هل يتحول نزوح العائلات البدوية من السويداء إلى تغيير ديموغرافي دائم جنوب سوريا؟

خلاف الحكومة السورية والسلطات المحلية الدرزية مستمر... ولا حوار سياسياً بين الطرفين

نازحون من بدو السويداء أمام مدخل فندق جرى تحويله إلى مركز إيواء في بلدة السيدة زينب قرب دمشق (أ.ب)
نازحون من بدو السويداء أمام مدخل فندق جرى تحويله إلى مركز إيواء في بلدة السيدة زينب قرب دمشق (أ.ب)
TT

هل يتحول نزوح العائلات البدوية من السويداء إلى تغيير ديموغرافي دائم جنوب سوريا؟

نازحون من بدو السويداء أمام مدخل فندق جرى تحويله إلى مركز إيواء في بلدة السيدة زينب قرب دمشق (أ.ب)
نازحون من بدو السويداء أمام مدخل فندق جرى تحويله إلى مركز إيواء في بلدة السيدة زينب قرب دمشق (أ.ب)

تحوّلت قاعات الدراسة في مدرسة ببلدة أبطع بمحافظة درعا جنوب سوريا، إلى مساكن مؤقتة لأسر تتراوح أعدادها بين 3 و4 أسر في كل غرفة. وبسبب الازدحام وقلة الخصوصية؛ ينام النساء والأطفال داخل المدرسة، بينما ينام الرجال في الفناء الخارجي. ونزحت هذه الأسر البدوية من قراها خلال الاشتباكات الطائفية بمحافظة السويداء المجاورة قبل أكثر من شهر. ومنذ ذلك الحين، دخلت الحكومة السورية في حالة توتر مع السلطات المحلية من الطائفة الدرزية في السويداء، بينما ظل النازحون في مأزق التشرد.

تسكن منيرة الحمد، البالغة من العمر 56 عاماً، وهي من قرية الكفر بريف السويداء، مع عائلتها في المدرسة، التي من المقرر إعادة فتحها هذا الشهر للتلاميذ. وإذا ما حدث ذلك، فلا تعرف أين ستسكن عائلتها، وتقول لوكالة «أسوشييتد برس»: «لا نريد العيش في الخيام. نريد من الحكومة توفير منازل أو مكان مناسب للعيش». وأضافت: «من المستحيل على أي شخص العودة إلى منزله، فلمجرد أنك مسلم فإنهم يعدّونك عدواً في السويداء».

نازحات من عشائر بدو السويداء داخل أحد مراكز الإيواء بمدرسة في قرية السهوة بمحافظة درعا (رويترز)

بدأ الصراع في يوليو (تموز) الماضي باشتباكات محدودة بين قبائل بدوية سنية محلية وأفراد من الطائفة الدرزية - وهي أقلية في سوريا ولكنها الغالبية في السويداء - ثم تطورت إلى معارك عنيفة بين البدو وقوات النظام من جهة، والمجموعات المسلحة من الدروز من جهة أخرى،

وتدخلت إسرائيل إلى صف الدروز، وقصفت مواقع في المنطقة. وقتل مئات المدنيين، معظمهم من الدروز، وبقيت السويداء محاصرة، مع وصول مساعدات محدودة، وفق وصف السكان. وأفادت منظمة العفو الدولية هذا الأسبوع بأنها وثقت 46 حالة «قتل متعمد وغير قانوني» لرجال ونساء من الطائفة الدرزية، وفي بعض الحالات من قبل «قوات النظام والقوات المرتبطة بها». ورغم تراجع حدة القتال، فإن أكثر من 164 ألف شخص لا يزالون نازحين، وفق الأمم المتحدة، يشمل ذلك الطائفة الدرزية داخل السويداء، وعائلات بدوية فرت أو نُقلت من المحافظة ولا ترى أي أمل في العودة؛ مما قد يؤدي إلى تغيير ديموغرافي دائم.

مقتنيات عائلات بدوية طردت من السويداء (سانا)

تقول الحمد إن عائلتها «بقيت محاصرة 15 يوماً دون طعام أو أي إمدادات»، قبل أن يُنقذهم الهلال الأحمر السوري. وأضافت أن ابن عمها وجارها تعرضا لهجوم من مسلحين خلال فرارهما وسرقت سيارتهما مع أغراضهما.

من جهته، يقول جراح محمد (24 عاماً) إن العشرات من سكان «سهوة بلاطة»، وهي قرية صغيرة في محافظة السويداء، فروا، وهو معهم وعائلته، سيراً على الأقدام خلال الليل عندما اشتعلت المعارك في قريتهم. وأضاف أن 9 من سكان المنطقة قتلوا برصاص مسلحي الطائفة الدرزية، بينهم 3 أطفال دون 15 عاماً، ولم يكن مع جميعهم أي سلاح... «لم يعد أحد إلى منزله. لقد حرقوا المنازل ونهبوا محتوياتها»، قال جراح... «لا يمكننا العودة إلى السويداء، فليس هناك أمان بيننا وبين الدروز... ونحن أقلية في السويداء».

