هل يتحول نزوح العائلات البدوية من السويداء إلى تغيير ديموغرافي دائم جنوب سوريا؟

خلاف الحكومة السورية والسلطات المحلية الدرزية مستمر... ولا حوار سياسياً بين الطرفين

نازحون من بدو السويداء أمام مدخل فندق جرى تحويله إلى مركز إيواء في بلدة السيدة زينب قرب دمشق (أ.ب)
نازحون من بدو السويداء أمام مدخل فندق جرى تحويله إلى مركز إيواء في بلدة السيدة زينب قرب دمشق (أ.ب)
TT

هل يتحول نزوح العائلات البدوية من السويداء إلى تغيير ديموغرافي دائم جنوب سوريا؟

نازحون من بدو السويداء أمام مدخل فندق جرى تحويله إلى مركز إيواء في بلدة السيدة زينب قرب دمشق (أ.ب)
نازحون من بدو السويداء أمام مدخل فندق جرى تحويله إلى مركز إيواء في بلدة السيدة زينب قرب دمشق (أ.ب)

تحوّلت قاعات الدراسة في مدرسة ببلدة أبطع بمحافظة درعا جنوب سوريا، إلى مساكن مؤقتة لأسر تتراوح أعدادها بين 3 و4 أسر في كل غرفة. وبسبب الازدحام وقلة الخصوصية؛ ينام النساء والأطفال داخل المدرسة، بينما ينام الرجال في الفناء الخارجي. ونزحت هذه الأسر البدوية من قراها خلال الاشتباكات الطائفية بمحافظة السويداء المجاورة قبل أكثر من شهر. ومنذ ذلك الحين، دخلت الحكومة السورية في حالة توتر مع السلطات المحلية من الطائفة الدرزية في السويداء، بينما ظل النازحون في مأزق التشرد.

تسكن منيرة الحمد، البالغة من العمر 56 عاماً، وهي من قرية الكفر بريف السويداء، مع عائلتها في المدرسة، التي من المقرر إعادة فتحها هذا الشهر للتلاميذ. وإذا ما حدث ذلك، فلا تعرف أين ستسكن عائلتها، وتقول لوكالة «أسوشييتد برس»: «لا نريد العيش في الخيام. نريد من الحكومة توفير منازل أو مكان مناسب للعيش». وأضافت: «من المستحيل على أي شخص العودة إلى منزله، فلمجرد أنك مسلم فإنهم يعدّونك عدواً في السويداء».

نازحات من عشائر بدو السويداء داخل أحد مراكز الإيواء بمدرسة في قرية السهوة بمحافظة درعا (رويترز)

بدأ الصراع في يوليو (تموز) الماضي باشتباكات محدودة بين قبائل بدوية سنية محلية وأفراد من الطائفة الدرزية - وهي أقلية في سوريا ولكنها الغالبية في السويداء - ثم تطورت إلى معارك عنيفة بين البدو وقوات النظام من جهة، والمجموعات المسلحة من الدروز من جهة أخرى،

وتدخلت إسرائيل إلى صف الدروز، وقصفت مواقع في المنطقة. وقتل مئات المدنيين، معظمهم من الدروز، وبقيت السويداء محاصرة، مع وصول مساعدات محدودة، وفق وصف السكان. وأفادت منظمة العفو الدولية هذا الأسبوع بأنها وثقت 46 حالة «قتل متعمد وغير قانوني» لرجال ونساء من الطائفة الدرزية، وفي بعض الحالات من قبل «قوات النظام والقوات المرتبطة بها». ورغم تراجع حدة القتال، فإن أكثر من 164 ألف شخص لا يزالون نازحين، وفق الأمم المتحدة، يشمل ذلك الطائفة الدرزية داخل السويداء، وعائلات بدوية فرت أو نُقلت من المحافظة ولا ترى أي أمل في العودة؛ مما قد يؤدي إلى تغيير ديموغرافي دائم.

