لبنان يعبر إلى «الهيئات الناظمة»... خطوة إصلاحية تحت الضغط الدولي

تأخرت عقدين لأسباب سياسية

رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في اجتماع مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في اجتماع مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
TT

لبنان يعبر إلى «الهيئات الناظمة»... خطوة إصلاحية تحت الضغط الدولي

رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في اجتماع مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في اجتماع مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)

أعاد قرار الحكومة اللبنانية الأخير، القاضي بتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء والهيئة الناظمة للاتصالات، فتح ملف الهيئات الناظمة الذي ظلّ مجمداً لأكثر من عقدين. وجاء القرار بمثابة خطوة إصلاحية «تأخرت كثيراً»، وفق ما يقول مسؤولون، لكنه يضع الدولة أمام تحدي التنفيذ، التزاماً بتعهداتها أمام المجتمع الدولي.

وفي يوليو (تموز) الماضي، عيّنت الحكومة رئيس وأعضاء الهيئة الناظمة لزراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي، إلى جانب رئيس وأعضاء الهيئة العامة للطيران المدني.

شعار هيئة «أوجيرو» للاتصالات في لبنان (أرشيفية-أ.ب)

وبدأت الحكومة اللبنانية تطبيق القرار، الذي أعلنت عنه في بيانها الوزاري، والقاضي بتشكيل هيئات ناظمة للقطاعات الأساسية، وتفعيل عمل أجهزة الرقابة، وهي خطوة يشدّد عليها المانحون الدوليون بوصفها شرطاً أساسياً لمدّ لبنان بالمساعدات والتمويل.

مخيبر: الهيئات بين الخصخصة والحوكمة

ويقول المشرّع والنائب السابق غسان مخيبر، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، إنّ وظيفة الهيئات الناظمة «غالباً ما تندرج في إطار عمليات الخصخصة لقطاعات حيوية وأساسية للمواطنين، مثل الكهرباء والاتصالات». وأوضح «أنّ القوانين التي نظّمت هذين القطاعين لحظت إنشاء هيئات ناظمة وظيفتها الأساسية الإشراف على المؤسسات بعد تحويلها إلى شركات أو خصخصتها كلياً أو جزئياً، مع فتح المجال أمام شركات خاصة جديدة لتأمين الخدمات المرتبطة بالإنتاج والتوزيع والنقل».

التأخير لأسباب سياسية

ورأى «أنّ الجهات الدولية المعنية بإعادة هيكلة الدولة اللبنانية وإصلاحها عدَّت هذه الهيئات ركناً أساسياً من عملية الإصلاح البنيوي، لكنّ التنفيذ تأخّر لأسباب سياسية، إذ نظر عدد من وزراء الطاقة والمياه والاتصالات إلى هذه الهيئات على أنّها تُنافس صلاحياتهم». وأشار إلى أنّ «البعض تقدَّم باعتبارات دستورية لتبرير التأخير، في حين حاولت قوى سياسية تعديل القوانين لإعادة تنظيم القطاعات، خلافاً لما نصت عليه النصوص النافذة».

خطوة حكومية حاسمة

وتابع مخيبر أنّ ما حصل في مجلس الوزراء أخيراً «حسم كل هذه المعوقات التي حالت دون تطبيق القوانين لسنوات طويلة، وفتح الباب أمام إلغاء حصرية الدولة في إدارتها، وإدخال الشركاء من القطاع الخاص في عملية تنظيمية تُشرف عليها هذه الهيئات». وعَدّ «أنّ هذه الخطوة إيجابية وتنسجم مع مطالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودول عدة ربطت مساعداتها للبنان بإصلاح قطاعَي الكهرباء والاتصالات، اللذين كبّدا الدولة خسائر هائلة وأدّيا إلى فجوة مالية كبيرة».

ولفت إلى أنّ التوصيات الدولية تدعو إلى إعادة النظر في هيكلة جميع الخدمات والمؤسسات العامة والشركات المختلطة المملوكة من الدولة، في إطار إصلاح شامل لمؤسسات الدولة.

دور الهيئات

وشدّد مخيبر على أنّ الهيئات الناظمة لا تقتصر على الدور التقني، بل تتولّى أيضاً جوانب مالية وقانونية وإدارية؛ بهدف ضمان المنافسة السليمة بعد الخصخصة، وعدم تحوّلها إلى خدمات تُثقل كاهل المواطن بأسعار مرتفعة أو نوعية متردية. وقال إنّ «الدور الذي تلعبه هذه الهيئات مهم لتحرير القطاعات من التدخل السياسي نسبياً، لكن التحدّي يكمن في أن قرارات التعيين غالباً ما تدخل في المحاصصة الطائفية والسياسية، ما يحوّل السيطرة من وزير واحد إلى مجالس إدارة يتقاسم فيها السياسيون النفوذ».

