الموفدون الدوليون إلى لبنان... وسطاء ومحايدون وناقلو رسائل

التعقيدات الإقليمية دوّلت أزماته واستدعت المبعوثين منذ 1975

المبعوث الأميركي توم برّاك ونائبته إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في بيروت (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي توم برّاك ونائبته إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في بيروت (أ.ف.ب)
TT

الموفدون الدوليون إلى لبنان... وسطاء ومحايدون وناقلو رسائل

المبعوث الأميركي توم برّاك ونائبته إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في بيروت (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي توم برّاك ونائبته إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في بيروت (أ.ف.ب)

تَستكمل زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، بيروت، الخميس، مسيرةً حافلة من الموفدين والوسطاء الدوليين الذين تعاقبوا على لبنان منذ بداية الحرب اللبنانية في 1975، في محاولة لحلحلة الأزمات، والتعامل مع التعقيدات الدولية الممتدة إلى أزمات إقليمية، بالنظر إلى أن لبنان يهتز على الإيقاعات الإقليمية.

زيارة لودريان التي حملت بُعداً أمنياً وآخر اقتصادياً يتصلان بتثبيت الاستقرار وتطبيق القرار 1701 ودعم الجيش اللبناني بما يمكّنه من استكمال انتشاره في جنوب الليطاني، وتنفيذ قرارات الحكومة اللبنانية المتصلة بـ«حصرية السلاح»، جاءت بعد وساطة الموفد الأميركي إلى بيروت توماس برّاك، خلال الأسابيع الماضية.

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان (الرئاسة اللبنانية)

وساطات متغيرة

يقول وزير الخارجية الأسبق، فارس بويز، لـ«الشرق الأوسط»: «إنّ ظروف الوساطات الدولية تبدّلت كثيراً، ففي التسعينيات، ورغم انحياز واشنطن إلى إسرائيل، كانت تحتفظ بهامش يتيح لها تعديل بعض المواقف الإسرائيلية وتقديم حلول وسطية قابلة للحياة»، مضيفاً: «في عهد جيمس بايكر مثلاً، لم تكن واشنطن مجرّد ناقل رسائل، بل قادرة على فرض إيقاع تفاوضي، وهو ما لمسته شخصياً خلال التحضير لمؤتمر مدريد. حتى في مراحل سابقة، تمكّن مبعوثون مثل فيليب حبيب أو هنري كيسنجر من إنجاح مهماتهم بفضل هامش الحركة الذي امتلكوه».

يضيف بويز: «أما اليوم، فقد بات الموفدون الأميركيون يأتون إلى لبنان حاملين الموقف الإسرائيلي بحرفيته، من دون أي تعديل أو اجتهاد. تحولوا إلى مجرّد ناقلي رسائل، وهذه لا تسمى وساطة، لأن الوسيط الحقيقي يسحب الأمور نحو الوسط ويقترح حلولاً بديلة».

وزير الخارجية الأسبق فارس بويز مصافحاً الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك في بيروت بحضور الرئيس الهراوي (يسار) والرئيس رفيق الحريري والرئيس نبيه بري (أرشيف)

هذا التبدّل في طبيعة الوساطات يكتسب دلالته عند استعراض مسار الموفدين الدوليين إلى لبنان منذ اندلاع الحرب الأهلية. فمن أولوف ريدبيك عام 1976 إلى توماس براك عام 2025، ظلّت بيروت محطة دائمة للوسطاء.

أولوف ريدبيك... أول محاولة أممية

عام 1976، أوفدت الأمم المتحدة مبعوثها السويدي، أولوف ريدبيك، لفرض هدنة بعد اشتداد الحرب. لكن مهمته بقيت محدودة أمام تعقيدات الصراع وتشابكه الإقليمي.

فيليب حبيب... الوسيط الأميركي الأبرز

عام 1982، برز اسم فيليب حبيب الذي لعب دوراً محورياً خلال الاجتياح الإسرائيلي. تنقّل بين الأطراف المتحاربة معلناً: «أنا هنا لأوقف نزيف الدم»، وتمكّن بعد مفاوضات مضنية من تنظيم خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت تحت إشراف قوات متعددة الجنسيات.

