الذهب يستفيد من سياسات ترمب ويحقق قمماً تاريخية

وسط توقعات بوصوله إلى 4000 دولار للأونصة بحلول 2026

سبائك وقطع ذهبية مكدسة في غرفة صناديق الودائع الآمنة بدار الذهب في ميونيخ بألمانيا (رويترز)
سبائك وقطع ذهبية مكدسة في غرفة صناديق الودائع الآمنة بدار الذهب في ميونيخ بألمانيا (رويترز)
TT

الذهب يستفيد من سياسات ترمب ويحقق قمماً تاريخية

سبائك وقطع ذهبية مكدسة في غرفة صناديق الودائع الآمنة بدار الذهب في ميونيخ بألمانيا (رويترز)
سبائك وقطع ذهبية مكدسة في غرفة صناديق الودائع الآمنة بدار الذهب في ميونيخ بألمانيا (رويترز)

قفزت أسعار الذهب، يوم الثلاثاء، إلى مستوى قياسي جديد، متجاوزةً الرقم القياسي السابق المسجّل في أبريل (نيسان)، وذلك عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوم «يوم التحرير»، لترتفع بذلك مكاسب المعدن النفيس إلى أكثر من 30 في المائة منذ بداية العام.

ويواصل الذهب الفوري مساره الصعودي؛ إذ ارتفع بنسبة 0.9 في المائة، ليصل إلى 3508.70 دولار للأونصة خلال التعاملات المبكرة في آسيا، قبل أن يتراجع قليلاً إلى 3497 دولاراً، مؤكّداً مكانته بوصفه أصلاً استثمارياً آمناً في ظل تنامي حالة عدم اليقين العالمي. كما أسهم تنوّع محركات الطلب مؤخراً في تعزيز استخدام الذهب أداة للتحوّط من فقدان القوة الشرائية بفعل التضخم، بالإضافة إلى دوره التقليدي بوصفه منافساً غير مُدرّ للعائد أمام سندات الخزانة الأميركية وصناديق أسواق المال.

العوامل الاقتصادية

يعزو الخبراء هذا الصعود المتسارع في أسعار الذهب إلى حزمة من العوامل الاقتصادية المتشابكة، على رأسها ضعف الدولار الأميركي، الذي يزيد جاذبية الذهب للمستثمرين الدوليين، كونه يصبح أرخص بالعملات الأخرى. كما تلعب توقعات خفض أسعار الفائدة من قِبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي دوراً محورياً في دعم الأسعار، إذ يقلّل خفض الفائدة من تكلفة الفرصة البديلة لامتلاك الذهب، ويعزز الطلب عليه. ويُقدّر المتعاملون حالياً احتمالية خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ختام اجتماع السياسة النقدية يوم 17 سبتمبر (أيلول) بنسبة تقارب 90 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش». وإلى جانب ذلك، أسهمت التوترات الاقتصادية والتجارية العالمية، بما في ذلك السياسات الأميركية القائمة على الرسوم والتعريفات، في تغذية المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن الملاذات الآمنة مثل الذهب.

البنوك المركزية

تواصل البنوك المركزية حول العالم تعزيز حيازاتها من الذهب لدعم احتياطياتها في مواجهة تقلبات الأسواق والضغوط الواقعة على الدولار. وتشير التوقعات إلى أن مشتريات البنوك المركزية قد تبلغ نحو 900 طن في 2025، مدفوعةً بالظروف الاقتصادية العالمية وتوسع حيازات المستثمرين، ولا سيما عبر صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة (ETFs) ومن الصين. ورغم أن مشتريات البنوك المركزية تجاوزت 1000 طن لثلاث سنوات متتالية، فإن الاتجاه الهيكلي يؤكد استمرار النمو في 2025 و2026، في إطار مسار تدريجي نحو التنويع بعيداً عن الدولار الأميركي، وإن كان بوتيرة معتدلة.

