لبنان يستعد لاستحداث وزارة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي

الحكومة أعدّت مشروع قانون... وأول التحديات ضعف البنية التحتية

وزراء يستخدمون الكمبيوتر في مستهل جلسة مجلس الوزراء بالقصر الجمهوري الجمعة (أ.ف.ب)
وزراء يستخدمون الكمبيوتر في مستهل جلسة مجلس الوزراء بالقصر الجمهوري الجمعة (أ.ف.ب)
TT

لبنان يستعد لاستحداث وزارة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي

وزراء يستخدمون الكمبيوتر في مستهل جلسة مجلس الوزراء بالقصر الجمهوري الجمعة (أ.ف.ب)
وزراء يستخدمون الكمبيوتر في مستهل جلسة مجلس الوزراء بالقصر الجمهوري الجمعة (أ.ف.ب)

يتّجه لبنان إلى استحداث وزارة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، للمرة الأولى في البلاد، في مسعى لتحديث الإدارة في المؤسسات الحكومية. وأعلنت الحكومة اللبنانية، مساء الثلاثاء، عن إقرار مشروع قانون يرمي إلى إنشاء الوزارة، وقال وزير الإعلام، بول مرقص، إن «هذه الوزارة مهمة جدّاً لتحديث الإدارة العامة في لبنان، ووصلها بعضها ببعض، في إطار منظومة متكاملة».

ويتولَّى وزير المهجرين في الحكومة الحالية، موقع وزير دولة لشؤون التكنولوجيا، علماً بأن «وزارة الدولة» لا تتضمن ميزانيات مستقلة، ولا تمتلك صلاحيات، بل تقتصر مهامها على الاستشارات. لكن مشروع الحكومة الأخير، يسعى لتحويل «وزارة الدولة» إلى وزارة بحقيبة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بمعنى أنه ستكون لها ميزانية مستقلة، وتُعطى صلاحيات، وتُرصد لها مخصصات أسوة بالحقائب الوزارية الأخرى.

مشروع حكومي فوق الطاولة

وكشف مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط» أن «مشروع القانون الرامي إلى إنشاء وزارة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أُقرّ في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة التي طُلبت في جلسات سابقة، وأُحيل إلى المجلس النيابي لمتابعة مسار إقراره». وأوضح أن «المشروع هو مشروع قانون حكومي وليس اقتراحاً نيابياً، وقد أُعدّ من قبل الوزير المختص، وأقرّه مجلس الوزراء قبل إحالته إلى البرلمان».

وأشار المصدر إلى أنّ «المشروع، في حال إقراره في الهيئة العامة للمجلس النيابي، سيُستتبع بمراسيم تطبيقية تتيح إنشاء الوزارة الجديدة فوراً، لتُصبح قائمة بذاتها». ولفت إلى أن «هذه الخطوة ستفرض تعديلاً وزارياً إجرائياً داخل الحكومة الحالية»، إذ من المتوقّع أن يتولّى الوزير المعني (كمال شحادة) حقيبتين بشكل موقت، هما حقيبة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وحقيبة المهجّرين، وهو أمر سبق أن حصل في حكومات سابقة.

وزراء يستخدمون الكمبيوتر في مستهل جلسة مجلس الوزراء بالقصر الجمهوري الجمعة (أ.ف.ب)

تكامل لا تضارب

وفيما يتعلّق باحتمال تضارب الصلاحيات مع وزارة التنمية الإدارية، لفت المصدر إلى أنّ المشروع «يُكرّس التكامل بين الوزارات لا التعارض»، موضحاً أنّ الوزارة الجديدة ستكون معنية بوضع الاستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي والإشراف على تنفيذها عبر فريق متخصص، في حين تتابع كل وزارة تطبيق هذه الاستراتيجية بالتنسيق مع فريقها الخاص». وأضاف: «لن يكون هناك تضارب، بل تكامل إداري يُسهّل ربط الوزارات ضمن منظومة رقمية واحدة».

وتابع: «الحكومة كانت قد استحدثت سابقاً مكتب وزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والتزمت بتحويله إلى وزارة مستقلّة»، مشدداً على أن «التحوّل الرقمي لم يعد ترفاً، بل حاجة ملحّة لتسهيل الخدمات العامة، وربط المؤسسات بعضها ببعض عبر منصات وتطبيقات حديثة».

وشدّد على أن «الوزارة المرتقبة ستُشكّل رافعة أساسية لتحديث الإدارة اللبنانية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالات التكنولوجيا والابتكار».