ويشير السفير اللبناني السابق في واشنطن، أنطوان شديد، لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ لبنان «عرف منذ 1958 سلسلة طويلة من الموفدين: من ريتشارد مورفي إلى دين براون، وصولاً إلى فيليب حبيب وتيري رود لارسن، كان دورهم انعكاساً لأزمات أكبر من الساحة اللبنانية نفسها».

الطائف... تسوية برعاية عربية

عام 1989، انتقلت المبادرة إلى العرب. رعت اللجنة الثلاثية (السعودية، والجزائر، والمغرب) اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، ووضع حداً لحرب ممتدة على أكثر من 15 عاماً. وكان الاتفاق خلاصة محادثات بين اللبنانيين أنفسهم الذين لطالما كانوا على اختلاف عميق، واستضافتهم مدينة الطائف لفك العقد وتسوية الخلافات، مما أدى إلى إنتاج وثيقة وفاق وطني، لا تزال على فاعليتها ويتمسك بها الأطراف اللبنانيون.

«تفاهم نيسان»... كلمة دمشق

في التسعينات، كانت دمشق تمسك بالقرار اللبناني. لكن حرب 1996 أعادت واشنطن إلى الواجهة عبر مبعوثها دنيس روس، الذي قاد مفاوضات «تفاهم نيسان»، ونصّت على تجنّب استهداف المدنيين وإنشاء لجنة خماسية لمراقبة الخروقات.

هوكستين خلال لقائه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في نوفمبر 2024 (رويترز)

القرار 1559... مبعوث الجدل

صدر القرار 1559 القاضي بانسحاب الجيش السوري ونزع سلاح الميليشيات، في عام 2004، وأوكلت متابعته إلى المبعوث الأممي تيري رود لارسن، الذي تحوّل إلى شخصية خلافية.

ويعلّق شديد: «الجغرافيا الجيوسياسية حكمت لبنان منذ القدم. الطوائف طلبت الحماية من الخارج: الإنجليز مع الدروز، والفرنسيون مع المسيحيين، والعثمانيون مع السنّة... هذه المعادلة جعلت القوى الكبرى تبحث دوماً عن موطئ قدم في لبنان، وكانت الطوائف تتودد إليها».

حرب 2006... وولادة القرار 1701

أفرزت الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006 القرار 1701 الذي نصّ على انتشار الجيش و«يونيفيل» جنوب الليطاني. تابع النرويجي غير بيدرسن ثم البريطاني مايكل ويليامز التنفيذ، لكنّ مهمتيهما اقتصرت على تثبيت التهدئة، فيما بقي ملف سلاح «حزب الله» معلقاً على طاولة الحوار الداخلي.

صورة تذكارية للوفود المشاركة في مؤتمر مدريد (أرشيف فارس بويز)

من الأزمة السورية إلى الانهيار المالي

عام 2011، مع اندلاع الحرب السورية، استضاف لبنان موجات نازحين، فأطلقت الأمم المتحدة مجموعة الدعم الدولية لمساعدته. وركّز الموفدون مثل سيغريد كاغ ويان كوبيش على الملف الإنساني ومنع انتقال الصراع.

لاحقاً، ومع حراك 2019 والانهيار المالي، برز الفرنسي بيار دوكان، فيما أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون مبادرته بعد انفجار المرفأ 2020، لكنها تعثرت بفعل الانقسامات الداخلية.

2022... اتفاق الحدود البحرية

نجح الأميركي آموس هوكستين عام 2022 في إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، منهياً نزاعاً استمر عقداً كاملاً. اعتُبر الاتفاق إنجازاً تاريخياً فتح الباب أمام استغلال محتمل للثروة الغازية. لكنه لم ينجح لاحقاً في فصل الساحة اللبنانية عن ارتدادات حرب غزة.

هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي قبل إعلان وقف النار بين لبنان وإسرائيل (وزارة الدفاع)

2025... براك وحصرية السلاح

في صيف 2025، تبنّت الحكومة اللبنانية قراراً تاريخياً بتكليف الجيش بحصر السلاح على كامل الأراضي. وبرز اسم المبعوث الأميركي من أصل لبناني توماس برّاك، الذي وصف القرار بـ«الجريء والتاريخي»، مؤكداً أنّ واشنطن «لا تفرض، بل تدعم خياراً لبنانياً داخلياً». لكن الإجماع الرسمي سرعان ما تبدّد بعد تحذيرات «حزب الله» من معركة كبرى إذا فُرض نزع سلاحه بالقوة، معتبراً أنّ «القرار يمسّ جوهر معادلة الردع مع إسرائيل».

أسرى الموقع الجغرافي

في السياق، يختصر شديد التجربة اللبنانية قائلاً: إن «فكرة الموفدين الدوليين نشأت من عجز اللبنانيين عن حلّ مشكلاتهم بأنفسهم، ومن رغبة الدول الكبرى في ترسيخ نفوذها في هذه المنطقة الحيوية. لذلك رأينا موفدين من الأمم المتحدة، وموفدين فرنسيين كثراً، فضلاً عن موفدين عرب من الجامعة العربية ومصر، وصولاً إلى مبعوثين ووفود من الولايات المتحدة وإيران في الحاضر. نحن أسرى الموقع الجغرافي والسياسي، وكل فريق لبناني كان ولا يزال يحاول أن يستقوي بالموفدين لحل أزماته الداخلية. هذا الواقع يتكرّر اليوم كما بالأمس، مع توالي الوفود الدولية إلى بيروت ومحاولاتها المساعدة في منع تفجّر الوضع عسكرياً».


مقالات ذات صلة

صدمة في منزل لبناني خطفه «الموساد»: لا علاقة له برون آراد

خاص عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)

صدمة في منزل لبناني خطفه «الموساد»: لا علاقة له برون آراد

لم تتبدد الصدمة عن وجوه أفراد عائلة النقيب المتقاعد من «الأمن العام» اللبناني أحمد شكر، وذلك بعد ترجيحات أمنية وقضائية لبنانية بأن إسرائيل خطفته

حسين درويش (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)

عون: عودة سكان جنوب لبنان إلى ديارهم أولوية

أكّد الرئيس جوزيف عون أن «عودة الجنوبيين إلى بلداتهم وقراهم هي الأولوية بالنسبة إلى لبنان، للمحافظة على كرامتهم ووضع حد لمعاناتهم المستمرة حتى اليوم».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

دشّنت إسرائيل مرحلة جديدة من القصف في جنوب لبنان، تتركز بمنطقة شمال الليطاني، قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني الانتهاء من المرحلة الأولى لـ«حصرية السلاح»

«الشرق الأوسط» (لبنان)
المشرق العربي نواف سلام متحدثاً عن «مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع» بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد الأسبوع الماضي (رئاسة الحكومة)

«مصرف لبنان» ينسف المشروع الحكومي لرد الودائع قبل إقراره

اختزل حاكم مصرف لبنان المركزي كريم سعيد النزاع المرافق لمناقشات مجلس الوزراء الخاصة بمشروع قانون استرداد الودائع (الفجوة المالية)

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي متداولة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مصافحاً اللواء السابق سهيل الحسن

مقتل ضابط مخابرات سوري سابق... والجيش اللبناني يوقف القاتل

عثرت الأجهزة الأمنية اللبنانية في الساعات الماضية، على جثة المواطن السوري غسان نعسان السخني، قرب المنزل الذي كان يقيم فيه في منطقة كسروان.

يوسف دياب (بيروت)

صدمة في منزل لبناني خطفه «الموساد»: لا علاقة له برون آراد

عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

صدمة في منزل لبناني خطفه «الموساد»: لا علاقة له برون آراد

عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)

لم تتبدد الصدمة عن وجوه أفراد عائلة النقيب المتقاعد من «الأمن العام» اللبناني أحمد شكر، المخطوف منذ أيام، وذلك بعد ترجيحات أمنية وقضائية لبنانية بأن المخابرات الإسرائيلية اختطفته على خلفية صلات مشبوهة باختفاء الطيار الإسرائيلي رون آراد في جنوب لبنان عام 1986.