تشير منيرة الصياد بهاتفها الجوال وعليه صورة أحد جثمانَي ولديها اللذين قُتلا على يد مسلحين دروز... خلال جلوسها داخل غرفة بفندق مُخصص لإيواء النازحين من البدو في السيدة زينب بريف دمشق يوم 23 أغسطس 2025 (أ.ب)

في فندق بضاحية السيدة زينب بريف دمشق تحول إلى مركز إيواء، يُعاني حمود المخماس وزوجته منيرة الصياد من فقدان ابنيهما البالغَين من العمر 21 و23 عاماً برصاص المسلحين، بالإضافة إلى ابنة أخ حمود وابن عمه، عندما كانوا يحاولون الفرار من منازلهم ببلدة شهبا. تشعر الزوجة بالضيق في غرفة الفندق، حيث لا مطبخ لتجهيز الطعام لأطفالها الصغار. وتقول العائلة إن المساعدات الغذائية غير منتظمة، ويقول المخماس: «أحتاج إلى مساعدة مالية، فنحن دون منازل. لا أعتقد أننا سنعود؛ الدروز يسكنون منازلنا».

منيرة الصياد وزوجها حمود المخماس يتحدثان إلى وكالة «أسوشييتد برس» داخل غرفة بفندق مُخصص لإيواء النازحين بضاحية السيدة زينب في ريف دمشق يوم 23 أغسطس 2025 (أ.ب)

«لم تقدم الحكومة أي إجابات واضحة. أكد المسؤولون أن النزوح مؤقت، لكنهم لم يشرحوا مدة النزوح أو الخطط أو الاستراتيجيات التي لديهم لإعادة النازحين»؛ قال حايد حايد، الباحث في «مبادرة الإصلاح العربي» ومركز لـ«تشاتام هاوس» بلندن. وعدّ أن «إعادة النازحين إلى ديارهم تتطلب حلاً سياسياً، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، نظراً إلى عدم وجود اتصالات مباشرة بين الحكومة في دمشق والسلطات الفعلية في محافظة السويداء».

يذكر أن الشيخ حكمت الحجري، أحد أبرز قادة الطائفة الدرزية في السويداء، يدعو إلى استقلال جنوب سوريا، وهو مطلب رفضته دمشق، وقد أعلن مؤخراً عن تشكيل «حرس وطني» يضم فصائل عدة مسلحة من أبناء الطائفة الدرزية.

بالنسبة إلى بعض السكان، تثير هذه الأحداث ذكريات مؤلمة من الحرب الأهلية السورية التي استمرت نحو 14 عاماً، عندما جرى إجلاء المقاتلين والمعارضين للرئيس السابق بشار الأسد من المناطق التي استعادتها القوات الحكومية من المعارضة. وأصبحت الحافلات الخضراء التي نقلتهم رمزاً للتهجير والهزيمة في نظر كثيرين. وتزداد حدة التوترات بين الجماعات الآن. ويعدّ البدو في السويداء، الذين يشتغلون تاريخياً بتربية المواشي، أنفسهم من السكان الأصليين للمنطقة قبل وصول الدروز في القرن الثامن عشر، هرباً من العنف في ما يُعرف اليوم بلبنان.

وقد عاشت الجماعتان في سلام إلى حد كبير، لكن توترات عنف متفرقة كانت تحدث بين الحين والآخر. في عام 2000، قتل بدوي درزياً في نزاع على أرض، وتدخلت القوات الحكومية وأطلقت النار على المتظاهرين الدروز. وبعد هجوم تنظيم «داعش» على الدروز في السويداء عام 2018، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، اتُّهم البدو بالتعاون مع التنظيم.

جدار منزل عائلة سرّايَ بمدينة السويداء مليء بثقوب الرصاص بعد أحداث العنف الطائفي التي شهدتها المدينة في يوليو 2025 (أرشيفية - رويترز)

تصاعدت التوترات مؤخراً عندما أنشأت إحدى العشائر في السويداء نقطة تفتيش، وهاجمت رجلاً درزياً وسلبت ممتلكاته؛ مما أدى إلى تبادل الهجمات وعمليات الخطف. لكن التوترات كانت تتصاعد قبل ذلك، وقال بدوي نزح من بلدة الكفر، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه خوفاً على سلامته، إن شقيقه اختُطف عام 2018 من قبل مجموعة مسلحة تابعة لحركة إسلامية طلبت منه فدية. وفي 12 يوليو الماضي، قبل يوم من اندلاع الاشتباكات، قال إن مجموعة من المسلحين التابعين للشيخ الهجري زارت منزل عائلته وهددت والده وأجبرته على التوقيع على ورقة تنازَل بموجبها عن ملكية المنزل.

واستدرك: «ليس جميع الدروز سيئين. بعضهم ساعدونا، لكن هناك أيضاً مسلحون أشرار». وأضاف: «إذا لم تجد الدولة حلاً بعد احتلال منازلنا، فسنحمي حقوقنا بأنفسنا».

