أمر الجيش الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، جميع سكان مدينة غزة وكل أحيائها بالإخلاء قبل أن يشن هجوماً جديداً، وذلك بعد أن حذرت إسرائيل من أنها ستكثف غاراتها الجوية وعملياتها البرية في القطاع في «إعصار مدوٍّ» إذا لم تطلق حركة «حماس» سراح من تبقى لديها من رهائن وتستسلم.
ويتوقع سكان المدينة، البالغ عددهم مليون نسمة، هجوماً شرساً منذ أسابيع بعد أن وضعت الحكومة الإسرائيلية خطة لتوجيه ضربة قاضية للحركة.
وأثارت أوامر الإخلاء حالة من الذعر والارتباك بين سكان مدينة غزة. وقال بعضهم إنه لا خيار أمامهم سوى المغادرة إلى الجنوب، بينما قالت الغالبية العظمى إنها ستبقى في المدينة لأنه لا يوجد أي مكان آخر آمن.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، في منشور عبر «إكس»: «نداء عاجل إلى جميع سكان مدينة غزة والموجودين في كل أحيائها، من المدينة القديمة وتفاح شرقاً، وحتى البحر غرباً. جيش الدفاع مصمم على حسم (حماس)، وسيعمل في منطقة مدينة غزة بقوة كبيرة، كما عمل في مختلف أنحاء القطاع».
#عاجل إلى جميع سكان مدينة غزة والمتواجدين في كل أحيائها، من المدينة القديمة وتفاح شرقاً وحتى البحر غرباً⭕️جيش الدفاع مصمم على حسم حماس وسيعمل في منطقة مدينة غزة بقوة كبيرة، كما عمل في مختلف أنحاء القطاع.⭕️من أجل سلامتكم، أخلوا فوراً عبر محور الرشيد باتجاه المنطقة الإنسانية في... pic.twitter.com/XiNYwBhPOQ
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) September 9, 2025
وأضاف: «من أجل سلامتكم، أخلوا فوراً عبر محور الرشيد باتجاه المنطقة الإنسانية في المواصي... البقاء في المنطقة خطير جداً».
«نزوح عكسي»
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، اليوم، إن أكثر من 1.2 مليون شخص ما زالوا في مدينة غزة والشمال ويرفضون النزوح نحو الجنوب رغم شدة القصف الإسرائيلي.
وذكر المكتب في بيان أنه تم خلال الأيام الماضية رصد ظاهرة «النزوح العكسي» من الجنوب نحو غزة وشمالها، حيث اضطر نحو 35 ألف مواطن للنزوح جنوباً تحت وطأة القصف، لكن أكثر من 12 ألفاً عادوا إلى مناطقهم الأصلية حتى مساء الأحد الماضي في ظل انعدام مقومات الحياة في الجنوب.
وأشار البيان إلى أن منطقة المواصي في خان يونس ورفح، التي تضم حالياً نحو 800 ألف نسمة، باتت «تفتقر تماماً إلى مقومات الحياة الحقيقية، فلا وجود فعلياً لمستشفيات ولا وجود لبنية تحتية، ولا تتوافر فيها أي خدمات أساسية من ماء أو غذاء أو مأوى أو كهرباء أو تعليم، ما يجعل البقاء فيها شبه مستحيل».وأوضح أن المساحة التي حددها الجانب الإسرائيلي في خرائطه كمناطق إيواء لا تتجاوز 12 في المائة من مساحة قطاع غزة، وقال إن إسرائيل تحاول تكديس أكثر من 1.7 مليون شخص فيها «في سياسة تهجير قسري ممنهجة تهدف لإفراغ شمال غزة ومدينة غزة».
واعتبر المكتب الإعلامي الحكومي أن تلك «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم مخالفة للقانون الدولي وللقانون الدولي الإنساني».
وتعقّد السيطرة على مدينة غزة، التي يعيش بها مليون فلسطيني، جهود وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب الدائرة منذ قرابة عامين. وأثارت أوامر الإخلاء حالة من الذعر والارتباك بين سكان مدينة غزة. وقال بعضهم إنه لا خيار أمامهم سوى المغادرة إلى الجنوب، بينما قالت الغالبية العظمى إنها ستبقى في المدينة، لأنه لا يوجد أي مكان آخر آمن.
كارثة إنسانية
من جانبها، حذرت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم، من كارثة إنسانية تهدد حياة آلاف المرضى والجرحى.
جاء ذلك في مناشدة عاجلة وجهتها الوزارة للمجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية. وطالبت الوزارة بـ«توفير الحماية الفورية للمستشفيات والطواقم الطبية، وفتح طرق آمنة للوصول إليها في محافظة غزة».
ووجَّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء أمس، تحذيراً لسكان مدينة غزة، طالبهم فيه بمغادرتها على الفور، وذلك بعد ساعات من إعلان إسرائيل عزمها تكثيف غاراتها الجوية على القطاع. وقال نتنياهو: «أقول لسكان غزة: انتهزوا هذه الفرصة وأصغوا إليَّ جيداً: لقد تم تحذيركم. غادروا الآن».
وأضاف نتنياهو أن القوات الإسرائيلية تنظم صفوفها الآن، وتتجمع داخل مدينة غزة من أجل عملية برية.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في كلمة مصورة أن الجيش قصف خلال يومين 50 مبنى تستخدمها «حماس» في مدينة غزة، قائلاً: «خلال يومين دمَّرنا 50 برجاً إرهابياً، وهذه مجرد البداية للعملية البرية المكثفة في مدينة غزة. أقول للسكان: لقد تم تحذيركم. غادروا الآن». وأضاف: «كل هذا مجرد مقدمة، وبداية للعملية الأساسية المكثفة، والمناورة البرية لقواتنا التي تقوم الآن بتنظيم صفوفها والتجمع لدخول مدينة غزة».
من جهتها، قالت «حماس» إن تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي لأهالي مدينة غزة ومطالبتهم بمغادرة المدينة «ممارسة علنيَّة لجريمة تهجير قسري مكتملة الأركان»، وتمثل «تحدياً سافراً وغير مسبوق للقوانين والمواثيق الدولية». وانتقدت الحركة ما وصفته بأنه «صمت وعجز مؤسسات الأمم المتحدة -وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي- أمام هذه الجرائم الوحشية»، معتبرة أن ذلك يعبِّر عن «ازدواجية المعايير التي أضحت تحكمها».
وقالت أم محمد (55 عاماً)، وهي أم لست أطفال «برغم القصف طول الأسبوع إللي فات ما رضيت أطلع، كنت أعاند وما طلعت، بس (حالياً) راح أنزح عند بنتي».
ونزح سكان غزة مرات عدة منذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وظلوا يتنقلون بين شمال القطاع وجنوبه في ظل أزمة إنسانية متفاقمة أدت إلى مجاعة.
«إعصار»
وذكر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش سيكثف حملته لتصبح «إعصاراً مدوياً» إذا لم تفرج «حماس» عن آخر الرهائن المحتجزين لديها وتستسلم.
وتعقّد السيطرة على مدينة غزة جهود وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب الدائرة منذ قرابة عامين.
وانعقدت آمال على جهود الوساطة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار لمنع إسرائيل من تنفيذ خطة السيطرة على أكبر مركز حضري في القطاع.
وقال مسؤول مطلع على المحادثات لوكالة «رويترز» إن قطر ضغطت على قادة الحركة «للرد بإيجابية» على أحدث اتفاق اقترحته الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة وتحرير الرهائن، وذلك خلال محادثات في الدوحة أمس.
وأعلنت «حماس» أنها تلقت بعض الأفكار من الجانب الأميركي للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وأنها تناقش مع الوسطاء سبل تطوير هذه الأفكار.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أمس، إن إسرائيل قبلت اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار في غزة.
انتقادات دولية
يأتي الهجوم في الوقت الذي أعلنت فيه دول أوروبية عدة، تشعر بالغضب من القصف الإسرائيلي في غزة، أنها ستعترف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، وهي خطوة ترفضها إسرائيل.
يقول منتقدون دوليون إن خطة إسرائيل، التي تتضمن إخلاء القطاع بأكمله من السلاح مع السيطرة الأمنية عليه، قد تفاقم المحنة الإنسانية لسكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة والذين يتعرضون لخطر المجاعة.
وقال نتنياهو إنه لا خيار أمام إسرائيل سوى إكمال المهمة وهزيمة «حماس» لأنها ترفض إلقاء سلاحها. وتؤكد الحركة الفلسطينية أنها لن تتخلى عن سلاحها إلا في حالة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وسيطرت إسرائيل بالفعل على 75 في المائة من القطاع منذ اندلاع الحرب بهجوم شنته «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والذي تشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنه تسبب في مقتل 1200 شخص واقتياد 251 رهينة إلى غزة.
وتقول السلطات الإسرائيلية إن 20 من أصل 48 رهينة متبقين في غزة ما زالوا على قيد الحياة.
وقالت السلطات الصحية في غزة إن الحملة الإسرائيلية أدت إلى مقتل أكثر من 64 ألف فلسطيني ونزوح كل سكان القطاع تقريباً داخلياً وتحول معظمه إلى ركام.