ويقول شقيقه عبد السلام شكر، إن قصة أحمد بدأت بعدما تواصل معه المغترب اللبناني في كينشاسا (ع. م.)، طالباً منه استئجار شقته في منطقة الشويفات (جنوب بيروت)، وبالفعل اتفقا قبل أشهر، ودفع 500 دولار إيجار الشقة. تكررت زيارات المغترب إلى لبنان، والتقى في إحداها بشكر في منزله، ولاحقاً، اتصل بالنقيب المتقاعد أحمد شكر ليبلغه بأن هناك متمولاً كبيراً في أفريقيا يُدعى سليم كساب (تبين لاحقاً أنه اسم وهمي) يبحث عن قطعة أرض لشرائها في زحلة، طالباً مساعدتهما.

يضيف عبد السلام: «نزل المغترب وعاين قطعة الأرض، وبعد أسبوعين على مغادرته، اتصل ليبلغ بأن المتمول كساب وافق على شراء الأرض، وهو سيزور لبنان، وعليه أن يلاقيه فيها في الساعة 4 والنصف من بعد ظهر يوم اختفاء أحمد»، مشيراً إلى أن المغترب «أصرّ على أن يكون هذا الموعد؛ لأنه يناسب الشاري، رغم تأكيد أحمد أن هذا الوقت تكون العتمة قد حلّت في المنطقة، ولن تظهر طبيعة الأرض». وقال إن المغترب «اعتذر عن عدم الحضور، متذرعاً بأن قدمه قد كُسِرت، وأن المتمول سيزور المكان وحده، برفقة أحمد».

في تلك الساعة من اللقاء، اختفى شكر. يقول عبد السلام: «لا نعلم عنه أي شيء سوى من التسريبات الأمنية والقضائية»، مضيفاً: «ما علمناه أن الخاطفين كانوا استأجروا منزلاً في زحلة، وأزالوا كل بصماتهم منه بعد اختطاف أحمد»، وأن «كاميرات المراقبة رصدت تحرك السيارة باتجاه بلدية الصويرة في البقاع الغربي حيث اختفت الأدلة بعدها»، علماً بأن الصويرة كانت تُستخدم كخط تهريب من جنوب دمشق الغربي، باتجاه لبنان.

ولاء للدولة

ويضيف عبد السلام: «أخي قضى أربعين عاماً في السلك العسكري، لم يكن ولاؤه إلا للدولة والمؤسسات، ولم يرتبط طوال حياته بأي من الأحزاب... نحن عائلة لا تتعاطى السياسة».

وشكر، تعرّض قبل أسبوع لعملية استدراج محكمة انطلقت من مسقط رأسه في بلدة النبي شيت (البقاع الشمالي بشرق لبنان)، قبل أن يُفقد أثره في نقطة قريبة جداً من مدينة زحلة.

الضابط المتقاعد من «الأمن العام اللبناني» أحمد شكر الذي خُطف من شرق لبنان (أرشيف العائلة - الشرق الأوسط)

في دارة مختار بلدة النبي شيت عباس شكر، يتوافد أبناء البلدة والأصدقاء الذين أعربوا عن احتجاجهم واستنكارهم لعملية الخطف والاختفاء.

تقول العائلة إن أحمد شكر تقاعد قبل 9 سنوات، بعد أربعين عاماً من الخدمة في الأمن العام، وتنقل خلالها بأكثر من موقع، بينها نقطة المصنع الحدودية مع سوريا، ونقطة القاع الحدودية مع سوريا أيضاً في شمال شرقي لبنان.

ويقول شقيقه عبد السلام لـ«الشرق الأوسط»: «شقيقي دخل الخدمة العسكرية في 1979، ما يعني أنه كان (ابن دولة) حين اختفى آراد في عام 1986... ومن المعروف أن ابن الدولة، لا يتعاطى الأحزاب».