وأبدت السيدة الصياد، والدة الشقيقين القتيلين، رغبة في الانتقام. وقالت: «أريد من الحكومة أن تفعل مع هؤلاء ما فعلوه بابني». وقال حايد إن «التوترات بين الجماعات يمكن حلها مع مرور الوقت، لكنها أصبحت الآن في المرتبة الثانية بعد القضايا السياسية الأكبر منها بين دمشق وبلدة السويداء». وأضاف: «دون وجود حوار حقيقي للتغلب على هذه الاختلافات، فإنه يصعب تخيّل كيف يمكن حل النزاعات المحلية».


مقالات ذات صلة

كيف تستخدم إسرائيل دروز سوريا لإرباك حكم أحمد الشرع؟

المشرق العربي استعراض عسكري مؤخراً في شوارع محافظة السويداء رُفع خلاله العلم الإسرائيلي وصورة نتنياهو (مواقع)

كيف تستخدم إسرائيل دروز سوريا لإرباك حكم أحمد الشرع؟

حوّلت إسرائيل مبلغ 24 ألف دولار إلى طارق الشوفي، عبر قنوات مرتبطة (قسد) ويشير هذا التمويل المبكر، إلى أن تل أبيب كانت تستعد منذ وقت طويل لسيناريو ما بعد الأسد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي سكان بعض أحياء مدينة حلب يتفقدون سيارات متضررة الثلاثاء عقب موجة هجمات في اليوم السابق (رويترز)

حلب: اجتماع عسكري موسع لقيادة الشمال لبحث الأوضاع والجاهزية

قالت وسائل إعلام سورية رسمية إن المناطق المجاورة لحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، تشهد حالات نزوح رغم اتفاق وقف تبادل النيران.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
أوروبا وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت (د.ب.أ)

ألمانيا تعلن ترحيل سوري إلى بلاده للمرة الأولى منذ عام 2011

أعلنت وزارة الداخلية الألمانية، اليوم الثلاثاء، ترحيل سوري من ألمانيا، لأول مرة منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.

«الشرق الأوسط» (برلين)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)

«الخارجية» الروسية: لافروف يستقبل نظيره السوري

وصل وفد سوري، بقيادة وزيري الخارجية والدفاع، إلى العاصمة الروسية موسكو، وفق ما أعلنت إدارة الإعلام بوزارة الخارجية والمغتربين السورية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي إنزال الأمن السوري حمولة صواريخ «غراد» بمحافظة حمص في سيارة معدة للتهريب باتجاه الحدود اللبنانية (أرشيفية - الداخلية السورية)

واشنطن تتدخل لتهدئة الاشتباكات بين «قسد» والأمن السوري

تقارير: إيران ليس لديها أي تردد في إبرام ترتيبات تكتيكية مع الجماعات المتطرفة مثلما حدث مع تنظيم «القاعدة» و«طالبان»، وقد تتبنى هذا التكتيك في سوريا مع «داعش».

هبة القدسي (واشنطن)

نفي لبناني «قاطع» لأي صلة بين جنود الجيش و«حزب الله»

عناصر من الجيش اللبناني يعاينون السيارة التي تم استهدافها في بلدة عتقنيت (قضاء صيدا) وأدت إلى مقتل 3 أشخاص بينهم عنصر بالجيش اللبناني (إ.ب.أ)
عناصر من الجيش اللبناني يعاينون السيارة التي تم استهدافها في بلدة عتقنيت (قضاء صيدا) وأدت إلى مقتل 3 أشخاص بينهم عنصر بالجيش اللبناني (إ.ب.أ)
TT

نفي لبناني «قاطع» لأي صلة بين جنود الجيش و«حزب الله»

عناصر من الجيش اللبناني يعاينون السيارة التي تم استهدافها في بلدة عتقنيت (قضاء صيدا) وأدت إلى مقتل 3 أشخاص بينهم عنصر بالجيش اللبناني (إ.ب.أ)
عناصر من الجيش اللبناني يعاينون السيارة التي تم استهدافها في بلدة عتقنيت (قضاء صيدا) وأدت إلى مقتل 3 أشخاص بينهم عنصر بالجيش اللبناني (إ.ب.أ)

نفت قيادة الجيش اللبناني ووزارة الدفاع نفياً قاطعاً للاتهامات الإسرائيلية عن صلة بين جنود و«حزب الله».

فالغارة الإسرائيلية التي استهدفت، مساء الاثنين، سيارة قرب مدينة صيدا، عاصمة جنوب لبنان، لم تكن مجرّد حادث أمني موضعي، بل حملت أبعاداً سياسية وأمنية تتجاوز مكانها وتوقيتها، لتلامس مباشرة موقع الجيش اللبناني ودوره في المرحلة الراهنة، في ظلّ تكثيف الضغوط الدولية المرتبطة بملف الجنوب وتطبيق التفاهمات الأمنية.