مقتنيات عائلات بدوية طردت من السويداء (سانا)

تقول الحمد إن عائلتها «بقيت محاصرة 15 يوماً دون طعام أو أي إمدادات»، قبل أن يُنقذهم الهلال الأحمر السوري. وأضافت أن ابن عمها وجارها تعرضا لهجوم من مسلحين خلال فرارهما وسرقت سيارتهما مع أغراضهما.

من جهته، يقول جراح محمد (24 عاماً) إن العشرات من سكان «سهوة بلاطة»، وهي قرية صغيرة في محافظة السويداء، فروا، وهو معهم وعائلته، سيراً على الأقدام خلال الليل عندما اشتعلت المعارك في قريتهم. وأضاف أن 9 من سكان المنطقة قتلوا برصاص مسلحي الطائفة الدرزية، بينهم 3 أطفال دون 15 عاماً، ولم يكن مع جميعهم أي سلاح... «لم يعد أحد إلى منزله. لقد حرقوا المنازل ونهبوا محتوياتها»، قال جراح... «لا يمكننا العودة إلى السويداء، فليس هناك أمان بيننا وبين الدروز... ونحن أقلية في السويداء».

تشير منيرة الصياد بهاتفها الجوال وعليه صورة أحد جثمانَي ولديها اللذين قُتلا على يد مسلحين دروز... خلال جلوسها داخل غرفة بفندق مُخصص لإيواء النازحين من البدو في السيدة زينب بريف دمشق يوم 23 أغسطس 2025 (أ.ب)

في فندق بضاحية السيدة زينب بريف دمشق تحول إلى مركز إيواء، يُعاني حمود المخماس وزوجته منيرة الصياد من فقدان ابنيهما البالغَين من العمر 21 و23 عاماً برصاص المسلحين، بالإضافة إلى ابنة أخ حمود وابن عمه، عندما كانوا يحاولون الفرار من منازلهم ببلدة شهبا. تشعر الزوجة بالضيق في غرفة الفندق، حيث لا مطبخ لتجهيز الطعام لأطفالها الصغار. وتقول العائلة إن المساعدات الغذائية غير منتظمة، ويقول المخماس: «أحتاج إلى مساعدة مالية، فنحن دون منازل. لا أعتقد أننا سنعود؛ الدروز يسكنون منازلنا».

منيرة الصياد وزوجها حمود المخماس يتحدثان إلى وكالة «أسوشييتد برس» داخل غرفة بفندق مُخصص لإيواء النازحين بضاحية السيدة زينب في ريف دمشق يوم 23 أغسطس 2025 (أ.ب)

«لم تقدم الحكومة أي إجابات واضحة. أكد المسؤولون أن النزوح مؤقت، لكنهم لم يشرحوا مدة النزوح أو الخطط أو الاستراتيجيات التي لديهم لإعادة النازحين»؛ قال حايد حايد، الباحث في «مبادرة الإصلاح العربي» ومركز لـ«تشاتام هاوس» بلندن. وعدّ أن «إعادة النازحين إلى ديارهم تتطلب حلاً سياسياً، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، نظراً إلى عدم وجود اتصالات مباشرة بين الحكومة في دمشق والسلطات الفعلية في محافظة السويداء».

يذكر أن الشيخ حكمت الحجري، أحد أبرز قادة الطائفة الدرزية في السويداء، يدعو إلى استقلال جنوب سوريا، وهو مطلب رفضته دمشق، وقد أعلن مؤخراً عن تشكيل «حرس وطني» يضم فصائل عدة مسلحة من أبناء الطائفة الدرزية.

بالنسبة إلى بعض السكان، تثير هذه الأحداث ذكريات مؤلمة من الحرب الأهلية السورية التي استمرت نحو 14 عاماً، عندما جرى إجلاء المقاتلين والمعارضين للرئيس السابق بشار الأسد من المناطق التي استعادتها القوات الحكومية من المعارضة. وأصبحت الحافلات الخضراء التي نقلتهم رمزاً للتهجير والهزيمة في نظر كثيرين. وتزداد حدة التوترات بين الجماعات الآن. ويعدّ البدو في السويداء، الذين يشتغلون تاريخياً بتربية المواشي، أنفسهم من السكان الأصليين للمنطقة قبل وصول الدروز في القرن الثامن عشر، هرباً من العنف في ما يُعرف اليوم بلبنان.