ويردّ على محاولات ربط العائلة بنسب إلى فؤاد شكر، القيادي في «حزب الله» الذي اغتالته إسرائيل في يوليو (تموز) 2024 في الضاحية الجنوبية، بالقول: «لم يكن أحد من أبناء البلدة يعرف فؤاد شكر أصلاً... منذ مطلع الثمانينات خرج من البلدة ولم يعد إليها، وكان بعيداً عن أقربائه»، مشدداً على أن شقيقه، ومنذ تقاعده من الخدمة العسكرية، «لم يخرج خارج البقاع. التزم بيته، ويلعب الورق مع أصدقائه ليلاً».

عبد السلام شكر شقيق المخطوف أحمد شكر يتحدث لـ«الشرق الأوسط» من بلدة النبي شيت (الشرق الأوسط)

ويخيم الذهول على العائلة وزائري المنزل. هو مشهد متواصل منذ اختفائه في الأسبوع الماضي، ولم يتسارع الملف بمنحى رسمي، إلا حين اتصل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، بالرئيس اللبناني جوزيف عون، وبوزير الداخلية أحمد الحجار، حسبما يقول عبد السلام، مضيفاً أن عون «تعهّد بطلب من الأجهزة الأمنية والقضائية التوسع في التحقيقات وكشف الملابسات». وقال إن المسؤولين في «حركة أمل» كانوا على اتصال دائم مع رئيس البرلمان نبيه بري، لمتابعة الملف.

لغز الاختفاء

وقال عبد السلام: «نطالب القضاء والأجهزة الأمنية بتأكيد أو نفي التسريب حول صلة مزعومة باختفاء رون آراد، هذا التسريب الذي حصل لا يعنينا، ما يعنينا هو ما تقوله الأجهزة الأمنية والأمن العام الذي ينتمي له شكر، وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي التي تتولى التحقيق».

وأكد عبد السلام شكر أن «لغز الاختفاء موجود لدى (ع. م) ابن بلدة قانا الجنوبية الذي يقيم في كينشاسا ويتهرب من اتصالاتنا، وعلى الدولة اللبنانية أن تطلب عبر الإنتربول توقيفه وإحضاره إلى لبنان للتحقيق معه»، لافتاً إلى أن أرقام هواتفه «لم يعد يرد عليها»، وأن جميع المعلومات المتوفرة عنه، بما فيها مقاطع فيديو له، باتت بحوزة الأجهزة الأمنية.

ويعرب شكر عن اعتقاده بأن المغترب (ع. م.) «هو من رتب القصة مع الموساد، وأوصلهم إلى هذه المرحلة، ونفذوا العملية بطريقة دقيقة واحترافية»، لافتاً إلى أن ما فهمته العائلة من الأجهزة الأمنية اللبنانية، أن الخاطفين لم يتركوا أي بصمات، لا في شقة ضهور زحلة، ولا في الشويفات، ولم يتم العثور على أي دليل، كما أن سيارة الخاطفين ما زالت مجهولة».


عون: عودة سكان جنوب لبنان إلى ديارهم أولوية

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)
TT

عون: عودة سكان جنوب لبنان إلى ديارهم أولوية

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)

شهد المشهد الرسمي اللبناني عشية الأعياد حركة سياسية ودبلوماسية لافتة، تمحورت حول ملف عودة الجنوبيين إلى قراهم وبلداتهم، واستمرار الدعم العربي لإعادة الإعمار، إلى جانب متابعة الملفات التشريعية والاقتصادية.

وفي هذا الإطار، أكّد الرئيس اللبناني جوزيف عون أن عودة الجنوبيين تمثل أولوية وطنية، فيما ثمّن رئيس مجلس النواب نبيه برّي وقوف العراق إلى جانب لبنان واستعداده للمساهمة في إعادة إعمار ما خلّفته الاعتداءات الإسرائيلية.

