ماكرون يبحث عن الشخصية القادرة على الجمع بين المتناقضات السياسية

الرئيس الفرنسي كلف بايرو تصريف الأعمال بانتظار تسمية بديل عنه

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينتظر ضيفاً في قصر الإليزيه (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينتظر ضيفاً في قصر الإليزيه (أرشيفية - رويترز)
TT

ماكرون يبحث عن الشخصية القادرة على الجمع بين المتناقضات السياسية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينتظر ضيفاً في قصر الإليزيه (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينتظر ضيفاً في قصر الإليزيه (أرشيفية - رويترز)

خطآن قاتلان اقترفهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس حكومته فرنسوا بايرو؛ الأول في شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي عندما أصدر قراراً بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة لأسباب لم تقنع أحداً؛ والثاني، عندما قرر الشهر الماضي المثول أمام البرلمان لطلب الثقة بحكومته بناء على مسودة لمشروع ميزانية تقشف للعام 2026 لاقت رفضاً من اليمين المتطرف واليسار بمختلف مكوناته فضلاً عن حلفائه من «الخضر». ولا شيء كان يلزم بايرو بالمخاطرة بمصير حكومته ووضعه بين أيدي البرلمان المتشظي.

خطأ ماكرون أفضى إلى قيام برلمان من غير أكثرية، يتشكل من ثلاث قوى رئيسية («الكتلة المركزية» المشكلة من الأحزاب الداعمة لماكرون ومن حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي، وجبهة اليسار بمكوناتها الثلاثة: الاشتراكي والشيوعي وحزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد، واليمين المتطرف ممثلاً بـ«التجمع الوطني»). وعيب هذه التشكيلة استحالة التعاون بين مكوناتها بسبب اختلاف الخيارات الأساسية الاقتصادية والاجتماعية وطموحاتها السياسية. والنتيجة الأولى كان عنوانها غياب الاستقرار السياسي، حيث تعاقبت ثلاث حكومات على إدارة شؤون البلاد في أقل من عامين، اثنتان سقطتا في البرلمان؛ حكومة ميشال بارنيه سقطت في ديسمبر (كانون الأول) وكانت الأقصر عمراً في تاريخ الجمهورية الخامسة، وحكومة بايرو الهشة الضعيفة، إذ إن النواب الذين رفضوا منحها الثقة شكلوا نحو ثلثي أعضاء البرلمان، وهي سابقة في تاريخ الجمعية الوطنية. والسابقة الأخرى أن بايرو هو الوحيد، منذ 65 عاماً، الذي حرم من ثقة البرلمان.

الوزيران جيرالد دارمانان (العدل، يسار الصورة) والدفاع سيباستيان لو كورنو كلاهما مقرب من الرئيس ماكرون ومرشح لاحتلال مقعد رئيس الحكومة بعد استقالة حكومة روسا بايرو (أ.ف.ب)

حراك الشارع

لأن الدستور يفرض على رئيس الحكومة أن يقدم، في هذه الحالة، الاستقالة، فقد زار بايرو ظهر الثلاثاء قصر الإليزيه وقدم استقالته لرئيس الجمهورية الذي طلب منه تصريف الشؤون اليومية بانتظار تعيين حكومة جديدة. وصدر عن الإليزيه بيان يفيد بأن ماكرون ينوي تعيين رئيس حكومة جديد «خلال الأيام القليلة المقبلة». وحرص ماكرون على ملء الفراغ الحكومي سريعاً مرده إلى الاستحقاقات الداهمة التي تواجهها البلاد، وأولها الدعوة لشل الحركة الاقتصادية تماماً، الأربعاء. واستبق برونو روتايو، وزير الداخلية الحدث بالدعوة إلى عدم ترك السلطة شاغرة لفترة طويلة، محذراً من أن الأيام المقبلة «مناسبة لجميع أشكال التجاوزات». وقرر روتايو نشر 80 ألفاً من قوات الأمن (الشرطة والدرك) وسط مخاوف من أعمال عنف وتخريب وفوضى. وغداً، من المتوقع أن يتظاهر ما لا يقل عن مائة ألف شخص في جميع أنحاء فرنسا، بمناسبة يوم التعبئة المسمى «لنشل كل شيء». ويشمل الحراك الطلاب الجامعيين وتلامذة الثانويات.