وقد عاشت الجماعتان في سلام إلى حد كبير، لكن توترات عنف متفرقة كانت تحدث بين الحين والآخر. في عام 2000، قتل بدوي درزياً في نزاع على أرض، وتدخلت القوات الحكومية وأطلقت النار على المتظاهرين الدروز. وبعد هجوم تنظيم «داعش» على الدروز في السويداء عام 2018، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، اتُّهم البدو بالتعاون مع التنظيم.

جدار منزل عائلة سرّايَ بمدينة السويداء مليء بثقوب الرصاص بعد أحداث العنف الطائفي التي شهدتها المدينة في يوليو 2025 (أرشيفية - رويترز)

تصاعدت التوترات مؤخراً عندما أنشأت إحدى العشائر في السويداء نقطة تفتيش، وهاجمت رجلاً درزياً وسلبت ممتلكاته؛ مما أدى إلى تبادل الهجمات وعمليات الخطف. لكن التوترات كانت تتصاعد قبل ذلك، وقال بدوي نزح من بلدة الكفر، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه خوفاً على سلامته، إن شقيقه اختُطف عام 2018 من قبل مجموعة مسلحة تابعة لحركة إسلامية طلبت منه فدية. وفي 12 يوليو الماضي، قبل يوم من اندلاع الاشتباكات، قال إن مجموعة من المسلحين التابعين للشيخ الهجري زارت منزل عائلته وهددت والده وأجبرته على التوقيع على ورقة تنازَل بموجبها عن ملكية المنزل.

واستدرك: «ليس جميع الدروز سيئين. بعضهم ساعدونا، لكن هناك أيضاً مسلحون أشرار». وأضاف: «إذا لم تجد الدولة حلاً بعد احتلال منازلنا، فسنحمي حقوقنا بأنفسنا».

وأبدت السيدة الصياد، والدة الشقيقين القتيلين، رغبة في الانتقام. وقالت: «أريد من الحكومة أن تفعل مع هؤلاء ما فعلوه بابني». وقال حايد إن «التوترات بين الجماعات يمكن حلها مع مرور الوقت، لكنها أصبحت الآن في المرتبة الثانية بعد القضايا السياسية الأكبر منها بين دمشق وبلدة السويداء». وأضاف: «دون وجود حوار حقيقي للتغلب على هذه الاختلافات، فإنه يصعب تخيّل كيف يمكن حل النزاعات المحلية».


مقالات ذات صلة

أوجلان يطالب «قسد» بالتخلص من عناصرها الأجنبية

شؤون إقليمية قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)

أوجلان يطالب «قسد» بالتخلص من عناصرها الأجنبية

بعث زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان، برسالة إلى قائد «قسد» مظلوم عبدي، طالبه فيها بإنهاء وجود العناصر الأجنبية ضمن صفوفها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي استعراض عسكري مؤخراً في شوارع محافظة السويداء رُفع خلاله العلم الإسرائيلي وصورة نتنياهو (مواقع)

كيف خططت إسرائيل لاستغلال ملف الدروز لإرباك حكم الشرع؟

«واشنطن بوست» تكشف تحويل إسرائيل آلاف الدولارات إلى أشخاص، استعداداً لتفعيلهم بعد سقوط بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي سكان بعض أحياء مدينة حلب يتفقدون سيارات متضررة الثلاثاء عقب موجة هجمات في اليوم السابق (رويترز)

حلب: اجتماع عسكري موسع لقيادة الشمال لبحث الأوضاع والجاهزية

قالت وسائل إعلام سورية رسمية إن المناطق المجاورة لحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، تشهد حالات نزوح رغم اتفاق وقف تبادل النيران.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
أوروبا وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت (د.ب.أ)

ألمانيا تعلن ترحيل سوري إلى بلاده للمرة الأولى منذ عام 2011

أعلنت وزارة الداخلية الألمانية، اليوم الثلاثاء، ترحيل سوري من ألمانيا، لأول مرة منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.