ضمانة للشفافية

هذه الهيئات ليست وليدة اليوم، فقد أُقرّت بقوانين بعد «مؤتمر باريس 1» (فبراير 2001) حين فرض المجتمع الدولي على لبنان تنفيذ شروط إصلاحية؛ أبرزها خصخصة القطاعات العامة وإنشاء هيئات ناظمة لها. ومنذ ذلك الحين، بقيت النصوص قائمة دون أن تُطبَّق فعلياً، نتيجة الخلافات السياسية وصراع الصلاحيات.

وتتصدر الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء قائمة الأولويات. ويقول الخبير في شؤون الطاقة الدكتور محمد بصبوص، لـ«الشرق الأوسط»، إنّه «في الفترات السابقة جَرَت محاولات متكرّرة لتعديل القانون 462 بهدف قضم صلاحيات الهيئة الناظمة للكهرباء، وتحويلها إلى هيئة شكلية شِبه استشارية، لكن هذه المحاولات لم تمرَّ، وبقي القانون على حاله»، مضيفاً أن «هذا أمر مهم؛ لأن جوهر القانون يقوم على أن تكون الهيئة الناظمة المرجع الوحيد والصالحية الكاملة في كل ما يتعلّق بقطاع الكهرباء؛ بدءاً من دراسة المشاريع وإصدار الرخص، وصولاً إلى تحديد الأسعار وتنظيم العلاقة مع الخزينة والقطاعين العام والخاص، بعيداً عن تدخّل الوزير المباشر».

محطة الزهراني لتوليد الكهرباء جنوب لبنان (أرشيفية-أ.ف.ب)

وأوضح بصبوص أنّ «أهمية الهيئة الناظمة تنبع من قدرتها على إجراء دراسات شاملة وموضوعية لأي مشروع إنتاج كهرباء، وعلى وضع الشروط والالتزامات بشكل قانوني وشفاف، وهو ما يرفع عبء القرار عن الوزير الذي كان في السابق يتصرّف منفرداً لأسباب سياسية أو شخصية». ولعلّ أبرز الأمثلة على ذلك ما حصل في مشروع دير عمار وغيره، حيث اتُّخذت قرارات بالتلزيم المباشر دون مناقصات أو أي رقابة، ما أدى إلى عرقلة التنفيذ وتكبيد الدولة خسائر كبيرة.

منع الاحتكار وإعادة الثقة

وكشف بصبوص أنّ القانون واضح لجهة أن الـ«هيئة الناظمة هي التي تمنح رخص الإنتاج وتضع إطار التسعير، في حين لا دور للوزير ولا لمؤسسة كهرباء لبنان في هذا الشأن. وهذا يضمن الشفافية ويمنع تكرار التجارب السابقة التي اتسمت بغياب المنافسة وبالتلزيمات الاعتباطية».

ولفت بصبوص إلى أنّ «المطلوب، اليوم، هو تفعيل عمل الهيئة الناظمة، ليس فحسب من الناحية القانونية حيث تمتلك كل الصلاحيات والأدوات، بل من الناحية العملية أيضاً، عبر الانطلاق في معالجة ملفات الإنتاج والتوزيع، خصوصاً في ظل الحاجة الماسة إلى إدخال القطاع الخاص ضمن شراكات مدروسة مع الدولة».

إنجاز للحكومة وخطوة إصلاحية

وختم بصبوص قائلاً: «إن تفعيل الهيئة الناظمة يمثّل نقلة نوعية نحو إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان؛ لأنه يوفّر آلية شفافة للتلزيمات، ويعيد التوازن للعلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، ويمنع الاحتكار، ويعطي المستثمرين والشركاء الدوليين الثقة».


مقالات ذات صلة

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

المشرق العربي ضبط صواريخ من نوع «سام 7» معدة للتهريب خارج البلاد في البوكمال شرق سوريا (سانا)

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

رجحت مصادر أن تكون الجهة التي كان من المفترض تهريب دفعة صواريخ «سام 7» إليها عبر الأراضي السورية هي «حزب الله» بلبنان، الذي كان يقاتل أيضاً إلى جانب نظام الأسد.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

لبنان: سلام يدافع عن «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات الواسعة

دافع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام عن مشروع قانون استرداد الودائع المصرفية المجمدة منذ عام 2019، واصفاً إياه بـ«الواقعي» و«القابل للتنفيذ».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مودعون يرفعون لافتات اعتراضية على مشروع قانون استعادة الودائع خلال تحركات شعبية على طريق القصر الجمهورية (الشرق الأوسط)