والثلاثاء، قامت نحو 30 جامعة بعقد جمعياتها العمومية لتحديد الخطوات والتحركات التي سيتم اتخاذها الأربعاء. وعلى المستوى العام، فإن قطاع المواصلات سيكون الأكثر تأثراً بالحراك. وتبين التقارير الأمنية أن مجموعات اليسار المتشدد مثل «مجموعة بلاك بلوك» أو جماعة «السترات الصفراء» قد تقوم بأعمال عنف وشغب. ومما توافر أن الطرق السريعة سيتم استهدافها منذ الصباح الباكر لشل حركة السير بين المدن ومنها الواقعة غرب فرنسا مثل رين ونانت وفان وبريست وكان.

وزير الاقتصاد أريك لامبارد القادم من صفوف اليسار، أحد الشخصيات التي قد يسميها الرئيس ماكرون لرئاسة الحكومة (إ.ب.أ)

أما في باريس، فمن المتوقع أن يبدأ حصار الطريق الدائري الذي يلف العاصمة اعتباراً من منتصف الليل. وتتوقع السلطات حدوث شلل في مستودعات الوقود، والمطارات، ومحطات القطارات. كما ستخرج مظاهرات جماهيرية في العديد من المناطق الفرنسية. ويحظى حراك الأربعاء الذي انطلقت شراراته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بدعم بعض اليسار والنقابات الموالية له.

بيد أن ما ينتظر المواطنين الأربعاء ليس سوى «عينة» مما يترقبهم يوم 18 من الشهر الحالي، حيث الأكثرية الساحقة من النقابات العمالية دعت إلى يوم تعبئة عامة في بيان أصدرته يوم 29 أغسطس (آب) نددت فيه بالإجراءات والتدابير التي تضمنها مشروع الميزانية للحكومة المستقيلة. وسيشمل الحراك إضرابات واسعة ومظاهرات ومسيرات في باريس وغالبية المدن الكبرى، وذلك دعماً للمطالب الاجتماعية وممارسة للضغوط على الحكومة المقبلة لدفعها للتخلي عن التدابير التي تعدّها مجحفة.

صعوبات الاختيار

ما بين الاستحقاقين، ثمة محطة رئيسية عنوانها ما سيصدر عن مؤسسات التصنيف الائتمانية، حيث من المقرر أن تصدر وكالة «فيتش» تقريرها الجمعة المقبل. وحسب آخر تقرير لها الصادر في شهر مارس (آذار) الماضي، فإن تقييم فرنسا تراجع إلى آخر مرتبة «الجودة العالية». وإذا هبطت فرنسا إلى المستوى الأدنى (الجودة المتوسطة) فسوف ينعكس ذلك حكماً على نسبة الفائدة التي يتعين دفعها على مديونيتها البالغة راهناً 3415 مليار يورو. وبذلك، ستحل باريس في المرتبة ما قبل الأخيرة بين دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يثير الكثير من القلق في بروكسل، مقر المفوضية الأوروبية وفي ألمانيا، الشريك الاقتصادي الأول لفرنسا، ناهيك عن القلق على انعكاسات الصعوبات المالية الفرنسية على قيمة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو). وبعد أن كانت إيطاليا «التلميذ الطائش» داخل «الاتحاد»، ها هي فرنسا تتأهب للحلول محلها فيما تبقى اليونان في آخر اللائحة.

كاترين فوتران وزيرة العمل والصحة والرعاية الاجتماعية في الحكومة المستقيلة كانت مرشحة جدية لرئاسة الحكومة في العامين الأخيرين (إ.ب.أ)