«الشرق الأوسط» (برلين)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)

«الخارجية» الروسية: لافروف يستقبل نظيره السوري

وصل وفد سوري، بقيادة وزيري الخارجية والدفاع، إلى العاصمة الروسية موسكو، وفق ما أعلنت إدارة الإعلام بوزارة الخارجية والمغتربين السورية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

قائد الجيش اللبناني: أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
TT

قائد الجيش اللبناني: أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)

جدد قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، التأكيد على أن الجيش بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح (في جنوب الليطاني)، وأنه يجري التقييم والدراسة والتخطيط بكلّ دقة وتأنٍّ للمراحل اللاحقة، مشيراً إلى أن أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة.

جاء حديث هيكل خلال ترؤسه اجتماعاً استثنائيًاً، حضره أركان القيادة وقادة الوحدات والأفواج العملانية وعدد من الضباط، تناول فيه آخر التطورات التي يمر بها لبنان والجيش في ظل المرحلة الاستثنائية الحالية، وسط استمرار الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية.

نهضة الوطن

واستُهل الاجتماع بدقيقة صمت استذكاراً لأرواح شهداء الجيش والوطن، وآخرهم العسكري الذي استشهد جراء غارة إسرائيلية مساء الاثنين على طريق القنيطرة - المعمرية في قضاء صيدا.

وخلال الاجتماع، هنّأ العماد هيكل الحاضرين والعسكريين جميعاً بمناسبة عيدَي الميلاد ورأس السنة، وأكد أنه «في ظلّ المرحلة الحساسة والتحديات الكبيرة التي يمر بها لبنان، فإنّ تضحيات العسكريين وجهودهم المتواصلة، على اختلاف رتبهم ووظائفهم، هي ركن أساسي في نهضة الوطن ومستقبله»، عادّاً «أنّهم يُشاركون في صنع تاريخ لبنان، انطلاقاً من المبادئ الثابتة للمؤسسة العسكرية، وأن هذه المبادئ لن تتغير مهما كانت الضغوط».

من جهة أخرى، تطرّق العماد هيكل إلى زيارته الأخيرة إلى فرنسا، لافتاً إلى «الإيجابية التي لمسها خلال اجتماعاته حيال الأداء المحترف للجيش»، مشيراً إلى أنّ «هذا الأداء أصبح محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة، رغم اتهامات تطلَق بين حين وآخر، ومحاولات تضليل إسرائيلية تهدف إلى التشكيك في أداء الجيش وعقيدته».

مؤتمر دعم الجيش

وتحدث هيكل بشأن المؤتمر المرتقَب لدعم الجيش بداية العام المقبل، قائلاً: «أحد أهم أسباب الثقة والدعم للجيش هو وفاؤه بالتزاماته وواجباته في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما في الجنوب، رغم الإمكانات المتواضعة، وهذا أمر أثبتته التجربة»، مؤكداً أنّ «عناصرنا يُظهِرون أقصى درجات الإخلاص والتفاني إيماناً برسالتهم، وهذا ما رأيناه خلال مهام عدة نفذتْها الوحدات العسكرية في المرحلة الماضية، وتعرّضت خلالها لأخطار كبيرة، من دون أن يؤثر ذلك في معنوياتها وعزيمتها، وسط تضامن من جانب الأهالي، وتعاون فاعل بين المؤسسة العسكرية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية وقوات الـ(يونيفيل)».

وأضاف: «نطمح إلى تعزيز قدرات الجيش كي يصبح الحامي والضامن لأمن اللبنانيين، ويملك القدرة للدفاع عن أهلنا على امتداد الأراضي اللبنانية، فإيماننا بالجيش هو إيمانٌ بهذا الدور الأساسي المنوط به. يتطلب ذلك دعماً وازناً ونوعيًاً، وهو ما تدركه الدول الشقيقة والصديقة التي تتوجه إلى توفير هذا الدعم للجيش وسائر المؤسسات الأمنية».