قلق تقني

يأتي الإعلان عن استحداث وزارة للذكاء الاصطناعي في بلد تغرق دوائره العامة وسط الملفات المكدّسة والأختام التقليدية، فضلاً عن واقع هشّ يتمثّل في انقطاع دائم للكهرباء، وبطء في خدمة الإنترنت.

ويقول الخبير التكنولوجي، عامر الطبش، لـ«الشرق الأوسط» إنّ «المطلوب فعلياً وزارة بالأصالة، مع صلاحيات وموازنة وموظفين يستطيعون إنجاز الأعمال». وفيما أشار إلى أن «إنشاء وزارة بهذا الشكل قد يكون نوعاً من التسويق، أي القول إن لبنان دخل مجال الذكاء الاصطناعي وبدأ دراسات على صعيد الدولة وتحضير قوانين لمواكبة التطورات العالمية»، عدّ الطبش أنّ «(وزارة الدولة) حالياً لا تستطيع أن تقوم بأي دور مباشر أو تنتج شيئاً على المستوى العملي، وأقصى ما يمكنها فعله هو الحوكمة وإدارة بعض النشاطات التسويقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي».

وقال إنه «في حال وضعت خطة عمل واضحة، قد تتمكن من جذب مساعدات أو هبات، مثل مبادرات البنك الدولي المرتبطة بالحوكمة في هذا المجال، لكن تشكيل فريق عمل فعلي سيحتاج إلى سنوات، في ظل الواقع السياسي والإداري المعروف في لبنان».

رئيس الحكومة نواف سلام وإلى جانبه وزير العدل أنيس نصار في القصر الجمهوري الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

بيروقراطية وحصص سياسية

وحول العقبات المحتملة، رأى الطبش أنّ «التحديات أمام هذه الوزارة تبدأ بالسياسة، إذ إن كل طرف سيُطالب بحصة، ثم تأتي التحديات البيروقراطية القائمة على أنه هل يحق للوزارة أن تطرح مشروعات على مستوى الدولة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي؟ أم أن وزارة المالية والوزارات الأخرى وهيئة الشراء العام وديوان المحاسبة ستتدخل بدورها؟». هذه الآليات حسب الطبش، قد تجعل «أي قرار يحتاج إلى وقت طويل جداً، وإذا تحولت الوزارة إلى جهة تنفيذية فعلية، فستصطدم بالتحديات نفسها التي واجهتها وزارات، مثل وزارة التنمية الإدارية، التي كان مطلوباً منها أن تقود عملية المكننة، لكنها لم تنجح لأسباب تقنية ومالية وإدارية».

بنية تحتية ضعيفة

وتقنياً، لفت الطبش إلى أنّ «لبنان حتى الآن، غير مهيأ تقنياً لهذا المستوى من التطور». وقال: «حتى لو أردنا اليوم أن نؤسس شركات تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، فلن تكون موجودة في لبنان، بل في الخارج، لأن البنية التحتية غير جاهزة. ما الفائدة من إدخال الذكاء الاصطناعي إلى مؤسسات مثل أوجيرو أو أنظمة المحاسبة وخدمة الزبائن إذا كان لا يوجد إنترنت سريع، ولا كهرباء، ولا استقلالية في العمل؟ هذه الشروط الأساسية كلها غائبة، ومن ثم أي خطوة تقنية فعلية ستبقى معلقة».

وقال الطبش: «لا أريد أن أبدو متشائماً، فكل خطوة إلى الأمام تُعدّ جيدة، لكن للأسف تركيبة لبنان السياسية والإدارية تقوم دائماً على ترحيل الأزمات وتأجيل الحلول، وتركها لغيرنا. الأمل أن تتمكّن الحكومة من تحويل هذه المبادرة إلى واقع يُفيد المواطن، لأن المواطن حتى الآن هو الخاسر الأكبر من كل ما يجري».


مقالات ذات صلة

البرلمان اللبناني يقرّ قرض إعادة الإعمار بمقاطعة «القوات» و«الكتائب» ومستقلين

المشرق العربي النواب اللبنانيون يقفون دقيقة صمت في مستهل الجلسة التشريعية بالبرلمان (الوكالة الوطنية)

البرلمان اللبناني يقرّ قرض إعادة الإعمار بمقاطعة «القوات» و«الكتائب» ومستقلين

لم تحل مقاطعة حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» ونواب مستقلين وتغييريين للجلسة التشريعية دون اكتمال نصاب الجلسة بعد انفراط عقدها لمرتين متتاليتين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي غارات إسرائيلية تواكب جهود دعم الجيش اللبناني وعشية اجتماع «الميكانيزم»