إذ وبعد إقرار الجيش الإسرائيلي بمسؤوليته عن الغارة التي أدّت إلى مقتل ثلاثة أشخاص، سارع إلى طرح سردية تصعيدية قال فيها إنّ المستهدفين ينتمون إلى «حزب الله»، وزعم أنّ أحدهم «عنصر يخدم بالتوازي في الجيش اللبناني»، في محاولة لربط المؤسسة العسكرية اللبنانية مباشرة بالبنية التنظيمية للحزب، وإعادة إحياء خطاب اتهامي لطالما شكّل ركناً ثابتاً في الرواية الإسرائيلية تجاه لبنان، وهذا ما نفاه نفياً قاطعاً كل من قيادة الجيش ووزارة الدفاع اللبنانية.

رواية هجومية ووقائع ميدانية

وجاء في بيان الجيش الإسرائيلي، إنّ الغارة «قضت على ثلاثة عناصر، أحدهم كان يخدم في وحدة الاستخبارات في الجيش اللبناني، وآخر عمل في وحدة الدفاع الجوي لـ(حزب الله) في منطقة صيدا»، مضيفاً أنّ إسرائيل «تنظر ببالغ الخطورة إلى علاقات التعاون بين الجيش اللبناني والحزب». غير أنّ هذه الخلاصات قُدّمت من دون إرفاقها بأي مسار قضائي أو تحقيق مستقل، وبقيت في إطار الاتهام الصادر عن الجهة المنفّذة نفسها.

وزارة الدفاع والجيش يؤكدان: ولاء المؤسسة للوطن

وأعلن الجيش اللبناني في بيان رسمي «استشهاد الرقيب الأول علي عبد الله من لواء الدعم – الفوج المضاد للدروع، جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة كان بداخلها على طريق القنيطرة – المعمرية – صيدا»، محدِّداً مكان الاستهداف وزمانه، ومنظِّماً مراسم التشييع والتعازي.

وفي وقت لاحق صدر بيانان منفصلان، الأول عن مكتب وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسّى، والآخر عن قيادة الجيش يؤكدان عدم علاقة عناصر الجيش بأي أحزاب وتنظيمات.

وقال بيان وزارة الدفاع: «تتناول وسائل إعلامية ومواقع إخبارية محلية وخارجية في الفترة الأخيرة ما تسميه علاقة أفراد المؤسسة العسكرية بأحزاب وجهات وتنظيمات، وهذا كلام مغلوط واستهداف خبيث يطول الجيش ودوره وتضحياته ومهامه الحالية والمستقبلية. إنّ لجنود الجيش اللبناني ورتبائه وضباطه ولاءً واحداً وحيداً هو للوطن والشرعية والعلم اللبناني. إنّ الإمعان في تعميم هذا الافتراء والطعن بولاء أفراد المؤسسة هو خدمة لأعداء لبنان وطعنة في ظهر أبطال الجيش...».

وفي بيان لها نفت قيادة الجيش «هذه المعلومات نفياً قاطعاً»، مؤكدة «أن هذه الأخبار هدفها التشكيك بعقيدة الجيش وأداء عناصره، في حين أن انتماءهم ثابت وراسخ للمؤسسة والوطن».

من جهتها، كتبت قوات«يونيفيل» على منصة «إكس»: «تجمع شراكة قوية بين (يونيفيل) والجيش اللبناني لدعم القرارين 1701 (2006) و2790 (2025). وتتركّز جهودنا المشتركة على استعادة الهدوء على طول الخط الأزرق، وتعزيز السيادة وبسط سلطة الدولة في الجنوب، وتهيئة الظروف لتحقيق استقرار مستدام».

أسماء الضحايا وتوظيف الحدث

وأدّت الغارة إلى مقتل حسن عيسى من حومين التحتا، والرقيب الأول علي عبد الله من مليخ مقيم في حومين، ومصطفى بلوط من حومين التحتا. غير أنّ التركيز الإسرائيلي لم ينصبّ على الحدث بحدّ ذاته، بل على توظيفه في إطار اتهامي أوسع، يوحي بوجود تداخل بين الجيش اللبناني و«حزب الله»، وهو توصيف لا يستند إلى معطيات تحقيقية بقدر ما يعكس استنتاجات أحادية الجانب.

عناصر في الجيش اللبناني يعاينون السيارة التي تم استهدافها في بلدة عتقنيت ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص بينهم عسكري (إ.ب.أ)

وتكشف القراءة المتأنية للبيان الإسرائيلي عن محاولة لإعادة تعويم خطاب سبق أن اصطدم خلال الأشهر الماضية بتحوّلات ملموسة في الموقف الدولي، ولا سيّما الأميركي، الذي بات أكثر تفهّماً لتعقيدات الواقع اللبناني وداعماً للجيش اللبناني. وفي هذا السياق، تبرز الغارة بوصفها جزءاً من حملة ضغط عسكرية بالنار، وإعلامية بالاتهام، هدفها إحراج المؤسسة العسكرية اللبنانية أمام شركائها الدوليين والتشكيك بصدقيتها في لحظة سياسية حسّاسة.

