صعوبات شائكة تنتظر رئيس الحكومة الجديد في فرنسا منذ أول يوم

لوكورنو يعد بـ«القطيعة» مع الممارسات السابقة ويحذر من «الفجوة» بين عالم السياسيين وحياة الفرنسية «الواقعية»

رئيسا الحكومة سيباستيان لوكورنو الوافد (يمين) والخارج (فرنسوا بايرو) بمناسبة عملية التسلم والتسليم ظهر الأربعاء (رويترز)
رئيسا الحكومة سيباستيان لوكورنو الوافد (يمين) والخارج (فرنسوا بايرو) بمناسبة عملية التسلم والتسليم ظهر الأربعاء (رويترز)
TT

صعوبات شائكة تنتظر رئيس الحكومة الجديد في فرنسا منذ أول يوم

رئيسا الحكومة سيباستيان لوكورنو الوافد (يمين) والخارج (فرنسوا بايرو) بمناسبة عملية التسلم والتسليم ظهر الأربعاء (رويترز)
رئيسا الحكومة سيباستيان لوكورنو الوافد (يمين) والخارج (فرنسوا بايرو) بمناسبة عملية التسلم والتسليم ظهر الأربعاء (رويترز)

منذ مساء الثلاثاء ومع إعلان قصر الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون كلف سيباستيان لوكورنو، وزير دفاعه منذ عام 2022، تشكيل الحكومة الجديدة التي ستحل محل حكومة فرنسوا بايرو التي سقطت في البرلمان مساء الاثنين، تكاثرت التساؤلات والتحليلات التي جعلت ماكرون يكلف الوزير الأكثر التصاقاً به.

فصحيفة «لوبينيون» القريبة من عالم الأعمال، نشرت رسماً كاريكاتورياً في عددها ليوم الأربعاء يظهر ماكرون ولوكورنو جنباً إلى جنب ووراءهما ظلان لرئيس الجمهورية. والمعنى المقصود من ذلك: ماكرون نصب نفسه رئيساً للحكومة عبر تسمية لوكورنو وذلك بعد تجربتين فاشلتين مع ميشال بارنيه وفرنسوا بايرو، وكلاهما سقط بالضربة القاضية في البرلمان: الأول لأنه عجز عن تمرير مشروع ميزانية الرعاية الاجتماعية، والثاني لأنه لم يحصل على ثقة النواب للسير بخطته لميزانية عام 2026.

وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو الذي عينه ماكرون رئيساً جديداً للوزراء (إ.ب.أ)

ليس سراً أن لوكورنو مقرب جداً من ماكرون. فهو السياسي الوحيد الذي شغل منصباً حكومياً منذ عام 2017، أي منذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه وينظر إليه على أنه «الوزير الذي يهمس في أذن ماكرون». ووفق معلومات صحافية، فإن لوكورنو مقرب أيضاً من عقيلة رئيس الجمهورية الذي كان يرغب في تسميته رئيساً للحكومة نهاية العام الماضي بدلاً من بايرو. إلا أن الأخير «هدد» ماكرون بالافتراق عنه علماً أن الرئيس يدين لبايرو بوصوله إلى قصر الإليزيه في ولايته الأولى. ومعلوم في الوسطين السياسي والإعلامي أن بايرو لا يكن الكثير من الود لخلفه في رئاسة الحكومة ودرج على وصفه، في دائرته الضيقة بـ«المتزلف»، منتقداً قربه من رئيس الجمهورية.

بيد أن خيار لوكورنو ووجه بالانتقادات العنيفة من اليمين المتشدد ومن أوساط اليسار والبيئويين الذين رأوا فيه استمراراً للسياسات السابقة التي أثبتت فشلها، ولعجز من سبقوا رئيس الحكومة الجديد في توفير الاستقرار السياسي والاجتماعي وأيضاً المالي.

