26 دولة منخرطة في توفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا والمساهمة الأميركية قيد البلورة

ضغوط أميركية على الأوربيين لوقف شراء النفط الروسي وتمويل جهود موسكو الحربية

TT

26 دولة منخرطة في توفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا والمساهمة الأميركية قيد البلورة

الرئيسان ماكرون وزيلينسكي خلال مؤتمرهما الصحافي الذي أعقب اجتماع «تحالف الراغبين»
الرئيسان ماكرون وزيلينسكي خلال مؤتمرهما الصحافي الذي أعقب اجتماع «تحالف الراغبين»

«تحالف الراغبين» الداعم لأوكرانيا عقد الخميس اجتماعاً حاسماً شارك فيه 33 رئيس دولة وحكومة، وأمين عام الحلف الأطلسي، ورئيس المجلس الأوروبي ورئيسة مفوضيته، إضافة إلى ستيف ويتكوف، الممثل الشخصي للرئيس الأميركي في الملف لأوكراني، غرضه الأول تأكيد جهوزية «التحالف» لتقديم الضمانات الأمنية التي تطلبها أوكرانيا لمرحلة ما بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. والهدف الثاني من المؤتمر «الضغط» على الطرف الأميركي حتى يكشف، بدوره، عما يلتزم به من ضمانات، خصوصاً أن انخراط الأوروبيين عملياً في الوفاء بما التزموا به مربوط إلى حد بعيد بالموقف الأميركي، وتحديداً فيما خص إرسال قوة أوروبية تنتشر على الأراضي الأوكرانية لطمأنة كييف وردع روسيا عن القيام بمغامرة عسكرية جديدة بعد التوصل إلى اتفقا سلام بينها وبين أوكرانيا.

أكبر اجتماع لـ«تحالف الراغبين»

الاجتماع، كما كان مقرراً، جاء «هجيناً»؛ إذ شارك فيه، حضورياً سبع رؤساء دول وحكومات إلى جانب الرئيسين الفرنسي والأوكراني وستيف ويتكوف، الممثل الشخصي لـترمب. وبالمقابل، فإن 29 رئيس دولة وحكومة تابعوه عن بعد، أبرزهم المستشار الألماني، ورئيس الوزراء البريطاني الذي شارك في ترؤس الاجتماع مع الرئيس ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية. وعقد ويتكوف مجموعة من اللقاءات، أحدها على انفراد مع فولوديمير زيلينسكي، وآخر مع مستشاري الرئيسين الأوكراني والفرنسي، والمستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني. والغرض من كل اللقاءات والاجتماعات وضع اللمسات الأخيرة على الضمانات الأمنية التي وافق الأوروبيون (ومعهم كندا، واليابان وأوستراليا) على توفيرها لكييف، إضافة إلى التعرف عن قرب وبشكل واضح على ما تنوي واشنطن، عملياً تقديمه في هذا السياق. وأراد الأوروبيون من خلال إبراز وحدتهم وحزمهم في توفير الدعم لأوكرانيا تحفيز ترمب على التحرك بشكل حاسم لصالح أوكرانيا.

ولأن الموقف الأميركي له تأثير حاسم على قرارات الأوروبيين؛ فإن اتصالاً جماعياً حصل بعد انتهاء اجتماعات الإليزيه، بين عدد من المسؤولين الأوروبيين ومن بينهم زيلينسكي وبين الرئيس ترمب لعرض ما قرروه عليه، وللتعرف على آخر قراراته. وفي بداية لقاء الإليزيه، قال ماكرون إنه «سيسمح بوضع اللمسات الأخيرة على الضمانات الأمنية المتينة التي ستقدم لأوكرانيا». وكان قد أعلن، مساء الأربعاء، أن «أوروبا جاهزة للمرة الأولى عند هذا المستوى من الانخراط والقوة» لدعم أوكرانيا، مضيفاً أن «العمل التحضيري» الذي قام به قادة الأركان الأوروبيون ووزراء الدفاع قد «أنجز»، وأنه «سيعتمد سياسياً» خلال الاجتماع. ولخص مارك روته، أمين عام الحلف الأطلسي الوضع بقوله إن حلفاء أوكرانيا ينتظرون الآن «ما يرغب الأميركيون في تقديمه بشأن مساهمتهم». من جانبها، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن «تحالف الراغبين» سيعمل خلال اجتماع باريس على بناء قوة متعددة الجنسيات لأوكرانيا بدعم من الولايات المتحدة.

الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مشاركتهما الخميس بقصر الإليزيه في قمة «تحالف الراغبين» (د.ب.أ)

قلق أوروبي من تصريحات بوتين

حقيقة الأمر، أن الاجتماع حصل في أجواء متشائمة إزاء نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تجاهل تاريخ الأول من سبتمبر (أيلول) الذي حدده الرئيس ترمب لحصول اجتماع قمة بينه وبين زيلينسكي. كذلك، فإن تصريح بوتين من بكين، الأربعاء، حيث أعلن أن بلاده «ستحقّق أهدافها في أوكرانيا بالسبل العسكرية إذا ما أخفقت المفاوضات مع كييف»، مشدداً على أن قوّاته تبقى «في موقع هجومي» على الجبهة بكاملها. كذلك، فإن ظهوره إلى جانب الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس كوريا الشمالية وقادة أوروبيين وآخرين من «الجنوب الشامل» عُدّ بمثابة «تحدٍ» للغربيين. وقد أثار ذلك سخط ترمب الذي قال لموقع «ذا ديلي كولر» الأميركي، الثلاثاء: «أنا محبط جداً من الرئيس بوتين... آلاف الأشخاص يموتون، إنها حرب لا معنى لها».

وبرز التشاؤم الأوروبي في قول كير ستارمر إنه «لا يمكن الوثوق» في بوتين، بينما نُقل عن وزير الدفاع الألماني أن «لا مؤشرات» تدل على وقف لإطلاق النار أو التوصل لاتفاق سلام قريب، وأن بوتين «يستخف بالغرب». وثمة من عدَّ أن الأوربيين سعوا لاقتناص فرصة غيظ ترمب من بوتين لاجتذابه نحو سياسة متشددة إزاء روسيا، ولتنفيذ الوعد الذي قطعه خلال اجتماعهم به في البيت الأبيض يوم 18 أغسطس (آب) لجهة التزام واشنطن بتوفير «ضمانات أمنية» دون الكشف عما يعنيه حقيقة. ويراهن الأوروبيون على «تجاوبهم» مع مطالب ترمب، ومنها بدء تمويل شراء أسلحة أميركية لصالح أوكرانيا ورفع ميزانياتهم الدفاعية.

ماكرون وزيلينسكي: أميركا جزء من الضمانات الأمنية

خرج المجتمعون في باريس بنتائج يمكن وصفها بـ«الإيجابية» لجهة توفير الضمانات لأوكرانيا لمرحلة ما بعد الحرب. وإزاء البلبلة التي تحيط بهذا الملف؛ حرص الرئيس الفرنسي، في مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس زيلينسكي، على التأكيد أن «تحالف الراغبين» سيكون جاهزاً لتفعيل هذه الضمانات مهما تكن الصيغة التي سيتوقف القتال بموجبها، أكانت وقفاً لإطلاق النار أو هدنة أو اتفاق سلام.

والأهم من ذلك، وهو ما شدد عليه ماكرون وزيلينسكي، تباعاً، أن 26 دولة غالبيتها الساحقة أوروبية، أكدت مساهمتها في نشر «قوة طمأنة» بمشاركات مختلفة أكانت براً أو جواً أو بحراً.

وامتنع ماكرون عن توفير تفاصيل حول طبيعة هذه المساهمات وكيفية توزعها، مؤكداً أنه تم التوصل إليها من خلال عمل دقيق لقادة أركان الجيوش الأوروبية وبالتعاون مع الحلف الأطلسي والولايات المتحدة الأميركية.

