«إسنا» المصرية تقتفي أثر الأجداد في حُلّة عصرية

فازت بجائزة «الآغا خان» للعمارة بفضل ترميم تراثها وأسواقها

TT

«إسنا» المصرية تقتفي أثر الأجداد في حُلّة عصرية

سوق القيسارية (الشرق الأوسط)
سوق القيسارية (الشرق الأوسط)

تعكس صفحة النيل البيضاء الواسعة صورة المباني العتيقة التي تطلّ عليها في مدينة إسنا، الممتدّة في الضفة الغربية من النيل جنوب محافظة الأقصر، حيث تنتشر عشرات المباني المحيطة بمعبد خنوم الأثري، ومئذنة المسجد العمري التي يعود تاريخ إنشائها إلى مئات السنوات.

في إسنا، يستطيع الزائر أن يعود بالزمن إلى عصور مختلفة - يونانية ورومانية وقبطية وإسلامية وحديثة - وبامتزاج الشواهد الأثرية لهذه العصور تتميّز المدينة بطابع معماري وحضاري استثنائي.

مدينة إسنا تتمتّع بإطلالة ساحرة على نهر النيل (الشرق الأوسط)

ورغم قِدَم كثير من مباني إسنا وتهالكها، فإنّ ذلك يمنحها قيمة مضافة، وجمالاً دفيناً استطاع مشروع شركة «تكوين» إعادة اكتشافه. وقد زارت «الشرق الأوسط» المدينة ورصدت جوانب عدّة من أسباب فوز مشروع إعادة إحياء إسنا التاريخية بجائزة «الآغا خان» المرموقة.

تحت أشعة الشمس الساطعة، يكون للسقيفة الخشبية التي تغطي شارع البازارات السياحية وقعٌ سحري مع نسمات الهواء الشاردة، والابتسامة التي تكسو وجوه أصحاب المتاجر والورشات، ومن بينهم عصام زنط، صاحب متجر «خنوم» الشهير بصناعة المنسوجات اليدوية، ومنها «الفرخة» و«الحبرة»، وهما ملابس تراثية تخصّ سيدات إسنا فقط.

متجر لبيع الملابس المصنوعة يدوياً (الشرق الأوسط)

ويعتمد زنط على بيع منتجاته اليدوية، ولاعتزازه بذلك استعان بأقدم صانع نسيج ومفروشات وملابس يدوية في إسنا، «العم يني»، الذي يحترف هذه المهنة منذ أكثر من نصف قرن، ويحتل جزءاً مميزاً من المتجر المزيّن بأشكال وألوان وتصاميم تسرّ الناظرين.

ويجري العمل في هذا الشارع للانتهاء من توصيل الصرف الصحي، إلى جانب تطوير كثير من البازارات على جانبيه؛ وهو الشارع الذي يفضي في نهايته إلى معبد خنوم الأثري، حيث تتركّز معظم آثار إسنا اليونانية - الرومانية والإسلامية والقبطية في المنطقة المحيطة به.

حجر الزاوية

استطاع مشروع تطوير معبد خنوم إعادة اكتشاف الألوان الأصلية لنقوش أعمدته وسقفه، بعدما كانت مغطاة بالاتساخات والتكلسات لسنوات طويلة. كما جرى تنفيذ مشروع خدمات متكامل لتحسين تجربة السائحين بتصميم من «تكوين». وتتيح الإطلالة البانورامية على المعبد، الواقع في منطقة منخفضة نسبياً عن مستوى الشوارع المحيطة، رؤية كاملة له.

معبد خنوم الأثري في إسنا (الشرق الأوسط)

وعلى يسار واجهة المعبد، تطلّ وكالة الجداوي الأثرية التي يزيد عمرها عن 200 عام، والتي كانت تُستخدم قديماً للتجارة والإقامة على غرار وكالات القاهرة التاريخية؛ فبينما كانت تُباع السلع والبضائع في الطابق الأرضي، كان التجّار يستريحون وينامون في الطابق العلوي.

وقد رُمِّمت هذه الوكالة وطُوِّرت لتصبح معرضاً دائماً لتراث إسنا وهي مفتوحة حالياً للزيارة، وتتميّز بواجهتها البنية. ووفق مفتش الآثار بإسنا، الدكتور محمد محيي الدين، فإنّ وكالة الجداوي التي تعود للعصر العثماني ظلت مغلقة لعقود بسبب تدهورها، قبل أن يُعاد إحياؤها من جديد.

