إسبانيا تُبرز «الإبادة» لوقف تردد أوروبا في معاقبة إسرائيل

فون بورغسدورف لـ«الشرق الأوسط»: الجمعية العامة فرصة لإقامة تحالفات دولية لكبح نتنياهو

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في المفوضية الأوروبية ببروكسل فبراير الماضي (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في المفوضية الأوروبية ببروكسل فبراير الماضي (إ.ب.أ)
TT

إسبانيا تُبرز «الإبادة» لوقف تردد أوروبا في معاقبة إسرائيل

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في المفوضية الأوروبية ببروكسل فبراير الماضي (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في المفوضية الأوروبية ببروكسل فبراير الماضي (إ.ب.أ)

عندما استخدم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز تعبير «الإبادة» لأول مرة، الاثنين، لوصف الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة، كان يهدف إلى رفع منسوب الضغط على الشركاء الأوروبيين الذين ما زالوا يترددون في اتخاذ التدابير العقابية المطروحة منذ أشهر على مائدة الاتحاد، وما زالت بعض الدول الوازنة تمانع في اتخاذها.

ودعم سانشيز وصف «الإبادة» بجملة قرارات منها الإعلان عن إصدار مرسوم ملكي لفرض حظر شامل على المبادلات العسكرية مع الدولة العبرية، مشفوعاً بحزمة من التدابير القانونية والإدارية ضد أفراد إسرائيليين ضالعين في جرائم ضد الإنسانية، وزيادة المساعدات المالية المخصصة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».

لكن رغم هذا التمنّع الذي يحول دون التوافق على تدابير مشتركة بين الدول الأعضاء؛ فإن بعض الحكومات الأوروبية أقرّت عقوبات وطنية ضد إسرائيل، بينما تستعد دول أخرى للاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الأسابيع المقبلة، بعد أن سقطت محرمات كثيرة كان أبرزها القرار الألماني بوقف مبيعات الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية بسبب ضربها عُرض الحائط بكل النداءات التي وُجهت إليها لخفض التصعيد وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.

اعترافات أوروبية منتظرة بفلسطين

ويأتي هذا التصعيد الذي أعلنه سانشيز بينما كان يستدعي السفيرة الإسبانية في تل أبيب للتشاور، بينما تشهد المدن الأوروبية اتساعاً مطرداً للتظاهرات الاحتجاجية الحاشدة التي تطالب حكومات الدول الأعضاء بتدابير أكثر تشدداً ضد إسرائيل، وعشية انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حيث سيكون الموضوع الفلسطيني في صدارة الاهتمامات، ومحور تجاذبات وضغوط، وحتى تهديدات من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، لردع الدول التي تستعد لإعلان اعترافها بالدولة الفلسطينية.

يرفرف عَلم «الأمم المتحدة» في يوم عاصف بالأمم المتحدة خلال الجمعية العامة لها في 22 سبتمبر 2022 (أ.ب)

ومن بين دول الاتحاد التي تعتزم الإقدام على هذه الخطوة في نيويورك، فرنسا ومالطا، وبلجيكا التي قالت إن اعترافها سيكون تدريجياً ومشروطاً، بينما تفيد مصادر أوروبية مطَّلعة أن فنلندا والبرتغال ولوكسمبورع قد تعلن عن موقف مماثل قبل نهاية أعمال الجمعية العامة، ضمن إطار الموقف الأوروبي الموحد على أساس أن حل الدولتين السبيل الوحيد للتوصل الى حل سلمي دائم وعادل للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.

ويُنتظر أن تنضم دول أخرى من خارج الاتحاد، مثل أستراليا وكندا، وربما اليابان ونيوزيلندا والمملكة المتحدة، إلى قافلة البلدان المعترفة بالدولة الفلسطينية.

«موقفان لا ثالث لهما»

يقول الدبلوماسي الألماني البارز سفين كون فون بورغسدورف، لـ«الشرق الأوسط»: «نشهد كل يوم تزايداً لعدد الدول الغاضبة من الشلل الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي وعجزه عن اتخاذ التدابير اللازمة في حق إسرائيل لما ترتكبه من انتهاكات وتجاوزات، وذلك بسبب من الضغوط والمناورات التسويفية التي تمارسها بعض الحكومات التي نعرف جميعاً من هي: ألمانيا، وإيطاليا، والمجر، والتشيك، وبلغاريا، والنمسا».

ويضيف: «هذا الوضع يفترض موقفين لا ثالث لهما: القبول بالعجز الأوروبي والسكوت عن الانتهاكات، أو أن يبادر بعض الدول الأعضاء إلى التصرّف بشجاعة وحزم واتخاذ تدابير وطنية ضد الحكومة الإسرائيلية».

