من تراجع 2015 إلى قفزة 2025.. الذهب يعود أقوى من أي وقت مضى

صعود قياسي يتخطى الـ3600 دولار للأونصة وسط تنامي توقعات خفض الفائدة

عامل يصب سبائك ذهب في مصنع كراستسفيتمت في كراسنويارسك، روسيا (رويترز)
عامل يصب سبائك ذهب في مصنع كراستسفيتمت في كراسنويارسك، روسيا (رويترز)
TT

من تراجع 2015 إلى قفزة 2025.. الذهب يعود أقوى من أي وقت مضى

عامل يصب سبائك ذهب في مصنع كراستسفيتمت في كراسنويارسك، روسيا (رويترز)
عامل يصب سبائك ذهب في مصنع كراستسفيتمت في كراسنويارسك، روسيا (رويترز)

في مثل هذا اليوم من عام 2011، سجل سعر الذهب أعلى مستوى له على الإطلاق عند 1923 دولاراً للأونصة. ومنذ ذلك التاريخ، لم يتمكن المعدن النفيس من الوصول إلى هذا المستوى إلا بعد مرور نحو تسع سنوات، وهو ما يعكس طبيعة الأسواق المالية المتقلبة، والتغيرات الهيكلية في الاقتصاد العالمي.

وبعد تسجيل هذا الارتفاع التاريخي، بدأ الذهب رحلة تصحيحية شملت انخفاضاً بنسبة تقارب 46 في المائة ليصل إلى أدنى مستوى عند 1045 دولاراً في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2015، قبل أن يبدأ في التعافي التدريجي على مدى أربع سنوات ونصف السنة، مسجلاً 1942 دولاراً في 27 يوليو (تموز) 2020، في خضم أزمة جائحة (كوفيد - 19) التي هزت الاقتصاد العالمي.

اليوم، يعود الذهب ليؤكد مكانته بصفته أصلاً آمناً، إذ تجاوز يوم الاثنين مستوى 3,600 دولار للأونصة، بدعم من بيانات الوظائف الأميركية الضعيفة التي عززت توقعات السوق بخفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل. وارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 1 في المائة ليصل إلى 3,621.59 دولار للأوقية.

الذهب والاقتصاد العالمي

لا يحدث ارتفاع أسعار الذهب بمعزل عن السياق الاقتصادي الكلي، بل يعكس تحولات كبيرة في السياسات النقدية العالمية وعدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي. ويشير هذا الارتفاع السريع إلى تغير جوهري في نظرة المستثمرين تجاه العملات التقليدية وأصول الاحتفاظ بالقيمة، خصوصاً في ظل المشهد المالي المعقد اليوم. وتؤكد التحليلات الحديثة أن هذا الزخم قد يستمر خلال عام 2025 وما بعده، إذ يواصل الذهب أداءه بوصفه ملاذاً آمناً ضد التضخم، وتقلبات الأسواق المالية.

وجاء نمو التوظيف الأميركي دون التوقعات، بينما ارتفع معدل البطالة إلى أعلى مستوى له منذ عام 2021، مما عزز توقعات السوق بخفض وشيك لأسعار الفائدة بنسبة احتمال تصل إلى 92 في المائة. كما أسهمت الضغوط السياسية على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي في تعزيز الطلب على الذهب، مع استمرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في انتقاد سياسات البنك المركزي. وفي الوقت نفسه، زاد بنك «الشعب» الصيني احتياطياته من الذهب للشهر العاشر على التوالي في أغسطس (آب)، ضمن استراتيجية لتنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار الأميركي، ما أسهم في دعم المعدن النفيس عالمياً.

وقال مجلس الذهب العالمي: «بناءً على البيانات الصادرة عن البنوك المركزية العالمية، فقد اشترت ما مجموعه 10 أطنان من الذهب في يوليو. وشهدت أسعار السبائك ارتفاعاً بنسبة 37 في المائة حتى الآن هذا العام، مستفيدةً من مكاسبها البالغة 27 في المائة في عام 2024، ومدفوعةً بضعف الدولار، وشراء البنوك المركزية القوي، وضعف السياسة النقدية، وعدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي».

