لم يحقق أي فريق في الدوري الإنجليزي الممتاز تعادلاتٍ من دون أهداف الموسم الماضي أكثر من إيفرتون.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح ملعب «غوديسون بارك» مكاناً يُمثل فيه البقاء في الدوري أهمية أكبر من الأداء الجيد.
وعلاوة على ذلك، فإن أربع سنوات من الصراع على تجنب الهبوط قضت على الأمل في التحسن والتطور، وأصبح «الملل» مرادفاً وملازماً لأداء إيفرتون.
لكن شيئاً ما تغير بعد انتقال إيفرتون إلى ملعبه الجديد الذي بلغت تكلفته 800 مليون جنيه إسترليني.
لم يكن الفوز على برايتون بهدفين دون رد في الجولة الثانية مجرد بداية فصل جديد في ملعب جديد؛ بل إيفرتون بدا وكأنه فريق مختلف تماماً.
وتعاون جاك غريليش، الوافد الجديد على سبيل الإعارة من مانشستر سيتي، وإيليمان نداي في تسجيل أول هدف للفريق على الملعب الجديد؛ ولعب إيفرتون بحرية وقدَّم مباراة رائعة، ولأول مرة منذ سنوات طويلة يخرج المشجعون من الملعب ولديهم أمل حقيقي للموسم المقبل. .
وكان هذا التفاؤل الكبير مبرَراً تماماً، حيث واصل الفريق تألقه وقدم مستويات رائعة في المباراة التي فاز فيها على وولفرهامبتون بثلاثة أهداف مقابل هدفين على ملعب مولينيو معقل وولفرهامبتون، وهي النتيجة التي وضعت إيفرتون ضمن المراكز الخمسة الأولى في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز.
كان إيفرتون يتذيل جدول الترتيب في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد أن خسر أول أربع مباريات في الدوري - وهي أسوأ بداية له منذ 66 عاماً.
وتخلى الفريق عن تقدمه بهدفين ضد بورنموث وأستون فيلا، ليخسر المباراتين في النهاية بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدفين. وأظهرت هاتان الهزيمتان تصدع الفريق بشكل كامل تحت قيادة شون دايك.
وحتى عندما كان الفريق يتقدم في النتيجة كان يتراجع بشكل مبالغ فيه ويعتمد على الكرات الثابتة والكرات الطويلة؛ وهو ما يجعل المنافسين يضغطون عليه ويحققون الفوز في نهاية المطاف.
وكان إيفرتون يعاني بشدة فيما يتعلق بإحراز الأهداف، حيث سجل 15 هدفاً فقط في أول 19 مباراة بالدوري، وهي ثاني أقل حصيلة في الدوري.
وكانت أهدافه المتوقعة البالغة 18.33 ومعدل الأهداف في المباراة الواحدة البالغ 0.79 يمثلان أدنى إنتاج هجومي للنادي في 13 موسماً.
وسدد إيفرتون 63 تسديدة في النصف الأول من الموسم، ولم يتفوق في هذه الإحصائية إلا على ساوثهامبتون، الذي كان يتذيل جدول الترتيب.
لم يكن هذا مجرد تراجع عابر على مدار موسم واحد، فقد احتل إيفرتون بانتظام مركزاً بين أقل الفرق تهديفاً في الدوري خلال السنوات الأخيرة.
وفي الناحية الدفاعية، كان الفريق أفضل حالاً فيما يتعلق بخروجه بشباك نظيفة خلال المواسم الأربعة الماضية. لكنه كان يلعب بأسلوب حذِر للغاية؛ وهو ما انعكس في نسبة استحواذه على الكرة.
لقد كان إيفرتون قوياً بما يكفي في الدفاع، لكنه كان حذراً وتقليدياً في الهجوم؛ وهو ما جعل مشاهدة مبارياته شيئاً مملاً.

وبعدما توالت عروض الفريق السيئة واستمرار الهزائم والعجز عن التهديف، قرر المُلاك الجدد، مجموعة «فريدكين»، إقالة دايك من منصبه في يناير (كانون الثاني).
