تساؤلات حول اقتراب باريس وطهران من صفقة تبادل

وزير خارجية إيران يراها بمتناول اليد ونظيره الفرنسي يرفض الخوض فيها

صورة سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس المعتقلين في إيران منذ ثلاث سنوات واللذين تطالب فرنسا بإطلاق سراحهما دون تأخير (رويترز)
صورة سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس المعتقلين في إيران منذ ثلاث سنوات واللذين تطالب فرنسا بإطلاق سراحهما دون تأخير (رويترز)
TT

تساؤلات حول اقتراب باريس وطهران من صفقة تبادل

صورة سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس المعتقلين في إيران منذ ثلاث سنوات واللذين تطالب فرنسا بإطلاق سراحهما دون تأخير (رويترز)
صورة سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس المعتقلين في إيران منذ ثلاث سنوات واللذين تطالب فرنسا بإطلاق سراحهما دون تأخير (رويترز)

مهدية أسفندياري، مواطنة إيرانية عمرها 35 عاماً، تم القبض عليها في مدينة ليون الفرنسية يوم 28 فبراير (شباط) الماضي، ووضعت قيد التوقيف الاحتياطي في سجن «فرين» الواقع في ضاحية باريس الجنوبية. وفي المقابلة التي أجراها معه التلفزيون الإيراني، مساء الخميس، قال عباس عراقجي، وزير الخارجية، ما حرفيته: «لقد بُذل الكثير من العمل في هذا الصدد (للإفراج عنها)، وقد وصلنا الآن إلى مرحلة تقترب فيها قضية تبادلها مع السجناء الفرنسيين في إيران من مراحلها النهائية. نأمل أن تُنشر أخبار سارة في هذا الصدد قريباً».

وأشار عراقجي إلى الحاجة للتنسيق بين وزارته والأجهزة الأمنية والقضائية، مضيفاً أن «التنسيقات جارية حالياً مع الحكومة الفرنسية، ونأمل أن تصبح هذه القضية عملية في الأيام المقبلة».

صمت فرنسي

كلام عراقجي قابله صمت مطبق من الجانب الفرنسي الرسمي، فجان نويل بارو، وزير الخارجية، كان صباح الجمعة ضيف إذاعة «فرنس أنتير» العامة. ولما سُئل عن الإفراج القريب عن ثلاثة فرنسيين محتجزين في إيران، اكتفى بتكرار أن فرنسا «تطالب بثبات بالإفراج الفوري وغير المشروط عن مواطنينا (المحتجزين) في إيران». وأضاف بارو: «لن أقوم بالتعليق على ما جاء على لسان الوزير الإيراني». ولما ألح عليه المذيع، رد عليه بالقول: «هذه مواضيع بالغة الحساسية والخطورة وليست لدي الرغبة في الخوض فيها».

يُستشف من تحفظ بارو، وفق مصدر غير حكومي، أن شيئاً ما «يُطبخ» بين باريس وطهران بخصوص مسألة من تسميهم باريس «رهائن دولة» في إيران دأبت الأخيرة على استخدامهم لاستعادة مواطنين لها، محتجزين غالباً في أوروبا. ويضيف المصدر المشار إليه أن الوضع الحالي لإيران تدهور بعد أن عمدت دول «الترويكا» الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أواخر الشهر الماضي، إلى تفعيل آلية «سناب باك» التي تعني العودة التلقائية للعقوبات الدولية على إيران التي جمدت بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة «5+1»، وصدور القرار الدولي رقم 2231 في عام 2015.

وبرأي هذا المصدر، فإن الإفراج (أو اقتراب الإفراج) عن الرهائن الفرنسيين الثلاثة يمكن النظر إليه على أنه «بادرة حسن نية» من طهران سيكون لها «ثمن ذو صلة بملف العقوبات وبالمحادثات القائمة بصورة وبأخرى بينها وبين (الترويكا)». وليس سراً أن الدبلوماسية الإيرانية تسعى في الوقت الراهن إلى تعطيل تفعيل «سناب باك» معتمدة على مساندة الصين وروسيا، لكن أيضاً بإظهار الليونة مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وهو ما ظهر في الاتفاق الأخير، هذا الأسبوع، في القاهرة، بين عراقجي ورافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وزير خارجية فرنسا المستقيل جان نويل بارولدي وصوله إلى قصر الإليزيه للمشاركة في اجتماع «تحالف الراغبين» لدعم أوكرانيا في 4 سبتمبر (رويترز)