إشارات دعم أميركي

بموازاة ذلك، رأى نائب رئيس الحكومة طارق متري، أننا «دخلنا مرحلة جديدة في التعامل الدولي مع لبنان، لا سيما على صعيد الجيش»، كاشفاً عن «التحضير لزيارة قريبة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى واشنطن، ناهيك عن أن موافقة الولايات المتحدة الأميركية على إقامة مؤتمر خاص لدعم الجيش هو دليل أولي على الأقل أن موقف الجيش لم يعد كما كان». وعدّ أنّ «الولايات المتحدة الأميركية لم تعد تتبنى الاتهامات الإسرائيلية والأحاديث التي راجت عن أن الجيش اللبناني متواطئ وعاجز ومقصر، بل على العكس أدركت أنه على رغم الإمكانات المحدودة يقوم بعمله».

دعم دولي

ويشكّل هذا المناخ الدولي أحد مفاتيح فهم التصعيد الأخير. فمع تزايد الاعتراف بدور الجيش اللبناني شريكاً في الاستقرار، تبدو تل أبيب كأنها تحاول استباق أي تثبيت سياسي أو مالي لدعم المؤسسة العسكرية عبر إعادة ربطها بمحور الاتهام. ومن هنا، لا يمكن فصل الغارة عن المساعي الجارية لعقد مؤتمر دعم الجيش ولا عن زيارة قائد الجيش المرتقبة إلى واشنطن، بما تحمله من دلالات تتجاوز البروتوكول.

تقاطع اتهامي

وفي قراءة أوسع، قال العميد المتقاعد خالد حمادة لـ«الشرق الأوسط» إنّ «الاعتداء الإسرائيلي يندرج في سياق الاعتداءات المتواصلة على مناطق لبنانية عدة، إلا أنّ خطورة هذه الحادثة لا تكمن في بعدها الميداني فحسب، بل في توقيتها السياسي، وفي محاولة إسرائيل توظيفها إلى ما بعد الحدث العسكري نفسه».

وأضاف أنّ «الادعاء الذي أعلنه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي حول وجود عنصر من الجيش اللبناني بين المستهدفين يعيد إحياء السردية الإسرائيلية التي تتهم الجيش بالتعاون مع (حزب الله)، وتسعى من خلالها إلى نزع الثقة بالمؤسسة العسكرية وعدّها غير مؤهلة للقيام بمهمة نزع سلاح الحزب».

وأوضح أنّ «المعطيات حول هوية الأشخاص الثلاثة تُظهر أنهم ينتمون إلى قرية واحدة أو يقيمون فيها؛ ما يجعل وجودهم في سيارة واحدة أمراً طبيعياً، ولا يشكّل قرينة كافية لإدانة الجيش أو اتهامه بالتنسيق مع الحزب».

ورأى أنّ «الأشخاص الثلاثة الذين قضوا في الغارة ينتمون إلى بيئة اجتماعية واحدة، حيث إن اثنين منهم من بلدة حومين التحتا بينما الثالث يقيم فيها؛ وهو ما يجعل وجودهم في سيارة واحدة أمراً طبيعياً ومألوفاً في العادات الاجتماعية السائدة في قرى الجنوب، حيث تشكّل علاقات الجيرة والقرابة والتنقّل المشترك جزءاً من الحياة اليومية». ولفت إلى أنّ «هذا النمط من التنقّل لا يحمل بحدّ ذاته أي دلالة أمنية أو عسكرية، ولا يمكن عدّه قرينة على وجود مهمة منظّمة أو تنسيق عملاني، كما تحاول الرواية الإسرائيلية الإيحاء».

سيارة الإسعاف على مقربة من السيارة التي تم استهدافها على طريق مزرعة القنيطرة في بلدة عتقنيت مساء الاثنين وأدت إلى مقتل 3 أشخاص بينهم عنصر بالجيش اللبناني (أ.ف.ب)

وعدّ حمادة أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو «يحاول الاستثمار السياسي في الحادثة لإعادة تسويق الاتهام بأن الجيش اللبناني غير قادر أو غير راغب في تنفيذ مهمة تجريد (حزب الله) من سلاحه»، مرجّحاً أن «تُوظّف الواقعة ضمن الملفات التي يسعى نتنياهو إلى عرضها في لقاءاته مع الإدارة الأميركية».


فصائل عراقية لا تمانع «التطبيع بشروط» مع واشنطن

مقاتلون يرفعون شعار «الحشد الشعبي» خلال تدريبات عسكرية (أرشيفية-الحشد الشعبي)
مقاتلون يرفعون شعار «الحشد الشعبي» خلال تدريبات عسكرية (أرشيفية-الحشد الشعبي)
TT

فصائل عراقية لا تمانع «التطبيع بشروط» مع واشنطن

مقاتلون يرفعون شعار «الحشد الشعبي» خلال تدريبات عسكرية (أرشيفية-الحشد الشعبي)
مقاتلون يرفعون شعار «الحشد الشعبي» خلال تدريبات عسكرية (أرشيفية-الحشد الشعبي)

أكدت مصادر مطّلعة على كواليس الفصائل العراقية المسلّحة أنها لا تمانع «صيغة مقبولة» لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن بـ«شروط محددة» تكون أساساً لاختبار جدية تلك العلاقات على المديين المتوسط والبعيد.