الضغوط السياسية

تزايدت المخاوف بشأن استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ظل ضغوط الرئيس ترمب على رئيسه جيروم باول، ومحاولاته للإطاحة بالحاكمة ليزا كوك، مما أثار قلق المستثمرين من أن أي خفض لأسعار الفائدة تحت وطأة هذه الضغوط قد يقود إلى تسارع معدلات التضخم. وأوضح رئيس استراتيجية السلع في «ماكواري»، ماركوس غارفي، أن «تحدي الرئيس ترمب العلني لاستقلالية (الاحتياطي الفيدرالي)، إلى جانب العجز الكبير في الموازنة الأميركية، يشكّلان عوامل رئيسية تدفع الذهب إلى الارتفاع في الوقت الراهن». كما أضاف مدير استراتيجية السلع في بنك «بي إن بي باريبا»، ديفيد ويلسون، أن «تصاعد مستويات عدم اليقين الاقتصادي يعزّز جاذبية الذهب بوصفه أصلاً آمناً، وأن جميع العوامل تهيّئ بيئة مثالية لصعود الأسعار».

الجيوسياسية العالمية

لم تقتصر العوامل الداعمة لصعود الذهب على الجوانب الاقتصادية والسياسية الداخلية، وإنما امتدت إلى الساحة الجيوسياسية العالمية. فقد لعبت سياسات ترمب والتوترات الدولية دوراً محورياً في تعزيز الطلب على المعدن النفيس؛ إذ أدت انتقاداته المتكررة لـ«الاحتياطي الفيدرالي» إلى تراجع ثقة المستثمرين في الأصول المقوّمة بالدولار، في حين أسهمت النزاعات الدولية، خصوصاً الحرب الروسية - الأوكرانية وتعثر محادثات السلام، في رفع الطلب على الذهب بوصفه ملاذاً آمناً. وأكد مدير الأبحاث في «بي بي سي»، أدريان آش، أن «الارتفاع في أسعار الذهب خلال الأشهر الأخيرة مرتبط بشكل مباشر بالسياسات الأميركية وتأثيرها على الساحة الجيوسياسية والتجارة العالمية»، مشيراً إلى أن الانتخابات الأميركية الماضية كانت الشرارة الأولى لتصاعد المخاطر التي دفعت المستثمرين نحو الأصول الآمنة.

المكاسب السنوية والتوقعات المستقبلية

سجّل الذهب ارتفاعاً بنسبة 27 في المائة خلال عام 2024، متجاوزاً حاجز 3000 دولار للأونصة لأول مرة في مارس (آذار)، وسط تصاعد القلق حيال السياسات التجارية الأميركية. ويتوقع كبير محللي السوق في «كيه سي إم ترايد»، تيم ووترر، أن تمتد الأسعار لتصل إلى 3600 دولار، وربما أكثر بحلول نهاية العام، إذا نفّذ «الاحتياطي الفيدرالي» سلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة. كما أضاف أن استمرار الأزمات الجيوسياسية سيُبقي على الضغوط الصعودية تجاه المعدن النفيس.

وتشير أبحاث «جي بي مورغان» إلى أن متوسط سعر الذهب قد يبلغ 3675 دولاراً للأونصة بحلول الربع الأخير من عام 2025، مع توقعات بارتفاعه إلى 4000 دولار بحلول الربع الثاني من عام 2026، وهو ما يعكس ثقة متزايدة في استمرار الزخم الصعودي للذهب خلال المدى المتوسط.


مقالات ذات صلة

الفضة تكسر حاجز الـ 75 دولاراً والذهب يواصل اختراق القمم

الاقتصاد سبائك من الذهب والفضة مكدّسة داخل غرفة خزائن الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)

الفضة تكسر حاجز الـ 75 دولاراً والذهب يواصل اختراق القمم

سجّلت أسعار الذهب والفضة والبلاتين مستويات قياسية جديدة يوم الجمعة، مدفوعة بزخم المضاربات وتراجع السيولة في نهاية العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك ذهبية وفضية مكدسة في غرفة صناديق الودائع في متجر للذهب في ميونيخ (رويترز)