تشابك الرهائن بـ«النووي»

يُستشف مما سبق ومن تصريحات سابقة لعراقجي وجود صلة عضوية بين ملف الرهائن والملف النووي. كذلك ثمة سوابق تاريخية تبين كيف أن إيران استخدمت مع فرنسا، ومع دول أخرى، كما بلجيكا، مؤخراً، «دبلوماسية الرهائن منذ ثمانينات القرن الماضي. الثابت أن باريس التي لم توقف أبداً اتصالاتها رفيعة المستوى مع طهران، تريد الإنهاء من ملف الرهائن وهي قد لجأت إلى كافة الوسائل للضغط على طهران».

يمكن التذكير بأنها عمدت إلى تقديم شكوى ضد إيران إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي في شهر مايو (أيار) الماضي، حيث أكدت أن سيسيل كوهلر وجاك باريس المحتجزين «من غير وجه حق» في سجن «إيفين» منذ اعتقالهما قبل ثلاث سنوات يتعرضان إلى معاملة سيئة لا تحترم حقوق الإنسان، وهي قريبة من «التعذيب».

كذلك، فإن الرئيس إيمانويل ماكرون وجه في 3 يوليو (تموز) الماضي تهديداً مباشراً لإيران باتخاذ «إجراءات انتقامية»، إذا ما استمرت في توجيه تهمة التجسس لصالح إسرائيل ضد كوهلر وباريس. ونبه ماكرون أن تهمة التجسس بمثابة «استفزاز» لفرنسا.

وحتى بداية الشهر المذكور، لم تكن التهم الموجهة إليهما تشير إلى «التجسس لصالح إسرائيل» فيما يبدو أنها أضيفت بعد الضربات العسكرية والأميركية على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية. ووفق مصادر على اطلاع على ملفهما، فإن هناك ثلاث تهم مساقة بحقهما: «التجسس لصالح الموساد» الإسرائيلي، و«التآمر من أجل الإطاحة بالنظام»، و«الإفساد في الأرض».

وكل تهمة منها عقوبتها الإعدام. وفي الفترة عينها، تحدث بارو مع عراقجي، وقال في تصريح: «لقد قلنا دائماً لمحاورينا في النظام الإيراني إن مسألة اتخاذ قرارات محتملة بشأن العقوبات (على إيران) ستكون مشروطةً بحل هذه المشكلة (الرهائن) التي نعتبرها خلافاً جوهرياً».

وزير خارجية إيران عباس عراقجي يصافح في 9 سبتمبر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة وفي الوسط وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي (د.ب.أ)

أسفندياري مقابل كوهلر وباريس؟

يبين كلام بارو بوضوح التشابك بين الملفات. وكان لافتاً أن القبض على مهدية أسفندياري قد تم نهاية فبراير (شباط)، لكن لم يعلن عنه رسمياً إلا في أبريل (نيسان) بعد أن أماطت مجلة «لو بوان» اللثام عنه. وفيما تعتبر إيران أن توقيفها الذي حصل في مدينة ليون «غير مبرر»، فإن السلطات الفرنسية تبرره بـ«التحريض على الإرهاب».

ووفق طهران، فإن أسفندياري التي وصلت إلى فرنسا قبل 8 سنوات، والحاصلة على إجازة جامعية من كلية في مدينة ليون، وكانت تعمل في مجال الترجمة، مجرد ناشطة تدافع عن القضية الفلسطينية. لكن النيابة العامة الفرنسية في باريس ترى العكس، وقد ساقت ضدها عدة اتهامات منها «تمجيد علني للإرهاب عبر الإنترنت»، و«التحريض على الإرهاب عبر الإنترنت»، و«الإساءة على أساس الأصل والدين». وقد فُتح التحقيق بعد بلاغ صادر عن وزارة الداخلية بتاريخ 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

عدة تهم سيقت بحق المواطنة الإيرانية منها «تمجيد العمليات التي ارتكبت في إسرائيل في 7 أكتوبر» و«الإساءة إلى الجالية اليهودية». واتهمت أسفندياري لاحقاً بأنها جزءٌ من «مجموعة نشطة»، وتم القبض عليها مع شخص آخر لم تكشف هويته.