غارات إسرائيلية تواكب جهود دعم الجيش اللبناني وعشية اجتماع «الميكانيزم»

صعّدت إسرائيل، الخميس، عملياتها العسكرية في الجنوب والبقاع عبر سلسلة غارات جوية وتحليق كثيف للطيران المسيّر في الأجواء اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا جنديان من الجيش اللبناني (رويترز - أرشيفية)

فرنسا: اتفاق على عقد مؤتمر في فبراير لدعم الجيش اللبناني

قال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن الأطراف السياسية التي اجتمعت في باريس، اليوم (الخميس)، اتفقت جميعها على عقد مؤتمر في فبراير (شباط).

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي لبنانية ترفع إصبعها بعد اقتراعها بالانتخابات المحلية في بيروت 2025 (إ.ب.أ)

مصير الانتخابات النيابية اللبنانية معلّق على لائحة الانتظار الدولي

يترقب اللبنانيون بفارغ الصبر ما سيؤول إليه اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)

لبنان: جلسة تشريع تصطدم مجدداً بـ«فيتو» قانون الانتخابات

على وقع الانقسام السياسي الحاد، يعقد مجلس النواب اللبناني، الخميس، جلسة تشريعية حسّاسة.

يوسف دياب (بيروت)

«حماس» تتوقع من محادثات ميامي وضع حد «للخروق» الإسرائيلية

جانب من الدمار في حي الزيتون بمدينة غزة 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)
جانب من الدمار في حي الزيتون بمدينة غزة 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)
TT

«حماس» تتوقع من محادثات ميامي وضع حد «للخروق» الإسرائيلية

جانب من الدمار في حي الزيتون بمدينة غزة 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)
جانب من الدمار في حي الزيتون بمدينة غزة 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)

قال قيادي في حركة «حماس»، إن المحادثات المقررة في ميامي، الجمعة، للانتقال إلى المرحلة التالية من وقف إطلاق النار في غزة يجب أن تفضي إلى وقف «خروق» إسرائيل للهدنة.

وقال عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» باسم نعيم لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يتوقع شعبنا من هذه المحادثات أن يتفق الحاضرون على وضع حد للعربدة الإسرائيلية المستمرة ووقف الخروق والانتهاكات كافة، وأن يُلزموا الاحتلال بمقتضيات اتفاق شرم الشيخ».

تستضيف الولايات المتحدة هذه المباحثات في ولاية فلوريدا، حيث من المتوقع أن يلتقي المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب ستيف ويتكوف، مسؤولين كباراً من دول الوساطة قطر ومصر وتركيا؛ لدفع المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار قدماً.


الجيش الإسرائيلي: عماد أمهز كشف أسرار الملف البحري السري لـ«حزب الله»

بطاقة عماد أمهز فاضل في معهد علوم البحار كما تداولتها مجموعات لبنانية على «تلغرام»
بطاقة عماد أمهز فاضل في معهد علوم البحار كما تداولتها مجموعات لبنانية على «تلغرام»
TT

الجيش الإسرائيلي: عماد أمهز كشف أسرار الملف البحري السري لـ«حزب الله»

بطاقة عماد أمهز فاضل في معهد علوم البحار كما تداولتها مجموعات لبنانية على «تلغرام»
بطاقة عماد أمهز فاضل في معهد علوم البحار كما تداولتها مجموعات لبنانية على «تلغرام»

أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أن عماد أمهز، الذي يعد من أهم عناصر وحدة الصواريخ الساحلية (7900) في «حزب الله» اللبناني، الذي نقلته للتحقيق في إسرائيل قبل نحو عام، كشف خلال التحقيقات أسرار الملف البحري السري لحزب الله.

ووفقا لتغريدة نشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة إكس، فقد "نفذ مقاتلو وحدة 13 للكوماندوز البحري الإسرائيلي عملية "وراء الظهر" في بلدة البترون شمال لبنان، على بعد حوالي 140 كم عن الحدود الشمالية، قبل نحو عام وذلك بتوجيه من شعبة الاستخبارات البحرية، للقبض على عماد أمهز ونقل للتحقيق في إسرائيل».

وأضاف أن «أمهز تلقى تدريبات عسكرية في إيران ولبنان واكتسب خبرات وتجربة بحرية واسعة في إطار وظيفته في وحدة الصواريخ الساحلية بهدف تنفيذ عمليات إرهابية بحرية، هذا وتم تدريبه أيضًا في المعهد البحري المدني اللبناني "مارستي"، مما يعتبر مثالاً آخر على استغلال «حزب الله السخري للمؤسسات المدنية اللبنانية في سبيل تطوير نشاطاته الإرهابية».