وحرص الرئيس الفرنسي على تأكيد أن ثلاث دول أوروبية رئيسية (ألمانيا وإيطاليا وبولندا) هي جزء من مجموعة الـ26 دولة. لكن المسؤولين الألمان وكذلك الإيطاليون يرفضون إرسال قوات لأوكرانيا. لكن المتوافق عليه داخل المجموعة أن تقدم كل دولة ما هي راغبة فيه أو قادرة عليه؛ إذ هناك «تكامل» بين الأطراف التي تتشكل منها. وقال مكتب ستارمر بعد الاجتماع إن رئيس الوزراء البريطاني «شدد على أن المجموعة لديها تعهد لا يمكن كسره تجاه أوكرانيا، بدعم من الرئيس ترمب، ومن الواضح أن عليهم الآن أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك للضغط على (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين من أجل وقف القتال».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على مدخل قصر الإليزيه (أ.ب)

النفط الروسي مجدداً

استفاد الرئيس ترمب من الاتصال الأوروبي بعد ظهر الخميس لتذكير هؤلاء بأن عليهم أن يتوقفوا عن شراء النفط الروسي الذي يؤمّن نحو 1.1 مليار دولار لموسكو، ويسهم في تمويل المجهود الحربي الروسي. وقال زيلينسكي إن دولتين أوروبيتين (المجر وسلوفاكيا) تواصلان شراء النفط الروسي في حينا تفيد معلومات أخرى بأن الغاز الروسي المسال ما زال يتدفق في بعض الأسواق الأوروبية. بيد أن الأوروبيين يريدون مواصلة الضغط على روسيا لحملها على تغيير مقاربتها ووضع حد للحرب.

بيد أن الوصول إلى هذا الهدف يفترض زيادة الضغوط على الرئيس بوتين كما شدد على ذلك زيلينسكي وماكرون ومسؤولون أوروبيون آخرون من خلال فرض عقوبات إضافية بعضها يتناول النفط والغاز الروسيين. ونبَّهت برلين، في بيان، من أنه «إذا واصلت روسيا كسب الوقت، فإن أوروبا ستزيد من ضغط العقوبات لزيادة فرص الحل الدبلوماسي». وأوضح ماكرون أن الأوروبيين سيفرضون عقوبات جديدة «بالتنسيق مع الولايات المتحدة» إذا واصلت موسكو رفض إحلال السلام في أوكرانيا. والواقع أن إدارة ترمب رفضت، حتى اليوم، الخوض في فرض عقوبات على روسيا. ومجدداً، طالب زيلينسكي بقمة تجمعه مع بوتين عادَّاً أن مقترحه بحصولها في موسكو يعني التهرب وعدم الرغبة في حصولها.


مقالات ذات صلة

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

أوروبا الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

قالت القوات الأوكرانية إنها رصدت جنوداً روساً يمتطون الخيول قرب خط المواجهة، في مؤشر على الأساليب الارتجالية التي تستخدم في ساحة المعركة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي (أرشيفية - أ.ب) play-circle

روسيا تتحدث عن «تقدم بطيء» في المفاوضات بشأن أوكرانيا

سجلت موسكو تقدماً «بطيئاً» في المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن خطة إنهاء الحرب في أوكرانيا، ونددت بمحاولات «خبيثة» لإفشالها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا السيارة التي قتل فيها الجنرال فانيل سارفاروف (56 عاماً) وسط منطقة سكنية في موسكو الاثنين (رويترز)

مقتل ضابط روسي كبير بانفجار سيارة في موسكو

قُتل جنرال في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي في انفجار سيارة في جنوب موسكو، وذلك بعد ساعات فقط من إجراء مندوبين روس وأوكرانيين محادثات منفصلة في ميامي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

كشف تحقيق جديد عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر قمة المجلس الاقتصادي الأوراسي الأعلى في سانت بطرسبرغ الأحد (أ.ب)

الكرملين ينفي سعي بوتين للسيطرة على أوكرانيا بالكامل

نفي الكرملين تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى للسيطرة على أوكرانيا بالكامل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)

قالت الشرطة إن سيارة اندفعت نحو حشد من الأشخاص الذين كانوا ينتظرون مشاهدة عرض في مدينة بشرق هولندا، مساء اليوم الاثنين، ما أسفر عن إصابة تسعة أشخاص، ثلاثة منهم على الأقل إصاباتهم خطيرة.

وأوضحت شرطة جيلدرلاند، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن الحادث لا يبدو متعمداً في الوقت الحالي، لكنها فتحت تحقيقاً.

وكان الناس ينتظرون مشاهدة عرض لمركبات مزينة بأضواء عيد الميلاد في مدينة نونسبيت، الواقعة على بعد نحو 80 كيلومتراً شرق أمستردام.

