أثار مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً حول آثار «أبو صير» في منطقة سقارة (جنوب غربي القاهرة)، بعدما نفت وزارة السياحة والآثار المصرية صحة ما يُظهره، من وضع إحدى السائحات مادة زيتية على جدران مقبرة أثرية. وأكدت الوزارة في بيان رسمي أن هذا المقطع، الذي يُظهر تنفيذ طقوس خاصة بمعتقدات السائحة على جدران مقبرة بتاح شبسس، هو قديم وليس تسجيلاً حديثاً كما أُشيع.
ووجّه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد، بتشكيل لجنة أثرية متخصصة برئاسة الدكتور عمرو الطيبي، المشرف العام على منطقة آثار سقارة، لمعاينة المقبرة، وأكد تقرير اللجنة أن المقبرة في حالة جيدة من الحفظ، وأن جدرانها ونقوشها سليمة تماماً، ولم يُعثر على أي آثار لتلوثات أو بقع على الأعمدة أو الجدران ناتجة عن استخدام أي سوائل، على عكس ما ورد في الفيديو المتداول.

وشددت وزارة السياحة على ضرورة تحرّي الدقة قبل تداول أو نشر أي معلومات غير موثوقة قد تُثير الرأي العام، مؤكدة الحرص الكامل على صون جميع المواقع الأثرية والحفاظ عليها.
الدكتورة دينا سليمان، المتخصصة في آثار مصر والشرق الأدنى القديم بكلية الآثار والإرشاد السياحي في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «آثار منطقة سقارة من أغنى المواقع الأثرية في مصر القديمة، فهي ليست فقط موطناً لهرم زوسر المدرج الشهير، بل تضم أيضاً مجموعة من المقابر الملكية التي قلّما تحظى بالاهتمام الإعلامي الكافي، من أبرزها مقابر (أبو صير). فهذه المنطقة الواقعة بين الجيزة وسقارة تحمل أسراراً عن فترة مهمة من تاريخ الدولة القديمة، وتحديداً عصر الأسرة الخامسة».
وأضافت أن «أهمية (أبو صير) تنبع من كونها المقبرة الملكية التي اختارها ملوك الأسرة الخامسة لدفنهم، مثل الملك ساحو رع، وني وسر رع، ونفر إير كارع. وأهراماتهم قد لا تضاهي ضخامة أهرامات الجيزة، لكنها تكشف كثيراً عن تطور العمارة الجنائزية، والطقوس الدينية التي ارتبطت بعبادة الشمس في تلك الفترة. فمعبد الشمس الذي أقامه نفر إير كارع في أبو صير يعد شاهداً على التحولات الفكرية والدينية التي عرفتها مصر القديمة».

وتحمل المقابر المحيطة بأهرامات الملوك، والمعروفة بمصاطب كبار الموظفين، نقوشاً جدارية فريدة، وفق المتخصصة في آثار مصر والشرق الأدنى القديم، موضحة أن «هذه النقوش لا تقتصر على مشاهد القرابين والطقوس، بل تنقل أيضاً تفاصيل الحياة اليومية: الصيد في المستنقعات، وصناعة الجعة، وحركة التجارة. ومن خلالها نتعرف على طبيعة المجتمع المصري، حيث ارتبطت خدمة المعبد ومراسم الدفن بمكانة اجتماعية مرموقة».
وعدّت «الحديث عن (أبو صير) حديثاً عن مرحلة انتقالية في تاريخ مصر القديمة، حيث تراجع وهج الأهرامات العملاقة لصالح عمارة أكثر تواضعاً لكنها مشحونة بالرمزية الدينية والفكرية».
وتضم منطقة سقارة الأثرية العديد من الجبانات والأهرامات الصغيرة، من بينها هرم زوسر المدرج الذي يعد الأول من نوعه، وهرم أوناس، أول من نقش غرفة دفنه بنصوص الأهرام، وفق وزارة السياحة والآثار، في حين تضم منطقة أبو صير، التي تقع على بعد نحو 4.5 كيلومتر من سقارة، العديد من المقابر والآثار التي تعود للأسر الأولى في الدولة المصرية القديمة.
ويرى الخبير السياحي المصري بسّام الشماع أن «بيان الوزارة يؤكد سلامة المنطقة الأثرية وعدم تعرضها لأذى أو تلف، وبصرف النظر عما إذا كان هذا الفيديو قديماً أو حديثاً، فهو يعبر عن سلوك سيء يقوم به بعض السائحين». ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الموضوع لا يقتصر على مصر، ولكنه موجود في كثير من دول العالم، وقبل فترة سمعنا عن عمل تخريبي في محاولة لرش مادة ملونة على بعد مسافة قليلة من رأس نفرتيتي في متحف برلين».
ولفت الشماع إلى أنه «من الضروري وضع كاميرات مراقبة داخل المقابر الأثرية»، مشيراً إلى أنه يمكن وضع هذه الكاميرات في مقابر «أبو صير»، وسقارة، ومقابر وادي الملوك، ووادي الملكات وغيرها من الأماكن، لمعرفة من يقوم بتجاوزات مثل كشط أو تلوين أو أي محاولة لتشويه المقابر.


