تغلق سوق الانتقالات في السعودية نهاية يوم الأربعاء المقبل، لكن المشهد بات واضحاً قبل أيام قليلة من إسدال الستار على ميركاتو غير مسبوق على المستويين المحلي والعالمي.
الأندية السعودية رفعت سقف التطلعات إلى مستوى عالٍ جداً، ودفعت بملايين اليوروهات في سوق اللاعبين، لتجعل الدوري السعودي محوراً رئيسياً في خريطة الانتقالات العالمية، ومنافساً لأكبر البطولات الأوروبية.
ووفقاً للأرقام المعلنة حتى الآن؛ فقد بلغ إجمالي إنفاق أندية دوري روشن السعودي ما يقارب 473.53 مليون يورو مقابل إيرادات وصلت إلى 131.63 مليون يورو؛ ما يعكس سياسة توسعية تقوم على الاستثمار الرياضي طويل الأمد، وتعزيز صورة الدوري بوصفه وِجهة للنجوم العالميين.

هذه الأرقام وضعت الدوري السعودي في المركز السادس عالمياً من حيث الإنفاق الصيفي، خلف الدوريات الإنجليزية والإيطالية والإسبانية والفرنسية والألمانية، وهو موقع يعكس مكانته المتنامية بين كبار المشهد الكروي.
ولم تكتف الأندية السعودية بصفقات متوسطة أو محدودة، بل دخلت في سباق مباشر مع كبار أوروبا، وبحسب موقع «ترانسفير ماركت»، كانت البداية من نادي القادسية الذي تصدر قائمة الإنفاق بإجمالي بلغ 124.06 مليون يورو، متقدماً على أندية تاريخية من حيث الحجم والقيمة السوقية.
القادسية فاجأ الجميع بإبرام صفقة تاريخية بضم المهاجم الإيطالي الأرجنتيني ماتيو ريتيغي من أتالانتا مقابل 68.25 مليون يورو، ليكون الأغلى في المملكة، هذا الصيف، إلى جانب تعاقدات مؤثرة مثل كريستوفر بونسو باه من جينك البلجيكي مقابل 17 مليون يورو، وغابرييل كارفاليو من إنترناسيونال البرازيلي مقابل 15.60 مليون يورو، ومصعب الجوير من الهلال مقابل 11.52 مليون يورو، ويوليان فايغل من بوروسيا مونشنغلادباخ مقابل 8 ملايين يورو. هذه الأسماء وضعت القادسية في مصاف الأندية الأكثر طموحاً ليس محلياً فحسب، بل قارياً أيضاً

.
الهلال لم يتأخر عن هذا المشهد، وواصل سياساته القائمة على جلب النجوم العالميين، إذ بلغ حجم إنفاقه 100.94 مليون يورو، أبرزها التعاقد مع المهاجم الأوروغوياني داروين نونيز من ليفربول الإنجليزي مقابل 53 مليون يورو في صفقة شكلت العنوان العريض لميركاتو النادي، إضافة إلى ضم الظهير الفرنسي ثيو هرنانديز من ميلان الإيطالي بـ25 مليون يورو، وقلب الدفاع التركي يوسف أكشيجك من فنربخشة بـ22 مليون يورو. الهلال أعاد تشكيل خطوطه الأمامية والخلفية عبر هذه الصفقات، ورسّخ صورته كنادٍ لا يقل عن أقرانه الأوروبيين في الجاذبية المالية والفنية.
وجاء النصر في المركز الثالث بإجمالي إنفاق بلغ 66.57 مليون يورو، وكانت أبرز صفقاته ضم البرتغالي جواو فيليكس من تشيلسي الإنجليزي مقابل 30 مليون يورو، والجناح الفرنسي كينغسلي كومان من بايرن ميونيخ الألماني مقابل 25 مليون يورو، في وقت عزز فيه صفوفه محلياً بضم سعد الناصر من التعاون مقابل 9.77 مليون يورو، ما يجمع بين أسماء أوروبية كبرى وركائز محلية قوية تعزز مشروعه الهجومي الطموح.