الرسوم وتأثيرها على جاذبية الذهب

توضح الأبحاث الاقتصادية أن القيود التجارية، خصوصاً الرسوم الجمركية، تشكل عاملاً مؤثراً في أسواق الاستثمار. ففرض الرسوم يمثل تدخلاً اصطناعياً في أنماط الإنتاج والاستهلاك الطبيعية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلكين، وانخفاض الطلب الكلي، وتخصيص غير فعال للموارد. هذه التشوهات السوقية، التي قد تستمر لفترات طويلة، تضاعف الضغوط التضخمية من خلال رفع تكاليف السلع المستوردة، ما يجعل الذهب خياراً جذاباً بوصفه أصلاً يحافظ على القيمة في مواجهة الضغوط الاقتصادية المستمرة. وقد أظهرت الدراسات في جامعات كبرى أن الرسوم الجمركية عادة ما تُرفع أسعار المستهلكين عبر إجبار المستوردين على تمرير التكاليف الأعلى، وهو مبدأ ثبت صحته تاريخياً عبر فترات متعددة من القيود التجارية.

اضطرابات السندات وأسعار الذهب

شهدت سوق الذهب صعوداً ملحوظاً في الأيام القليلة الماضية، ويأتي ذلك مدفوعاً بالاضطرابات في سوق السندات العالمية. فقد ارتفعت عوائد السندات الأميركية لأجل 30 عاماً إلى نحو 5 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ يوليو، وسط مخاوف تشمل الرسوم الجمركية، والتضخم، واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي. وعلى الصعيد العالمي، سجلت عوائد السندات البريطانية أعلى مستوياتها منذ 1998، فيما بلغت عوائد السندات الألمانية والفرنسية والهولندية مستويات غير مسبوقة منذ 2011، بينما سجلت السندات اليابانية لأجل 30 عاماً مستوى قياسياً، ما يعكس الضغوط العالمية على أسواق الدين.

توقعات وتحليلات المؤسسات المالية

يظل مستقبل الذهب واعداً وفق خبراء السوق، رغم عدم وضوح مدى صعوده في الدورة الحالية. وبينما تظل أسعار الفائدة المحرك الرئيسي لاتجاهاته الصعودية، تظهر عوامل أخرى محتملة لدعم استمرار الزخم، مثل تصحيح محتمل في سوق الأسهم وعودة تدفقات المستثمرين الغربيين إلى الأسواق، مما يعزز الطلب على المعدن النفيس.

كما تبقى المؤسسات المالية متفائلة حيال الذهب، حيث تشير شركة «مينشنغ» للأوراق المالية إلى أن التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية، إلى جانب موسم الذروة في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، ستوفر زخماً صعودياً قوياً للذهب والمعادن النفيسة الأخرى. من جانبها، تسلط شركة «أورينت» للأوراق المالية الضوء على ظهور مخاطر السيولة وضعف الدولار الأميركي، إلى جانب تأثير النفوذ السياسي على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، ما يعزز من مكانة الذهب بوصفه ملاذاً آمناً للمستثمرين.

ويؤكد إيان سامسون، مدير المحافظ الاستثمارية في «فيديليتي إنترناشونال»، أن «الذهب يظل خياراً عملياً لتنويع المحافظ الاستثمارية، خصوصاً في ظل فشل السندات في أداء دورها التقليدي في توزيع المخاطر»، ما يعكس القيمة الاستراتيجية للمعدن الأصفر في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.


مقالات ذات صلة

الذهب يتجاوز 4400 دولار للأونصة... والفضة عند مستوى قياسي جديد

الاقتصاد سبائك من الذهب والفضة في مصنع «أوغوسا» بفيينا (رويترز)

الذهب يتجاوز 4400 دولار للأونصة... والفضة عند مستوى قياسي جديد

قفزت أسعار الذهب فوق مستوى 4400 دولار للأونصة، لأول مرة يوم الاثنين، مدعومة بتصاعد التوقعات بمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك ذهبية محفوظة في غرفة الخزائن بمقر دار الذهب «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)

