوان صبّاغ» توظيف هذين العنصرين بدقة. فاختصرت الأغنيات حوارات كاملة بين الشخصيات، وعبّرت بالتالي عن مشاعر الفرح والحزن، وعن إرادة الشعب وأهداف الثورة، وصولاً إلى مواقف مفصلية تستدعي الشجاعة والإقدام.

وبين النغمات الشرقية والغربية، قدّم «الأخوان صبّاغ» خلطة موسيقية جميلة وممتعة، طافت بالجمهور في رحلة ببلاد الأرز والفلكلور اللبناني الأصيل، وصولاً إلى الكاريبي وعبق الثورة الكوبية. وقد تفاعل الحضور بشكل لافت مع عدد من الأغنيات، لا سيما تلك التي أدّت فيها كارين رميا أغنية «تشي غيفارا» الشهيرة، وبرع فريد صبّاغ مع مجموعة الكورال في أداء «نشيد الثورة».

تجلّت مهارة الأخوين صبّاغ الإخراجية طيلة العرض، الذي استغرق نحو ساعتين، إذ جاء المشهد البصري جذاباً ومدروساً، وواكبه أسلوب سمعي غني بالمؤثرات الصوتية أضفى عليه زخماً مكثفاً. كما أجادا تقديم شخصيات العمل، مانحين كلاً منها المساحة الكافية لتترك بصمتها ضمن أداء احترافي.

نادين الراسي تلعب أكثر من شخصية في المسرحية (الشرق الأوسط)

من ناحية ثانية، تطلّ الممثلة نادين الراسي في المسرحية لتلعب أكثر من شخصية. وتحت اسم «إيفا»، وهي شخصية خيالية بخلاف عدد من الشخصيات المستندة إلى الواقع، تعود الراسي إلى خشبة المسرح بعد غياب.

وقد توجّهت جميع الأنظار إلى نادين الراسي، لا سيما مع تراجع إطلالاتها الدرامية في الفترة الأخيرة. ومن خلال الشخصيات التي تقدّمها في «أنا وغيفارا»، تنقّلت بين أدوار متناقضة، جمعت بين الخير والشر... فهي «إيفا» التي ترمز إلى القوى الكبرى وآليات تدخّلها في مصائر بلدان متعددة، كما تؤدي شخصية «تانيا» الثائرة؛ حبيبة غيفارا. ولم يتوانَ «الأخوان صبّاغ» عن منحها مساحة لأداء روحاني، أقامت عبرها جسراً رمزياً للتواصل بين السماء والأرض.

الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا في مشهد من المسرحية (الشرق الأوسط)

أما الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا، فقد استحضرا الكوميديا الخفيفة إلى العمل، وهما يستندان إلى خبرتهما الطويلة في هذا المجال، فنجحا في رسم الضحكات على وجوه الحضور بخفّة وطرافة، وشكّلا معاً «استراحة المحارب» التي يحتاجها المتفرّج وسط زحمة العسكر وضغوطات الثورة.

وعلى الرغم من حدّة الأحداث التي تتألّف منها قصة العمل، فإن «الأخوان صبّاغ» اختارا الابتعاد كلياً عن مشاهد العنف. فحتى في المعارك الدائرة بين رجال الثورة وجيش الدولة الكوبية، وكذلك في مشهد القبض على تشي غيفارا، غُيّب أي أثر للعنف الجسدي، فسار المخرج بين السطور بدقّة، تاركاً لخيال المشاهد مهمّة الاستنتاج واستخلاص العِبر.

نجح «الأخوان صبّاغ» في مقاربة سيرتَي رجلَي الثورة؛ كاسترو وغيفارا، بعيداً عن أي انحياز سياسي، وقدّماهما في إطار إنساني عزّز قيم السماحة والغفران. كما شكّل العمل رهاناً واضحاً على استمرارية المسرح الغنائي الغائب بشكل ملحوظ عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة، فأعادا حبك القصة بروح عصرية، مستخدمَين أدوات وعناصر فنية افتقدها الجمهور اللبناني طويلاً على الخشبة.


«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
TT

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)

استعاد العرض المسرحي «متحف باكثير» جانباً من روائع الأديب اليمني المصري علي أحمد باكثير في القاهرة، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ115 لميلاده.

العرض الذي أُقيم على خشبة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، مساء الاثنين، كان ضِمن فعالية ثقافية وفنية عكست حضور اسمه المتجدد في الوجدان العربي، نظّمتها مؤسسة «حضرموت للثقافة» السعودية، بالشراكة مع «ضي للثقافة والإعلام».

لم تقتصر الاحتفالية، التي نُظّمت تحت عنوان «علي أحمد باكثير... 115 عاماً من التأثير»، على استدعاء السيرة الإبداعية للأديب الكبير، بل سعت إلى تحويل إرثه الأدبي إلى فعل حي على خشبة المسرح بوصفه أحد الفضاءات الأساسية التي شكّلت مشروعه الإبداعي، من خلال العرض الذي استمر لنحو 80 دقيقة، حيث قُدِّم من دراماتورج وإخراج أحمد فؤاد، برؤية تقوم على فكرة المتحف بوصفه مساحة جامعة، تتجاور فيها العصور والشخصيات والأفكار، وتتحول فيها النصوص الأدبية إلى لوحات حية نابضة بالحركة والصوت.