الوافد الجديد على سباق الكبار كان نادي نيوم الذي دخل المشهد بقوة بإنفاق بلغ 89.42 مليون يورو، وكانت أبرز صفقاته التعاقد مع المدافع الفرنسي العاجي ناثان زيزه من نانت مقابل 20 مليون يورو، والحارس البولندي مارسين بولاكا من نيس مقابل 15 مليون يورو، وأمادو كونيه من ريمس بـ13.33 مليون يورو، والجناح الجزائري سعيد بن رحمة من ليون مقابل 12 مليون يورو، والموهبة الفرنسية العاجية سايمون بُوابريه من موناكو بـ10 ملايين يورو، بالإضافة إلى أسماء محلية وأوروبية بارزة مثل ألكسندر لاكازيت وعبدولاي دوكوريه في صفقات انتقال حر؛ ما يعكس مشروعاً متكاملاً يمزج بين الخبرة والشباب.
الأهلي من جانبه أنفق 52.53 مليون يورو، وكان تركيزه منصبّاً على تدعيم خط الوسط وصناعة اللعب، فتعاقد مع الفرنسي إنزو ميلوت من شتوتغارت مقابل 30 مليون يورو، والبرازيلي ماتيوس غونسالفيش من فلامنغو بـ9 ملايين يورو، إلى جانب تعزيزات محلية لدعم الدفاع والهجوم.
أما الاتحاد فقد بلغت حصيلة إنفاقه لغاية الآن 52.6 مليون يورو، بعد تعزيز صفوفه باستقدام أسماء شابة وواعدة، يتقدّمها الجناح البرتغالي الغيني بيساوي روجر فرنانديز (19 عاماً) من سبورتينغ براغا مقابل 32 مليون يورو، في صفقة عكست رغبة النادي في بناء مستقبل هجومي طويل الأمد. كما أبرم الاتحاد عدداً من التعاقدات المحلية البارزة مثل أحمد الجليدان وحمد الغامدي.

أندية الوسط اعتمدت على إنفاق محدود، لكنها في المقابل برعت في إدارة ملفات البيع وتحقيق فوائض مالية. الشباب اكتفى بإنفاق 4.72 مليون يورو مع صفقة بارزة للتعاقد مع فينسنت سييرو من تولوز الفرنسي مقابل 3 ملايين يورو.
وبدوره، أنفق التعاون 1.86 مليون يورو عبر صفقة محمد محزري من الاتفاق مقابل 1.26 مليون يورو، بينما أنفق الاتفاق 1.20 مليون يورو فقط، وكانت أغلى صفقاته موهاو نكوتا من أورلاندو بايرتس الجنوب أفريقي.
وفي المقابل، سجل الخلود إنفاقاً بلغ 2.77 مليون يورو، أبرزها صفقة جاكسون موليكا من بشكتاش بـ1.50 مليون يورو، أما أندية الفتح والفيحاء والخليج، فاعتمدت على انتقالات حرة وإعارات لتعزيز الصفوف دون تحمل تكاليف باهظة.
وأنفق ضمك 600 ألف يورو فقط، وكانت أبرز صفقاته التعاقد مع المغربي جمال حركاس من الوداد، بينما أنفق الحزم 1.06 مليون يورو أبرزها بصفقة الحارس برونو فاريلا من فيتوريا غيمارايش البرتغالي مقابل 500 ألف يورو.
الأخدود، بدوره، أنفق 1.04 مليون يورو، عبر صفقات إعارة أبرزها بلاز كرامر من قونيا سبور التركي برسوم بلغت 644 ألف يورو، إضافة إلى الحارس صامويل بورتوغال من بورتو البرتغالي. النجمة كان له حضور لافت بإنفاق 6.30 مليون يورو، بقيادة صفقة المدافع البرازيلي سمير كايتانو من تيغريس أونال المكسيكي بـ5.10 مليون يورو، إضافة إلى الفرنسي الجزائري بلال بوتوبا من هاتاي سبور بـ1.20 مليون يورو.

إلى جانب الإنفاق الكبير، ارتقى الدوري السعودي إلى المركز الرابع عالمياً في حجم الرواتب الإجمالية للاعبين وفق الإحصاءات الرسمية لموسم 2025 - 2026، إذ بلغ مجموع الرواتب 1,198,740,825 دولاراً أمريكياً، متقدماً على الدوري الألماني (البوندسليغا) الذي سجل 971,290,505 دولارات. بينما تصدر الدوري الإنجليزي الممتاز القائمة بإجمالي 2,247,750,431 دولاراً، تلاه الدوري الإيطالي السيري آ بـ1,283,730,093 دولاراً، ثم الدوري الإسباني (الليغا) بـ1,235,115,805 دولارات، وفقاً لموقع «كابولوجي» الأميركي.
الصورة العامة للميركاتو السعودي، هذا الصيف، تقول إن المنافسة على القمة لم تبق حكراً على اسمين أو ثلاثة. القادسية قفز بخطوات واسعة إلى الأمام، والهلال أعاد تشكيل عمقه الأوروبي، والنصر عزز خطوطه الهجومية بأسماء رنانة، ونيوم دخل السباق بمشروع طموح، والأهلي شدّد قبضته على الوسط، والاتحاد عزز صفوفه محلياً. أندية الوسط، بدورها، قدّمت درساً في الاستدامة عبر فوائض مالية محسوبة. وفي النهاية يخرج الدوري السعودي من هذا الصيف حتى الآن أكثر تنوعاً في أنماط اللعب وأكثر ثراءً بالأسماء وأكثر ارتفاعاً في سقف الطموح.
الأرقام كبيرة، والرهان أكبر، ويبقى الملعب وحده الحكم على قدرة هذه الأندية في تحويل الصفقات إلى نقاط، والنقاط إلى ألقاب، ليبقى المشهد العام عنوانه أن السعودية فرضت إيقاعها بقوة في سوق الانتقالات العالمية.