وكان التحدي الذي واجههم يتمثل في العثور على المدير الفني المناسب والقادر على إخراج الفريق من دائرة كرة القدم المملة التي تتحكم فيها فقط الرغبة في البقاء في أضواء الدوري الممتاز، وأن يقود الفريق إلى حقبة جديدة على ملعب «هيل ديكينسون».
وتم طرح اسم توماس فرانك، المعروف بأسلوبه المنظم والضغط العالي والسلس، وغراهام بوتر، الذي يعتمد على كرة القدم القائمة على الاستحواذ على الكرة.
وفي النهاية، اختار إيفرتون ما بدا أنه الخيار الآمن: مديره الفني السابق ديفيد مويز، الذي اتسم أسلوبه بالصلابة الدفاعية والضغط المنظم والتنظيم الشديد داخل الملعب.
قوبل تعيين مويز بقدر كبير من التشكك، حيث عبر المشجعون عن خشيتهم من أن يستمر الفريق في تقديم كرة دفاعية واللعب بطريقة عملية بحتة بدلاً من اللعب الهجومي والبحث عن تسجيل الأهداف. لكن مويز أثبت خطأ المتشائمين والمشككين.
وتحت قيادته في الموسم الماضي، ضاعف الفريق أهدافه تقريباً في المباراة الواحدة (من 0.79 إلى 1.42 هدف)؛ وزاد أهدافه المتوقعة (من 0.96 إلى 1.35)؛ وسدد المزيد من التسديدات على المرمى في المباراة الواحدة (من 3.3 إلى 4 تسديدة)؛ وخلق المزيد من الفرص الخطيرة في المباراة الواحدة (من 1.8 إلى 2.6 فرصة)؛ وحسّن بشكل كبير معدل تحويل التسديدات أهدافاً (من 6.9 في المائة إلى 13.8 في المائة، ليرتقي من ثاني أسوأ معدل في الدوري الإنجليزي الممتاز إلى واحدٍ من أفضل المعدلات).
واستمر هذا التحسن في الموسم الجديد، حيث احتل إيفرتون المركز السابع في عدد الفرص الخطيرة، والمركز الرابع في عدد الأهداف في المباراة الواحدة، والمركز الثامن في الأهداف المتوقعة، والمركز الثاني في تحويل التسديدات أهدافاً، والمركز الرابع في الأهداف المتوقعة لكل تسديدة.
ولا يزال إيفرتون منضبطاً من دون الكرة، لكن النقطة الأهم تتعلق بمدى خطورته في الهجوم، حيث يخلق عدداً كبيراً من الفرص الجيدة، والأهم من ذلك أنه ينجح في تحويل الفرص أهدافاً.
لقد ولَّت تلك الأيام التي كان يعتمد فيها الفريق تحت قيادة دايك على الكرات الطويلة والهجمات المرتدة والقوة البدنية وإرسال الكرات العرضية داخل منطقة الجزاء.
ومن الواضح للجميع أن مويز يسمح للاعبيه المبدعين بالتألق والازدهار؛ وهو ما يؤدي إلى المزيد من الأهداف والفرص الجيدة. لقد انضم تايلر ديبلينغ وجاك غريليش وكيرنان ديوسبري هول في الصيف، وقد سمح لهم مويز باللعب بقدر من المغامرة من أجل إظهار قدراتهم الحقيقية داخل الملعب.
ورأينا لمحات من ذلك الموسم الماضي في طريقة استخدامه لنداي. يتميز اللاعب السنغالي الدولي بقدرته على الانطلاق ببراعة في عمق الملعب، كما أنه قادر على التأثير على مجريات اللعب في خط الوسط؛ لذا شجعه مويز على الاختراق من على الأطراف والدخول إلى عمق الملعب بدلا من البقاء على الأطراف.
ومنح مويز لاعبه فيتالي ميكولينكو حرية التقدم للأمام من أجل استغلال المساحات الخالية في خط دفاع المنافس.
وقد أتت هذه الحرية بثمارها، حيث تألق نداي في النصف الثاني من الموسم الماضي، وأنهى الموسم مسجلاً تسعة أهداف، كما بلغ معدل مراوغاته الناجحة 2.5 مراوغة لكل 90 دقيقة.