وكالة الجداوي الأثرية (الشرق الأوسط)

ويقول محيي الدين إنّ «معبد خنوم الذي يتوسّط البيوت ويُعدّ حجر الزاوية للمدينة خير شاهد على العصر اليوناني - الروماني بإسنا، فيما تمثل الكنائس العتيقة القريبة منه، مثل دير الشهداء ودير الفاخوري، شواهد العصر القبطي في المدينة».

مئذنة فريدة

وعلى مقربة من معبد خنوم تطلُّ مئذنة الجامع العمري بتصميمها الفريد والمميّز. ورغم تهدُّم مبنى الجامع في العصور القديمة، فإنّ المئذنة ما زالت قائمة بقاعدتها المربعة وجسمها الدائري وقبتها الفريدة في القمّة، معبّرة عن عبق التاريخ الإسلامي في المدينة.

ويعود تاريخ إنشائها إلى العام الهجري 474 (1081 ميلادياً)، ولها شبيهة في قرية أصفون بُنيت عام 475 هجرياً. ومن العصر العثماني أيضاً تبرز وكالة الجداوي وبعض البيوت التراثية العائدة إلى عصر أسرة محمد علي، وفق محيي الدين.

مئذنة الجامع العمري (الشرق الأوسط)

ويوجد كثير من مباني إسنا خارج سجلات الآثار المصرية وقائمة المباني ذات الطابع المعماري المتميّز، رغم مرور أكثر من 100 عام على إنشائها. وقد وثَّقت شركة «تكوين» كثير منها، وبينما عرضت الشركة ترميم بعض المباني القريبة من المعبد، فإنّ أصحابها رفضوا ذلك.

وعلى يمين واجهة معبد خنوم، الذي يُعدّ نواة مركزية وواجهة مميّزة للمدينة وأثرها الأبرز، ثمة سوق القيسارية، وهي سوق مخصّصة لأهالي إسنا. وقد طوّرت «تكوين» عشرات المتاجر فيه وظلّلته بسقيفة خشبية.

مصطفى أبو دوح صانع الأختام اليدوية (الشرق الأوسط)

وفي بداية هذا الشارع، يجلس مصطفى أبو دوح، الحِرفي المتخصص في صناعة الأختام اليدوية. ورث هذه الحرفة عن والده، ويستطيع نقش أي اسم بمهارة فائقة على الأختام النحاسية الصغيرة التي يشتريها الزوار والسائحون هدايا تذكارية.

أعتاب نادرة

وفي مدينة إسنا، تنتشر كثير من أعتاب البيوت الأثرية، وهي ألواح خشبية محفورة عليها أبيات شعر أو آيات من القرآن أو من الإنجيل أو أسماء أصحاب البيوت، فتُعدّ بمثابة بطاقة تعريفية لسكانها وتتميّز بزخارفها الإسلامية والقبطية.

أعتاب تاريخية في إسنا (الشرق الأوسط)

وإسنا بمثابة متحف مفتوح لما تحتويه من منازل تراثية تفوح بعبق التاريخ، بجانب الحرف العتيقة على غرار معصرة بكور للزيوت التي يعود تاريخ إنشائها إلى نحو 200 عام، والتي ما زالت تنتج زيت السمسم وحبة البركة والخسّ. وهي معصرة بدائية تعمل بشكل محدود حالياً، وقد رمَّمتها شركة «تكوين» وطوّرتها لإتاحة الفرصة للزوار للتعرُّف إلى تاريخها وطريقة استخلاص الزيوت. ويقول صاحبها إنه ورثها عن والده وأجداده، ولم يفرّط فيها رغم تغيُّر الزمن، مشيراً إلى أنها رمز وعنوان لعائلته.

سوق القيسارية (الشرق الأوسط)

ورغم أنّ التفكير في تطوير إسنا بدأ قبل 15 عاماً، فإنّ التنفيذ تأخر طويلاً بسبب اضطرابات سياسية واقتصادية شهدتها مصر، حتى انطلق المشروع عام 2017 في مرحلته الأولى.