الوزيران جيرالد دارمانان (العدل - يسار الصورة) والدفاع سيباستيان لوكورنو كلاهما مقرب من الرئيس ماكرون ومرشح لاحتلال مقعد رئيس الحكومة بعد استقالة حكومة روسا بايرو (أ.ف.ب)

نهج القطيعة مع السابق

كان لافتاً مضمون البيان الرئاسي عقب تسمية لوكورنو، وقد جاء فيه ما حرفيته أن رئيس الجمهورية «كلف (لوكورنو) بالتشاور مع القوى السياسية الممثلة في البرلمان من أجل اعتماد ميزانية للأمة وبناء التوافقات الضرورية لاتخاذ القرارات خلال الأشهر المقبلة. وبعد هذه المشاورات، سيكون من مسؤولية رئيس الوزراء الجديد أن يقترح على رئيس الجمهورية تشكيلة الحكومة». وجاء في البيان أيضاً أن «ما سيوجه عمل رئيس الوزراء هو الدفاع عن استقلالنا وقوتنا، وخدمة الفرنسيين، وتحقيق الاستقرار السياسي والمؤسساتي من أجل وحدة البلاد». وأخيراً فإن ماكرون «مقتنع بأنه على هذه الأسس، من الممكن التوصل إلى تفاهم بين القوى السياسية مع احترام قناعات الجميع».

يلخص بيان الإليزيه الصعوبات الكبرى التي تواجهها فرنسا في الوقت الراهن، التي يتعين على لوكورنو أن يسعى لتفكيكها. وليس من نافل الأمور الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية طلب من رئيس الحكومة المكلف التفرغ بداية «لبناء التوافقات» بين مختلف القوى السياسية الممثلة في البرلمان قبل أن يقدم له اقتراحاً بتشكيلته الوزارية. وهذا يعد أمراً طارئاً ومرده حرص ماكرون على التأكد من أن الصيغة الحكومية التي ستقترح عليه لن تسقط في البرلمان سريعاً، ما من شأنه أن يفاقم عدم الاستقرار السياسي والمالي والاجتماعي الذي تواجهه البلاد.

من هذه الزاوية يمكن الاكتفاء بما قاله لوكورنو خلال عملية التسلم والتسليم التي حصلت ظهر الأربعاء في مقر رئاسة الحكومة بعد اجتماع مغلق جمعه بسلفه وقد دام 45 دقيقة. وأعرب لوكرونو، بعد أن شكر بايرو على جهوده وعلى شجاعته، عن رغبته في ردم ما سماه الفجوة بين الحياة السياسية في البلاد والحياة الواقعية. مضيفاً أنه «لا يمكننا الاستمرار في هذه الفجوة إلى الأبد، لأنها ستلحق بنا في نهاية المطاف».

آلاف المتظاهرين متجمعون الأربعاء في «ساحة الجمهورية» (لا ريبوبليك) في باريس (أ.ف.ب)

وكان رئيس الحكومة الجديد يشير بذلك إلى التجمعات والمظاهرات والاشتباكات الدائرة في باريس على بعد مسافة قصيرة من القصر الحكومي بمناسبة الحراك الداعي لـ«شل البلاد». أما السبيل إلى ذلك فلخصه بقوله: «سيتعيّن علينا القيام بقطيعة، وليس فقط في الشكل أو المنهج (...) بل أيضاً في الجوهر». وبكلام آخر، فإن لوكورنو نبه السياسيين خارج البرلمان وداخله إلى أن النزاعات السياسية والمطالب المتناقضة التي أدخلت فرنسا في أزمة مالية عنوانها المديونية المتعاظمة (3415 مليار يورو)، وأزمة اجتماعية (المظاهرات والإضرابات والمطالب المتكاثرة)، ما ينعكس على حضور فرنسا وقدرتها التأثيرية في أوروبا وخارجها وفي زمن تتناسل فيه الأزمات، كل ذلك عدّه «مدعاة للقلق» و«لا يتعين أن يتواصل إلى الأبد وسط الإهانات والعنف».

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد يشارك في مظاهرة باريس وإلى جانبه أريك كوريل النائب عن الحزب المذكور ورئيس اللجنة المالية في البرلمان الفرنسي (أ.ف.ب)

مهمة تدوير الزوايا

حقيقة الأمر أن من جملة الأسباب التي دفعت ماكرون لاختيار لوكورنو لكونه «مفاوضاً بارعاً» وتجمعه علاقات غير عدائية مع جميع مكونات الطيف السياسي، أكان مع أطراف «الكتلة المركزية» التي تضم الأحزاب الثلاثة الداعمة لماكرون وحزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي، أو اليسار المعتدل ممثلاً بالحزبين الاشتراكي والشيوعي، وصولاً إلى حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف وزعيمته مارين لوبن ورئيسه جوردان بارديلا.

مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف وجوردان باريلا رئيس حزب «التجمع الوطني» لدى وصولهما إلى البرلمان الثلاثاء للتصويت على الرقة بحكومة فرنوسا بايرو (د.ب.أ)

ورغم ذلك، فقد توقعت لوبن فشل لوكورنو الذي انتقدت تعيينه. وللتذكير، فإن بايرو سقط في البرلمان بسبب تصويت كتلتين لا يجمع بينهما، سياسياً، شيء؛ هما كتلة اليسار وكتلة اليمين المتطرف الذي يضم 120 نائباً، وهي أكبر كتلة حزبية في المجلس النيابي. من هنا، فائدة اختيار لوكورنو الذي عليه أن يتبع نهجاً سياسياً يتماشى مع توجهات الكتلة المركزية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من غير أن ينفر اليسار أو اليمين المتطرف، علماً أن الأخير يدعو ويصر على إجراء انتخابات نيابية مبكرة، فيما اليسار المتشدد بزعامة جان لوك ميلونشون يدعو إلى إقالة ماكرون. وسيتقدم الخميس باقتراح إلى البرلمان بهذا الخصوص.

كما أنه هدد بحجب الثقة عنه إن لم يطلبها رئيس الوزراء الجديد من البرلمان. وليس واضحاً أن لوكورنو «المفاوض» قادر على تدوير الزوايا والضغط على الفريق الذي تشكلت منه حكومات ماكرون المتعاقبة - في الأعوام الثلاثة الأخيرة قبل بالتنازل عن بعض «الخطوط الحمراء» التي وضعها - أو أنه قادر على «إرضاء» الاشتراكيين بمنحهم بعض المكاسب لجهة فرض ضرائب على أصحاب الثروات والمرتبات الكبرى وهو ما ترفضه الكتلة المركزية واليمين المتطرف.

حريق في مطعم في حي «لي هال» الواقع في قلب باريس في إطار أعمال العنف التي شهدتها العاصمة الفرنسية الأربعاء بمناسبة حراك «شل العمل» في فرنسا (أ.ب)

أما الأخير فإنه يريد سياسة أكثر تشدداً في ملف الأمن والهجرات ورفض الضرائب الإضافية... وباختصار، فإن لوكورنو سيجد نفسه وسط مطالب متناقضة يصعب الجمع بينها، فيما تفتقر الحكومة العتيدة إلى دعم أكثرية نيابية. ولذا، فإنه لن يستطيع إنجاز مهمته إن لم يمكن يتمتع بهامش من حرية التحرك التي يجب أن تأتي بداية من الرئيس ماكرون نفسه. ومصلحة الأخير أن يوفر له هذا الهامش لأنه لم يعد أمامه وسائل سياسية إضافية لتجنب أزمة مؤسسات يمكن أن تنقلب سريعاً إلى أزمة النظام السياسي.

وما يزيد الوضع حرجاً تحرك الشارع، حيث شارك الآلاف من الفرنسيين في مسيّرات ومظاهرات في العاصمة باريس وفي عدد كبير من المدن الرئيسية احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية وعلى السياسات الحكومية التقشفية. وشهدت العديد من المدن، كما في باريس، مناوشات واشتباكات مع رجال الأمن واشتعال عدد من الحرائق وإغلاق العديد من المؤسسات بما فيها التعليمية، وعدد من الطرق السريعة، رغم نشر ما لا يقل عن 80 ألف رجل شرطة ودرك. وكان قطاع النقل والمواصلات الأكثر تأثراً كالعادة بهذا الحراك الاجتماعي. وما جرى الأربعاء يعد عينة مما ينتظر فرنسا يوم 18 الحالي، حيث هناك دعوة النقابات لإضرابات ومظاهرات شاملة.


مقالات ذات صلة

آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

شمال افريقيا أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)

آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

خرج الآلاف من أهالي مدينة قابس، جنوبي تونس، الأربعاء، في مسيرة جديدة تطالب بتفكيك مجمع للصناعات الكيميائية، بسبب التلوث البيئي.

«الشرق الأوسط» (تونس)
أوروبا عنصر من الشرطة البريطانية (رويترز)

الشرطة البريطانية تتعهد باتخاذ تدابير حازمة بحق المتظاهرين الداعين إلى «الانتفاضة»

تنوي الشرطة في لندن ومانشستر اتخاذ تدابير حازمة بحق الأشخاص الذين يطلقون نداءات تحضّ على «الانتفاضة» خلال المظاهرات المؤيّدة للفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا أنصار الرئيس التونسي يتظاهرون لدعمه وسط العاصمة (إ.ب.أ)

أنصار الرئيس التونسي يتظاهرون لدعمه وسط انقسامات حادة

خرج أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد في شوارع العاصمة، الأربعاء، في مظاهرة لدعمه ورفض «التدخلات الخارجية».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا جانب من مظاهرات سابقة خرجت في طرابلس للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة 22 مايو الماضي (إ.ب.أ)