ما سبق يبين المهمة الشاقة لماكرون، الذي يتعين عليه العثور على الشخصية المولج بها تشكيل حكومته الخامسة في ولايته الثانية التي تنتهي في ربيع عام 2017. صحيح أن المرشحين كثر وآخر من انضم إليهم صباح الثلاثاء هي رئيسة البرلمان يائيل براون - بيفيه التي أبدت استعدادها للقيام بهذه المهمة الشاقة. ويضاف اسم بيفيه إلى عشرة أسماء على الأقل منهم وزير الدفاع (سباستيان لوكورنو)، والعدل (جيرالد دامانان)، والاقتصاد (أريك لومبار)، والعمل (كاترين فوترين)، وأمين عام الحزب الاشتراكي (أوليفيه فور)، ووزير الخارجية السابق (جان إيف لو دريان)، أو وزير الشؤون الاجتماعية السابق (كزافيه برتراند). وثمة أسماء أخرى مثل رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي (أريك بوديه) أو حاكم البنك المركزي (فرنسوا فيلوروا دو غالهو). وتبين هذه اللائحة غير الشاملة أن الصعوبة ليست في توافر المرشحين بل في العثور على رئيس للحكومة قادر على الصمود. وقد أصبح معروفاً أن ماكرون لن يلجأ إلى خيار حل البرلمان للمخاطر المحيطة بمثل هذا الإجراء. كذلك ثمة من يؤكد أنه «قطعاً» لن يُوكل المهمة إلى أوليفيه فور الذي يطالب برئاسة الحكومة. واليوم، قالت مارين توندوليه، رئيسة حزب «الخضر»، إنه يتعين على ماكرون تسليم المهمة لشخصية من اليسار، الذي يتمتع بأكبر مجموعة نيابية في البرلمان، بينما يرفض حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي رؤية يساري على رأس الحكومة ويهدد بالتصويت ضدها.

صورة مركبة لرؤساء الحكومات الأربع خلال ولاية ماكرون الثانية وهم: ألزيابت بورن، وبريال أتال، وميشال بارنيه، وفرنسوا بايرو (أ.ف.ب)

الشخصية النادرة

حقيقة الأمر أن ماكرون يفضل العثور على شخصية متحدرة من «الكتلة المركزية»، وتكون قادرة، في الوقت عينه، على إبقاء اليمين التقليدي داخل الكتلة المركزية وإقناع «الحزب الاشتراكي» بألا يعمد إلى التصويت ضد الحكومة في حال طرح الثقة بها. بيد أن أمراً كهذا سيكون له ثمن إذ لن يقبل الاشتراكيون بهذه الصفقة من غير مقابل. وما يريدونه جاء في برنامجهم للحكم الذي أقره مؤتمرهم العام، ومن بنوده التراجع عن قانون التقاعد أو تجميده على الأقل وفرض ضرائب على الثروات والرواتب العالية وتعزيز دعم الطبقات الدنيا والمتوسطة.... وكلها مطالب يستحيل على ماكرون ومن معه القبول بها. وفي أي حال، فإن هذه الصيغة أثبتت فشلها مع بايرو كما أثبتت تجربه سلفه ميشال بارنيه عبثية الركون إلى اليمين المتطرف للبقاء في السلطة.



الشرطة الهولندية توقف سورياً للاشتباه بانتمائه لـ«داعش» والتخطيط لهجوم

جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
TT

الشرطة الهولندية توقف سورياً للاشتباه بانتمائه لـ«داعش» والتخطيط لهجوم

جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)

كشف ممثلو ادعاء، اليوم الثلاثاء، أن الشرطة ​الهولندية ألقت القبض على رجل سوري عمره 29 عاماً يشتبه بانتمائه لتنظيم «داعش»، وأنه خطط لشن هجوم في ‌مكان ما في ‌أوروبا، وذلك ‌بناء ⁠على ​منشورات ‌له على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح ممثلو الادعاء أن جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‌مكان غير محدد في ‍أوروبا قرب ‍فترة عطلة عيد ‍الميلاد (الكريسماس).

ولم يكشف ممثلو الادعاء عن تفاصيل حول الهجوم المخطط له ​أو حول الاشتباه بانتماء الرجل لتنظيم «داعش».

وأُلقي ⁠القبض على الرجل في 18 ديسمبر (كانون الأول) في منزله في فليسينغن بجنوب غرب هولندا، وقضت محكمة اليوم الثلاثاء بتمديد احتجازه لمدة 30 يوماً على الأقل مع استمرار ‌التحقيق.


زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن ‌كييف ‌ستناقش ‌مع الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا، في إطار الضمانات الأمنية.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف ‌زيلينسكي لوسائل إعلام في محادثة عبر تطبيق «واتساب»، أن أوكرانيا ملتزمة بمواصلة ​المحادثات بشأن كيفية إنهاء الحرب، وأنه مستعدّ للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأي شكل.


باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)

عجَّل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد اجتماع الأحد في مارالاغو (فلوريدا) الذي ضم الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومجموعة من القادة الأوروبيين إلى الإعلان عن اجتماع قريب لـ«تحالف الراغبين» الذي يضم 35 دولة أكثريتها الساحقة أوروبية.