ووفق مدير شركة «تكوين» المسؤولة عن تصميم مشروع إعادة إحياء إسنا التاريخية وتطويره، كريم إبراهيم، فإنه جرى اختيار إسنا بشكل خاص لأنها مدينة سياحية تقع على الخط السياحي (الأقصر - أسوان) ضمن مدن أخرى، لكنّ السياحة الثقافية في صعيد مصر تُواجه تحدّيات كبيرة، منها التركيز على المواقع الأثرية فقط مع تهميش المناطق العمرانية المحيطة.

ورشة الخشب التي تبرز الهوية الإسناوية (الشرق الأوسط)

وتُجسّد مدينة إسنا - الواقعة على بُعد 60 كيلومتراً جنوب الأقصر - هذه التحدّيات، إذ اقتصر النشاط السياحي فيها على معبد خنوم (180 ق. م.)، مما أدّى إلى انخفاض أعداد الزوار وتهميش المناطق التاريخية المحيطة وسكانها، بالإضافة إلى وجود خطط سابقة لهدم مئات المباني التقليدية حول المعبد.

نموذج مبتكر

ولمواجهة هذه التحدّيات، وبالشراكة مع الجهات الحكومية، صمَّمت «تكوين» ونفَّذت مشروعاً يهدف إلى إعادة تصوّر واقع المدن المصرية المتوسطة والمهمّشة، وتطوير نموذج مبتكر قابل للتطبيق يُسهم في إحياء المدن وتنمية الاقتصاد المحلّي بشكل شامل.

ونُفّذ مشروع «إحياء مدينة إسنا التاريخية» بالشراكة مع وزارة السياحة والآثار، ومحافظة الأقصر، ووزارة التعاون الدولي، وبدعم من «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، وتنفيذ «تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة».

وكالة الجداوي من الداخل (الشرق الأوسط)

ومن أبرز إنجازات المشروع: ترميم وكالة الجداوي الأثرية وافتتاحها لاستقبال الزوار بعد إغلاقها لعقود، وتطوير منطقة الزيارة والخدمات بمعبد خنوم، وترميم وإعادة استخدام الاستراحة الملكية بقرية المطاعنة التابعة لإسنا، وتطوير شارع البازارات السياحية الذي يضمّ 90 محلاً تجارياً، إلى جانب تطوير السوق التقليدية المغطاة بالقيسارية التي تضمّ 144 محلاً تجارياً.

مطعم «أوكرا» الذي تديره سيدات في إسنا (الشرق الأوسط)

كما شمل المشروع ترميم وإعادة تأهيل 15 مبنى ذا قيمة معمارية متميزّة بقلب المدينة، وتطوير 17 بازاراً سياحياً وفندقاً محلّياً ومقهى في المسار السياحي، وإنتاج مطويات للمنشآت المطوَّرة، وتوثيق أكثر من 40 وصفة تقليدية من خلال مسابقة «مطبخ إسنا» بمشاركة سيدات المدينة. كذلك جرى تطوير وافتتاح مطعم «أوكرا» بإدارة نساء من المجتمع المحلّي، وافتتاح أول ورشة خشب «كاروت» بإدارة نساء أيضاً، لإنتاج منتجات خشبية مستوحاة من تراث المدينة، إلى جانب وضع لافتات إرشادية للمواقع التراثية.

وتُعد شركة «تكوين» أول شريك مصري مع مشروع أميركي لجهتَي التصميم والتنفيذ. ويقول إبراهيم: «حقّقنا تنمية متكاملة وابتكرنا علامة تسويقية للمدينة خلال المرحلة الأولى من مشروع التطوير».

ويشير إلى بعض التحدّيات التي واجهتهم في البداية، ومنها عدم اهتمام أصحاب المتاجر والحِرف بجدوى المشروع، لذلك أنشأت الشركة نموذجاً لمتجر خاص بها في سوق القيسارية. وبعدما لاحظ باقي أصحاب المتاجر زيادة الإقبال على المتجر، اقتدوا بالتجربة.

هوية إسنا

وخلال عمله في المدينة، لاحظ إبراهيم وفريقه غياب منتجات يدوية تُعبّر عن هوية إسنا، فعمل على صناعة منتجات تذكارية مستوحاة من التراث المحلّي. كما أنشأ ورشة خشب تستلهم أشكالاً وتصميمات من الهوية الإسناوية، ويجري توزيع منتجاتها في متاجر تابعة بالقاهرة أو الأقصر. ويعمل في هذه الورشة عدد من الفتيات والشباب من أبناء المدينة.