وتجدر الإشارة إلى أن فون بورغسدورف، الذي شغل سابقاً منصب ممثل الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية، هو الذي كان وراء مبادرة الرسالة المفتوحة التي وجهها ما يزيد على 200 سفير أوروبي، أواخر الشهر الماضي، إلى مؤسسات الاتحاد وحكومات البلدان الأعضاء، يطالبون فيها باتخاذ تدابير أوروبية فورية ضد إسرائيل.

ممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين سفين كون فون بورغسدورف في منزل أحرقه مستوطنون في بلدة ترمسعيا (رويترز)

وكانت تلك مبادرة غير مسبوقة على هذا المستوى، يعلن فيها مثل هذا العدد من كبار الدبلوماسيين عن رفضهم الشلل في الموقف الأوروبي إزاء الكارثة الفلسطينية.

ويصف فون بورغسدورف التدابير التي اتخذتها إسبانيا وبلجيكا بأنها جريئة وإيجابية، وتتطابق مع المقترحات التي وردت في الرسالة المفتوحة.

وكانت سلوفينيا أولى الدول الأوروبية التي اتخذت تدابير أحادية ضد إسرائيل، بدأت بحظر المبادلات العسكرية مع تل أبيب، وإعلان الوزيرين في الحكومة الإسرائيلية إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش شخصين غير مرغوب فيهما.

كما أعلنت أستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج قبل ذلك عن فرض عقوبات مشتركة ضد نفس الوزيرين في الحكومة الإسرائيلية بسبب تحريضهما على العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتبعتهما الحكومة البلجيكية، ثم هولندا رغم الأزمة الحكومية التي تسببت بها استقالة وزير الخارجية وعدد من زملائه لعدم تمكنهم من اتخاذ تدابير ضد الحكومة الإسرائيلية.

رفض الشلل الأوروبي

من المنتظر أن يصدر عن الحكومة الإسبانية في القريب العاجل قرار يستهدف كل من يشاركون، بشكل مباشر أو غير مباشر، في أعمال الإبادة وانتهاك حقوق الإنسان وجرائم الحرب في قطاع غزة، بالمنع من دخول الأراضي الإسبانية.

وما يزيد من نقمة الدول الأعضاء الرافضة لهذا الشلل في الموقف الأوروبي، أن التدبير الوحيد المشترك الذي أقرّه الاتحاد بشأن الوضع في غزة هو فرض عقوبات على بعض المستوطنين لارتكابهم أعمال عنف في الضفة، لكنها عقوبات لا تزال مجمدة بسبب «الفيتو المجري».

محافظ رام الله ليلى غنام وفلسطينيون في وداع الفلسطيني الأميركي سيف الدين مصلط الذي قتله مستوطنون ضرباً حتى الموت قرب رام الله (وفا)

وكانت سلوفينيا السبّاقة أيضاً بين الشركاء الأوروبيين في حظر جميع الواردات من المستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة في الضفة، وتبعتها إسبانيا بتدبير مماثل، هذا الأسبوع، على أن يعقبه قرار أيضاً من بلجيكا وآيرلندا قبل نهاية الشهر الحالي، بينما أعلن المصرف المركزي الآيرلندي عن وقف إدارته سندات الخزينة الإسرائيلية في الاتحاد، وإحالتها إلى لوكسمبورغ.

ويرى فون بورغسدورف أن «الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الفرصة المثالية لإقامة تحالفات بين الدول العازمة على كبح جماح حكومة نتنياهو داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، والتركيز بشكل خاص على بلدان الجنوب العالمي التي تتنامى فيها النقمة من عجز الأسرة الدولية عن ردع الممارسات التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة والضفة الغربية».


مقالات ذات صلة

تقرير: أميركا وحلفاؤها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار غزة

المشرق العربي منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تقرير: أميركا وحلفاؤها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار غزة

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصادر مطلعة، اليوم الاثنين، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جندي إسرائيلي ينبطح أرضاً لدى سماعه دوي صفارات الإنذار بغلاف غزة في أكتوبر 2023 (أ.ب) play-circle

نتنياهو يدفع لتحقيق منزوع الصلاحيات حول هجوم «7 أكتوبر»

صادقت لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع قانون قدمه حزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتشكيل لجنة تحقيق في هجوم «7 أكتوبر» (تشرين الأول).