ليبيا: حراك شعبي في مصراتة يطالب بـ«إسقاط» حكومة الدبيبة

حضّ حراك شعبي جميع أطياف الليبيين على المشاركة في «اعتصام مفتوح في طرابلس للمطالبة بإسقاط حكومة الدبيبة بعيداً عن الحزبية والجِهوية والقبلية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا احتجاج ضد سياسات الرئيس التونسي قيس سعيد في العاصمة تونس (إ.ب.أ) play-circle

اشتباكات بين الشرطة التونسية وشبان في القيروان بعد وفاة رجل

قال شهود لوكالة «رويترز» إن اشتباكات اندلعت لليلة ثانية على التوالي، السبت، بين الشرطة التونسية وشبان غاضبين في مدينة القيروان، بعد وفاة رجل بسبب عنف الشرطة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

موسكو وطهران تُوقّعان «خريطة طريق للتنسيق»

 لافروف وعراقجي يوقعان خطة للتنسيق الدبلوماسي للسنوات الثلاث المقبلة (الخارجية الإيرانية)
لافروف وعراقجي يوقعان خطة للتنسيق الدبلوماسي للسنوات الثلاث المقبلة (الخارجية الإيرانية)
TT

موسكو وطهران تُوقّعان «خريطة طريق للتنسيق»

 لافروف وعراقجي يوقعان خطة للتنسيق الدبلوماسي للسنوات الثلاث المقبلة (الخارجية الإيرانية)
لافروف وعراقجي يوقعان خطة للتنسيق الدبلوماسي للسنوات الثلاث المقبلة (الخارجية الإيرانية)

وقّع وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني عباس عراقجي، في العاصمة الروسية موسكو أمس، «خريطة طريق» للتنسيق الدبلوماسي، في أول تحرك عملي ضمن معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.

وأجرى الوزيران محادثات وُصفت بـ«الشاملة والتفصيلية»، وتناولت العلاقات الثنائية، والملفات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الملف النووي الإيراني.

وأكد لافروف أن الخطة الدبلوماسية تُرسّخ «وضعاً خاصاً» للتعاون الثنائي، وتُحدّد أُطر التنسيق على مدى عقدين، مشيراً إلى أن خطة التشاور الجديدة تُعمّق آليات التنسيق السياسي المنتظم. كما أعلن دعم موسكو لإيران في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، عادّاً الإجراءات والعقوبات الغربية «غير قانونية»، الأمر الذي يُعرقل التسويات السياسية.

من جانبه، شدّد عراقجي على أن طهران ستواصل التخصيب رغم الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية، مؤكداً أن العلاقات مع روسيا «تزداد قُرباً وترابطاً». وأشار إلى أن الخطة الموقّعة «حدّدت أجندة عمل وزارتي الخارجية للفترة من 2026 إلى 2028، لتكون بمثابة خريطة طريق للتعاون خلال السنوات الثلاث المقبلة».


باريس وروما تعترضان على توقيع الاتحاد الأوروبي الاتفاق مع «ميركوسور»

داخل الاتحاد الأوروبي تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا ستسعى إلى إفشال اتفاقية ميركوسور (أ.ف.ب)
داخل الاتحاد الأوروبي تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا ستسعى إلى إفشال اتفاقية ميركوسور (أ.ف.ب)
TT

باريس وروما تعترضان على توقيع الاتحاد الأوروبي الاتفاق مع «ميركوسور»

داخل الاتحاد الأوروبي تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا ستسعى إلى إفشال اتفاقية ميركوسور (أ.ف.ب)
داخل الاتحاد الأوروبي تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا ستسعى إلى إفشال اتفاقية ميركوسور (أ.ف.ب)

انضمت إيطاليا، الأربعاء، إلى فرنسا في المطالبة بإرجاء توقيع الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة الأميركية الجنوبية (ميركوسور)، ما قد يمنع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، من إبرام هذه المعاهدة نهاية الأسبوع الحالي، ويثير حفيظة البرازيل.

فقد أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، عشية قمة أوروبية في بروكسل، أن التوقيع على الاتفاق في الأيام المقبلة سيكون «سابقاً لأوانه»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

تطالب ميلوني بضمانات «كافية» للقطاع الزراعي أولاً، مؤكدة أنها «واثقة من أن كل هذه الشروط ستُلبى بحلول بداية العام المقبل».