انطلاقة «غير آمنة» لمشروع قانون الفجوة المالية في لبنان

كشف توسّع موجة الاعتراضات على مشروع قانون «الفجوة» المالية، حجم العقبات التي تعترض الوصول إلى محطة تشريع القانون في البرلمان.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

طلبت إيطاليا رسمياً من لبنان، إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بجنوب البلاد بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، وهو مطلب رحب به لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)

صمت مالك سفينة «النيترات» يراكم تعقيدات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

لم تحقق مهمة المحقّق العدلي في ملفّ انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار غايتها في العاصمة البلغارية صوفيا، إذ لم يتمكن من استجواب مالك الباخرة روسوس.

يوسف دياب (بيروت)

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)

عكستِ الاعتراضات على مشروع قانون استعادة الودائع المجمدة منذ عام 2019 في لبنان، انطلاقةً غير آمنةٍ له، إذ بدأتِ الحكومة بمناقشة المسودة، بالتزامن مع اعتراضات سياسية من قوى ممثلة بالحكومة وخارجها، وانتقادات عميقة من قبل «جمعية المصارف»، فضلاً عن تحركات شعبية نُظمت بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء.

وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أنّه لا يقف مع أي طرف ضدّ آخر، وأنّ النقاش يجب أن يتم تحت قبة البرلمان، فيما دافع رئيس الحكومة نواف سلام عن المسودة، وشدّد على أنَّ مشروع قانون الفجوة المالية واقعي وقابل للتنفيذ، مؤكداً أنَّ أي تأخير في إقراره قد يضر بثقة المواطنين والمجتمع الدولي.

وبرزتِ اعتراضات قانونية على إدراج مواد ذات «مفعول رجعي» لضرائب واقتطاعات وتعديلات في القيم الدفترية للمدخرات المحوّلة بعد عام 2019، والعوائد المحصّلة على الودائع في سنوات سابقة.


مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
TT

مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)

قتل شخصان وأصيب 6 مدنيين بينهم امرأة وطفل بجروح جراء اشتباكات اندلعت في مدينة حلب شمال سوريا بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تزامنت مع زيارة وفد تركي إلى دمشق، في وقت توشك مهلة تنفيذ بنود اتفاق 10 مارس (آذار) بين «قسد» والسلطات على الانتهاء.

وفي حين تبادل الطرفان الاتهامات بالتسبّب في اندلاع الاشتباكات، أفادت مصادر في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»، بأن المبعوث الأميركي توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، يجريان اتصالات لتهدئة الاشتباكات لمنع تصعيد يستفيد منه «داعش»، وقوى إقليمية معادية.

واتهمت أنقرة ودمشق «قسد» بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقية الموقعة في 10 مارس الماضي، وأكدتا رفض أي محاولات للمساس بوحدة سوريا واستقرارها.

جاء ذلك في مؤتمر صحافي بدمشق ‌بعد محادثات بين وفد تركي رفيع المستوى ‌والرئيس السوري ​أحمد الشرع ‌ووزير الخارجية أسعد الشيباني وآخرين، وقال الشيباني إن دمشق لم تلمس «أي مبادرة أو إرادة جادة» من «قسد» لتنفيذ الاتفاق، لكنها اقترحت في الآونة الأخيرة عليهم طريقة أخرى لدفع العملية قدماً.


ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
TT

ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

يعتزم ائتلاف «الإعمار والتنمية»، الذي يترأسه محمد شياع السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، طرحَ «مبادرة سياسية شاملة» لحسم منصب رئاسة الوزراء.

وذكر إعلام «تيار الفراتين»، الذي يتزعمه السوداني، في بيان، أمس، أنَّ ائتلاف «الإعمار» يعمل على «بلورة مبادرة سياسية متكاملة» تهدف إلى كسر حالة الانسداد السياسي، مشيراً إلى أنَّ تفاصيلها ستُطرح أمام قوى «الإطار التنسيقي» في اجتماعه المرتقب.

إلى ذلك، قال العضو في ائتلاف «الإعمار والتنمية» قصي محبوبة لـ«الشرق الأوسط» إنَّ «المبادرة ستكون عبارة عن شروط الائتلاف لاختيار رئيس الوزراء»، دون ذكر تفاصيل.

من ناحية ثانية، رحب مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى العراق، في تدوينة عبر منصة «إكس» بإعلان بعض الفصائل المسلحة استعدادها لبحث نزع سلاحها، لكنَّه شدّد على «أن يكون نزع السلاح شاملاً، وغير قابل للتراجع».