المخرج أحمد فؤاد قدّم العرض بصورة بصرية جذابة (الشركة المنتجة)

اعتمد العرض على استلهام عدد كبير من أعمال علي أحمد باكثير، التي تحولت عبر العقود إلى نصوص مسرحية وسينمائية مؤثرة، من بينها «وا إسلاماه» و«الشيماء»، إلى جانب مسرحيات مثل «جلفدان هانم» و«قطط وفئران» و«الحاكم بأمر الله»، وغيرها من الأعمال التي كشفت عن انشغاله الدائم بالتاريخ والهوية والإنسان.

ومن خلال هذا التنوع، تنقّلَ العرض بين العصور الفرعونية والإسلامية والحديثة، مستحضراً شخصيات تاريخية وأسطورية ومتخيلة، في معالجة درامية سعت إلى إبراز الأسئلة الكبرى التي شغلت الكاتب؛ من الحرية والعدل، إلى الصراع بين السلطة والضمير، وعبر فتاة شابة من جيل «زد» تدخل متحفاً يضم عدداً من الشخصيات التي قدّمها.

يقول أحمد فؤاد، مؤلف العرض ومُخرجه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عرض «متحف باكثير» جاء انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية إعادة تقديم أعمال علي أحمد باكثير بصيغة مسرحية معاصرة تتيح للجمهور، اليوم، الاقتراب من عالمه الفكري والإنساني دون حواجز زمنية، مشيراً إلى أن اختيار فكرة المتحف كان المدخل الأنسب للتعامل مع هذا الإرث المتنوع؛ نظراً لما تزخر به أعمال باكثير من شخصيات تنتمي إلى عصور وخلفيات مختلفة، من مصر القديمة، مروراً بالتاريخ الإسلامي، وصولاً إلى الشخصيات المتخيَّلة والمعاصرة.

وأضاف أن «العرض صُمِّم على هيئة قاعات متحفية متجاورة، ينتقل بينها المتفرج، بحيث تقوده الأحداث في مسار درامي واحد، تتقاطع داخله الشخصيات والأفكار، في محاولةٍ للكشف عن الخيط الإنساني المشترك الذي يربط هذه العوالم المتباعدة ظاهرياً».

العرض قُدّم على مدار 80 دقيقة على خشبة المسرح الكبير بالأوبرا (الشركة المنتجة)

وأوضح فؤاد أنه اعتمد في بناء العرض على دراسة وقراءة عدد كبير من نصوص باكثير، قبل الاستقرار على اختيار 12 نصاً مسرحياً كُثِّفت وأُعيدت صياغتها داخل بنية واحدة. وعَدّ «التحدي الأكبر تمثل في ضغط الزمن، ومحاولة تجميع هذا الكم من الأعمال في إطار جذاب بصرياً ودرامياً، دون الإخلال بالفكرة الأساسية لكل نص؛ لأن الهدف كان تقديم عرض نوعي، قريب من المتفرج، يُعيد طرح سؤال عن باكثير وقدرته المتجددة على مخاطبة الحاضر».

ووفق الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، فإن عنوان عرض «متحف باكثير» قد يوحي، منذ الوهلة الأولى، بطابع وثائقي تقليدي، إلا أن التجربة المسرحية جاءت مغايرة تماماً لهذا الانطباع، وقال، لـ«الشرق الأوسط»: «استطاعت التجربة أن تحصد إعجاب الجمهور بفضل طبيعتها المختلفة واعتمادها الواضح على الحركة فوق خشبة المسرح، كما أن تعدد الشخصيات وتنوعها، والتنقل بينها بسلاسة، منح العرض حيوية خاصة، وخلق حالة من التفاعل المستمر مع المتلقي، بعيداً عن الجمود أو السرد المباشر».

العرض نال إشادات من الحضور (الشركة المنتجة)

وأضاف عبد الرحمن أن «عناصر العرض الفنية جاءت متوازنة، إذ اتسم الحوار بالجاذبية والقدرة على الإمتاع دون إسهاب أو خطابية، مدعوماً بمتعة بصرية واضحة على مستوى الحركة والتشكيل المسرحي»، لافتاً إلى أن الموسيقى لعبت دوراً أساسياً في تكوين المناخ العام للعمل؛ لاعتمادها على إرث أعمال باكثير.

وخلال الاحتفالية أُعلن إطلاق جائزة سنوية تحمل اسم علي أحمد باكثير، تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار أميركي، وتُمنح في مجالات عدّة تعكس تنوع تجربته الإبداعية، من بينها الشعر، والكتابة المسرحية، والرواية، والترجمة الأدبية، والنقد الأدبي، في خطوة تستهدف دعم الإبداع العربي وتشجيع الأصوات الجديدة، بجانب تكريم أسماء عدد من الفنانين الذين ارتبطت أعمالهم به، منهم أحمد مظهر، ولبنى عبد العزيز، وسميرة أحمد، وحسين رياض.