واعتبر الناطق باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في 14 أبر يل (نيسان)، أن احتجازها مرده لأنها ترفض وتندد بالإبادة التي تمارسها إسرائيل في غزة. وثمة من يجد رابطاً بين هذه الحالة وتوقيف بشير بيازار، المسؤول السابق في التلفزيون الإيراني، بداية يونيو (حزيران) من العام الماضي، وإبعاده عن فرنسا التي كان يقيم فيها مع عائلته منذ سنتين، بتهمة كونه «عنصر تأثير (في فرنسا) على صلة بأجهزة المخابرات الإيرانية»، وهو ما نص عليه قرار الترحيل الصادر بحقه بتاريخ 22 مايو (أيار).

وحسب وزارة الداخلية الفرنسية، فقد «شارك بنشاط في الضغوط التي مُورست ضد وسيلة إعلام تابعة للمعارضة»، في إشارة إلى قناة «إيران إنترناشونال»، التي تبث من لندن وواشنطن.

ونشرت صحيفة «لو موند» في عددها الصادر بتاريخ 28 يونيو (حزيران) 2024 قصة مفصلة حول هذه الحادثة، وأقامت رابطاً بين اعتقاله وترحيله من جهة، وإفراج إيران عن المواطن الفرنسي لويس أرنو الذي كان محتجزاً في طهران منذ 28 سبتمبر (أيلول) 2022، فهل ستكرر عملية التبادل هذه المرة أيضاً؟ وهل ستشمل العملية أيضاً لينارت مونترلو، الشاب الفرنسي - الألماني البالغ من العمر 19 عاماً الذي اعتقل في 6 يوليو (تموز) الماضي لدى دخوله إلى إيران التي وصلها للسياحة على متن دراجة هوائية؟ الجواب ربما في الأيام القليلة المقبلة.


مقالات ذات صلة

صور أقمار صناعية ترصد «نشاطاً جارياً» في منشأة نووية بإيران

شؤون إقليمية مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

صور أقمار صناعية ترصد «نشاطاً جارياً» في منشأة نووية بإيران

ذكر «معهد العلوم والأمن الدولي» أن السلطات الإيرانية قد تسعى إلى فحص أنقاض ضربة عسكرية في منشأة «نطنز» بعيداً عن أعين المراقبين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (إرنا)

الرئيس الإيراني: نرفض أي «شروط مهينة» للتفاوض مع واشنطن

قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن بلاده لن تقبل «شروطاً مهينة» للتفاوض مع الولايات المتحدة محذراً من محاولات تجريد إيران من مكونات القوة العسكرية و«إضعافها».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية القاذفة الشبح «بي 2 سبيريت» التابعة لسلاح الجو الأميركي بعد عودتها من الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية (رويترز)

إسرائيل تحذر من محاولة طهران إحياء برنامجها النووي

بعد ستة أشهر من قصف منشآت إيران النووية، كشفت تقارير عن تفاصيل جديدة عن الحرب الـ12 يوماً، بينما حذر رئيس «الموساد» من استئناف طهران نشاطها النووي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية عراقجي ولافروف على هامش مباحثاتهما في موسكو (الخارجية الإيرانية)

«خريطة طريق» للتنسيق بين موسكو وطهران حتى 2028

وقعت موسكو وطهران الأربعاء اتفاقية تنظم آليات تنسيق التعاون الدبلوماسي، وتكرس أول تحرك مشترك في إطار معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

رائد جبر (موسكو)
شؤون إقليمية عراقجي يعقد اجتماعاً مع المشرعين الروس في مقر مجلس الدوما (الخارجية الإيرانية)

عراقجي في زيارة إلى موسكو والملف النووي على الطاولة

وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو الثلاثاء، بالتزامن مع تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضرورة التزام الوكالة بالحياد في تعاملها مع إيران.

