في هذه الأيام، يتجمَّع المحتفلون في ويست كانتري من مختلف أنحاء المملكة المتحدة وخارجها للمشاركة في جنون مهرجان غلاستونبري. وقد اتّضح أنّ النوع نفسه من الدوافع كان يسيطر على الناس في نهاية العصر البرونزي، وهي أيضاً فترة أزمة مناخية واقتصادية.
ووفق «الغارديان»، فحص الخبراء عظام الحيوانات التي نُقِّب عنها في ميدنز (مكبات نفايات كبيرة من عصور ما قبل التاريخ) في ويلتشير ووادي التايمز، ووجدوا أدلة تشير إلى أنه قبل أكثر من 2000 عام، كان الناس يسافرون من أماكن بعيدة ليجتمعوا في وليمة لحوم ضخمة.

واكتشفوا أنّ الناس في العصر البرونزي كانوا ينقلون أعداداً كبيرة من الماشية لمئات الأميال إلى المواقع نفسها على مدى عقود.
وأفاد ريتشارد مادغويك، البروفسور في كلية التاريخ والآثار بجامعة كارديف، بأنّ النتائج تشير إلى ما يُسمَّى «عصر الولائم».
وقال: «في زمن من عدم الاستقرار المناخي والاقتصادي، لجأ الناس في جنوب بريطانيا إلى إقامة الولائم».
وأضاف أنّ هذه الأحداث كانت على الأرجح وسيلة لبناء العلاقات داخل المجتمعات المحلّية وفيما بينها، وتوطيدها: «متأكد من أنّ هذه التجمعات كان لها دور بالغ الأهمية في خلق قدر من التماسك المجتمعي في وقت الاضطرابات».
ومثلما تتميّز المهرجانات الحديثة بأجواء مختلفة وتستقطب جمهوراً متنوّعاً، تشير الاكتشافات في أكوام النفايات القديمة إلى أنّ أماكن الولائم كانت لها خصائص فريدة تُميّزها.
أكبر موقع جرى دراسته، في بوتيرن بالقرب من ديفيز في ويلتشير، مليء بآثار الولائم، بما في ذلك ما يصل إلى 15 متراً من شظايا العظام.
إلى الشرق، كانت منطقة رونيميد نقطة تجمّع مهمة، لكن يبدو أنّ الناس هناك كانوا يفضلون لحم البقر، إذ كانت الأبقار تصل بأعداد كبيرة من ويلز وكورنوال وديفون.
وفي إيست تشيزنبري، على بُعد نحو 10 أميال من ستونهينج، يشير عدد بقايا الأغنام إلى أنّ لحم الضأن ربما كان المفضّل، وتُظهر البحوث أنّ غالبية الحيوانات كانت تأتي من المناطق المجاورة.

كانت تلك مرحلة صعبة، إذ أصبح المناخ أكثر رطوبة، ويبدو أنّ مكانة البرونز قد تراجعت آنذاك.
وقال مادغويك إن سكان بوتيرن ورونيميد ربما تفاعلوا مع هذا الوضع من خلال تنظيم تجمّعات كبيرة والترحيب بالغرباء، بينما بدا سكان إيست تشيزنبري أكثر إصراراً على الحفاظ على الطابع المحلّي والاستفادة القصوى مما لديهم هناك. وأضاف: «يتفاعل كلّ مجتمع صغير مع هذه المرحلة من عدم الاستقرار بصورة مختلفة».
في هذه الدراسة، استخدم العلماء تحليل النظائر المتعدّدة، وهي طريقة مُتسارعة التطوّر في علم الآثار. لكلّ منطقة جغرافية تركيبة كيميائية مختلفة، تنتقل إلى المياه والأغذية التي تُزرع فيها. وعندما تأكل الحيوانات وتشرب، تبقى هذه العلامات الإقليمية محفوظة في عظامها، مما يسمح للباحثين بتتبُّع المكان الذي تربَّت فيه بعد قرون.
وقال مادغويك إنّ أكوام النفايات كانت ضخمة، وحجم المواد الموجودة فيها كان مذهلاً. وتابع: «نحن نتحدّث عن ملايين وملايين من شظايا العظام، ربما مئات الآلاف من الحيوانات».
الورقة البحثية التي تصف هذا العمل بعنوان «شبكات الولائم المتنوعة في نهاية العصر البرونزي في بريطانيا (نحو 900 - 500 قبل الميلاد) والمثبتة من تحليل النظائر المتعدّدة»، ونُشرت في مجلة «آي ساينس».