حصرية السلاح

وجدد هيكل التأكيد على أن «الجيش بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من خطته»، في إشارة إلى المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، وأنه «يُجري التقييم والدراسة والتخطيط بكلّ دقة وتأنٍّ للمراحل اللاحقة، ويأخذ مختلف المعطيات والظروف في الحسبان»، مشيداً بـ«نجاح الوحدات في مختلف المهام، بما في ذلك حفظ الأمن ومراقبة الحدود وحمايتها في ظل التنسيق القائم مع السلطات السورية».


نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)

قال حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، إنه التقى، الثلاثاء، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وأجريا محادثات ركزت على جهود تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ووقف التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وأضاف عبر منصة «إكس»: «أكدنا خلال اجتماعنا في عمّان ضرورة أولوية وقف إطلاق النار في غزة والالتزام بكل بنود اتفاق وقف إطلاق النار والتقدم نحو المرحلة الثانية من الاتفاق وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وربط جهود تحقيق الاستقرار بأفق سياسي واضح لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين».

وشدد الجانبان على أن مستقبل قطاع غزة يجب أن يستند إلى وحدته وارتباطه بالضفة الغربية، وأن تتولى السلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولية القطاع وفق قرار مجلس الأمن رقم 2803.

وذكر نائب الرئيس الفلسطيني أنه ناقش مع الصفدي أيضاً «التدهور الخطير في الضفة الغربية المحتلة»، وأكدا ضرورة تكاتف كل الجهود الإقليمية والدولية «لوقف الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التي تدفع نحو تفجر الأوضاع وتقوض فرص تحقيق السلام العادل والدائم على أساس حل الدولتين».

في غضون ذلك، أدانت السلطة الفلسطينية، الثلاثاء، خطة إسرائيل لإنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، واصفة إياها بأنها «خطوة خطيرة» تهدف إلى «إحكام السيطرة الاستعمارية على الأرض الفلسطينية بأكملها».

وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان إنّ هذه الخطة هي «امتداد مباشر لسياسات الأبارتهايد والاستيطان والضمّ، بما يقوّض حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ويدمّر أي أفق حقيقي للاستقرار».

وكانت السلطات الإسرائيلية قد أعلنت الأحد موافقتها على إنشاء 19 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، وهو إجراء تقول إنه يهدف إلى «منع إقامة دولة فلسطينية».


لبنان: سلام يستبق لقاء ترمب - نتنياهو لإسقاط ذرائعه بتوسعة الحرب

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
TT

لبنان: سلام يستبق لقاء ترمب - نتنياهو لإسقاط ذرائعه بتوسعة الحرب

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)

يترقب اللبنانيون، مع بدء التحضير لانطلاقة المرحلة الثانية من الخطة التي أعدتها قيادة الجيش لاستكمال تطبيق حصرية السلاح، والتي كشف عنها رئيس الحكومة نواف سلام لـ«الشرق الأوسط»، وتقع بين ضفتي نهر الليطاني جنوباً والأولي شمالاً، رد فعل «حزب الله».

فهل يصرّ الحزب في تفسيره لوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، على أن حصريته تبدأ وتنتهي في جنوب الليطاني، ولا تمتد إلى المناطق الأخرى حتى الحدود الدولية للبنان مع سوريا، أم أنه سيعيد النظر في موقفه؛ كون تنفيذ الخطة يأتي في سياق بسط سلطة الدولة على أراضيها كافة تطبيقاً للقرار 1701؟

التفسير الأحادي

فالتفسير الأحادي لـ«حزب الله» يتعارض كلياً مع تأييده تطبيق القرار 1701؛ لأن التزام لبنان بوقف الأعمال العدائية ليس محصوراً ببسط سلطة الدولة على جنوب الليطاني، وإلا لما نص الاتفاق على أن يبدأ من جنوبه ليشمل لاحقاً الأراضي اللبنانية كافة، لا سيما أن الاتفاق أتى على ذكر هذا القرار 7 مرات ومعطوفاً، كما يقول مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، على القرارات السابقة لمجلس الأمن، وتحديداً الـ1559 الذي ينص على نزع سلاح جميع الميليشيات، وعلى الـ1680 المتعلق بضبط الحدود اللبنانية - السورية لمكافحة التهريب، وترسيمها براً وبحراً.

الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

وسأل المصدر الوزاري عن الأسباب التي تكمن وراء إصرار الحزب على تفسيره للاتفاق، بخلاف الآخرين؟ مع أن ممثلَيه الوزيرَين علي حمية ومصطفى بيرم في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كانا أيداه ولم يسجلا اعتراضاً عليه، رغم أنه، أي ميقاتي، نأى بنفسه عن الدخول طرفاً في المفاوضات التي تولاها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالإنابة عن نفسه وبتفويض من الحزب، وقيل في حينه بأن الأخير يحتفظ بكلمة السر ولا يبوح بها إلا لـ«أخيه الأكبر»، على حد قول أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بينما يحجبها عن ميقاتي.

بري (يمين) يصافح هوكستين في بيروت خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية 2022 (رويترز)

ولفت إلى أن بري لم يتصرّف من تلقاء نفسه عندما توافق مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين على اتفاق لوقف النار بالتشاور مع الحزب لقطع الطريق على تفلته لاحقاً من الاتفاق.

وكشف عن أنه كلف معاونه السياسي النائب علي حسن خليل التواصل مع نظيره في الحزب حسين خليل، وكانت حصيلته تأييد «الثنائي الشيعي» للاتفاق. وقال إن الحزب كان أول من تسلم من «أخيه الأكبر» نسخة عنه، بالتلازم مع تبنّيه ورعايته من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.

وتوقف أمام قول قاسم بأن حصرية السلاح تبدأ وتنتهي في جنوب النهر. وسأل، كيف يوفّق بين مشاركته في حكومة سلام بالوزيرين الطبيبين محمد حيدر وراكان نصر الدين والتي تبنّت خطاب القسم باحتكار الدولة السلاح وأدرجته في بيانها الوزاري، وبين تفلّته من تعهّده متهماً رئيسها بارتكاب خطيئة بموافقته على حصريته؟

محاكاة البيئة

ورأى المصدر أنه يتفهم خلفية الموقف الذي اتخذه قاسم في محاكاته لبيئته لإخراجها من الإرباك، لكن تمسكه باستراتيجية الصبر لن يقدّم أو يؤخر؛ لأن شراءه للوقت ليس في محله، ويرفع من منسوب الضغط بالنار الذي تتبعه إسرائيل، في حين يفتقد الحزب لمن يقف إلى جانبه سوى بري الذي لن يتركه وحيداً ويصرّ على استيعابه للإمساك بيده للانخراط في التسوية لتحرير الجنوب.

وأكد أن الحزب، وإن كان يطالب بعدم التسليم مجاناً بسيطرة الجيش على جنوب الليطاني من دون أي مقابل بإلزام إسرائيل بالقيام بخطوة في مقابل إخلائه جنوب النهر، يتفق مرحلياً، في هذا الخصوص، مع رئيسي الجمهورية العماد جوزيف عون والحكومة نواف سلام، وأيضاً مع الرئيس بري، لكنهما سرعان ما يفترقان مع الحزب على خلفية احتفاظه بسلاحه، كما قال قاسم، لو اطّبقت السماء على الأرض.

وأضاف أن عون يتّبع سياسة النفَس الطويل في حواره مع «حزب الله»، وإنما لبعض الوقت، في حال لم يؤدّ إلى إحداث تقدّم يوحي باستعداده لمراجعة حساباته وصولاً للوقوف فعلاً لا قولاً خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي.

جنود في الكتيبة الإيطالية بـ«يونيفيل» خلال مهمة مشتركة مع الجيش اللبناني (يونيفيل)

وقال إن حوار عون و«حزب الله» ممثلاً برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد لم ينقطع، وإن كان متقطعاً، لكنه لم يتطور إيجابياً ولا يزال محصوراً بتواصل المستشار الرئاسي العميد المتقاعد أندريه رحال برعد وفريقه المكلف الحوار.