الذهب يتراجع بضغط من «تباطؤ التضخم» الأميركي وقوة الدولار

تراجعت أسعار الذهب خلال تعاملات يوم الجمعة، متأثرة بانخفاض معدل التضخم في الولايات المتحدة بأكثر من المتوقع وارتفاع الدولار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تُعرَض السبائك والعملات الذهبية بمتجر «بيرد وشركاه» في هاتون غاردن (رويترز)

الذهب نحو «الرقم التاريخي».. توقعات ببلوغ الأونصة 5 آلاف دولار في 2026

حقَّق الذهب أكبر قفزة له منذ أزمة النفط عام 1979 خلال عام 2025، حيث تضاعفت الأسعار خلال العامين الماضيين، وهو أداء كان من الممكن أن يُنذر سابقاً بتصحيح كبير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تُعرض حُليّ ذهبية للبيع داخل متجر مجوهرات في سريناغار (رويترز)

الذهب يترقب بيانات التضخم الأميركية بحذر

استقرت أسعار الذهب خلال تعاملات يوم الخميس، مدعومة بإشارات صادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي توحي باستمرار النهج النقدي المتساهل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تُرصّ سبائك الذهب والفضة داخل غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار الذهب «برو أوروم» بمدينة ميونيخ (رويترز)

الفضة تكسر حاجز الـ65 دولاراً لأول مرة والذهب يواصل الصعود

قفزت أسعار الفضة متجاوزة مستوى 65 دولاراً للأونصة، للمرة الأولى على الإطلاق، يوم الأربعاء، في حين ارتفعت أسعار الذهب عقب صدور بيانات أميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كازمير من «المركزي الأوروبي»: البنك مرتاح لتوقعات التضخم في منطقة اليورو

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
TT

كازمير من «المركزي الأوروبي»: البنك مرتاح لتوقعات التضخم في منطقة اليورو

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

أعرب مسؤول السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، بيتر كازيمير، يوم الاثنين، عن ارتياح البنك للتوقعات المتعلقة بالتضخم في منطقة اليورو، لكنه شدد على استعداد البنك للتدخل مجدداً عند الضرورة.

وانضم كازيمير بذلك إلى مجموعة من محافظي البنوك المركزية من مختلف أنحاء منطقة اليورو، التي تضم 20 دولة، في تحذيرهم من المخاطر التي قد تهدد التوقعات المتفائلة التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس، بعد أن أبقى أسعار الفائدة ثابتة للجلسة الرابعة على التوالي، وفق «رويترز».

وقال كازيمير، محافظ البنك المركزي السلوفاكي، في مقال رأي: «من المرجح أن يشهد العام المقبل تحديات جديدة قد تضطر الأسر والشركات، بل سياساتنا النقدية، إلى الاستجابة لها».

وأضاف: «نحن على استعداد كامل للتدخل إذا استدعت التطورات المستقبلية اتخاذ إجراءات إضافية».

وأشار كازيمير إلى أن الأسس الاقتصادية لمنطقة اليورو «تُظهر تصدعات» ينبغي على صانعي السياسات معالجتها عبر إصلاحات هيكلية تهدف إلى دمج أسواق رأس المال الأوروبية وتخفيف العبء البيروقراطي على الشركات.


اليابان تتأهب لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم

رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

اليابان تتأهب لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم

رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

اتخذت اليابان الخطوة الأخيرة للسماح لأكبر محطة طاقة نووية في العالم باستئناف عملياتها من خلال تصويت إقليمي يوم الاثنين، وهي لحظة فارقة في عودة البلاد إلى الطاقة النووية بعد ما يقرب من 15 عاماً من كارثة فوكوشيما. وكانت محطة كاشيوازاكي - كاريوا، الواقعة على بُعد حوالي 220 كيلومتراً (136 ميلاً) شمال غربي طوكيو، من بين 54 مفاعلاً أُغلقت بعد الزلزال والتسونامي اللذين ضربا محطة فوكوشيما دايتشي عام 2011، في أسوأ كارثة نووية عالمياً منذ كارثة تشيرنوبيل. ومنذ ذلك الحين، أعادت اليابان تشغيل 14 مفاعلاً من أصل 33 مفاعلاً لا تزال تعمل، في محاولة منها لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد. وستكون كاشيوازاكي - كاريوا أول محطة تُشغلها شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» (تيبكو)، التي كانت تُشغل محطة فوكوشيما المنكوبة. ويوم الاثنين، منح مجلس محافظة نيغاتا الثقة لحاكم نيغاتا، هيديو هانازومي، الذي أيّد إعادة التشغيل الشهر الماضي، مما سمح فعلياً للمحطة باستئناف عملياتها. وقال هانازومي للصحافيين بعد التصويت: «هذه محطة مهمة، لكنها ليست النهاية. لا نهاية لضمان سلامة سكان نيغاتا».