«الشرق الأوسط» (لندن - موسكو - طهران)

العثور على مسيَّرة ثانية متحطمة شمال غربي تركيا

صورة التقطتها «وكالة أنباء ديميرورين» التركية ونشرتها في 19 ديسمبر 2025 لطائرة مسيّرة محطمة يُزعم أنها روسية الصنع في منطقة ريفية قرب إزميت (أ.ف.ب)
صورة التقطتها «وكالة أنباء ديميرورين» التركية ونشرتها في 19 ديسمبر 2025 لطائرة مسيّرة محطمة يُزعم أنها روسية الصنع في منطقة ريفية قرب إزميت (أ.ف.ب)
TT

العثور على مسيَّرة ثانية متحطمة شمال غربي تركيا

صورة التقطتها «وكالة أنباء ديميرورين» التركية ونشرتها في 19 ديسمبر 2025 لطائرة مسيّرة محطمة يُزعم أنها روسية الصنع في منطقة ريفية قرب إزميت (أ.ف.ب)
صورة التقطتها «وكالة أنباء ديميرورين» التركية ونشرتها في 19 ديسمبر 2025 لطائرة مسيّرة محطمة يُزعم أنها روسية الصنع في منطقة ريفية قرب إزميت (أ.ف.ب)

عثر على مسيّرة مجهولة المصدر محطّمة في حقل شمال غربي تركيا، في حادثة هي الثانية من نوعها في أقلّ من 24 ساعة، وفق ما أفادت به وسائل إعلام تركية.

وأشارت عدّة قنوات تلفزيونية خاصة وصحيفة «جمهورييت» التي نشرت صوراً قالت إنها للمسيّرة المتحطّمة التي لا تحمل أيّ إشارات تسمح بالتعرّف عليها، إلى أنّه تمّ العثور على هذه الطائرة المُسيرة الصغيرة في حقل خالٍ بالقرب من مدينة باليكسير (بالي قصر) على بعد نحو ثلاث ساعات من جنوب غربي إسطنبول.

وأفادت قناة «هالك تي في» و«هابرترك» بأن المسيّرة نُقلت إلى أنقرة لتحليلها.

طائرة مسيّرة محطمة مجهولة الهوية في حقل خالٍ بمنطقة مانياس في باليكسير (أ.ف.ب)

ويبدو أن الحادثة وقعت منذ أيّام، حسبما نقل الإعلام التركي استناداً إلى روايات قرويين في المنطقة. وهي ثاني حادثة من هذا النوع في أقلّ من 24 ساعة والثالثة منذ الاثنين، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وكشفت السلطات التركية عن أن إحدى المسيّرات المنخرطة في هذه الحوادث «روسية الصنع».

والجمعة، عُثر على مُسيّرة محطّمة في منطقة ريفية بالقرب من إزميت شرق إسطنبول على بعد نحو 30 كيلومتراً من سواحل البحر الأسود.

وأفادت وزارة الداخلية التركية التي أعلنت عن فتح تحقيق في هذا الخصوص، بأنّه يُعتقد أن المسيّرة «روسية الصنع من طراز أورلان-10، وتُستخدم لأغراض الاستطلاع والمراقبة، وفقاً للنتائج الأولية».

تقع تركيا على الضفة الجنوبية من البحر الأسود قبالة سواحل أوكرانيا وروسيا وهما في حالة حرب.

والاثنين، أسقطت الدفاعات التركية مسيّرة «خارجة عن السيطرة» آتية من البحر الأسود في المجال الجوّي التركي، من دون أن تحدّد السلطات مصدرها أو موقع اعتراضها.

وأفاد عدّة مراقبين بأن العملية نفّذت فوق الأراضي التركية وليس البحر الأسود.

وبعد هذه الحادثة، دعت وزارة الدفاع التركية الخميس، أوكرانيا وروسيا إلى «توخّي مزيد من الحذر».


تركيا تُطالب «قسد» بخريطة طريق لتنفيذ اتفاق الاندماج في الجيش السوري

تركيا تطالب «قسد» بالاندماج في الجيش السوري أفراداً وليس وحدة منفصلة (أ.ف.ب)
تركيا تطالب «قسد» بالاندماج في الجيش السوري أفراداً وليس وحدة منفصلة (أ.ف.ب)
TT

تركيا تُطالب «قسد» بخريطة طريق لتنفيذ اتفاق الاندماج في الجيش السوري

تركيا تطالب «قسد» بالاندماج في الجيش السوري أفراداً وليس وحدة منفصلة (أ.ف.ب)
تركيا تطالب «قسد» بالاندماج في الجيش السوري أفراداً وليس وحدة منفصلة (أ.ف.ب)

طالبت تركيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بالتخلّي عن خطابها «الانفصالي» واللامركزي، والتخلّص من العناصر «الإرهابية» في صفوفها، والاندماج التام في الجيش السوري، والخضوع لسلطة مركزية واحدة.