وذكر أدرعي أن «أمهز كشف أثناء التحقيق معه أنه كان يشغل منصبًا مركزيًا في الملف البحري السري، وأدلى بمعلومات استخبارية حساسة عن الملف، الذي يعد من أكثر المشاريع حساسية وسرية في حزب الله، والذي يتمحور حول تشكيل بنية تحتية منظمة للأنشطة الأرهابية البحرية بستار مدني لغرض ضرب أهداف إسرائيلية ودولية».

ولفت المتحدث الإسرائيلي إلى أن «المشروع البحري السري يعتبر من أكثر المشاريع حساسية وسرية في حزب الله وتم توجيهه مباشرة من قبل حسن نصرالله الأمين العام السابق، وفؤاد شكر، القائد العسكري الأبرز في حزب الله اللذين تم القضاء عليهما خلال الحرب، بالإضافة إلى علي عبد الحسن نور الدين، مسؤول الملف البحري السري».

وأضاف أنه «في أعقاب إحباط المستوى القيادي الذي أشرف على الملف البحري السري بالإضافة إلى المعلومات التي أدلى بها أمهز في التحقيق معه، تمكن الجيش الإسرائيلي من عرقلة تقدم الملف البحري السري في نقطة زمنية حرجة، منعًا لترسخه ونضوجه داخل الحزب».

وذكر أن «حزب الله يعمل على تطوير الملف البحري السري وعلى باقي الوحدات البحرية بفضل الدعم الفكري والمادي الإيراني حيث وبدلاً من استثمار تلك الكمية الهائلة من الأموال في بناء لبنان ومؤسساته، يتم تخصيص هذه الأموال في نشاطات حزب الله الإرهابية».

وشدد على أن «الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل في كافة الجبهات بمختلف الطرق والسبل على إزالة تهديدات موجة ضد مواطني دولة إسرائيل».


تقرير: مساعٍ حثيثة لإنقاذ اتفاق دمج قوات «قسد» بالدولة السورية قبل نهاية العام

الرئيس السوري أحمد الشرع -على اليمين- يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد... في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع -على اليمين- يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد... في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

تقرير: مساعٍ حثيثة لإنقاذ اتفاق دمج قوات «قسد» بالدولة السورية قبل نهاية العام

الرئيس السوري أحمد الشرع -على اليمين- يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد... في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع -على اليمين- يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد... في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال عدة أشخاص بين مشاركين ومطّلعين على محادثات لدمج قوات كردية مع الدولة السورية، إن مسؤولين سوريين وأكراداً وأميركيين يسعون جاهدين لإظهار تقدّم في اتفاق متعثر بهذا الشأن قبل المهلة المحددة بنهاية العام.

وذكرت مصادر سورية وكردية وغربية تحدثت إلى وكالة «رويترز» أن المناقشات تسارعت في الأيام القليلة الماضية على الرغم من تزايد الإحباط بسبب التأخير، وحذّر بعضهم من أن تحقيق انفراجة كبيرة أمر غير مرجح.

وقال خمسة من المصادر إن الحكومة السورية الانتقالية أرسلت مقترحاً إلى «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها الأكراد وتسيطر على شمال شرقي البلاد. وأضاف أحد المسؤولين السوريين ومسؤول غربي وثلاثة مسؤولين أكراد، أن دمشق عبّرت في الاقتراح عن انفتاحها على أن تعيد «قوات سوريا الديمقراطية» تنظيم مقاتليها، وعددهم نحو 50 ألف مقاتل، في ثلاث فرق رئيسية وألوية أصغر، شريطة أن تتنازل عن بعض سلاسل القيادة وتفتح أراضيها لوحدات الجيش السوري الأخرى.

صورة نشرتها وكالة «سانا» السورية في 8 مارس 2025 تظهر قوات حكومية سورية على نقطة تفتيش في مدينة اللاذقية بالساحل السوري (أ.ف.ب)

«حفظ ماء الوجه»

لم ‌يتضح ما إذا ‌كانت الفكرة ستمضي قُدماً أم لا، وقللت عدة مصادر من احتمالات التوصل إلى اتفاق ‌شامل ⁠في ​اللحظات الأخيرة، ‌قائلة إن هناك حاجة إلى مزيد من المحادثات. ومع ذلك، قال مسؤول بـ«قوات سوريا الديمقراطية»: «نحن أقرب إلى اتفاق أكثر من أي وقت مضى».