المعادن... مستويات قياسية شبه يومية

لفتت المعادن أنظار المتعاملين في الأسواق بشكل جعلها تسجل بشكل شبه يومي مستويات قياسية جديدة، قبل نهاية العام الحالي، نتيجة مخاوف العام الجديد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد بائعة ترتب مجوهرات ذهبية معروضة للبيع في متجر بمدينة ليانيونغانغ بمقاطعة جيانغسو شرق الصين (أ.ف.ب)

الذهب يكسر حاجز الـ4500 دولار للمرة الأولى في تاريخه

تجاوز سعر الذهب حاجز 4500 دولار للأونصة، للمرة الأولى يوم الأربعاء، في حين سجلت الفضة والبلاتين مستويات قياسية جديدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)

حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

شهدت أسواق الذهب ارتفاعات قياسية جديدة، بعدما سجَّلت أوقية الذهب أعلى مستوى في تاريخها، ورغم ذلك، فإن إقبال المصريين على شرائه زاد.

محمد عجم (القاهرة)
الاقتصاد يتعامل أحد المتداولين على أرضية بورصة نيويورك (رويترز)

حصاد 2025: «تقلبات ترمب» تتصدر المشهد... والذهب والفضة تتألقان

كان معظم المستثمرين يدركون أن عام 2025 سيكون مختلفاً مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السلطة في أكبر اقتصاد بالعالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)
حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)
TT

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)
حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)

أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، أن الليرة الجديدة ليست مجرد وسيلة تبادل، بل رمز لنجاح الثورة السورية، والانتماء، والثقة بالقدرة على النهوض.

وقال الحصرية في منشور عبر صفحته على «فيسبوك»: «مع إطلاق العملة الجديدة، لا نحتفل بورقة نقدية فحسب، بل نحتفل بسيادتنا وهويتنا الوطنية»، موضحاً أن هناك تجارب دولية كثيرة تؤكد أن العملة الوطنية تصبح قوية عندما يلتفّ الناس حولها. حسبما ذكرت «وكالة الأنباء السورية».

ولفت الحصرية إلى تجربة ألمانيا، التي شكّل فيها إطلاق المارك بعد الحرب نقطة انطلاق لنهضة اقتصادية، وتجربة فرنسا، حيث كان الفرنك الفرنسي الجديد الرمز المالي للجمهورية الجديدة التي عرفت بالجمهورية الخامسة.

وأضاف الحصرية: «نحن في المصرف المركزي سنقوم بدورنا الذي نفهمه جيداً، مدركين حجم التحديات والفرص، وملتزمين بالمسؤولية والشفافية وحماية النقد الوطني، ويبقى الأساس في تكاتف الناس وثقتهم، لأن العملة القوية تبدأ بإيمان أهلها بها».

ودعا الحصرية إلى جعل هذه المناسبة حالة وطنية راقية، يعبّر السوريون فيها عن وعيهم، وثقتهم، وتمسّكهم بالليرة كرمز لسيادتهم، وخيارهم الوطني.

وختم الحصرية قائلاً: «دعم الليرة هو دعم للوطن، والاعتزاز بها اعتزاز بالمستقبل لنا ولأولادنا، إنها فرصة لنجاح جديد بعد نجاح الثورة بالتحرير، ونجاحنا في رفع العقوبات الاقتصادية التي كبلت اقتصادنا لنحو خمسين عاماً».

وكان حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية أعلن مؤخراً أن الأول من يناير (كانون الثاني) 2026، موعد إطلاق العملة السورية الجديدة، وبدء عملية استبدال العملة القديمة، وأن الاستبدال سيكون عبر 66 شركة وألف منفذ مخصص لذلك.