معصرة تاريخية في المدينة (الشرق الأوسط)

ويرى مدير شركة «تكوين» أنّ تعاون الوزارات في مشروع إعادة إحياء إسنا من أهم أسباب نجاحه وفوزه بجائزة «الآغا خان» للعمارة. ويؤكد أنّ الحكومة المصرية رصدت ملايين الجنيهات لتطوير البنية التحتية في المدينة لمواكبة مشروع التطوير، لا سيما بعد زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قبل 10 أشهر.

ويضيف أنّ معايير الترشح إلى الجائزة تجعلها من أهم الجوائز المعمارية في العالم، نظراً إلى استقلاليتها وحرصها على استفادة الجمهور من مشروعات التطوير، بجانب إرسالها مراجعين فنّيين لمعاينة المشروعات على الأرض.


مقالات ذات صلة

«جائزة اللفت 2025»... تتويج جديد لأسوأ الإبداعات الفنّية

يوميات الشرق إعادة تعريف الإبداع من نقطة الصفر... الصفر تماماً (منظّمو جائزة اللفت)

«جائزة اللفت 2025»... تتويج جديد لأسوأ الإبداعات الفنّية

تُنظّم حانة في مقاطعة سومرست بجنوب غربي إنجلترا جائزة «اللفت» كل عام، وتُمنح للشخص الذي ابتكر عملاً فنياً سيئاً جداً باستخدام أقل جهد ممكن...

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)

عازفو «الأوركسترا» يتوجون الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية»

كرّمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الفائزين بجائزتها خلال حفل أقيم في دبي، شهد أداءً موسيقياً ساهراً لأوركسترا «أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة».

ميرزا الخويلدي (دبي)
يوميات الشرق داوسون يحتفل مع طفليه فوق اليقطين العملاق (أ.ب)

بوزن سيارة... مهندس يفوز بجائزة «اليقطينة العملاقة» في كاليفورنيا

فاز مهندس من هواة البستنة بالجائزة الأولى في مسابقة سنوية لوزن اليقطين في شمال كاليفورنيا، بعدما زرع يقطيناً عملاقاً بلغ وزنه 2346 رطلاً.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
المشرق العربي الصحافية الفلسطينية مريم أبو دقة تحاول ترفع هاتفها الجوال لالتقاط إشارة (إندبندنت عربية)

فوز مريم أبو دقة بجائزة «بطل حرية الصحافة العالمية»

أعلن المعهد الدولي للصحافة منح مراسلة «إندبندنت عربية» في غزة، الراحلة مريم أبو دقة، وسام «بطل حرية الصحافة العالمية» تكريماً لشجاعتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق روايات سناء شعلان تُنقّب في أسئلة الهوية والحبّ والمستقبل (حسابها الشخصي)

سناء الشعلان أول عربية مُرشَّحة لجائزة دولية في «أدب الخيال العلمي»

من المقرَّر أن يُتوَّج الفائز بالمسابقة الأوسع من نوعها ضمن مسابقات «أدب الخيال العلمي» الشهر المقبل في «متحف الذرّة» بموسكو.

رائد جبر (موسكو)

رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
TT

رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)

ساعات من الطرب والحماسة شهدتها أولى حفلات برنامج «صدى الوادي» في وادي صفار، مع صقر الأغنية الخليجية رابح صقر، والفنان ناصر نايف، ضمن فعاليات موسم الدرعية.

وانطلقت، الخميس، أولى حفلات برنامج «صدى الوادي»، في مشهد جمع بين القيمة التاريخية للمكان والإيقاع الفنّي الذي يُقدّمه موسم الدرعية 25-26، ضمن برامجه التي تمزج بين التاريخ والتراث والسياحة والترفيه.

وبدأت الأمسية على المسرح المفتوح بتصميمه الذي ينسجم مع الطبيعة الآسرة لوادي صفار شمال غربي مدينة الرياض، مع الفنان السعودي الشاب ناصر نايف الذي تفاعل معه الجمهور وهو يؤدّي أغنياته المُحبَّبة.