وتتزامن هذه التأكيدات مع موقفٍ أعلنته أخيراً قوى «الإطار التنسيقي»، وهي المظلة الجامعة لمعظم القوى الشيعية الحاكمة، وضِمنها «الفصائل»، بشأن دعم قرار حصر الأسلحة بيد الدولة. وكذلك مع الضغوط الأميركية المتعلقة بتجريد الفصائل من أسلحتها.

وقالت المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «معظم قادة الفصائل لا تمانع تطبيع العلاقات مع واشنطن وتجاوز حالة العداء القائمة بين الطرفين منذ سنوات، لكنها ترغب بأن تستند هذه العملية إلى مبادئ واضحة».

وأضافت أن «كثيراً من قادة هذه الفصائل يخشون من أن حالة العداء مع واشنطن قد تؤدي، في النهاية، إلى قلب معادلة السلطة في غير صالحهم، وبالتالي لا يريدون المجازفة بكل ما حققوه، خلال السنوات الماضية، من نفوذ وسلطة في معظم مفاصل الدولة».

براغماتية الفصائل

وتتحدث المصادر أن «بعض قادة الفصائل يميل إلى ممارسة نوع من البراغماتية السياسية، ويسعى لتجاوز العداء مع واشنطن، ويعتقدون أنهم قادرون على ذلك وأن واشنطن، في المقابل، قادرة على رفعهم من لائحة العقوبات والإرهاب».

وعن طبيعة الشروط التي تضعها جماعات الفصائل للتطبيع مع واشنطن، تقول المصادر إنها «تضع رفعها من لوائح الإرهاب في مقدمة الشروط؛ لأنها أضرّت في كثير من جوانب حياتها الاقتصادية والسياسية، إلى جانب الالتزام بعدم استهدافها وعدم وضع خطوط حمراء على مشاركتها في الحكومة المقبلة، إضافة إلى جدولة انسحاب قواتها النهائي من العراق».

لكن المصادر تؤكد أن «فصائل مرتبطة جذرياً بولاية الفقيه الإيرانية ترفض رفضاً باتاً التطبيع، إلا في حال اتفقت واشنطن وطهران على صيغة من السلام وتطبيع العلاقات».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يتوسّط رئيس «الحشد» فالح الفياض ورئيس أركانه أبو فدك (أرشيفية-إعلام حكومي)

وأكدت «كتائب حزب الله»، السبت الماضي، رفضها نزع السلاح، وعَدّت أن «السيادة وضبط أمن العراق ومنع التدخلات الخارجية هي مقدمات أساسية للحديث عن حصر السلاح»، كما شددت حركة النجباء على استمرارها في مقاومة الوجود الأميركي.

لكن معظم قادة الفصائل، ومن بينهم الموضوعون على لائحة العقوبات الأميركية، عبّروا عن تأييدهم مساعي حصر السلاح بيد الدولة الذي تُصر عليه الولايات المتحدة الأميركية.

غير أن عمليات الترحيب والتأييد هذه لم تكن كافية للجانب الأميركي ما لم ترتبط بمسار وخطوات محددة وثابتة.

وقال المبعوث الأميركي إلى العراق مارك سافايا، أول من أمس، إن «الخطوات التي أعلنتها الجماعات المسلّحة العراقية باتجاه نزع السلاح تمثل تطوراً مرحَّباً به ومشجعاً»، لكنه ذكر أن «التصريحات وحدها لا تكفي؛ إذ يجب أن يكون نزع السلاح شاملاً غير قابل للتراجع». واشترط أن «يُنفَّذ (نزع السلاح) ضمن إطار وطني واضح ومُلزِم».

«التنسيقي» مع حصر السلاح

وأكدت قوى «الإطار التنسيقي»، مساء الاثنين، دعمها قرار حصر السلاح بيد الدولة، وواصلت نقاشاتها المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية والإسراع بحسم تسمية رئيس الوزراء في الحكومة المقبلة.

وقال «الإطار»، في بيان، إن «الاجتماع شهد نقاشات معمّقة لأوراق عمل مقدَّمة من قوى (الإطار) تناولت مسارات التسريع بحسم تسمية رئيس مجلس الوزراء، إلى جانب بقية الاستحقاقات الانتخابية، وبما ينسجم مع السياقات الدستورية ومتطلبات المرحلة المقبلة».

وأكد «موقفه الثابت الداعم لحصر السلاح بيدِ الدولة، وفق مشروع وطني متكامل وآليات قانونية واضحة، بما يعزز سيادة الدولة ويحفظ الأمن والاستقرار ويخدم المصلحة العليا للبلاد».

ورغم الحديث المتواصل من قِبل معظم القوى السياسية والفصائل الشيعية عن قضية نزع سلاح الفصائل المسلحة، لكن معظم المراقبين يرصدون غياباً واضحاً للكيفية التي سيجري بها ذلك، وما إذا كانت بحاجة إلى تشريعات قانونية يُقرها البرلمان الجديد، أم الاكتفاء بمجرد التصريحات السياسية.

