المخرج الجزائري ينيس كوسيم: جُرح «العشرية السوداء» مصدر إلهام سينمائي

تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن كواليس عرض فيلمه «رقية» في «فينيسيا»

استغرق خروج الفيلم للنور 7 سنوات متواصلة (الشركة المنتجة)
استغرق خروج الفيلم للنور 7 سنوات متواصلة (الشركة المنتجة)
TT

المخرج الجزائري ينيس كوسيم: جُرح «العشرية السوداء» مصدر إلهام سينمائي

استغرق خروج الفيلم للنور 7 سنوات متواصلة (الشركة المنتجة)
استغرق خروج الفيلم للنور 7 سنوات متواصلة (الشركة المنتجة)

ضمن فعاليات «أسبوع النقاد» بالنسخة الحالية من مهرجان البندقية السينمائي، الذي يقام في الفترة من 27 أغسطس (آب) وحتى 6 سبتمبر (أيلول) الحالي، قدَّم المخرج الجزائري ينيس كوسيم فيلمه الجديد «رقية»، الذي يدور في إطار من الرعب عبر مسارين متوازيين في السرد لشخص فقد الذاكرة وآخر يعاني أعراض ألزهايمر.

الفيلم الذي كتبه وأخرجه ينيس كوسيم، ومن بطولة أكرم جغيم، وعلي نموس، ومصطفى جادجام، تتناول أحداثه في 90 دقيقة الماضي والحاضر، وتستذكر الأوقات الصعبة في فترة «العشرية السوداء»، التي مرَّت بها الجزائر خلال تسعينات القرن الماضي، وحصل على دعم من جهات عدة، منها «صندوق البحر الأحمر» و«وزارة الفن والثقافة الجزائرية».

يقول كوسيم لـ«الشرق الأوسط» إن فكرة الفيلم كانت نقطة التقاء لعوامل كثيرة اجتمعت في ذهنه في وقت واحد، وأضاف: «خلال وجودي في أحد فنادق تونس لمحت صورة لوحش برأس غول فيها تفاصيل كثيرة، وفي تلك اللحظة رأيت فيها انعكاساً للتراث الشعبي والأسطوري، لتتشكل الشرارة التي دفعتني إلى كتابة النسخة الأولى من السيناريو».

ولفت إلى أنه كان حريصاً على أن يقدم فيلماً يعكس الحوادث التي عاشتها الجزائر في تلك الحقبة، عادَّاً أن تلك المرحلة لا تزال في حاجة إلى أعمال فنية تذكّر بما جرى حتى لا يتكرر في الحاضر.

المخرج الجزائري ينيس كوسيم (الشركة المنتجة)

وأشار المخرج إلى أن ما جذبه إلى المشروع هو إمكانية المزج بين الرعب والجانب الأسطوري والخيالي، ليطرح سؤالاً مهماً حول كيفية تحول البشر أشخاصاً يمارسون العنف في مساحة درامية تحمل أبعاداً رمزية؛ الأمر الذي جعله يجد في قالب الرعب فرصة أوسع للتعبير عن هذا الصراع النفسي والاجتماعي.

وقال كوسيم: «عملت على المشروع لمدة 7 سنوات، وكانت الكتابة أصعب من التصوير بكثير، فهي قد تبدو عملية تلقائية، لكنها مرهقة»، مؤكداً أن تعقيد السيناريو لم يكن عائقاً بقدر ما كان عنصراً إيجابياً؛ لأنه أتاح تعمقاً في المشاعر والإحساس.

وأشار إلى أن العمل على البناء الموازي للقصتين في الحاضر والماضي أعطى الفيلم بعداً مركباً، لكنه ثري بالمعاني، لافتاً إلى أن «النسخة الأصلية من السيناريو تضمنت زمناً واحداً، لكن مع مرور الوقت تطور البناء عقب مشاركتي ببرنامج إقامة للكتابة في لوس أنجليس لمدة 6 أسابيع، استفدت خلاله من تقنيات جديدة في تطوير النصوص السينمائية، وهذا ساعدني في تحسين جودة العمل قبل أن أتخذ القرار النهائي بالاعتماد على المسارين المتوازيين في السرد».