سياسة الإنكار

وأكد أن قيادة الحزب توكل أمر التفاوض على سلاحها لإيران بدلاً من أن تُقدم على خطوة شجاعة بوضعه بعهدة الدولة لتقوية موقفها في المفاوضات التي ترعاها لجنة الـ«ميكانيزم»، وهذا ما يحتّم عليها مراعاتها المزاج الشيعي الذي يتوق لعودة النازحين إلى قراهم، بدلاً من اتباعه سياسة الإنكار لما حل به من خسائر لا تقدّر سياسياً ومادياً.

كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد بالقصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)

وقيل للمصدر بأن تفرّد سلام بالكشف عن التحضير للمرحلة الثانية قوبل برفض «صامت» من «حزب الله»، يُفترض أن يظهر للعلن، بذريعة أنه يبيع مواقف مجانية لواشنطن، وكان جوابه بأنه لم يحدد موعداً لانطلاقة هذه المرحلة وربط تحديده بتقييم مجلس الوزراء للإنجاز الذي حققه الجيش في جنوب النهر، بموازاة ما ستقرره الـ«ميكانيزم» في اجتماعها في السابع من الشهر المقبل.

التعهد الأميركي

ولفت إلى أن ما قاله سلام لا يشكّل تفرداً في موقفه، وإنما جاء انسجاماً مع الخطة التي أعدتها قيادة الجيش وتبنّتها الحكومة ومحصورة بتطبيق حصرية السلاح على مراحل، وبالتالي لا نية لديه لإلزام الحكومة بموقف من خارج بيانها الوزاري. وقال بأن الرؤساء على موقفهم بإلزام إسرائيل القيام بخطوة مماثلة لسيطرة الجيش على جنوب النهر، وهذا ما يضع الإدارة الأميركية أمام تعهدها بتطبيق تلازم الخطوات قبل أن تتراجع عنه بذريعة عدم تجاوب إسرائيل.

واستبعد اتهام سلام بحرق المراحل. وقال بأنه اختار الوقت المناسب لإعلام المعنيين دولياً وإقليمياً بضرورة أن ينعم لبنان بالاستقرار، وأن الحكومة ملتزمة بحصرية السلاح ولن تتراجع عنها، ولا بد من تنفيذها، متمنياً على «حزب الله» إعادة النظر في سلوكه لإسقاط ما تتذرع به إسرائيل، وإن كانت ليست في حاجة إلى الذرائع لتواصل خروقها.

التوقيت المناسب

وأكد المصدر أن سلام اختار التوقيت المناسب لتمرير رسالة الحكومة، وأن لا مشكلة بينه وبين عون. وقال بأنه أراد من توقيته أن يحاكي الرئيس دونالد ترمب استباقاً لاستقباله رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في 29 الحالي؛ لعله يضغط لضبط أدائه ولجم تهديده بتوسعة الحرب، ما دام أنه صامد على التزامه باستكمال تطبيقه لحصرية السلاح. ورأى أنها تتلازم مع استعداده للانتقال للمرحلة الثانية من خطة الجيش، وهو يراهن على حث أصدقاء لبنان للتدخل لدى ترمب لإلزام نتنياهو القيام بخطوة، في مقابل صمود عون والحكومة أمام تعهدهما بحصريته.

كما أن توقيت سلام، حسب المصدر، يأتي في سياق تمرير رسالة للدول التي شاركت في الاجتماع التحضيري لدعم الجيش الذي استضافته باريس بإصرار حكومته على تطبيق حصرية السلاح بما يتيح للبنان تحديد مكان وزمان انعقاده بعد أن تبنّت عقده في شباط (فبراير) المقبل، من دون أن يعفي «حزب الله» من مسؤوليته بتسهيل تطبيق حصريته، وأن تحفّظه يبقى تحت سقف تسجيل موقف لاسترضاء بيئته بتكرار قوله باستعادته لقدراته العسكرية، على أن يمتنع حتى إشعار آخر عن استخدامها في ظل الخلل في ميزان القوى. وإلا ما هو تفسير قاسم بطمأنته للمستوطنات في شمال فلسطين بأن لا خطر عليهم؟ وما المانع من أن تنسحب طمأنته على اللبنانيين الذين هم بأمس الحاجة لعودة الاستقرار إلى بلدهم من بوابة الجنوب؟