وقال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، إن «قسد» يجب أن تنفصل عن «عناصرها الإرهابية»، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تُشكل عمادها الأساسي، وتُعدها أنقرة ذراعاً لحزب «العمال الكردستاني» في سوريا، وأن يتم القضاء التام على الهياكل الأمنية الموازية على الأرض.

وأكد غولر أنه ينبغي على «قسد» أن تنفذ اتفاقية الاندماج في الجيش السوري، الموقعة بين الرئيس أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي في دمشق في 10 مارس (آذار) الماضي، برؤية واضحة وخريطة طريق محددة.

خريطة طريق للاندماج

ولفت وزير الدفاع التركي، خلال لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام التركية لمراجعة وتقييم التطورات والأحداث خلال عام 2025، إلى أن الاتفاقية، التي أُعدت في إطار مبدأ «دولة واحدة وجيش واحد» في سوريا، لم تُترجم بعد إلى واقع ملموس، ولم تُدعم بخطوات عملية.

جانب من لقاء وزير الدفاع التركي يشار غولر مع ممثلي وسائل الإعلام التركية (الدفاع التركية)

وأضاف: «نودّ أن نؤكد بوضوح أن عملية الاندماج يجب أن تتم، ليس بتصريحات غامضة ومفتوحة، بل برؤية واضحة وخريطة طريق محددة المعالم وملزمة وقابلة للتنفيذ، وفي هذا السياق، يُعدُّ القضاء على العناصر الإرهابية من قِبل (قسد) أمراً بالغ الأهمية».

وتابع غولر: «جرى تشكيل حكومة جديدة في سوريا، وهناك رئيس دولة جديد، ونعتقد أنه من الضروري منحهم بعض الوقت لإرساء النظام في البلاد، وأعلن الرئيس السوري أنه سيحتضن جميع الفصائل في بلاده، والتزم، ولا يزال، بذلك، ولا يزال ملتزماً به، خلال اجتماعاتنا مع القادة السوريين، نرى ونتفهم موقفهم تجاه دمج (قسد)».

الرئيس الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي خلال توقيع اتفاقية الاندماج في الجيش السوري 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

وعن الموقف الأميركي بشأن اندماج «قسد»، وما إذا كانت هناك خلافات بين أنقرة وواشنطن في هذا الشأن، قال غولر إن المحادثات بين الجانبين مستمرة، وقد تغيَّرت وجهة نظر الولايات المتحدة بشكل كبير.

وأضاف: «أصبح أصدقاؤنا الأميركيون الآن أكثر وعياً بالواقع، وتتضاءل خلافاتنا في هذا الشأن، لقد أوضحنا ما نريده بوضوح، لا رجعة في هذا الأمر، سيتم دمجهم حتماً في الجيش السوري».

وتابع: «تتحدث (قسد) أيضاً عن الدمج، لكن ما تتحدث عنه هو الدمج بوصفها وحدة، لكنهم يجب أن يندمجوا أفراداً وليس وحدة، وإلا، لما سُمي ذلك دمجاً؟».

الخيار العسكري

وعن موقف تركيا إذا لم تلتزم «قسد» بتنفيذ الاندماج، قال غولر إن «تركيا لديها خطط جاهزة للتعامل مع جميع التطورات، نعرف جيداً ما سنفعله، ولدينا القدرة والإمكانية للقيام بما فعلناه حتى اليوم».

وأضاف: «خلال عملياتنا في سوريا منذ عام 2016، كانت الولايات المتحدة وروسيا موجودتين في سوريا، وقد فعلنا ما كان يجب فعله دون استشارة أحد، وأنجزناه، وفي المستقبل، إذا لزم الأمر، سنفعل ما هو ضروري دون استشارة أحد».

فيدان بحث مع برّاك تنفيذ اتفاقية اندماج «قسد» خلال لقائهما بوزارة الخارجية التركية الثلاثاء (الخارجية التركية)

كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد حذّر، الخميس، يعد يومين من لقائه السفير الأميركي لدى أنقرة المبعوث الخاص إلى سوريا توم برّاك بمقر «الخارجية التركية»، من نفاد صبر الأطراف المعنية بسبب عدم التزام «قسد» بتنفيذ اتفاق الاندماج.