وقال مسؤول غربي ثانٍ، إن أي إعلان في الأيام المقبلة سيكون هدفه جزئياً «حفظ ماء الوجه» وتمديد المهلة والحفاظ على الاستقرار في دولة لا تزال هشة بعد عام من سقوط الرئيس السابق بشار الأسد. وذكرت معظم المصادر أن من المتوقع ألا يرقى أي شيء، تفرزه هذه المساعي، إلى مستوى الاندماج الكامل لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى بحلول نهاية العام، وهو المنصوص عليه في اتفاق تاريخي بين الجانبين أبرم في 10 مارس (آذار).

ويهدد الفشل في رأب الصدع الأعمق المتبقي في سوريا بإشعال صدام مسلح قد يعرقل خروج البلاد من حرب استمرت 14 عاماً، وربما يستدرج تركيا المجاورة ⁠التي تهدد بالتدخل ضد المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين.

عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في دير الزور بشرق سوريا (رويترز - أرشيفية)

ويتبادل الجانبان الاتهامات بالمماطلة والتصرف بسوء نية. فـ«قوات سوريا الديمقراطية» لا ترغب في التخلي عن الحكم الذاتي الذي فازت به باعتبارها الحليف الرئيسي ‌للولايات المتحدة خلال الحرب، التي سيطرت بعدها على سجون تنظيم «داعش» وموارد النفط الغنية.

وقالت عدة مصادر إن الولايات المتحدة، التي تدعم الرئيس السوري أحمد ‍الشرع وتحث على دعم عالمي لحكومته الانتقالية، نقلت رسائل بين «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق وسهّلت المحادثات وحثت على التوصل إلى اتفاق.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن توماس برّاك، السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، يواصل دعم وتسهيل الحوار بين الحكومة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية»، قائلاً إن الهدف هو الحفاظ على الزخم الذي يدفع نحو دمج القوات.

فتاة تحمل علم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) خلال مظاهرة في القامشلي... سوريا 17 سبتمبر 2025 (رويترز)

تركيا: صبرنا ينفد

منذ أن فشلت جولة كبيرة من المحادثات بين الجانبين في الصيف، تصاعدت الاحتكاكات، بما في ذلك المناوشات المتكررة على طول عدد من خطوط المواجهة في الشمال.

وسيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على جزء كبير من شمال شرق ​سوريا حيث يوجد معظم إنتاج البلاد من النفط والقمح، وذلك بعد هزيمة مسلحي تنظيم «داعش» في 2019.

وقالت «قوات سوريا الديمقراطية» إنها تنهي عقوداً من القمع ضد الأقلية الكردية، لكن الاستياء من حكمها تنامى بين السكان الذين يغلب ⁠عليهم العرب، بما في ذلك الاستياء من التجنيد الإجباري للشباب.

وقال مسؤول سوري إن الموعد النهائي للاندماج في نهاية العام ثابت ولا يمكن تمديده إلا «بخطوات لا رجعة فيها» من «قوات سوريا الديمقراطية».

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الجمعة، إن تركيا لا تريد اللجوء إلى الوسائل العسكرية، لكنه حذّر من أن الصبر على «قوات سوريا الديمقراطية» ينفد.

وقلل المسؤولون الأكراد من أهمية المهلة وقالوا إنهم ملتزمون بالمحادثات من أجل تحقيق الاندماج العادل. وقال سيهانوك ديبو وهو مسؤول في «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، إن «الضمانة الأكثر موثوقية لاستمرار صلاحية الاتفاق تكمن في مضمونه، لا في الإطار الزمني»، مشيراً إلى أن الأمر قد يستغرق حتى منتصف 2026 للتعامل مع جميع النقاط الواردة في الاتفاق.

وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» طرحت في أكتوبر (تشرين الأول) فكرة إعادة تنظيم نفسها في ثلاث فرق جغرافية بالإضافة إلى الألوية. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التنازل، الوارد في الاقتراح الذي قدّمته دمشق في الأيام القليلة الماضية، سيكون كافياً لإقناعها بالتخلي عن السيطرة على الأراضي.

وقال عبد الكريم عمر، ممثل «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» التي يقودها الأكراد في دمشق، إن الاقتراح الذي لم يُعلن عنه يتضمن «تفاصيل لوجستية وإدارية قد تسبب خلافا وتؤدي إلى تأخير».

وقال مسؤول سوري كبير لوكالة «رويترز» إن ‌الرد السوري «يتّسم بالمرونة لتسهيل التوصل إلى توافق من أجل تنفيذ اتفاق مارس».