وقالت بلدية إلبورج المجاورة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن العرض توقف بعد الحادث.

وقال رئيس البلدية يان ناثان روزندال في بيان: «ما كان ينبغي أن يكون لحظة تضامن انتهى بقلق وحزن كبيرين».

وأضافت الشرطة أن السائقة، وهي امرأة (56 عاماً) من نونسبيت، أصيبت بجروح طفيفة، وتم توقيفها «كما هو معتاد في حوادث المرور الخطيرة»، دون تقديم مزيد من التفاصيل.


أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)

قالت القوات الأوكرانية إنها رصدت جنوداً روساً يمتطون الخيول قرب خط المواجهة، في مؤشر على الأساليب الارتجالية التي تستخدم في ساحة المعركة.

ونشر اللواء الهجومي 92 التابع للجيش الأوكراني، اليوم الاثنين، مقطع فيديو يظهر على ما يبدو عدداً من الجنود الروس يتنقلون على ظهور الخيل أو البغال، ويتعرضون لهجمات بطائرات مسيرة صغيرة، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وقال اللواء 92، في منشور عبر تطبيق «تلغرام»، «يخسر المحتلون الروس معداتهم بسرعة كبيرة في هجماتهم المباشرة التي لا توفر سوى فرص ضئيلة للنجاة، إلى درجة أنهم باتوا مضطرين للتحرك على ظهور الخيل».

لقطة من فيديو نشرته القوات الأوكرانية تظهر ما يبدو وكأنه جندي روسي يمتطي جواداً ويحاول عبور منطقة مفتوحة قبل أن تصيبه طائرة مسيرة

وقال محللون إنه من المرجح أنه تم تصوير مقطع الفيديو في منطقة دنيبروبيتروفسك جنوبي البلاد، على الرغم من عدم إمكانية التحقق من الموقع بشكل مستقل.

وبحسب ما يظهر في اللقطات، كان الجنود الروس يحاولون عبور حقل واسع ومفتوح بأسرع ما يمكن.

وتعتمد القوات الروسية بشكل متزايد على مجموعات هجومية صغيرة للتقدم بسرعة نحو المواقع الأوكرانية ثم محاولة التحصن فيها. وأظهرت مقاطع فيديو سابقة جنوداً روساً يستخدمون دراجات نارية مخصصة للطرق الوعرة، ودراجات رباعية الدفع، ودراجات كهربائية كوسيلة للتنقل.

كما شوهد جنود أوكرانيون يستخدمون الدراجات الجبلية الكهربائية والدراجات النارية للتنقل بسرعة عبر ساحة المعركة.


شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)
TT

شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)

كشفت وثائق حكومية بريطانية رُفعت عنها السرّية مؤخراً، أن كورت هان، مؤسس مدرسة «غوردونستون» الشهيرة التي تلقّى فيها الملك تشارلز تعليمه في شبابه، خضع لمراقبة دقيقة من جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (MI5)، على خلفية تقارير وُصفت آنذاك بـ«المقلقة»، شككت في ولائه لبريطانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وفقاً لصحيفة «التايمز».

وتُظهر الملفات، التي كان مقرراً الإبقاء عليها سرية حتى عام 2046، أن هان أُجبر فعلياً على مغادرة اسكوتلندا عام 1940، بعد اتهامات رسمية بأنه قد يكون «جاسوساً ألمانياً خطيراً»، في واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ التعليم البريطاني الحديث.

وكان هان، المولود في ألمانيا، يُشاد به بوصفه مربياً رائداً وصاحب رؤية تربوية ثورية، إذ أسس مدرسة «غوردونستون» عام 1934 في مقاطعة موراي شمال شرقي اسكوتلندا، بعدما اضطر إلى مغادرة بلاده بسبب انتقاداته العلنية لهتلر. ولاحقاً، استضافت المدرسة ثلاثة أجيال من العائلة المالكة البريطانية، من بينهم الأمير فيليب، دوق إدنبرة، والملك تشارلز.

غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أعاد فتح ملف ولاء هان، وسط تصاعد المخاوف من غزو نازي محتمل للسواحل الاسكوتلندية. وتكشف مراسلات رسمية أن الدعوة إلى التحقيق معه، قادها توماس كوبر، المدعي العام الاسكوتلندي آنذاك، إلى جانب جيمس ستيوارت، نائب كبير منسقي الانضباط الحزبي لرئيس الوزراء ونستون تشرشل.