كان رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، قد أعلن، السبت الماضي، استجابة فصائل مسلّحة لمبدأ حصر السلاح بيدِ الدولة وقدّم شكره لها، في وقت تكثف فيه الولايات المتحدة ضغوطها على بغداد لإنهاء دور الفصائل ومنع مشاركتها في الحكومة الجديدة، رغم حصولها على عدد كبير من المقاعد النيابية يتجاوز 100 مقعد، من أصل 329 مقعداً نيابياً.


كيف تستخدم إسرائيل دروز سوريا لإرباك حكم أحمد الشرع؟

الشيخ حكمت الهجري خلال مشاركته عبر الشاشة في مؤتمر الحسكة الذي نظمته «قسد» للأقليات في أغسطس (متداولة على مواقع التواصل)
الشيخ حكمت الهجري خلال مشاركته عبر الشاشة في مؤتمر الحسكة الذي نظمته «قسد» للأقليات في أغسطس (متداولة على مواقع التواصل)
TT

كيف تستخدم إسرائيل دروز سوريا لإرباك حكم أحمد الشرع؟

الشيخ حكمت الهجري خلال مشاركته عبر الشاشة في مؤتمر الحسكة الذي نظمته «قسد» للأقليات في أغسطس (متداولة على مواقع التواصل)
الشيخ حكمت الهجري خلال مشاركته عبر الشاشة في مؤتمر الحسكة الذي نظمته «قسد» للأقليات في أغسطس (متداولة على مواقع التواصل)

كشف تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» عن ملامح سياسة إسرائيلية سرّية ومعقّدة تجاه سوريا ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، تقوم على دعم فصائل درزية مسلّحة في الجنوب، في محاولة واضحة لإضعاف الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، ومنعها من إعادة توحيد البلاد وبسط سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية.

ووفق ما أوردته الصحيفة نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، فإن هذه السياسة لم تكن ردّ فعل آنياً على التطورات، بل جاءت ثمرة تخطيط مسبق بدأ قبل أشهر من انهيار النظام السابق. ففي عام 2024، ومع تزايد المؤشرات على اقتراب سقوط الأسد، بدأ قادة دروز في إسرائيل البحث عن شخصية درزية سورية يمكن أن تلعب دوراً قيادياً في مرحلة ما بعد النظام، وتكون قادرة على تمثيل وقيادة نحو 700 ألف درزي منتشرين في سوريا.

طارق الشوفي

بحسب مسؤولين إسرائيليين تحدّثوا إلى «واشنطن بوست»، وقع الاختيار على طارق الشوفي، وهو عقيد سابق في جيش النظام المخلوع، بوصفه يمتلك خبرة عسكرية وتنظيمياً يسمحان له بلعب هذا الدور. وسرعان ما جرى العمل على تشكيل نواة عسكرية منظمة، وتم اختيار نحو 20 رجلاً من ذوي الخبرة القتالية وتوزيع الرتب والمهام عليهم، وبدأ العمل بما سُمّي «المجلس العسكري» في محافظة السويداء، المعقل الأساسي للدروز في جنوب سوريا.

قائد «المجلس العسكري» في السويداء العقيد المنشق طارق الشوفي مع مقاتلين يتبعون المجلس قبل أن يختفي لاحقاً خوفاً على حياته (حساب فيسبوك)

وفي إطار دعم هذا التشكيل الناشئ، حوّلت إسرائيل مبلغ 24 ألف دولار إلى الشوفي، عبر قنوات مرتبطة بـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، لتغطية النفقات التشغيلية الأساسية للمجلس العسكري إلى حين سقوط نظام الأسد. ويشير هذا التمويل المبكر، إلى أن تل أبيب كانت تستعد منذ وقت طويل لسيناريو ما بعد الأسد، وتسعى إلى امتلاك أدوات تأثير داخل النسيج السوري.

دور «قسد»

لم يقتصر الدعم على القنوات الإسرائيلية المباشرة؛ إذ كشفت الصحيفة أن «قسد» لعبت دوراً محورياً في هذا الملف، حيث حوّلت ما يصل إلى نصف مليون دولار إلى قوات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي الأبرز للدروز في السويداء، والذي أصبح لاحقاً الشخصية الأكثر نفوذاً في المشهد الدرزي المسلّح.

وأكد مسؤول كردي للصحيفة، أن «قسد» لا تزال حتى اليوم تدرب مقاتلين دروزاً في مناطق شمال شرقي سوريا، بمن في ذلك نساء، في إطار تعاون مستمر. كما أقرّ قادة ميدانيون في قوات الهجري، بأنهم حصلوا عبر «قسد» على صواريخ مضادة للدبابات، ما يشير إلى مستوى متقدم من التسليح والدعم.