وكتب ماكرون على منصة «إكس» ما حرفيّته: «نحرز تقدماً فيما يخص الضمانات الأمنية (التي تطلبها أوكرانيا) والتي سيكون لها دور مركزي في التوصل إلى سلام عادل ودائم (بين روسيا وأوكرانيا). وسوف نجتمع كمجموعة (تحالف الراغبين) في باريس بداية يناير (كانون الثاني) لوضع اللمسات الأخيرة على المساهمات الفعلية لكل طرف».

وقال زيلينسكي، الثلاثاء، إن قمة «تحالف الراغبين» ستعقد الثلاثاء القادم (6 يناير) في باريس وسيسبقها اجتماع لمستشاري الأمن القومي التحالف المذكور في كييف يوم 3 يناير.

زيلينسكي يتوسّط قادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين خلال محادثات في برلين حول أوكرانيا 15 ديسمبر 2025 (د.ب.أ)

خلفيات الاستعجال الفرنسي

يأتي الاستعجال الفرنسي عقب ما اعتُبر تقدماً ملموساً تَحقَّق خلال اجتماع ترمب - زيلينسكي، وما جاء على لسان الرئيسين بخصوص الضمانات الأمنية. فالرئيس الأوكراني أعلن، في المؤتمر الصحافي المشترك مع ترمب، أنه تم إحراز تقدم كبير فيما يخص الضمانات الأمنية «القوية» التي يلتزم بها الجانب الأميركي.

وأضاف زيلينسكي، في حوار مع مجموعة صحافية على تطبيق «واتساب»، أن واشنطن عرضت ضمانات أمنية صالحة لـ15 عاماً، وأنه طلب من الرئيس الأميركي أن تمتد إلى 30 أو 40 أو حتى 50 عاماً لردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مجدداً بعد التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين. وأضاف زيلينسكي أن ترمب وعده بالرد على طلبه. والأهم أن الرئيس الأوكراني جزم بأنه «من دون ضمانات أمنية، لن تنتهي هذه الحرب بصورة واقعية». بيد أنه امتنع عن الكشف عن تفاصيل الضمانات الأميركية، مكتفياً بالقول إنها تشمل آليات لتنفيذ؛ أي اتفاق سلام، وأنها تضم «شركاء»، في إشارة الى «تحالف الراغبين». وقال في المناسبة عينها إن وجود قوات داعمة لكييف على الأراضي الأوكرانية «جزء مهم» من هذه الضمانات. أما ترمب فقد أشار في المؤتمر الصحافي المذكور إلى أنه يتوقع من الدول الأوروبية أن «تضطلع بجزء كبير» من هذه الضمانات «بدعم أميركي».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالثياب العسكرية كما ظهر في صورة مأخوذة من مقطع فيديو السبت الماضي (أ.ب)

المعضلة أن ترمب نفسه لم يكشف النقاب عمّا ستلتزم به بلاده، الأمر الذي يثير، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، صعوبتين متلازمتين: الأولى، أن الدول الجاهزة للمشاركة في «قوة الطمأنة» التي ستنبثق عن «تحالف الراغبين» تربط مساهمتها بوجود «تعهد أميركي» بالتدخل، في حال عاودت روسيا استهداف أوكرانيا مجدداً. وبكلام آخر، لا يريد الأوروبيون أن يكونوا وحدهم في مواجهة القوات الروسية، انطلاقاً من مبدأ أن القوات الأميركية وحدها قادرة على «ردع» الجانب الروسي. لذا، فإنهم يطالبون بـ«شبكة أمان» (Backstop) تتضمن تعهداً أميركياً بحماية «قوة الطمأنة» عند الحاجة. والصعوبة الثانية أن روسيا ترفض نشر أي قوات على الأراضي الأوكرانية تكون تابعة لدول أعضاء في الحلف الأطلسي.