روسيا تمدد الحظر على صادرات البنزين حتى نهاية فبراير

شاحنات صهاريج البنزين خارج مصنع لتكرير النفط في روسيا (رويترز)
شاحنات صهاريج البنزين خارج مصنع لتكرير النفط في روسيا (رويترز)
TT

روسيا تمدد الحظر على صادرات البنزين حتى نهاية فبراير

شاحنات صهاريج البنزين خارج مصنع لتكرير النفط في روسيا (رويترز)
شاحنات صهاريج البنزين خارج مصنع لتكرير النفط في روسيا (رويترز)

مددت روسيا الحظر المؤقت على صادرات البنزين حتى 28 ⁠فبراير (شباط) المقبل لجميع ‌المصدرين، بمن في ‍ذلك المنتجون. حسبما ذكرت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء، السبت، نقلاً ‌عن ‌خدمة ‌صحافية ⁠حكومية.

كما ‍مددت روسيا الحظر على صادرات الديزل، ​وكذلك الوقود البحري حتى 28 ⁠فبراير، لكنه لن ينطبق على المنتجين المباشرين للمنتجات النفطية.


مطالب في ألمانيا بإصلاحات مالية لتجنب أزمة اقتصادية طويلة

منظر عام للعاصمة الألمانية برلين (رويترز)
منظر عام للعاصمة الألمانية برلين (رويترز)
TT

مطالب في ألمانيا بإصلاحات مالية لتجنب أزمة اقتصادية طويلة

منظر عام للعاصمة الألمانية برلين (رويترز)
منظر عام للعاصمة الألمانية برلين (رويترز)

طالب رئيس اتحاد أرباب العمل الألماني، راينر دولجر، الحكومة بإجراء إصلاحات جذرية خلال العام المقبل، محذراً من استمرار الأزمة الاقتصادية.

وقال دولجر، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية: «ألمانيا بحاجة إلى خطوة كبيرة، وإلا فإننا مهددون بأزمة دائمة. نحن نعيش أطول أزمة منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية».

وبعد عامين متتاليين من الركود، يُتوقع لعام 2025 نمو طفيف للغاية في الناتج المحلي الإجمالي، في حين لا يتوقع خبراء الاقتصاد انتعاشاً ملموساً في العام المقبل.

وأضاف دولجر: «العالم يتغير بسرعة، وعلينا أن نتحرك إذا أردنا ألا نتخلف عن الركب»، مشيراً إلى أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس تحدث في مؤتمر أرباب العمل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن «تحول تاريخي»، مذكّراً بالحرب الروسية - الأوكرانية، والأنظمة السلطوية في العالم، والصين التي تتصرف بشكل أكثر عدوانية، إضافة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يحاول فرض سياسة «أميركا أولاً» عبر الرسوم الجمركية.

وقال دولجر: «هذا التحول يجب أن يدفعنا إلى أن نصبح أقل بيروقراطية وأكثر سرعة، وأن نعيد هيكلة دولتنا الاجتماعية. الأزمات الخارجية تجعل الإصلاحات الداخلية أكثر ضرورة من أي وقت مضى. أذكّر المستشار دائماً بأن السياسة الخارجية والأمنية الجيدة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان الاقتصاد ينمو»، مؤكداً أن عام 2026 يجب أن يكون عام الإصلاحات الجذرية.

وطالب دولجر بشكل محدد بتقليص كبير في البيروقراطية، ما يمنح الشركات والمواطنين حرية أكبر للتطور، إضافة إلى زيادة صافي الدخل من الأجور.

كما دعا إلى إصلاحات في نظام دولة الرفاه الاجتماعي بما يهدف إلى خفض التكاليف، قائلاً: «يجب أن يصبح نظامنا الاجتماعي أكثر استهدافاً للمستحقين وأكثر عدالة، وأن يكون العمل أكثر جاذبية من عدم العمل. كل ذلك سيجعل ألمانيا أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب. الاستثمارات في عشرينيات هذا القرن ستقود إلى نمو في ثلاثينياته».

وكان ميرتس أعلن مراراً عن خطط لإصلاحات جذرية، من بينها تشكيل لجنة معنية بالتقاعد، على أن تقدم مقترحاتها بحلول منتصف 2026، ومن المتوقع أن تشمل أيضاً مسألة رفع سن التقاعد.