عادت واشنطن لتسجيل حضور لافت في مشهد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعدما كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «مفاوضات معمقة» مع «حماس» غداة لقاء بين مبعوثه سيتف ويتكوف ووسطاء قطريين.
عودة ذلك الزخم الأميركي للتطورات التي شهدت تجديد القاهرة طلبها من إسرائيل قبول المقترح الجزئي، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» قد تؤثر على إحياء مفاوضات الهدنة في حالة أنها كانت جدية من واشنطن وتحمل تصوراً سواء لمقترح شامل أو مؤقت، وليس مجرد مسكنات لدعم إسرائيل في مخططها لتهجير الفلسطينيين والتصعيد بالقطاع.
وأشار ترمب، ليل الجمعة - السبت، في تصريح لصحافيين بالمكتب البيضاوي، إلى أن الولايات المتحدة منخرطة في «مفاوضات معمّقة جداً» مع «حماس» وعليهم أن يفرجوا عن كل الرهائن، وفق ما نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية».
وجاء حديث ترمب غداة تقرير نشره موقع «تايمز أوف إسرائيل»، الجمعة، يفيد بأن ويتكوف التقى في باريس مسؤولين قطريين، الخميس، لمناقشة التهدئة، بعد جمود في موقف أميركا عقب إعلان «حماس» موافقتها على مقترح جزئي تقدم به الوسيطان المصري والقطري منتصف أغسطس (آب) الماضي، دون رد إسرائيلي حتى الآن.
وجاء اجتماع ويتكوف بعد يوم من تصريحات متلفزة لمنسق العلاقات الأميركية مع «حماس»، بشارة بحبح، أكد أن «الولايات المتحدة قد وضعت اتفاقاً شاملاً لإنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين في غزة».
وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت، في مؤتمر صحافي بالقاهرة، إن «تعنت إسرائيل عقبة رئيسية أمام تحقيق تقدم في مسار التهدئة»، داعياً إسرائيل للقبول بمقترح ويتكوف لوقف إطلاق النار في غزة، الذي يتضمن هدنة لمدة 60 يوماً، وسبق أن وافقت «حماس» عليه في 18 أغسطس الماضي.
الاتفاق الذي يشمل إعادة نصف الرهائن المحتجزين في غزة وإطلاق سراح بعض السجناء والمعتقلين الفلسطينيين، ضمن إطار للتوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء الصراع المستمر منذ نحو عامين، كان أيضاً محل مناقشات في اتصال هاتفي بين عبد العاطي وويتكوف، داعياً لأهمية تجاوب إسرائيل مع الصفقة المقترحة من أجل خفض التصعيد، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وتأكيدات مصر على قبول المقترح المطروح على الطاولة منذ نحو أسبوعين جاءت غداة حديث صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن الضغط الأميركي من جهة، والمرونة من «حماس» من جهة أخرى، قد يشكّلان سلّماً طويلاً يتيح لنتنياهو النزول من الشجرة العالية التي تسلّقها في هذه الحرب، وإنقاذ البلاد والمنطقة من الكوارث التي تجرّها.
ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، أن «عودة الزخم الأميركي جاءت مع تعثر ترمب في أوكرانيا وتطلعه لإنجاز صفقات نجاح جديدة، ومنعاً لتزايد التوتر بين مصر وإسرائيل وتجاوباً مع زيادة التظاهرات الإسرائيلية للمطالبة بإطلاق سراح الرهائن»، مؤكداً أنه «لو أن هناك جدية من واشنطن وتوافرت إرادة، يمكن الوصول لاتفاق جزئي أو كلي في غضون أيام معدودة».
وبرأي المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، فإن الموقف الأميركي سلبي بشكل إجمالي منذ تجاهله المقترح الجزئي، وإعطائه الضوء الأخضر لإسرائيل للتصعيد، وفي الوقت ذاته يقول: «نحن مع المفاوضات»، لافتاً إلى أن عودة الزخم قد تؤدي وسط المساعي الحالية لصياغة اتفاق شامل للتوصل إلى مقترح وسط إذا كانت هناك جدية أميركية لوقف التصعيد.
وتأتي تلك التطورات تزامناً مع دعوة الجيش الإسرائيلي، السبت، سكان مدينة غزة في شمال القطاع الفلسطيني، إلى الانتقال إلى «منطقة إنسانية» جنوباً، تحسّباً لهجوم بري على أكبر مدينة بالقطاع، ما تسبب بموجة نزوح جديدة باتجاه جنوب القطاع. وأظهرت مقاطع فيديو تمّ تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، انهيار برج سكني من 15 طابقاً وسط سحابة غبار كثيفة بعد انفجارات في قاعدته.

ونشر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أحد هذه الفيديوهات على منصة «إكس»، السبت، مرفقاً إياه بكلمة «مستمرّون»، بعدما كتب في اليوم السابق كلمة «بدأنا»، عقب تدمير برج غرب مدينة غزة.
وأكد كاتس أنه تم «فتح أبواب الجحيم على غزة (...) ولن تغلق، حتى تقبل (حماس) بشروط إسرائيل لإنهاء الحرب وعلى رأسها إطلاق سراح جميع الرهائن، ونزع سلاحهم، وإلا فسيتم القضاء عليهم»، بينما اتهمت «حماس» في بيان، الجمعة، نتنياهو بأنه «يصر على تعطيل وإفشال جهود الوسطاء، والمضي في خطط الإبادة والتهجير».
ويواجه سكان مدينة غزة، في الواقع، ظروفاً قاسية تمنعهم من النزوح، حيث تشير التقديرات المتوفرة بحلول مساء الخميس، إلى أن 80 ألفاً نزحوا من المدينة باتجاه الجنوب، وذلك من أصل مليون و200 ألف ما زالوا يعيشون فيها.
وفي 8 أغسطس الماضي، أقرت الحكومة الإسرائيلية خطة طرحها نتنياهو، لاحتلال قطاع غزة بالكامل تدريجياً، تبدأ بتهجير فلسطينيي مدينة غزة نحو الجنوب، يتبعها تطويق المدينة، ومن ثم تنفيذ عمليات توغل إضافية في مراكز التجمعات السكنية، وفق هيئة البث الإسرائيلية.
وبرأي أحمد فؤاد أنور فإنه «رغم التصعيد الإسرائيلي، يمكن حسم اتفاق قريب لو أراد ترمب»، وإلا فستبدو تلك الجهود الأميركية «ليست ورقة ضغط على نتنياهو ولكن خدعة لتمرير مساعٍ لاحتلال كامل قطاع غزة والضغط على المقاومة».
ونبه الرقب إلى أن التصعيد العسكري الإسرائيلي والإخلاءات بمدينة غزة، تتماشى مع الرغبة الأميركية الإسرائيلية في تهجير الفلسطينيين، محذراً من أن يكون وجود واشنطن بالمفاوضات لتخفيف الضغوط وليس لإبرام تهدئة.