وأكّد عون أن «عودة الجنوبيين إلى بلداتهم وقراهم هي الأولوية بالنسبة إلى لبنان، للمحافظة على كرامتهم ووضع حد لمعاناتهم المستمرة حتى اليوم».

ورأى عون، خلال استقباله الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والوفد المرافق، أن المبادرة التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي خلال القمة العربية التي انعقدت في بغداد في مايو (أيار) الماضي، بتخصيص مبلغ 20 مليون دولار لإعادة الإعمار في لبنان، «شكّلت منطلقاً لمساعدات عربية ودولية لإعمار ما هدمته الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية على لبنان».

وشدّد على متانة العلاقات اللبنانية - العراقية، معتبراً أن «قواسم مشتركة عدة تجمع بين الشعبين اللبناني والعراقي»، شاكراً ما قدّمه العراق من دعم للبنان وللشعب اللبناني منذ سنوات، ولا يزال.

وكان الموفد الشخصي لرئيس الوزراء العراقي، السيد حسان العوادي، قد نقل إلى الرئيس عون تحيات رئيس الوزراء العراقي، مؤكداً «استمرار الدعم العراقي للبنان وتأمين ما يحتاج إليه من مساعدات».

وقال إن زيارة الوفد «تهدف إلى إطلاع المسؤولين اللبنانيين على أن الحكومة العراقية ماضية في تنفيذ التزاماتها تجاه لبنان، ولا سيما تلك التي أعلن عنها في قمة بغداد، ًوأنه تقرر فتح مكتب في السفارة العراقية في بيروت لمتابعة تنفيذ هذه المساعدة، وتنظيم العلاقة مع الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وتحديد الأولويات».

بري

من جهته، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وفداً عراقياً برئاسة الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي، وتناول اللقاء تطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية، حيث حمّل الرئيس بري الوفد العراقي «شكر وتقدير الشعب اللبناني للعراق حكومة وشعباً على وقوفهم ودعمهم للبنان في مختلف الظروف، ولا سيما استعداد العراق للمساهمة في إعادة إعمار ما خلّفه العدوان الإسرائيلي».


إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

دشّنت إسرائيل مرحلة جديدة من القصف في جنوب لبنان، تتركز في منطقة شمال الليطاني، قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني عن الانتهاء من المرحلة الأولى لتنفيذ «حصرية السلاح» في منطقة جنوب الليطاني، وسط تهديد إسرائيلي بمواصلة العمل لإلزام الحكومة اللبنانية بنزع سلاح «حزب الله».

وشن الطيران الحربي الإسرائيلي، الأربعاء، سلسلة غارات استهدفت وديان تقع بين قضائي الزهراني والنبطية في جنوب لبنان، كما استهدفت إحدى الغارات ساحل الزهراني في منطقة تبنا، حسبما أفادت مصادر محلية في الجنوب.

ووفق «الوكالة الوطنية للإعلام»، الرسمية اللبنانية، «نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي صباح الأربعاء عدواناً جوياً مستهدفاً وادي النميرية في منطقة النبطية بسلسلة غارات، ملقياً خلالها عدداً من صواريخ جو - أرض أحدث انفجارها دوياً تردد في أرجاء المنطقة».

وأشارت إلى أن «الطيران الحربي المعادي شن بعدها بدقائق غارة جوية مستهدفاً وادي حومين»، لافتة إلى أن «العدوان الجوي تزامن مع تحليق مكثف للطيران المسير في أجواء بلدات الدوير، الشرقية، النميرية، تول، النبطية، زبدين وجبشيت وعلى علو متوسط».

بدوره، أعلن الجيش الإسرائيلي مهاجمة مواقع إطلاق تابعة لـ«حزب الله» في جنوب لبنان. وقال إن الغارات استهدفت مواقع لـ«حزب الله»، وأنه «تم تدمير مبانٍ عسكرية وبنى تحتية إرهابية إضافية عمل منها عناصره في الفترة الأخيرة»، لافتاً إلى أن «وجود مواقع الإطلاق التي تم استهدافها يشكل خرقاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».