وقال فيدان إنه «يجب على (قسد) الالتزام بالاتفاق من دون تأخير»، مضيفاً: «لا نؤيد استخدام القوة العسكرية مجدداً؛ لكن صبر الأطراف المعنية نفد، نأمل أن يتم التوصل إلى حل بشأن الاندماج بين إدارة دمشق و(قسد) من خلال الحوار».

وأفاد وزير الدفاع التركي بأن بلاده تتابع التطورات في سوريا من كثب، قائلاً: «حددنا موقفنا منذ البداية، ولا مجال للتراجع عنه، ضمان الاستقرار والأمن في سوريا ومكافحة الإرهاب أمران حيويان للأمن القومي التركي».

التعاون مع دمشق

وأضاف غولر: «نحن على اتصال وثيق مع الحكومة السورية، التي قطعت شوطاً مهماً على طريق العيش بسلام والاندماج مجدداً في المجتمع الدولي بعد معاناة طويلة، ونحن منخرطون في تنسيق قوي وتعاون بناء».

غولر ووزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة خلال توقيع مذكرة التفاهم للتعاون العسكري بين أنقرة ودمشق في أغسطس الماضي (الدفاع التركية)

وأشار إلى أنه في إطار مذكرة التفاهم للتدريب والاستشارات الموقعة بين البلدين، في أغسطس (آب) الماضي، «نواصل إسهاماتنا في مجالات مثل تعزيز القدرات الدفاعية للجيش السوري، وتطوير وتحديث هيكله التنظيمي، وتدريب الأفراد، ولا سيما في مكافحة الإرهاب».

ولفت غولر إلى أنه عندما سيطرت القوات التركية على عفرين (ريف حلب) من أيدي «قسد» عام 2018، كانت جميع المساجد والكنائس والمدارس قد تحوّلت إلى «معاقل للإرهابيين» (في إشارة إلى عناصر «قسد»/ و«وحدات حماية الشعب» الكردية)، وقامت القوات «بتطهير عفرين من الإرهاب» ودمّرت جميع الأنفاق التي اكتشفتها.

وأضاف: «رغم أن أكبر سد في المنطقة يقع شمال عفرين، فإن السكان كانوا يعانون انقطاع المياه، لقد جعلنا المنطقة آمنة وصالحة للعيش، ونراقب من كثب أنشطة حفر الأنفاق الجارية التي تقوم بها المنظمة الإرهابية (في إشارة إلى «قسد») في الرقة ودير الزور».

جنود أتراك يعملون في تطهير الأنفاق في شمال سوريا (الدفاع التركية)

وتابع أن القوات التركية دمّرت 732 كيلومتراً من الأنفاق، منها 302 كيلومتر في تل رفعت (ريف حلب) و430 كيلومتراً في منبج (ريف حلب)، ما جعل المنطقتين صالحتين للسكن مجدداً.

من ناحية أخرى، انتقد غولر النهج الإسرائيلي القائم على «فهم أمني خاطئ»، والذي يستفز جهات فاعلة غير حكومية ضد الحكومة السورية، ويستخدم قوة مفرطة، ويُلحق مزيداً من الضرر بالتوازنات الهشة أصلاً في المنطقة، ويُعمِّق حالة عدم الاستقرار، ويُشكل تهديداً للأمن القومي التركي.

وقال إن على إسرائيل أن تُدرك أنها لا تستطيع حلّ مخاوفها الأمنية بمهاجمة سوريا وزعزعة استقرارها؛ بل يجب أن تقوم بذلك من خلال التعاون مع الحكومة السورية الجديدة على أساس حسن الجوار، وإقامة العلاقات وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.