حصل الفيلم على دعم من جهات عدة (الشركة المنتجة)

وأكد أن التحدي الأكبر بالنسبة له كان في أن هذا العمل يعدّ أول فيلم رعب ينجزه، إضافة إلى أن هذا النوع من الأعمال يحتاج إلى أكثر من مجرد تقنيات بصرية، من بينها القدرة على المزج بين التوتر النفسي والخيال الشعبي، وعدّ العمل على الفيلم «درساً مستمراً في كيفية استخدام الرمزية والبناء الدرامي، مع تجريب أساليب مختلفة حتى يصل إلى الصيغة التي يراها مناسبة».

وتابع: «التحضير للتصوير كان مرهقاً وصعباً، خصوصاً مع وجود ظروف خارجة عن إرادتي، مثل انسحاب ممثل قبل يومين من بدء التصوير؛ الأمر الذي جعلني مضطراً إلى إعادة ترتيب المشاهد والخيارات بسرعة كبيرة»، عادَّاً أن أصعب المشاهد كانت تلك التي تعتمد على الماكياج والمؤثرات الخاصة بالدم؛ لأنها كانت تحتاج إلى واقعية شديدة حتى لا تفقد تأثيرها على المتفرج.

وأكد المخرج الجزائري أن بعض الممثلين كانوا في ذهنه منذ لحظة الكتابة الأولى، مضيفاً: «عملت مع فريق التمثيل على دراسة الشخصيات بشكل عميق قبل دخول التصوير؛ لأن الممثل في رأيي يجب أن يفهم خلفية دوره جيداً حتى يقدم أداءً مقنعاً، مع خلق مساحة من التفاهم معهم والتوافق على التفاصيل الفنية؛ لأن نجاح الفيلم في النهاية يعتمد على تجسيدهم الصادق للتجربة».

وأوضح أنه يرى السينما مساحة لإعادة التفكير في الجروح المفتوحة في التاريخ الجزائري، وأعدّ أن «رقية» محاولة للتأمل في كيفية التعامل مع الصدمات الجماعية وما تتركه من أثر على الأفراد والأجيال.

عُرِض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان البندقية (الشركة المنتجة)

كما أشار إلى أن «استخدام الرعب والأسطورة لم يكن هدفه الإثارة فقط، بل تقديم رؤية إنسانية وسياسية في آن واحد، تسمح للجمهور بأن يتأمل في واقعه من خلال مرآة الخيال».

ولفت كوسيم إلى أن استحضار فترة «العشرية السوداء» خلال الأحداث كانت ضرورة لأسباب عدة، من بينها أنها كانت بمثابة «جرح لم يندمل بعد»، ولقناعته بأن السينما قادرة على إعادة التفكير فيما حدث؛ كي لا يعاد إنتاجه في المستقبل، لافتاً إلى أن دراسته الأساسية بالحقوق وتعلمه صناعة السينما بشكل ذاتي، واعتماده على التجارب الفردية والمبادرات الشخصية ساعده كثيراً.

وأضاف أن «الفيلم لم يكن ليرى النور بالصورة التي خرج بها لولا الدعم الذي حصل عليه من أكثر من جهة، على رأسها (صندوق البحر الأحمر السينمائي)، الذي لعب دوراً كبيراً في تمويل الإنتاج»، مؤكداً أن التجربة بالنسبة له لم تكن مجرد إنجاز لفيلم جديد، بل كانت رحلة بحث عن معنى العلاقة بين الماضي والحاضر.

وفي الختام، أشار المخرج الجزائري إلى أن عرض الفيلم في مهرجان «البندقية» سيكون بداية لجولة في مهرجانات سينمائية أخرى، معرباً عن أمله في أن «يفتح الفيلم النقاش حول دور السينما العربية في استعادة ذاكرة المجتمع وتوثيق الصدمات لتفاديها مستقبلاً».


مقالات ذات صلة

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

يوميات الشرق المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

يقدّم فيلم «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان محمد بكري في لقطة مع أسرته من فيلم «اللي باقي منك» (الشركة المنتجة)

كيف تمكنت 4 أفلام عربية من الوصول لقائمة الأوسكار المختصرة؟

لعلها المرة الأولى التي تنجح فيها 4 أفلام عربية في الوصول لـ«القائمة المختصرة» بترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم دولي، وهو ما اعتبره سينمائيون عرب إنجازاً كبيراً.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق فيونوالا هاليغان (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

فيونوالا هاليغان: نجوم عالميون معجبون بدعم «البحر الأحمر» لصناع الأفلام

بعد ختام الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، والتي مثّلت المحطة الأولى لفيونوالا هاليغان في موقعها مديرة للبرنامج الدولي، بدت أصداء التجربة واضحة.

أحمد عدلي (جدة)
يوميات الشرق مشهد من مسرحية «تكلم حتى أراك» في أول أيام المهرجان (هيئة المسرح)

«مهرجان الرياض للمسرح» ينطلق لتكريم الرواد ورعاية المبدعين

انطلق، الاثنين، مهرجان الرياض للمسرح في دورته الثالثة، الذي تنظِّمه هيئة المسرح والفنون الأدائية، ويشهد على مدى 7 أيام عروضاً للمسرحيات التي تأهلت للمشارَكة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق المخرج سعيد زاغة يشير إلى زملائه من المخرجين الفلسطينيين (البحر الأحمر)

سعيد زاغة لـ«الشرق الأوسط»: استلهمت «مهدد بالانقراض» من تجربة حقيقية

عبّر المخرج الفلسطيني، سعيد زاغة، عن سعادته بفوز فيلمه «مهدد بالانقراض» (COYOTES) بجائزة اليسر الذهبية لأفضل فيلم قصير بالدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر.

انتصار دردير (جدة )

«SRMG» و«Snapchat» لشراكة استراتيجية لتعزيز الابتكار الإعلامي ونمو صناع المحتوى

ندى المبارك الرئيسة التنفيذية لـ«SRMG» للحلول الإعلامية وعبد الله الحمادي المدير العام لـ«Snapchat» بالسعودية في أثناء توقيع الاتفاقية (الشرق الأوسط)
ندى المبارك الرئيسة التنفيذية لـ«SRMG» للحلول الإعلامية وعبد الله الحمادي المدير العام لـ«Snapchat» بالسعودية في أثناء توقيع الاتفاقية (الشرق الأوسط)
TT

«SRMG» و«Snapchat» لشراكة استراتيجية لتعزيز الابتكار الإعلامي ونمو صناع المحتوى

ندى المبارك الرئيسة التنفيذية لـ«SRMG» للحلول الإعلامية وعبد الله الحمادي المدير العام لـ«Snapchat» بالسعودية في أثناء توقيع الاتفاقية (الشرق الأوسط)
ندى المبارك الرئيسة التنفيذية لـ«SRMG» للحلول الإعلامية وعبد الله الحمادي المدير العام لـ«Snapchat» بالسعودية في أثناء توقيع الاتفاقية (الشرق الأوسط)

أعلنت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) و«سناب شات» (Snapchat) شراكة استراتيجية تهدف إلى دفع عجلة الابتكار الإعلامي، وتطوير منظومة صُناع المحتوى، وتقديم حلول تجارية متكاملة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتجمع هذه الشراكة بين علامات «SRMG» الرائدة التجارية الإعلامية، وخبرتها العميقة في صناعة المحتوى، وقدراتها، وبين منصة «Snapchat»، التقنية ومنظومتها الواسعة من صناع المحتوى. وسيعمل الشريكان معاً على استكشاف نماذج جديدة للسرد القصصي، وتعزيز تفاعل الجمهور، وتطوير سبل التعاون الإعلاني، بما يعكس التطور المتسارع للمشهد الإعلامي الرقمي إقليمياً وعالمياً.

وترتكز الشراكة على خمس ركائز استراتيجية تشمل: الإعلام، والمحتوى، وصُناع المحتوى، والرياضة، والابتكار التجاري. كما تتضمّن تطوير صيغ تحريرية وقصصية جديدة مدعومة بأدوات منصة «Snapchat»، وإطلاق مبادرات تدريبية متخصصة بالتعاون مع أكاديمية «SRMG»، ووضع استراتيجيات محتوى مشتركة تهدف إلى دعم المواهب الصاعدة وبناء منظومات قابلة للتوسع لصُناع المحتوى.

كما تتمحور هذه الشراكة حول التزام مشترك ببناء نماذج إعلامية مستدامة تجارياً، ومتجذرة في المشهدَين الثقافي والرقمي للمنطقة. وتؤمن كل من «Snapchat» و«SRMG» بأن المحتوى والتجارب التي يصوغها الجمهور المحلي ليست أكثر جاذبية فحسب، بل هي أيضاً أعلى قيمة للعلامات التجارية. ومن خلال الدمج بين البيئات الإعلامية النوعية، وأساليب السرد القصصي التي تحتويها المنصة، والتخطيط التجاري المشترك، تهدف هذه الشراكة إلى فتح آفاق أوسع للفرص، وتقديم أعمال ذات كفاءة أعلى، وتوسيع النطاق، وتحقيق نتائج ملموسة للمعلنين في المملكة العربية السعودية والمنطقة ككل.

وقالت ندى المبارك، الرئيسة التنفيذية لـ«SRMG» للحلول الإعلامية: «تعكس هذه الشراكة استراتيجية (SRMG) طويلة المدى لبناء منظومة إعلامية مترابطة، تعتمد على البيانات، وتتمتع بمرونة اقتصادية عالية. وذلك من خلال المواءمة بين محتوانا ومواهبنا وقدراتنا التجارية مع الابتكار التقني لمنصة (Snapchat)، وابتكار مسارات أكثر فاعلية للمعلنين، مع دعم الجيل القادم من صُناع المحتوى في جميع أنحاء المنطقة».

من جانبه، قال عبد الله الحمادي، المدير العام لـ«Snapchat» في السعودية: «في ظل التسارع الذي يشهده قطاع الإعلام والتقنية في السعودية، فإن التزامنا يُعد طويل الأمد وعميق الارتباط بالمشهد المحلي. ومع وجود أكثر من 26 مليون شخص يستخدمون (Snapchat) شهرياً في المملكة، أصبحنا جزءاً من أسلوب الحياة اليومي لهذه السوق. ونظراً إلى ما تتمتع به (SRMG) من حجم وتأثير وريادة، فإنها تُعد الشريك الأنسب لتوسيع هذا الأثر المتنامي. معاً، نجمع قوتَين بارزتَين جنباً إلى جنب، تتمتع كل منهما بنقاط قوة مكملة للأخرى، لخلق أوجه تعاون جديدة تُمكّن صناع المحتوى، وترتقي بالعلامات التجارية، وتُسهم بشكل هادف في رؤية المملكة لهذا القطاع».

وتحظى «Snapchat» بمكانة قوية واستثنائية في السعودية، مدفوعةً بمعدلات تفاعل يومية عالية، ومنظومة متنامية من صُناع المحتوى المحليين، وارتباط ثقافي عميق مع مختلف فئات المجتمع في السعودية. وللمعلنين، تُعد «Snapchat» منصة أثبتت فاعليتها من حيث الأداء، حيث تحقق نتائج قوية عبر مراحل الإعلان المختلفة، وذلك من خلال صيغ مُصممة لتتوافق مع طرق التواصل والتفاعل الطبيعية للناس.

ومن المقرر أن تنطلق الشراكة عبر مراحل متعددة تبدأ في عام 2026، مع تفعيل المبادرات عبر العلامات التجارية الإعلامية التابعة لـ«SRMG»، وتقديم الحلول المشتركة بقيادة «SRMG» للحلول الإعلامية.


مصرع فينس زامبيلا أحد مبتكري لعبة «كول أوف ديوتي» بحادث سيارة

فينس زامبيلا (إ.ب.أ)
فينس زامبيلا (إ.ب.أ)
TT

مصرع فينس زامبيلا أحد مبتكري لعبة «كول أوف ديوتي» بحادث سيارة

فينس زامبيلا (إ.ب.أ)
فينس زامبيلا (إ.ب.أ)

قتل فينس زامبيلا، أحد مبتكري لعبة الفيديو الشهيرة «كول أوف ديوتي»، في حادث سيارة، وفق ما أفادت وسائل إعلام أميركية الاثنين.

وذكرت قناة «إن بي سي 4» المحلية أن زامبيلا قُتل الأحد أثناء قيادته سيارته من طراز فيراري على طريق في شمال لوس أنجليس. وقد أنتجت استوديوهاته بعضاً من أكثر ألعاب الفيديو مبيعاً في العالم.

واشتهر زامبيلا بمشاركته في تطوير سلسلة ألعاب «كول أوف ديوتي» وتأسيس شركة «ريسبون إنترتينمنت»، الاستوديو الذي يقف وراء ألعاب «تايتانفول» و«أبيكس ليجندز» و«ستار وورز جيداي»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وبعدما بدأ مسيرته المهنية في التسعينات بوصف أنه مصمم لألعاب إطلاق النار، شارك في تأسيس شركة «إنفينيتي وارد» عام 2002، وساهم في إطلاق لعبة «كول أوف ديوتي» عام 2003. واستحوذت شركة «أكتيفيجن» لاحقاً على الاستوديو الخاص به.

ترك «أكتيفيجن» في ظروف مثيرة للجدل، وأسس شركة «ريسبون» عام 2010 التي استحوذت عليها شركة «إلكترونيك آرتس» عام 2017.

وفي «إلكترونيك آرتس» تولى زامبيلا مسؤولية إعادة إحياء سلسلة ألعاب «باتلفيلد»، ما رسخ سمعته بوصف أنه واحد من أكثر الشخصيات تأثيراً في ألعاب إطلاق النار.


كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
TT

كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)

تلعب الجبال ودرجة الحرارة المنخفضة دوراً أساسياً في نشوء النباتات وتنوّعها على الأرض، إذ تشكل الارتفاعات العالية بيئات جديدة وتربط التغيرات المناخية بين سلاسل جبلية منفصلة، مما يسمح للنباتات بالانتشار والتكيف على مدى ملايين السنين.

أظهرت دراسة حديثة أجراها شينغ ياو وو وزملاؤه، في حديقة شيشوانغباننا النباتية الاستوائية بالأكاديمية الصينية للعلوم، ونُشرت في مجلة «ساينس أدفانس (Science Advances)» أن ارتفاع الجبال وانخفاض درجات الحرارة العالمية لعبا دوراً محورياً في نشوء وتنوّع النباتات الجبلية في نصف الكرة الشمالي. إذ أسهمت الجبال في خلق بيئات جديدة على ارتفاعات شاهقة، في حين سمح التبريد العالمي بربط سلاسل جبلية منفصلة، مما مكّن النباتات من الانتشار والاختلاط عبر مساحات واسعة على مدى ملايين السنين.

ركزت الدراسة على 5 أنظمة جبلية رئيسية وحلَّلت 34 مجموعة من النباتات الزهرية تضم 8456 نوعاً، لإعادة بناء تاريخ انتشار هذه النباتات وتنوعها زمنياً ومكانياً. أظهرت النتائج أن تشكّل الجبال وفّر بيئات جديدة على ارتفاعات عالية، مما أتاح فرصاً للتكيّف والتنوع المحلي، في حين ساعد انخفاض درجات الحرارة على توسيع نطاق البيئات الباردة وربط سلاسل جبلية كانت معزولة سابقاً، مما سهّل امتزاج النباتات عبر مسافات شاسعة.

كما كشفت الدراسة عن اختلافات واضحة في الآليات التطورية بين الأنظمة الجبلية. فقد تبين أن منطقة «التبت - الهيمالايا - هنغدوان» مثّلت مركزاً رئيسياً لنشوء التنوع البيولوجي، حيث نشأ أكثر من نصف الأنواع الجديدة من تطور محلي. في المقابل، أظهرت الأنظمة الجبلية الأوروبية والإيرانية - التورانية نمطاً مختلفاً، إذ تشكّلت نباتاتها الجبلية أساساً من سلالات محلية متوسطة إلى منخفضة الارتفاع، ومن ثَمَّ تكيفت لاحقاً مع البيئات العالية.

تؤكد هذه النتائج أن تنوع النباتات الجبلية لا يعود إلى عامل منفرد، بل إلى تفاعل طويل الأمد بين العمليات الجيولوجية والتغيرات المناخية العالمية. كما توفر الدراسة إطاراً لفهم كيفية استجابة النظم البيئية الجبلية للتغيرات المناخية المستقبلية، وتُسهم في توضيح الأنماط العامة لتشكّل التنوع البيولوجي على سطح الأرض.