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة )
المشرق العربي فلسطيني يحمل جثمان رضيع توفي بسبب البرد القارس في خان يونس جنوب غزة (رويترز)

إسرائيل تُحرّك الخط الأصفر في جباليا لتعميق سيطرتها شمال غزة

تواصل القوات الإسرائيلية تعميق سيطرتها داخل قطاع غزة عبر إحكام قبضتها على العديد من المناطق، إذ توغلت آلياتها العسكرية بشكل مفاجئ في مخيم جباليا شمال القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو يواصل الاعتراض على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في 7 أكتوبر

يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض فتح تحقيق مستقل في الهجمات غير المسبوقة التي شنتها حركة «حماس» وغيرها من المسلحين في إسرائيل قبل عامين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

كشف تحقيق جديد عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)

عكستِ الاعتراضات على مشروع قانون استعادة الودائع المجمدة منذ عام 2019 في لبنان، انطلاقةً غير آمنةٍ له، إذ بدأتِ الحكومة بمناقشة المسودة، بالتزامن مع اعتراضات سياسية من قوى ممثلة بالحكومة وخارجها، وانتقادات عميقة من قبل «جمعية المصارف»، فضلاً عن تحركات شعبية نُظمت بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء.

وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أنّه لا يقف مع أي طرف ضدّ آخر، وأنّ النقاش يجب أن يتم تحت قبة البرلمان، فيما دافع رئيس الحكومة نواف سلام عن المسودة، وشدّد على أنَّ مشروع قانون الفجوة المالية واقعي وقابل للتنفيذ، مؤكداً أنَّ أي تأخير في إقراره قد يضر بثقة المواطنين والمجتمع الدولي.

وبرزتِ اعتراضات قانونية على إدراج مواد ذات «مفعول رجعي» لضرائب واقتطاعات وتعديلات في القيم الدفترية للمدخرات المحوّلة بعد عام 2019، والعوائد المحصّلة على الودائع في سنوات سابقة.


مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
TT

مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)

قتل شخصان وأصيب 6 مدنيين بينهم امرأة وطفل بجروح جراء اشتباكات اندلعت في مدينة حلب شمال سوريا بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تزامنت مع زيارة وفد تركي إلى دمشق، في وقت توشك مهلة تنفيذ بنود اتفاق 10 مارس (آذار) بين «قسد» والسلطات على الانتهاء.

وفي حين تبادل الطرفان الاتهامات بالتسبّب في اندلاع الاشتباكات، أفادت مصادر في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»، بأن المبعوث الأميركي توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، يجريان اتصالات لتهدئة الاشتباكات لمنع تصعيد يستفيد منه «داعش»، وقوى إقليمية معادية.

واتهمت أنقرة ودمشق «قسد» بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقية الموقعة في 10 مارس الماضي، وأكدتا رفض أي محاولات للمساس بوحدة سوريا واستقرارها.

جاء ذلك في مؤتمر صحافي بدمشق ‌بعد محادثات بين وفد تركي رفيع المستوى ‌والرئيس السوري ​أحمد الشرع ‌ووزير الخارجية أسعد الشيباني وآخرين، وقال الشيباني إن دمشق لم تلمس «أي مبادرة أو إرادة جادة» من «قسد» لتنفيذ الاتفاق، لكنها اقترحت في الآونة الأخيرة عليهم طريقة أخرى لدفع العملية قدماً.


ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
TT

ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

يعتزم ائتلاف «الإعمار والتنمية»، الذي يترأسه محمد شياع السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، طرحَ «مبادرة سياسية شاملة» لحسم منصب رئاسة الوزراء.

وذكر إعلام «تيار الفراتين»، الذي يتزعمه السوداني، في بيان، أمس، أنَّ ائتلاف «الإعمار» يعمل على «بلورة مبادرة سياسية متكاملة» تهدف إلى كسر حالة الانسداد السياسي، مشيراً إلى أنَّ تفاصيلها ستُطرح أمام قوى «الإطار التنسيقي» في اجتماعه المرتقب.

إلى ذلك، قال العضو في ائتلاف «الإعمار والتنمية» قصي محبوبة لـ«الشرق الأوسط» إنَّ «المبادرة ستكون عبارة عن شروط الائتلاف لاختيار رئيس الوزراء»، دون ذكر تفاصيل.

من ناحية ثانية، رحب مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى العراق، في تدوينة عبر منصة «إكس» بإعلان بعض الفصائل المسلحة استعدادها لبحث نزع سلاحها، لكنَّه شدّد على «أن يكون نزع السلاح شاملاً، وغير قابل للتراجع».