عناصر من المسلحين الدروز الموالين للشيح الهجري خلال دورية في السويداء (أ.ف.ب)

أسلحة مصادرة من «حزب الله» و«حماس»

بعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، دخل الدعم الإسرائيلي مرحلة أكثر مباشرة، إذ قال مسؤول إسرائيلي صراحة للصحيفة: «أرسلنا أسلحة صادرناها من (حزب الله) و(حماس) إلى قوات الهجري». وشملت هذه الأسلحة بنادق وذخائر ومعدات عسكرية، جرى تسليمها في سياق اشتباكات عنيفة بين فصائل درزية مسلحة وقوات مرتبطة بالحكومة السورية الجديدة.

وتضيف الصحيفة أن إسرائيل لا تكتفي بالسلاح، بل تدفع رواتب شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 مقاتل من قوات الهجري، ما يعكس وجود التزام مالي منتظم وليس مجرد دعم طارئ. كما أكد مسؤولون إسرائيليون أن الدعم العسكري لقوات الهجري لا يزال مستمراً، وإن بوتيرة محسوبة.

الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الدروز مع «المجلس العسكري» في السويداء (أرشيفية)

دروزستان... وحسابات إسرائيل

أحد أخطر ما كشفه التحقيق يتمثل في البعد الاستخباراتي؛ إذ قال قائد في قوات الهجري للصحيفة، إن إسرائيل زوّدتهم بصور أقمار اصطناعية استُخدمت خلال المعارك ضد القوات الحكومية السورية، ما منحهم أفضلية ميدانية واضحة. ويعكس ذلك انخراطاً إسرائيلياً يتجاوز الدعم غير المباشر، ليصل إلى مستوى المشاركة في إدارة الصراع من الخلف.

ورغم هذا الانخراط، تظهر «واشنطن بوست»، أن إسرائيل لم تحسم بعد سياستها النهائية تجاه الدروز في سوريا؛ إذ قال مسؤول إسرائيلي إن تل أبيب «لم تستقر بعد على سياسة واضحة» في هذا الملف، مؤكداً في الوقت نفسه أنه «ليس من مصلحة إسرائيل إنشاء دولة درزية مستقلة أو ما يُسمّى دروزستان».

ويعود هذا التردد، وفق التقرير، إلى عدة عوامل، أبرزها الانقسامات العميقة داخل الصف الدرزي نفسه. فقد أدت محاولات الشيخ حكمت الهجري احتكار التمثيل العسكري والسياسي، إلى صراعات داخلية حادة، واتُهمت بعض الأطراف بممارسات خطيرة، ما دفع شخصيات مثل طارق الشوفي إلى الاختفاء خشية الاستهداف.

استعراض عسكري مؤخراً في شوارع محافظة السويداء رُفع خلاله العلم الإسرائيلي وصورة نتنياهو (مواقع)

وتشير الصحيفة إلى أن إسرائيل خفّفت، منذ الصيف الماضي، من وتيرة دعمها العسكري المباشر للدروز، وعلّقت شحنات الأسلحة الثقيلة، بالتزامن مع بدء محادثات غير مباشرة مع حكومة الشرع. ويبدو أن تل أبيب، وإن لم تغيّر استراتيجيتها الجوهرية، باتت أكثر حذراً في الانخراط العميق، كما لعبت التجربة الإسرائيلية المريرة في جنوب لبنان، حيث انهار «جيش لبنان الجنوبي» المدعوم منها عام 2000، دوراً في تعزيز التحفظ داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تجاه فكرة إنشاء «وكيل عسكري» بعيد المدى في العمق السوري.

خرائط لدولة درزية تمتد حتى العراق

وفي بعد أكثر حساسية، نقلت الصحيفة عن مسؤول غربي أن الشيخ الهجري أعدّ خرائط لمشروع دولة درزية تمتد حتى العراق، وسعى إلى عرضها على أطراف دولية، غير أن هذا الطموح، بحسب تقديرات إسرائيلية وغربية، يبدو غير قابل للتحقق.

لقاء الرئيس الشرع مع وفد من وجهاء وأعيان السويداء في فبراير الماضي (الرئاسة السورية)

وتكشف الصحيفة أن إسرائيل تستخدم الورقة الدرزية في جنوب سوريا أداة استراتيجية لإرباك حكومة أحمد الشرع ومنعها من إعادة بناء دولة مركزية قوية، لكنها في الوقت نفسه تدرك حدود هذه السياسة ومخاطرها، سواء بسبب الانقسامات الداخلية بين الدروز، أو بسبب احتمالات التورط في صراع طويل الأمد داخل سوريا.

خلاصة التحقيق هي أن إسرائيل تمارس في سوريا سياسة «الظل» وهي: دعم محسوب للأقليات، وضغط عسكري محدود، وانفتاح تكتيكي على التفاوض، من دون التزام واضح بمسار سياسي نهائي. أما مستقبل هذه السياسة فيظل مرهوناً بقدرة حكومة أحمد الشرع على ترسيخ سلطتها، وبمدى استعداد واشنطن لموازنة رهاناتها بين الاستقرار السوري وهواجس الأمن الإسرائيلي.