ولم يعد إيفرتون يخشى التقدم للأمام والسماح للاعبيه المهمين بالوصول إلى أماكن يمكنهم من خلالها صناعة الفارق.

وبدأت هذه الفلسفة تؤتي ثمارها بالفعل هذا الموسم. فخلال مشاركته أساسياً في مباراتين فقط، قدم غريليش أربع تمريرات حاسمة، ليكون بذلك ثاني أكثر لاعبي إيفرتون صناعة للأهداف منذ بداية الموسم الماضي.
وعلى عكس ما كان يفعله في مانشستر سيتي، حين كان الحفاظ على الاستحواذ هو الأولوية بالنسبة له، مُنح غريليش الآن حرية التراجع إلى العمق من أجل استلام الكرة واللعب بطريقة سلسلة إلى جانب ديوسبري هول.
وظهر تأثير ذلك بوضوح في الأرقام: ضد وولفرهامبتون أكمل أكبر عدد من المراوغات (خمس مراوغات)، وحاول القيام بتسع مراوغات، وكان لديه أكبر عدد من اللمسات داخل منطقة جزاء الخصم، وأسهم بشكل مباشر في جميع الأهداف الثلاثة في شباك وولفرهامبتون.
وضد برايتون، كان لديه أكبر عدد من اللمسات في الثلث الأخير من الملعب (31 لمسة) من بين جميع لاعبي الفريقين، كما كان ثاني أكثر اللاعبين لمساً للكرة داخل منطقة الجزاء، وحاول القيام بثماني مراوغات وصنع كلا الهدفين.
ويكفي أن تنظر إلى هدف إيفرتون الثاني في مرمى وولفرهامبتون لترى التأثير الكبير لغيرليش. لقد اجتمع أربعة لاعبين في الهجمة، ولم يلمس كلٌّ منهم الكرة أكثر من ثلاث مرات قبل أن يُسجِّل الفريق الهدف بسهولة، في مشهد يعكس كرة القدم السلسة التي يلعبها الفريق من لمسة واحدة، والتي لم يشاهدها جمهور إيفرتون منذ سنوات.
وبعد الفوز على وولفرهامبتون، بدا أن غريليش، الذي انضم إلى إيفرتون على سبيل الإعارة بعد أن عانى للمشاركة في مانشستر سيتي، استعاد تألقه في الأسابيع الأولى من الموسم، وكان أفضل لاعب في فوز إيفرتون على ملعب مولينيو.
واستعاد غريليش بهذا المستوى التي مكنه من خوض 39 مباراة دولية مع منتخب إنجلترا، لكنه لم يظهر بهذه الصورة خلال بعض الأوقات المحبطة تحت قيادة بيب غوارديولا
في مانشستر سيتي.
وقال مويز: «أكبر مجاملة يمكنني أن أقولها عن جاك هي أنه أفضل مما كنت أعتقد. الفضل في أداء جاك يعود إليه تماماً. لا أستحق الثناء على ذلك. لديه ما يثبته، أنا متأكد. جاك يريد أن يثبت أنه لاعب جيد. إنه يحدِث فرقاً كبيراً في كثير من النواحي، سواء من خلال تمريراته الحاسمة أو وجوده في الملعب».

وفي الوقت نفسه، حافظ مويز على السمة المميزة لفريقه السابق: الانضباط الدفاعي والتماسك.
لا تزال الفرق التي يتولى مويز تدريبها تُسجل بعضاً من أدنى معدلات الاستحواذ على الكرة في الدوري، لكنها لا تزال من بين الأكثر فاعلية من الناحية الدفاعية.
وخلال الموسم الماضي، أنهى إيفرتون الموسم برابع أقل معدل أهداف متوقعة مُستقبلة وخامس أقل عدد أهداف مُستقبلة في المباراة الواحدة.
فإذا استطاع مويز تحقيق التوازن بين صلابته الدفاعية المعهودة واللعب بطريقة مباشرة وتحمل قدراً من المغامرة، فقد يُصبح إيفرتون فريقاً هائلاً هذا الموسم، والأهم من ذلك بالنسبة للجماهير هو أن الفريق أصبح يلعب كرة قدم ممتعة.
*خدمة «الغارديان»