شمال الليطاني

وتقع جميع المناطق التي تعرضت للغارات، شمال نهر الليطاني، وهي من المرات النادرة التي تكون الغارات محصورة في منطقة شمال النهر، بعدما تركزت الغارات في الأشهر الماضية في نطقة جنوب النهر أو على ضفافه والمناطق الممتدة له. وتركزت غارات الأربعاء على مجرى نهر الزهراني الواقع إلى العمق في جنوب لبنان، ويبعد عن الحدود مسافات تصل إلى 40 كيلومتراً.

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

وجاءت هذه الغارات والتهديدات قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني عن الانتهاء من مرحلة تنفيذ «حصرية السلاح» في جنوب الليطاني، وهي المرحلة الأولى من خمس مراحل تتضمنها خطة الجيش اللبناني، ووافقت عليها الحكومة اللبنانية في 5 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس في تصريح، الأربعاء: «نواصل العمل لتنفيذ التزام حكومة لبنان بنزع سلاح (حزب الله) وإبعاده عن الحدود».

كما نقلت «القناة 13» الإسرائيلية عن مصادر قولها إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «سيطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترمب (خلال لقائهما المتوقع بعد أيام) ضوءاً أخضر لشن عملية واسعة النطاق ضد (حزب الله)».

تقرير قائد الجيش

ومن المتوقع أن يقدم قائد الجيش العماد اللبناني رودولف هيكل، التقرير الرابع والنهائي لمرحلة تنفيذ السلاح جنوب الليطاني، في أولى جلسات الحكومية اللبنانية في العام الجديد، ويطلع مجلس الوزراء على الإنجازات التي تحققت لجهة مصادرة الأسلحة، وتفكيك الأنفاق والبنية التحتية العسكرية لـ«حزب الله» في المنطقة، ويقدم أرقاماً على هذا الصعيد.

وكان رئيس الحكومة نواف سلام أبلغ «الشرق الأوسط» في الأسبوع الماضي، أن المرحلة الثانية من تنفيذ «حصرية السلاح»، ستكون في المنطقة الواقعة بين شمال نهر الليطاني وجنوب نهر الأولي.

انتقادات «حزب الله»

وتتعرض خطة الحكومة، لانتقادات من قِبل «حزب الله» الذي أعلنت كتلته النيابية (الوفاء للمقاومة)، الأربعاء، أن لبنان «يستصرخ همم أبنائه ‏واهتمامات مسؤوليه ليسلكوا المسار الوطني الصحيح الذي يفضي ‏إلى وقف العدو لأعماله العدائيّة وانسحابه الكامل ‏وغير المشروط من بقية أرض وطننا المحتل، ‏وقطع الطريق أمام ألوان المطالب التي يستدرج عبرها السلطة لتقديم ‏التنازل تلو الآخر دون أي التزامٍ ‏منه لا بوقف إطلاق النار والاعتداء، ولا بالانسحاب وإنهاء احتلاله الغاشم».‏

وقالت، في بيان بعد اجتماعها الأسبوعي، إن «الأولويّة الوطنيّة اليوم هي إنهاء الاحتلال الصهيوني للمناطق والمساحات التي لم ينسحب ‏منها العدو ‏الصهيوني حتى الآن، رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أي منذ ما يزيد على عامٍ بأكمله».

أضافت: «ليعلم العدو وحُماته الدوليون أن حق اللبنانيين بمقاومة الاحتلال إذا ما استمرَّ لأرضهم هو ‏حقٌّ مشروع بكل المعايير ‏والاعتبارات والمواثيق الدوليّة ولا يحتاج إلى شرعنة من المتخاذلين ‏أو المتواطئين».‏

وقالت الكتلة: «على الحكومة، بدل أن تتبرع مسبقاً ‏للمسارعة إلى استئناف ما يرتاح له العدو من خطوات، أن تقوم ‏بإجراءٍ حازمٍ يدفعه لتنفيذ ما ‏عليه، دون مراوغةٍ أو ابتزاز».