يثير هذا التصريح صدمة لدى المفوضية الأوروبية، التي شددت مراراً في الأيام الأخيرة على ضرورة التوقيع على الاتفاق قبل نهاية العام حفاظاً على «مصداقية» الاتحاد الأوروبي، وتجنباً لإثارة استياء شركائه في أميركا اللاتينية.

ورغم حذرها، لا تزال المفوضية الأوروبية متفائلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق.

وقال الناطق باسم المفوضية، أولوف غيل، لوكالة الصحافة الفرنسية: «سيناقش رؤساء الدول والحكومات هذا الأمر في القمة الأوروبية» الخميس.

وفي البرازيل، وجّه الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا تحذيراً إلى الأوروبيين، ودعا رئيسة الوزراء الإيطالية والرئيس الفرنسي إلى تحمل «مسؤولياتهما» حتى لا يعيقا التوصل إلى اتفاق.

وقال الرئيس البرازيلي، خلال اجتماع وزاري في برازيليا: «إذا لم نقم بذلك الآن، فإن البرازيل لن توقّع الاتفاق ما دمت رئيسها»، مشيراً: «إذا ما رفضوا، فسوف نتحلّى بالحزم معهم، لأننا أجرينا تنازلات عن كلّ ما يمكن التنازل عنه».

ويعدّ موقف روما من هذه القضية حاسماً.

إلى جانب فرنسا وبولندا والمجر، تمتلك إيطاليا القدرة على تشكيل أقلية معارضة ضمن الدول الأعضاء الـ27، ما يحول دون مناقشة الاتفاقية هذا الأسبوع.

وأقرّ دبلوماسي أوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته، بأن «الوضع قد يتأزم بشدة» نظراً لإصرار كل من ألمانيا وإسبانيا على الموافقة على اتفاقية التجارة الحرة هذه في أسرع وقت ممكن.

وتعهد المستشار الألماني فريدريش ميرتس بممارسة ضغط «مكثّف» على شركائه الأوروبيين، مساء الأربعاء وصباح الخميس، داعياً إلى عدم «الاندفاع في متاهات سخيفة» عندما يتعلّق الأمر باتفاقات تجارية كبرى.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فهو حذّر من جهته من أن «فرنسا ستعارض بشدة» أي مساعٍ من السلطات الأوروبية لفرض هذا الاتفاق، وفق ما أفادت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية مود بريجون، الأربعاء.

وأوضحت بريجون أن فرنسا لا تعتبر من المؤكد أن يؤجّل توقيع المعاهدة قبل قمة بروكسل، لكن تصريحات جورجيا ميلوني «دليل» على أن «فرنسا ليست وحيدة».

احتجاجات في بروكسل

تأمل فون دير لايين التوقيع على هذه المعاهدة في قمة ميركوسور، السبت، في مدينة فوز دو إيغواسو البرازيلية. لكنها تحتاج أولاً إلى موافقة أغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء في بروكسل.

من شأن هذه الاتفاقية التجارية مع الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي أن تُنشئ أكبر منطقة تجارة حرة في العالم.

ستُمكّن هذه الاتفاقية الاتحاد الأوروبي من تصدير مزيد من المركبات والآلات والنبيذ والمشروبات الروحية إلى أميركا اللاتينية، كما ستُسهّل دخول لحوم الأبقار والسكر والأرز والعسل وفول الصويا من أميركا الجنوبية إلى أوروبا، ما يثير مخاوف القطاعات الزراعية.

ولا يخفي المزارعون الأوروبيون غضبهم، إذ أعلنوا تنظيم مظاهرة بمشاركة نحو 10 آلاف شخص، الخميس، في بروكسل احتجاجاً على هذه الاتفاقية. وجرت مظاهرة الأربعاء، في مطار لييج بمشاركة بضع مئات من الأشخاص.

كما تجمع نحو 100 مزارع في ستراسبورغ أمام البرلمان الأوروبي.

ولطمأنة القطاع الزراعي، أضاف الاتحاد الأوروبي إجراءات وقائية، منها مراقبة المنتجات الحساسة، مثل لحوم الأبقار والدواجن والسكر، والتعهد بالتدخل في حال حدوث اضطرابات في السوق.

ومساء الأربعاء، أمكن التوصّل إلى تسوية في هذا الصدد بين النواب الأوروبيين وممثلي البلدان الأعضاء، تنصّ على ضمانات للمزارعين أعلى مما أقرّته الدول السبع والعشرون في نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن دون مستوى الموقف الذي اعتمده البرلمان الأوروبي، الثلاثاء.