وسبق لموسكو أن جعلت من هذا الأمر «خطاً أحمر». ومن الواضح أن الأوروبيين يراهنون على دور أميركي في «تليين» الموقف الروسي. وإذا واظبت موسكو على رفضها، فإن أي نشر لـ«قوة الطمأنة» سيكون مستبعداً، على الرغم من أن الخطط الأوروبية لا تتحدث إطلاقاً عن نشرها على خط المواجهة بل في المواقع الخلفية ما بين كييف وحدود أوكرانيا الغربية. وأكثر من مرة، أكد قادة أوروبيون وعلى رأسهم ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أن «قوة الطمأنة» لن تكون قوة قتالية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحِّباً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريد الأحد الماضي (أ.ف.ب)

من الوعود إلى الالتزامات

حتى اليوم، كانت دول «تحالف الراغبين» تقدم وعوداً بالمشاركة في توفير الضمانات الأمنية، التي تراها باريس في ثلاثة مستويات: الأول، توفير الدعم الضروري للجيش الأوكراني مالياً وتسليحياً بحيث يشكل «الضمانة الأولى»؛ والثاني، المشاركة الفعلية بوحدات عسكرية لرفد «قوة الطمأنة». وحتى اليوم، ثمة عدة دول أعلنت بوضوح استعدادها للمشاركة، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وإستونيا والنروج وليتوانيا وتركيا، فيما دول أخرى «مستعدة» ولكنها لم تكشف عن طبيعة مساهماتها، ومنها بلجيكا وهولندا والسويد والدنمارك وفنلندا ولاتفيا... في المقابل، ثمة دول رفضت أي مشاركة بوحدات عسكرية، وعلى رأسها بولندا وإيطاليا... أما المستوى الثالث فهو بالطبع يخص الجانب الأميركي. وأفادت مصادر رئاسية بأن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أكد مشاركة بلاده في الضمانات الأمنية ولكنه بقي غامضاً إزاء طبيعتها، علماً أن أوكرانيا تطالب بما يشبه «البند الخامس» من معاهدة «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) التي تجعل من أي اعتداء خارجي لبلد عضو في الحلف اعتداءً على كل أعضائه.

في هذا السياق فإن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيوفِّر لها ضمانة أوروبية شبيهة بالفقرة الخامسة، وهو ما أكدته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بقولها إن انضمام أوكرانيا يشكّل ضمانة أمنية أساسية «في حد ذاته» شبيهة بالمادة 5 من الحلف الأطلسي. بيد أن المشكلة تكمن في أن الاتحاد الأوروبي ليس منظمة دفاعية - عسكرية كالحلف الأطلسي. ورغم أن الأوربيين يدفعون باتجاه تسريع انضمام كييف إلى ناديهم، فإن موعده ليس واضحاً بسبب القواعد المفترض توفرها في الدولة المرشحة. وبعد الفضائح الأخيرة التي عرفتها كييف، فمن غير المرجح أن يتم انضمامها إلى الاتحاد سريعاً.

أمن القارة الأوروبية

قياساً إلى ما سبق، تبرز أهمية الاجتماع رفيع المستوى الذي يدعو إليه ماكرون الأسبوع المقبل، والذي ترجح باريس أن يكون بمشاركة زيلينسكي وعديد من القادة الأوروبيين. والسبب في ذلك أهميته الاستثنائية في ظل تسارع الاتصالات والمشاورات الدبلوماسية والانخراط الأميركي القوي، التي من شأنها جعل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار أقرب من أي وقت مضى.

لذا، ثمة حاجة ملحة لـ«تحالف الراغبين» إلى تسريع العمل وتحديد ما يلتزم كل طرف بتقديمه جدياً على المستويات المالية والتسليحية واللوجيستية والعسكرية، علماً أن هيئة أركان جماعية يديرها ضابط فرنسي تجتمع في ضاحية قريبة من باريس وتعمل على رسم خطط الانتشار ودراسة السيناريوهات المحتملة لـ«قوة الطمأنة» التي لا يُعرف بعد تكوينها وعديدها وتسليحها.

وينظر الأوروبيون إلى مساهماتهم من زاويتين: الأولى، تأكيد وحدة الموقف الأوروبي بالوقف الحازم إلى جانب أوكرانيا (مع بعض الاستثناءات: المجر وسلوفاكيا)، والأخرى، اعتبار مشاركتهم المدخل المتاح حتى لا يتفرد «الحليف الأميركي» بالملف الأوكراني، وليكون لهم دور في شأن يرتبط به أمن القارة الأوروبية، فضلاً عن المشاركة في الدفع باتجاه اتفاق سلام يُنهي حرباً على قارتهم انطلقت قبل أربع سنوات.