وفي رسالة بعث بها كوبر إلى وزارة الداخلية في يونيو (حزيران) 1940، قال إن «الملف المُعد ضد هان، ربما يكون أخطر من أي ملف آخر»، مضيفاً أن جهاز «MI5»؛ «يعرف كل شيء عن هذا الرجل»، وأنه «إما جاسوس خطير أو عميل بريطاني».

واتهم كوبر مدرسة «غوردونستون» بأنها تشكّل موقعاً مثالياً للتجسس، نظراً لموقعها المشرف على خليج موراي، وقربها من مطارات ومحطة لاسلكية، فضلاً عن امتلاكها تجهيزات اتصالات مكثفة وعدداً كبيراً من أجهزة الاستقبال اللاسلكي. كما أشار إلى وجود عدد كبير من الألمان ضمن طاقم المدرسة، بعضهم ضباط سابقون في الجيش الألماني.

وأضاف أن مراقبة هواتف المدرسة خلال شتاء 1939 - 1940 كشفت عن مكالمات بعيدة المدى تتناول موضوعات تبدو «تافهة» عن الزراعة والماشية، لكنها، بحسب تقديره، كانت رسائل «مشفّرة».

وفي السياق نفسه، بعث جيمس ستيوارت برسالة إلى وزير الأمن الداخلي، السير جون أندرسون، متسائلاً عن إمكانية نقل المدرسة إلى «منطقة أقل حساسية». وجاء الرد أن هان يعتزم نقل المؤسسة إلى ويلز، وهو ما تم بالفعل في يوليو (تموز) 1940، «لتهدئة المخاوف المحلية»، وفق تعبير الوزارة.

وتضم الملفات أيضاً رسالة من مدير مدرسة مجاورة، اتهم فيها هان باستقبال نازي ألماني كان يتردد ليلاً على المدرسة، ويقوم بجولات تصوير للساحل الاسكوتلندي ومنشآت حيوية قريبة.

وعلى الرغم من كل تلك الشبهات، تُظهر السجلات الأمنية اللاحقة أن أجهزة الاستخبارات لم تعثر على أي دليل يثبت تورط هان في نشاط معادٍ لبريطانيا. وخلص تقرير رسمي لوزارة الداخلية إلى أنه «لا يوجد ما يبرر القلق»، مؤكداً أن هان «معجب بالمؤسسات البريطانية» ولا يكنّ أي عداء للبلاد.

كما تكشف الوثائق أن هان كان يزوّد مكتب الدعاية البريطاني بمعلومات بشكل غير رسمي، من دون علم وزارة الداخلية أو جهاز «MI5»، ما يرجّح أنه كان أقرب إلى متعاون غير معلن منه إلى مشتبه به حقيقي.

وإلى جانب الجدل الأمني، تسلّط الوثائق الضوء على فلسفة هان التربوية المثيرة للجدل، التي قامت على ما وصفه بـ«مختبر تربوي» قاسٍ، شمل تعريض التلاميذ لظروف بدنية شديدة؛ مثل الجري حفاة في الثلج، والاستحمام بالماء البارد، والتدريب البدني الصارم، في إطار إيمانه بأن «قوة الطفولة الروحية» يمكن الحفاظ عليها ومنع «تشوّه المراهقة».

وكان الأمير فيليب من أبرز المدافعين عن هان، واستلهم لاحقاً أفكاره في تأسيس «جائزة دوق إدنبرة». في المقابل، لم يُخفِ الملك تشارلز استياءه من سنوات دراسته في «غوردونستون»، واصفاً إياها لاحقاً بأنها «سجن بلباس اسكوتلندي».

وتوفي كورت هان عام 1974 عن عمر ناهز 88 عاماً في ألمانيا، بينما لا تزال مدرسته تواجه إرثاً مثقلاً بالانتقادات؛ ففي العام الماضي، قدمت «غوردونستون» اعتذاراً رسمياً بعد تحقيق اسكوتلندي خلص إلى وجود «ثقافة مروّعة من الإساءة والعنف» داخل المدرسة قبل عام 1990.