ومع ذلك، لا يُتوقع أن تكون هذه الخطوات كافية لفرنسا. ويأتي هذا المأزق مع بروكسل في ظل حراك زراعي واسع النطاق في فرنسا احتجاجاً على إدارة وباء التهاب الجلد العقدي.

فبعد أسبوع من الاحتجاجات الأولى، استمرت التعبئة ضد إدارة هذا الوباء في النمو، الأربعاء، في فرنسا، مع إغلاق طريق رئيسي جديد يربط تولوز في جنوب غربي البلاد بمناطق المتوسط، وصولاً إلى إسبانيا، رغم وعود الحكومة بتسريع التطعيم.

وداخل الاتحاد الأوروبي، تخشى دول أعضاء عدة من أن فرنسا لن تكتفي بتأجيل اتفاقية ميركوسور، بل ستسعى إلى إفشالها رغم المفاوضات المستمرة منذ أكثر من 25 عاماً.

وتعتمد ألمانيا وإسبانيا والدول الإسكندنافية، من جانبها، على هذه الاتفاقية لإنعاش الاقتصاد الأوروبي الذي يُعاني من المنافسة الصينية والتعريفات الجمركية الأميركية.


السجن لإيراني في ألمانيا لإدانته بالإعداد لـ«هجوم إرهابي» ودعم «داعش»

الشرطة تؤمّن سوقاً ميلادية في نورمبرغ بألمانيا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
الشرطة تؤمّن سوقاً ميلادية في نورمبرغ بألمانيا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
TT

السجن لإيراني في ألمانيا لإدانته بالإعداد لـ«هجوم إرهابي» ودعم «داعش»

الشرطة تؤمّن سوقاً ميلادية في نورمبرغ بألمانيا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
الشرطة تؤمّن سوقاً ميلادية في نورمبرغ بألمانيا 16 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

قضت المحكمة الإقليمية العليا في دوسلدورف غربي ألمانيا بسجن شاب (26 عاماً) من مدينة بادربورن بولاية شمال الراين - ويستفاليا الألمانية لمدة ثلاثة أعوام وتسعة شهور لإدانته بالإعداد لتنفيذ «هجوم إرهابي»، ودعم تنظيم «داعش».

وقالت المحكمة إنها ثبت لديها أن الشاب الإيراني أقر في نهاية يناير (كانون الثاني) 2024، عبر محادثة على تطبيق «تلغرام»، أمام أحد أعضاء التنظيم، بأنه سيعمل على دعم التنظيم، وأبدى استعداده للانضمام إلى صفوفه في سوريا، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

وأضافت المحكمة أنه كان قد بدأ بالفعل قبل ذلك في الحصول على إرشادات لصناعة القنابل، مشيرة إلى أنه بدءاً من مايو (أيار) 2024، قام بتحميل العديد من الإرشادات الأخرى، من بينها تعليمات لصناعة العبوات الناسفة، وإنتاج مواد سامة، واستخدام الأسلحة.

ووفقاً للائحة الاتهام، عثر في الهاتف المحمول الخاص بالمتهم على دليل يشرح كيفية إحداث انفجار نووي وصناعة السم الفائق «الريسين»، مرفقاً بتعليمات للاستخدام السري. كما وجدت تعليمات لتنفيذ هجوم قاتل بالسكاكين، محفوظة تحت عنوان «أفكار ونصائح جهادية».

وتابعت اللائحة أنه في يونيو (حزيران) 2024، فتح المتهم كذلك قناة اتصال مع أرملة أحد مقاتلي تنظيم «داعش»، كانت تعيش مع أطفالها في أحد المخيمات، وأنه حوّل لها من خلال ما يُعرف بنظام «الحوالة»، في 7 يونيو 2024 مبلغ 100 دولار أميركي.

وكان قد تم القبض على الإيراني، الحاصل على اعتراف من السلطات الألمانية بحقه في اللجوء، في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مطار هانوفر.

وذكرت المحكمة أن المتهم كان يخطط للسفر عبر تركيا، بمساعدة مهربين، إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش» هناك، والحصول على تدريب على استخدام الأسلحة والمتفجرات.

وأضافت المحكمة أن الهدف كان تنفيذ هجمات ضد نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وضد جماعات شيعية منافسة. وكانت محامية الدفاع طالبت ببراءته.

ولم يكتسب الحكم الصادر درجة القطعية بعد.