وبينما صوّت النواب لصالح هانازومي، كشفت جلسة المجلس، وهي الأخيرة لهذا العام، عن انقسامات المجتمع المحلي حول إعادة تشغيل المحطة، على الرغم من فرص العمل الجديدة واحتمالية انخفاض فواتير الكهرباء. قال أحد أعضاء المجلس المعارضين لإعادة التشغيل لزملائه النواب قبيل بدء التصويت: «هذا ليس إلا تسوية سياسية لا تراعي إرادة سكان نيغاتا».

وفي الخارج، وقف نحو 300 متظاهر في البرد رافعين لافتات كُتب عليها «لا للأسلحة النووية»، و«نحن نعارض إعادة تشغيل محطة كاشيوازاكي - كاريوا»، و«ندعم فوكوشيما».

وقال كينيتشيرو إيشياما، وهو متظاهر يبلغ من العمر 77 عاماً من مدينة نيغاتا، لوكالة «رويترز» بعد التصويت: «أنا غاضب من أعماق قلبي. إذا حدث أي مكروه في المحطة، فسوف نكون نحن من يتحمل العواقب».

وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية «إن إتش كيه» أن شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» تدرس إعادة تشغيل أول مفاعل من أصل سبعة مفاعلات في محطة كاشيوازاكي - كاريوا النووية في 20 يناير (كانون الثاني).

وتبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمحطة 8.2 غيغاواط، وهي كافية لتزويد ملايين المنازل بالكهرباء. ومن شأن إعادة التشغيل المرتقبة أن تُدخل وحدة بقدرة 1.36 غيغاواط إلى الخدمة العام المقبل، ووحدة أخرى بالقدرة نفسها في عام 2030 تقريباً.

وقال ماساكاتسو تاكاتا، المتحدث باسم شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» (تيبكو): «نحن ملتزمون التزاماً راسخاً بعدم تكرار مثل هذا الحادث، وضمان عدم تعرض سكان نيغاتا لأي شيء مماثل». وأغلقت أسهم الشركة مرتفعة بنسبة 2 في المائة في تداولات فترة ما بعد الظهر في طوكيو، متجاوزة بذلك مؤشر «نيكي» الأوسع نطاقاً الذي ارتفع بنسبة 1.8 في المائة.

• قلق من إعادة التشغيل

وتعهدت شركة «تيبكو» في وقت سابق من هذا العام بضخ 100 مليار ين (641 مليون دولار) في المحافظة على مدى السنوات العشر المقبلة، سعياً منها لكسب تأييد سكان نيغاتا، لكنّ استطلاعاً للرأي نشرته المحافظة في أكتوبر (تشرين الأول) أظهر أن 60 في المائة من السكان لا يعتقدون أن شروط إعادة التشغيل قد استُوفيت.

وأعرب ما يقرب من 70 في المائة عن قلقهم بشأن تشغيل شركة «تيبكو» للمحطة. واستقرت أياكو أوغا، البالغة من العمر 52 عاماً، في نيغاتا بعد فرارها من المنطقة المحيطة بمحطة فوكوشيما عام 2011 مع 160 ألف نازح آخرين. وكان منزلها القديم يقع داخل منطقة الحظر الإشعاعي التي يبلغ نصف قطرها 20 كيلومتراً. وانضمت المزارعة والناشطة المناهضة للطاقة النووية إلى احتجاجات نيغاتا. وقالت أوغا: «نعرف من كثب خطر وقوع حادث نووي، ولا يمكننا تجاهله»، مضيفةً أنها لا تزال تعاني من أعراض تشبه اضطراب ما بعد الصدمة جراء ما حدث في فوكوشيما. وحتى حاكم نيغاتا، هانازومي، يأمل أن تتمكن اليابان في نهاية المطاف من تقليل اعتمادها على الطاقة النووية. وقال الشهر الماضي: «أريد أن أرى عصراً لا نضطر فيه إلى الاعتماد على مصادر طاقة تُسبب القلق».

• تعزيز أمن الطاقة

وعُد تصويت يوم الاثنين بمثابة العقبة الأخيرة قبل أن تُعيد شركة «تيبكو» تشغيل المفاعل الأول، الذي قد يُسهم وحده في زيادة إمدادات الكهرباء لمنطقة طوكيو بنسبة 2 في المائة، وفقاً لتقديرات وزارة التجارة اليابانية.

وقد أيدت رئيسة الوزراء، ساناي تاكايتشي، التي تولت منصبها قبل شهرين، إعادة تشغيل المفاعلات النووية لتعزيز أمن الطاقة ومواجهة تكلفة الوقود الأحفوري المستورد، الذي يُشكل ما بين 60 و70 في المائة من إنتاج الكهرباء في اليابان. وأنفقت اليابان 10.7 تريليون ين (68 مليار دولار) العام الماضي على استيراد الغاز الطبيعي المسال والفحم، أي ما يعادل عُشر إجمالي تكاليف استيرادها. ورغم انخفاض عدد سكانها، تتوقع اليابان ارتفاع الطلب على الطاقة خلال العقد المقبل نتيجةً لازدهار مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة. ولتلبية هذه الاحتياجات، والوفاء بالتزاماتها في خفض الانبعاثات الكربونية، حددت اليابان هدفاً يتمثل في مضاعفة حصة الطاقة المتجددة. ويهدف مشروع الطاقة النووية إلى رفع نسبة الطاقة النووية في مزيج الطاقة الكهربائية إلى 20 في المائة بحلول عام 2040.

وقال جوشوا نغو، نائب رئيس قسم آسيا والمحيط الهادئ في شركة «وود ماكنزي» الاستشارية، إن قبول الجمهور إعادة تشغيل محطة كاشيوازاكي - كاريوا سيمثل «محطةً حاسمةً» نحو تحقيق هذه الأهداف.

وفي يوليو (تموز)، أعلنت شركة «كانساي» للطاقة الكهربائية، أكبر مشغل للطاقة النووية في اليابان، أنها ستبدأ بإجراء مسوحات لمفاعل في غرب اليابان، وهو أول وحدة جديدة منذ كارثة فوكوشيما.


الين الياباني يترنّح قرب أدنى مستوياته رغم تحذيرات التدخل

رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
TT

الين الياباني يترنّح قرب أدنى مستوياته رغم تحذيرات التدخل

رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)

دخل الين الياباني أسبوعاً جديداً وهو يراوح قرب مستويات تاريخية متدنية مقابل العملات الرئيسية، في مشهد يعكس فجوة متوسعة بين تحذيرات الحكومة من «تحركات مفرطة» في سوق الصرف، ونبرة حذِرة لا تزال تطبع تَواصل «بنك اليابان» بعد رفعه الفائدة الأسبوع الماضي. ورغم تلميحات رسمية متكررة بإمكانية التدخل، فإن المتعاملين واصلوا الرهان على ضعف العملة، مدفوعين بغياب إشارات تَشدد واضحة من «البنك المركزي»، واتساع فروق العائد مع الخارج.

وقال كبير مسؤولي العملة في اليابان، أتسوشي ميمورا، إن التحركات الأخيرة في سوق الصرف «أحادية وحادة»، مؤكداً استعداد السلطات لاتخاذ «إجراءات مناسبة» ضد التقلبات المفرطة. وذهب كبير أمناء مجلس الوزراء، مينورو كيهارا، في الاتجاه نفسه، محذّراً من استمرار ضعف الين، ومشدداً على أهمية تحرك العملات «بشكل مستقر يعكس الأساسيات»، مع التلويح بإجراءات تشمل التحركات المضاربية.