وتصاعدت حماسة الحضور مع ظهور صقر الأغنية الخليجية رابح صقر الذي لفت الأنظار بأدائه في عدد من أغنياته، أبرزها: «يوم ما أنا ضحّيت ما أقصد جحود»، و«حبيبي اللي همّه رضاي»، إلى جانب أداء ناصر الاستثنائي في «نسايم نجد»، و«خلي الليالي سعادة»، ومجموعة أخرى من الأغنيات التي أشعلت شتاء وادي صفار في أولى حفلات موسم الدرعية هذا العام.

الفنان ناصر نايف خلال الحفل (موسم الدرعية)

الفنان رابح صقر خلال الحفل (موسم الدرعية)

ويأتي اختيار وادي صفار لتنظيم الأمسية لما يمثّله من قيمة تاريخية وموقع حيوي كان على مدى العصور مَعْبراً للمسافرين وقوافل التجارة، وملتقى اجتماعياً لأهالي الدرعية، قبل أن يتحوَّل اليوم إلى مسرح مفتوح يحتضن فعاليات ثقافية وفنية تعكس حضور الموسم وتنوّع عروضه. ويندرج هذا الحفل ضمن برنامج موسيقي واسع يشارك فيه فنانون من أبرز الأسماء العربية؛ من بينهم: فنان العرب محمد عبده، وقيثارة العرب نوال، وراشد الفارس، وأميمة طالب، وفنانو حفل اليوم، الجمعة، عايض يوسف، وزينة عماد، بالإضافة إلى مجموعة من المواهب السعودية الممّيزة.

أجواء تراثية وطربية في ليالي «صدى الوادي» (موسم الدرعية)

ويُقدّم برنامج «صدى الوادي» سلسلة من الحفلات التي تستضيف أبرز الفنانين في العالم العربي، عبر إثراء التجربة الفنية لزوار موسم الدرعية من خلال عروض موسيقية متنوّعة تشمل السامري وفنون الأداء الجماعي، وتُبرز جماليات المكان بتكوينه الطبيعي وشواهده التاريخية.

وتشمل تفاصيل «صدى الوادي» تجربة متكاملة تبدأ باستقبال الزوار بطابع الضيافة السعودية، مروراً بعروض شعرية وغنائية، وصولاً إلى مرافق فنّية ومعارض تفاعلية، من بينها معرض السامري الذي يُقدّم سرداً بصرياً وثقافياً لتراث فنون الأداء النجدية عبر تقنيات رقمية وآلات موسيقية معروضة، بما يعزّز دور البرنامج في الحفاظ على الفنون التقليدية وإبرازها بأسلوب معاصر.


أداة مبتكرة تُساعد ضعاف البصر على البرمجة

الأداة الجديدة تمنح المبرمجين من ضعاف البصر استقلالية في التصميم (جامعة تكساس)
الأداة الجديدة تمنح المبرمجين من ضعاف البصر استقلالية في التصميم (جامعة تكساس)
TT

أداة مبتكرة تُساعد ضعاف البصر على البرمجة

الأداة الجديدة تمنح المبرمجين من ضعاف البصر استقلالية في التصميم (جامعة تكساس)
الأداة الجديدة تمنح المبرمجين من ضعاف البصر استقلالية في التصميم (جامعة تكساس)

طوّر فريقٌ بحثي دولي، بقيادة جامعة تكساس الأميركية، أداةً مدعومة بالذكاء الاصطناعي تُساعد المبرمجين من ضعاف البصر على إنشاء النماذج ثلاثية الأبعاد وتحريرها والتحقق منها بشكل مستقل.

وأوضح الباحثون أن هذه الدراسة تفتح الباب أمام إتاحة أدوات الإبداع التكنولوجي للأشخاص ضعاف البصر، وهو مجال لا يزال محدوداً جدّاً حتى الآن. وقد قُدّمت النتائج، الخميس، خلال مؤتمر «ASSETS 2025» الدولي للحوسبة في دنفر بالولايات المتحدة.

ويعاني المبرمجون ضعاف البصر تحديات كبيرة في العمل على الأكواد والنماذج الرقمية، إذ تعتمد أدوات برمجة تقليدية عدّة على الرؤية المباشرة للشاشات والنماذج ثلاثية الأبعاد.

ووفقاً للفريق، فإن نحو 1.7 في المائة من المبرمجين يعانون ضعف البصر، ويستخدمون أدوات مثل قارئات الشاشة وشاشات برايل التي تتيح لهم قراءة الأكواد بطريقة «برايل».

