دعا ناشرون بريطانيون «هيئة المنافسة والأسواق (CMA)» إلى توسيع نطاق التحقيق في هيمنة شركة «غوغل» على السوق الرقمية، بحيث يشمل أداة الذكاء الاصطناعي «جيميني»، وكذلك ضم خدمات ملخّص الأخبار المعزّز بالذكاء الاصطناعي، الذي تسبَّب في عزوف المُستخدمين عن النقر المباشر على مواقع الأخبار. في الوقت عينه، وجّهت هيئات تمثل الناشرين في أوروبا وكندا تحذيراً مشتركاً ممّا أسمته «النهب الرقمي»؛ بسبب استغلال شركات التكنولوجيا الكبرى المحتوى الإخباري عبر أدوات الذكاء الاصطناعي.
وخلال لقاءات أجرتها «الشرق الأوسط»، عدّ باحثون هذا التحرك ضغطاً مكثفاً على عملاق التكنولوجيا، ربما يؤتي ثماره في الحدِّ من هيمنة الذكاء الاصطناعي وتقليص مخاطره على مؤسسات الأخبار.
«غوغل» كانت قد ذكرت خلال سبتمبر (أيلول) الحالي أن «جيميني» مجرد أداة لتوليد المحتوى، وأنها تختلف في استخدامها وعلامتها التجارية وأساليب تحقيق الدخل الخاصة بها عن محرّك البحث، الذي يعدُّ ركيزة السجال القانوني الدائر حول احتكار الشركة لسوق البحث.
ويأتي هذا التطور في إطار دخول قانون الأسواق الرقمية والمنافسة والمستهلكين حيّز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي. وهو بدوره يمنح «هيئة المنافسة والأسواق» صلاحيات واسعة لفرض التزامات على الشركات المهيمنة، مثل إلزامها بدفع مقابل لاستخدام المحتوى الإخباري أو توفير قدر أكبر من الشفافية بشأن التغييرات في خدماتها.
محمد عبد الوهاب السويعي، المختص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني، والباحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي، عدَّ هذه التحرّكات تحدّياً حقيقياً لشركات الذكاء الاصطناعي، ورأى أن «هذه الضغوط تضع استراتيجيات شركات الذكاء الاصطناعي في السوق تحت رقابة مشددة».
وفيما يخص «غوغل» تحديداً، قال «صحيح أن الشركة تمتلك قاعدة مستخدمين ضخمة، وبنية تحتية تقنية من الصعب منافستها، لكن هذه التحقيقات قد تؤدي إلى فرض قيود أو غرامات تحدّ من قدرتها على توسيع نفوذها، لا سيما في سوق البحث والذكاء الاصطناعي». وأضاف السويعي أن «التأثير الأكبر قد يكون على صورتها العامة وعلاقاتها مع الشركاء الاستراتيجيين والمشرِّعين، وهو ما قد يفتح المجال أمام منافسين أصغر للاستفادة من مناخ أكثر عدالة».
ومن ثم، قال السويعي: «لن يحقق تحالف الناشرين هدفه من دون التكلّم بصوت جماعي، إضافة إلى الدعمَين السياسي والتشريعي في هذه الدول... وتجربة الاتحاد الأوروبي مع قانون حقوق النشر الرقمي، أظهرت أن الضغط الجماعي قادر على انتزاع تنازلات من الشركات الكبرى».
من جهته، أوضح الدكتور فادي عمروش، الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، أن الضغوط باتت أكثر جدوى، لكنها تختلف باختلاف الإقليم وأداة الضغط. وتابع: «يعتمد الأمر على وجود القوانين التي تدعم ذلك في الدول المقابلة، ففي تلك الأماكن التي وُضعت فيها أسس قانونية أو تنظيمية، رأينا تعاقدات ترخيص واسعة».
وأضاف عمروش أنه «بينما تعقد بعض الشركات الكبرى في الذكاء الاصطناعي اتفاقات ترخيص مباشر مع ناشرين كبار، كما فعلت شركة (أوبن إيه آي) مع ناشرين مثل (فاينانشال تايمز) و(فوكس) و(أسوشييتد برس) وغيرها... فإنه يجب على المنظمات الدولية لعب دور محوري ومتنامٍ في رسم معالم الإطار العالمي الذي يُمكن أن يضمن حماية الصحافة في ظل التطورات السريعة لتقنيات الذكاء الاصطناعي». ثم أوضح أن «الاتحاد الأوروبي يقود الجهود عبر منظومة قانونية ملزمة، أبرزها قانون الذكاء الاصطناعي، الذي يفرض متطلبات صارمة تتعلق بنشر ملخصات بيانات التدريب، ويُلزم بمراعاة حقوق النشر ضمن عملية تطوير النماذج الذكية، فضلاً عن تحركات قادها مجلس أوروبا، وكذلك اليونيسكو من شأنها تحقيق مزيد من العدالة».