تقرير: الجيش الإسرائيلي تجاهل تحذيراً استخبارياً قبل يوم من هجوم «حماس»

فلسطينيون فوق دبابة إسرائيلية سيطر عليها مقاتلو «كتائب القسام» قرب خان يونس في 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
فلسطينيون فوق دبابة إسرائيلية سيطر عليها مقاتلو «كتائب القسام» قرب خان يونس في 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
TT

تقرير: الجيش الإسرائيلي تجاهل تحذيراً استخبارياً قبل يوم من هجوم «حماس»

فلسطينيون فوق دبابة إسرائيلية سيطر عليها مقاتلو «كتائب القسام» قرب خان يونس في 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
فلسطينيون فوق دبابة إسرائيلية سيطر عليها مقاتلو «كتائب القسام» قرب خان يونس في 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن هيئة البث العام الإسرائيلية (كان)، أن إسرائيل جمعت معلومات استخبارية قبل أقل من 24 ساعة على الهجوم الذي شنَّته حركة «حماس» وأشعل الحرب في غزة، مشيرة إلى أن الحركة كانت تخطِّط لعمل ما في صباح اليوم التالي.

وحسب التقرير، جاءت المعلومات عبر عملية جمع استخباراتية نُفِّذت باستخدام طائرات مُسيَّرة فوق قطاع غزة، وركَّزت على عناصر «حماس» الذين كانوا يتولُّون حراسة نفق كانت إسرائيل تعتقد أن الأسير أفيرا منغستو محتجز فيه.

أكثر من 70 % من سكان غزة يعيشون في ملاجئ مؤقتة بسبب الحرب الإسرائيلية التي دمرت القطاع (أ.ف.ب)

ووفق «تايمز أوف إسرائيل»، كان منغستو الذي يعاني من مرض نفسي، قد دخل قطاع غزة من تلقاء نفسه عام 2014، قبل أن تعتقله الحركة وتحتجزه. وأُفرج عنه في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار في فبراير (شباط) من العام الجاري.

وأشارت «تايمز أوف إسرائيل» إلى أن إحدى المعلومات التي جُمعت خلال تلك العملية بالطائرات المُسيَّرة، ورغم عدم وضوحها، أثارت «إشارة تحذير»، فتم تمريرها إلى قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي.

ونقلت الصحيفة عن «كان» استناداً إلى «مصادر»، أن قيادة المنطقة الجنوبية قلَّلت من أهمية هذه المعلومة، واعتبرتها على الأرجح مؤشراً إلى تدريب تجريه «حماس»، وليس إلى هجوم وشيك.

وأضافت هيئة البث الإسرائيلية أن عملية السادس من أكتوبر (تشرين الأول) لا تظهر في سجلات الجيش الإسرائيلي، كما لم يُشر إليها في التحقيقات التي أُجريت بشأن الأحداث التي سبقت الهجوم الواسع اللاحق أو رافقته، لافتة إلى أن سبب إغفالها لا يزال غير واضح.

وكانت هيئة البث الإسرائيلية، قد أفادت في وقت سابق من الشهر الحالي بهذه العملية الاستخبارية، ولكنها نُسبت حينها إلى مصدر مطَّلع قوله إنها لم تسفر عن اختراق استخباري يتعلق بمنغستو، ولا عن أي مؤشر على هجوم وشيك من جانب «حماس».

ويأتي هذا التقرير -وفق «تايمز أوف إسرائيل»- بعد نحو أسبوعين من قيام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير بتعيين لجنة من الخبراء للتحقيق في إخفاقات الجيش في التعامل مع التقارير الاستخبارية التي وردت منذ عام 2018، والتي أشارت إلى نية «حماس» شن هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل، وهي مسألة لم تُدرج ضمن التحقيقات الأولية التي أجراها الجيش بشأن هجوم السابع من أكتوبر 2023.

وجاء هذا القرار عقب مراجعة أجراها فريق آخر من الضباط الكبار السابقين لتحقيقات الجيش الداخلية بشأن إخفاقات السابع من أكتوبر؛ حيث خلص الفريق إلى أن كثيراً من هذه التحقيقات كانت غير كافية، كما أشار إلى ملفات عدة لم يتم التحقيق فيها إطلاقاً، وفي مقدمتها التقارير الاستخبارية المتعلقة بخطة «حماس» للهجوم التي كانت تحمل في الجيش الاسم الرمزي «أسوار أريحا».

وفي فبراير، خلص التحقيق الداخلي للجيش الإسرائيلي في الإخفاقات الاستخبارية التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر إلى أن المؤسسة العسكرية كانت قد تلقت على مدى سنوات معلومات وخططاً تشير إلى نية «حماس» شن هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل، ولكنها اعتبرت هذه الخطة غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ، في وقت واصلت فيه الحركة استعداداتها للهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر.