وصف آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي «سد النهضة»، المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويثير توترات مع مصر، بأنه «حافز وطني» كبير لمواطنيه، وإرثٌ يدعو إلى «تنشئة جيل ملتزم بالدفاع عن مصالح إثيوبيا»، مؤكداً أن السد يُمثل «نهاية قصة الفقر»، ويُظهر قدرة بلاده على تحقيق تنمية سريعة في وقت قصير.
وتأتي تصريحات آبي أحمد، بينما تُشكِّك مصر في دوافع إثيوبيا التنموية، من وراء بناء السد الضخم، الذي يجري افتتاحه في حفل كبير الشهر الحالي، وفق تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإثيوبي.
وأشار آبي أحمد، خلال نقاش مع مستشاره للشؤون الاجتماعية، الشماس دانيال كيبرت، إلى أن سد النهضة «لا يُنهي فقط الرواية القديمة عن افتقار النهر إلى منبع دائم، بل يُمثل أيضاً رمزاً قوياً للصمود والوحدة»، لافتاً إلى أن «المشروع إلى جانب توليد الطاقة، سيُحقق فوائد اقتصادية واسعة النطاق، بما يُمكّن إثيوبيا من استرداد استثماراتها في غضون بضع سنوات».

وسبق أن شكَّك وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم في أهداف إثيوبيا من بناء السد، قائلاً: «إن السد الإثيوبي جزء كبير منه سياسي وليس فنياً، على الرغم من أن الجانب الإثيوبي أكد أنه تم إنشاؤه لتوليد الكهرباء».
وأكد سويلم في فبراير (شباط) الماضي «وجود توتر في العلاقات بين مصر وإثيوبيا؛ بسبب استمرار الإجراءات الأحادية التي ترتبط بسد النهضة»، مطالباً أديس أبابا بتغيير استراتيجيتها والخضوع للقانون الدولي، والاعتراف بحقوق مصر في نهر النيل.
وفي تصريحات تلفزيونية، مطلع الشهر الحالي، قال سويلم إن «المفاوضات مع الجانب الإثيوبي تضمَّنت عرض المساهمة في حالة وجود عجز بالكهرباء داخل أديس أبابا».
وعلى مدار سنوات، فشلت جولات متعددة من التفاوض، بين مصر والسودان وإثيوبيا، في التوصُّل لاتفاق سواء بشأن إجراءات السلامة الإنشائية للسد، أو التوافق على آلية تخزين المياه في بحيرة السد، بجانب مواعيد وآليات التشغيل التي تطالب القاهرة والخرطوم بالاشتراك فيها.
وعدَّ عضو مجلس النواب (البرلمان) مصطفى بكري لـ«الشرق الأوسط» تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بمثابة «محاولة لقلب الحقائق، وإظهار أن مصر لديها مشكلة في تنفيذ بلاده مشروعات تنموية»، مشيراً إلى أن «مصر تتحدث عن تشجيع إنشاء مشروعات تنموية، بل والدخول في شراكة بها مع أديس أبابا حال رغبت في ذلك».
وأضاف أن اهتمام الحكومة الإثيوبية بالسد «يعكس رغبتها في معالجة المشكلات الداخلية بالسعي لمحاولة حشد الشعب حوله، والادعاء بأمور غير حقيقية، تتضمّن مخالفة للاتفاقات الدولية والأعراف والقوانين كافة».

ويرى خبير المياه المصري وأستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع «سد النهضة» تنموي بالفعل، لكن عملية إنشائه لم تتم بما يجب أن يكون عبر شراكات وتفاهمات مع دولتَي المصب مصر والسودان، مشيراً إلى أن «تكرار الحديث الإثيوبي عن عدم تضرر القاهرة رغم تخزين نحو 64 مليار متر مكعب من المياه في السنوات الماضية غير حقيقي».
وأضاف: «مصر لجأت إلى خيارات بديلة مرتبطة بإنفاق مليارات الدولارات على محطات معالجة المياه وغيرها من الإجراءات»، مشيراً إلى أن «المسارات التي سلكتها القاهرة أسهمت بالفعل في الحد من الآثار السلبية لتخزين المياه في السد بصورة عشوائية، وعدم التنسيق مع دولتَي المصب عند فتح بوابات السد، بما يُشكِّل مخاطر مستقبلية عدة».
وكرر مسؤولون إثيوبيون أخيراً تصريحات مفادها أن أديس أبابا لن تكتفي بـ«سد النهضة» الذي تقيمه على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وستشرع في بناء سدود أخرى، وهي تصريحات كان أحدثها في يوليو (تموز) الماضي من الرئيس التنفيذي لمكتب تنسيق سد النهضة الإثيوبي، أريجاوي برهي، الذي عدّ أن مشروع سد النهضة «خطوة أولى ضمن مسار طويل من التنمية الذاتية التي تقودها البلاد في قطاع المياه والطاقة»، مؤكداً أن إثيوبيا «لا يمكنها الاكتفاء بسد واحد فقط».
وبحسب شراقي فإن إثيوبيا لديها خطط بالفعل لبناء عشرات السدود، 3 منها على النيل الأزرق، وهو ما يشغل مصر بالمقام الأول، خصوصاً أن منها سداً ضرورياً يفترض إنشاؤه لحماية «سد النهضة» وإطالة عمره من الناحية الفنية، مشيراً إلى أن الظروف التي اتخذت فيها إثيوبيا إجراءات بناء السد من جانب واحد عام 2011 تغيَّرت، ولا يمكن تكرار الأمر مرة أخرى.