وجاء اهتمام الفريق في تطوير الأداة بعد ملاحظتهم التحديات التي واجهها زميلهم الكفيف أثناء دراسة النمذجة ثلاثية الأبعاد، إذ كان يحتاج دائماً إلى مساعدة الآخرين للتحقّق من عمله.

وتحمل الأداة المبتكرة اسم «A11yShape»، وتهدف إلى تمكين ضعاف البصر من تحرير النماذج والتحقّق منها دون الحاجة إلى مساعدة أشخاص مبصرين، ما يفتح أمامهم فرصاً أوسع للمشاركة في المشروعات التقنية والإبداعية بشكل مستقل.

وتعتمد الأداة على التقاط صور رقمية متعددة الزوايا للنماذج التي يُنشئها المبرمجون في محرر الأكواد «OpenSCAD»، ومن ثمَّ يستخدم النظام نموذجَ الذكاء الاصطناعي «GPT-4o» لتحويل الأكواد والصور إلى وصفٍ نصّي دقيق يمكن للمستخدم فهمه بسهولة.

كما تقوم الأداة بمزامنة التغييرات بين الكود والوصف والنموذج ثلاثي الأبعاد، وتوفّر مساعداً ذكياً شبيهاً بـ«روبوت دردشة» للإجابة عن أسئلة المستخدم المتعلّقة بالتصميم والتحرير.

وبذلك تتيح الأداة للمبرمجين من ضعاف البصر العملَ بشكل مستقل على تصميم النماذج ثلاثية الأبعاد من دون الحاجة إلى مساعدة شخص مبصر، ما يُعزّز فرصهم في الإبداع والمشاركة الفعلية في المشروعات التقنية.

واختبر الباحثون الأداة مع 4 مبرمجين من ضعاف البصر، وتمكّنوا بفضلها من إنشاء وتعديل نماذج ثلاثية الأبعاد لروبوتات وصواريخ وطائرات هليكوبتر بشكل مستقل.

وقال الدكتور ليانغ هي، الأستاذ المساعد في علوم الحاسوب بجامعة تكساس والباحث الرئيسي في الدراسة: «هذه خطوة أولى نحو تمكين الأشخاص ضعيفي البصر من الوصول إلى أدوات الإبداع، بما في ذلك النمذجة ثلاثية الأبعاد».

وأضاف، عبر موقع الجامعة، أن فريقه سيواصل تطوير الأدوات لدعم المبرمجين ضعيفي البصر في مهام إبداعية أخرى، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد وتصميم الدوائر الإلكترونية، بهدف تمكينهم من العمل بشكل مستقل في هذه المجالات.


الرياض تجمع 60 متحدّثاً عالمياً بمنصة فلسفية تبحث جذور الفكر بين الشرق والغرب

مدارس واتجاهات فلسفية عدّة ضمن برنامج متنوّع (هيئة الأدب)
مدارس واتجاهات فلسفية عدّة ضمن برنامج متنوّع (هيئة الأدب)
TT

الرياض تجمع 60 متحدّثاً عالمياً بمنصة فلسفية تبحث جذور الفكر بين الشرق والغرب

مدارس واتجاهات فلسفية عدّة ضمن برنامج متنوّع (هيئة الأدب)
مدارس واتجاهات فلسفية عدّة ضمن برنامج متنوّع (هيئة الأدب)

أكد الدكتور عبد اللطيف الواصل، رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة في السعودية، أنّ المرحلة الراهنة تتطلَّب استعادة دور الفلسفة في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتقدَّم فيه المادية، لتُعيد طرح الأسئلة الكبرى، وتُقدّم قراءة أعمق للتحوّلات التي يشهدها العالم.

وتابع الواصل، خلال افتتاح أعمال «مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025» في نسخته الخامسة، أنّ الرياض باحتضانها هذا الحدث المعرفي تُرسّخ مكانتها فضاءً حيّاً يتقاطع فيه عمق الفكرة مع حيوية التجديد، وتمنح الفكر موقعاً فاعلاً في صياغة الرؤى والأسئلة المعاصرة.

يشارك في المؤتمر 60 متحدّثاً عالمياً من الفلاسفة والمفكرين والباحثين (هيئة الأدب)

وتتواصل، منذ الخميس، نقاشات غنيّة ضمن أعمال المؤتمر الذي تُنظّمه هيئة الأدب والنشر والترجمة في مكتبة الملك فهد الوطنية، تحت عنوان «الفلسفة بين الشرق والغرب: المفاهيم، والأصول، والتأثيرات المتبادلة».

ويشارك في المؤتمر 60 متحدّثاً من الفلاسفة والمفكرين والباحثين من مختلف دول العالم، يمثّلون مدارس فلسفية متعددة، مما يمنح البرنامج تنوّعاً معرفياً يُعزّز مكانته منصةً دوليةً للحوار وتبادل الخبرات.

نقاشات مُعمَّقة ضمن ورشات العمل المُصاحبة للمؤتمر (هيئة الأدب)

وتشهد الفعالية أكثر من 40 جلسة حوارية تتناول جذور الفلسفة الشرقية والغربية، وطرائق التفكير، ومسارات التأثير المتبادل بين المدارس الفكرية، إلى جانب مناقشة قضايا معاصرة تتعلَّق بالمعنى الإنساني، والتحوّلات الثقافية، ودور الفلسفة في قراءة الواقع.

هذا الزخم العلمي يمنح الباحثين والمهتمّين رؤى متنوّعة ومقاربات موسَّعة، تُعمّق النقاشات الفلسفية وتُطوّر فهماً أوسع للأسئلة الكبرى في الفكر الإنساني.

مؤتمر الرياض عزَّز مكانته منصةً دوليةً للحوار وتبادل الخبرات (هيئة الأدب)

الروابط المشتركة بين الشرق والغرب

وأشار الواصل إلى أنّ اختيار عنوان المؤتمر يعكس حقيقة أنّ الفلسفة لم تُولد من الجغرافيا بقدر ما تشكّلت من السؤال. وأضاف أن تناول ثنائية الشرق والغرب ليس هدفه تكريس الانقسام، بل إبراز الروابط المشتركة بين التجارب الفكرية وما يجمعها من ميراث إنساني قائم على البحث عن المعنى وصناعة الوعي.

وأوضح أنّ انعقاد المؤتمر في نسخته الخامسة هو امتداد لمشروع فكري انطلق قبل 5 أعوام، وتحوَّل إلى مبادرة راسخة تُعزّز حضور الفلسفة وتُثري حوار الثقافات، وتُرسّخ موقع المملكة منصةً عالميةً في مجالات الإنتاج المعرفي وصناعة الفكر.

وأوضح الواصل أنّ المؤتمر بات اليوم مشروعاً يتنامى أثره عاماً بعد عام، ويتّسع حضوره محلّياً ودولياً، بما يعكس الثقة التي اكتسبها ودوره في دعم الحوارات الفلسفية بين الشرق والغرب.

يشهد المؤتمر أكثر من 40 جلسة حوارية تتناول جذور الفلسفة الشرقية والغربية (هيئة الأدب)

وأكّد أنّ الحاجة المتزايدة لاستعادة دور الفلسفة تنبع من واقع عالمي سريع التحوّل، تتقاطع فيه الأزمات والأسئلة الوجودية. وترى الرياض في هذا الحدث مساحة تتفاعل فيها الفكرة العميقة مع التجديد الفكري، في فضاء مفتوح يعكس المكانة المتنامية للمملكة في المشهد الفلسفي العالمي.

ويُعدّ «مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة» من أبرز الفعاليات الفكرية السنوية في المنطقة، إذ يُسهم منذ انطلاقته الأولى في تعزيز التواصل الثقافي العالمي، وإعادة تقديم الفلسفات بمختلف مدارسها في سياق دولي، وترسيخ الدور السعودي في دعم الإنتاج الفكري وبناء الجسور المعرفية بين الشرق والغرب، بما يخدم مسارات التنمية الثقافية والفكرية التي تشهدها المملكة.

مناقشة قضايا معاصرة تتعلَّق بالمعنى الإنساني والتحوّلات الثقافية (هيئة الأدب)

ويأتي انعقاد المؤتمر هذا العام امتداداً لمسيرته المعرفية التي بدأت قبل 5 أعوام، ليواصل دوره منصةً عالميةً تجمع المفكرين والباحثين والخبراء من مختلف دول العالم، وتُرسّخ مكانة السعودية مركزاً دولياً لإنتاج المعرفة وتعزيز الحوار بين الثقافات.