هذه الرسائل أعادت إلى الأذهان سيناريوهات تدخّل سابقة، لكنها لم تُفلح حتى الآن في تغيير سلوك السوق. فالمتعاملون يرون أن التحذيرات، على أهميتها، تفتقر عنصر المفاجأة ما لم تُترجم إلى فعل مباشر، خصوصاً في ظل تجربة الأشهر الماضية التي أظهرت أن الين يحتاج مزيجاً من تشدد نقدي أوضح، وتدخل فعلي كي يستعيد زخمه.

قرار الفائدة وتأثير معاكس

وكان من المفترض أن يمنح رفع «بنك اليابان» سعر الفائدة إلى 0.75 في المائة - وهو أعلى مستوى في 3 عقود - دعماً للعملة عبر تضييق الفارق مع الولايات المتحدة. لكن ما حدث كان العكس؛ إذ ركّزت الأسواق على المؤتمر الصحافي لمحافظ «البنك»، كازو أويدا، الذي تمسّك بنبرة حذرة ولم يقدّم جدولاً زمنياً أو وتيرة واضحة لمزيد من الرفع. والنتيجة كانت موجة بيع للين بعد القرار، مع قفزات حادة في عوائد السندات الحكومية اليابانية.

هذا التناقض، بين تشديد مُعلن ونبرة متحفظة، غذّى قناعة المستثمرين بأن مسار الرفع سيكون بطيئاً ومشروطاً بالبيانات؛ مما يُبقي العوائد الحقيقية منخفضة ويحدّ من جاذبية الين في استراتيجيات العائد المرتفع.

لماذا لم تنجح التحذيرات؟

وفق المراقبين، فإن هناك 3 عوامل رئيسية تفسّر محدودية أثر التحذيرات حتى الآن، أولها غياب الإشارة الزمنية، حيث إن السوق تريد معرفة «متى» و«كيف» سيواصل «البنك» التشديد. والعامل الثاني هو فروق العائد العالمية، فحتى بعد الرفع، تبقى الفجوة مع الدولار واسعة؛ مما يدعم صفقات التمويل بالين. وإلى جانب ذلك، يوجد العامل الثالث وهو توقعات التدخل، فالمتعاملون يميلون لاختبار عزيمة السلطات، معتقدين أن التدخل - إن حدث - قد يكون دفاعياً ومحدود الأثر ما لم يُدعَم بتشديد نقدي أسرع.

وتاريخياً، تميل طوكيو إلى التدخل عندما ترى تحركات «مفرطة» وسريعة تُهدد الاستقرار أو تُفاقم تكلفة المعيشة عبر الواردات. ومع ارتفاع أسعار الاستيراد وتأثير ضعف الين على الأسر، تزداد الضغوط السياسية. غير أن التدخل المنفرد غالباً ما يكون قصير الأجل إذا لم يترافق مع رسالة نقدية أقوى؛ مما يجعل الأسواق حذرة من المبالغة في تسعير أثره. وحالياً، ربما تركز الأسواق على مراقبة خطابات تالية لأويدا، تحمل أي تلميح إلى تسريع الوتيرة؛ مما قد يغيّر المعادلة سريعاً. وكذلك بيانات الأجور والتضخم لتأكيد «الدورة الحميدة» بين الأجور والأسعار التي يعوّل عليها «البنك».

ولحين ورود إشارات أقوى، أو اتخاذ الحكومة ردود فعل أشد، فإن الين سيظل عالقاً بين تشديد نقدي محسوب وتحذيرات رسمية لم تُترجم بعد إلى فعل حاسم. ومع أن رفع الفائدة خطوة تاريخية، فإن لغة التواصل لا تزال العامل الحاسم في تسعير العملة. وإلى أن تتضح وتيرة الرفع أو يحدث تدخل فعلي، فسيبقى الين عرضة للاختبار قرب قيعانه، فيما تواصل الأسواق لعب دور الحكم بين النيات والتطبيق.