رحلة في قلب الجنوب، بين الثقافة والفنون والحرف اليدوية الأصيلة، أطلقها «المتحف القومي للحضارة المصرية» في القاهرة من خلال تنظيم فعالية مميزة سلطت الضوء على الهوية والتنوع الثقافي لمحافظة قنا (جنوب مصر).
تأتي الفعالية ضمن برنامج فني تراثي بعنوان «محافظات مصر»، الذي ينظمه المتحف بشكل دوري بهدف إبراز الهوية الحضارية للمحافظات المصرية، وتعزيز الوعي المجتمعي بقيمة الموروث المحلي، وتقديم تجربة غنية تبرز التنوع الإنساني والثقافي في مصر.

وقدّم المتحف هذه المرة الفعالية تحت عنوان «قنا ذاكرة الجنوب»؛ بصفتها المحافظة العاشرة التي تُتناول ضمن البرنامج، في خطوة تُعد دعماً للسياحة الداخلية من جهة، وتعزيزاً لجهود الفنانين والحرفيين المتخصصين في التراث القناوي من جهة أخرى.
وتأخذ الصور الفوتوغرافية المعروضة الزائر إلى قلب قنا؛ حيث قدّم معرض الفنان الراحل عبد الرحيم حمزة، أحد أقدم المصورين الذين وثقوا لتراث المحافظة، نحو 20 صورة نادرة بالأبيض والأسود، في حين ضمّ المعرض الآخر للفنانين أحمد مصطفى سعودي، وأحمد دريم، 30 صورة توثق المعالم التاريخية والتراثية ومظاهر الحياة الاجتماعية في المحافظة.

وتعكس صور الفنان أحمد مصطفى مشاهد من الحياة اليومية والمناسبات والأعياد المختلفة في قنا، مركّزاً على البشر في تفاعلهم مع تراثهم وتمسكهم بالإرث الاجتماعي؛ ومنها صور للاعبي المرماح، وراقصي التحطيب، وصانعي الحرف اليدوية مثل صناعة الأواني الفخارية، بالإضافة إلى مشاهد من مولد «سيدي عبد الرحيم القناوي» ومن «الحضرة المحمدية».
وقال سعودي لـ«الشرق الأوسط»: «أشارك في المعرض الثنائي بـ15 صورة، من أبرزها صورة (المائدة) التي نالت جوائز عدّة. وتعكس هذه الصورة (لمَّة رمضان)، حيث يلتف نحو 800 شخص حول مائدة الإفطار في أحد شوارع المحافظة، ويخدمهم أهل المنطقة نوعاً من المشاركة الاجتماعية».

وأضاف: «هذا الحدث فرصة للتعريف بالجمال الخفي في جنوب مصر، الذي يستحق أن يراه الجميع. كما أنه يقوم على فكرة مشاركة الثقافة والتراث بين المجتمعات، بما يتيح للسياح أيضاً التعرف على هذا الجمال والتواصل مع الحضارات المختلفة؛ ولذلك فإن (المتحف القومي للحضارة) هو المكان الأنسب لمثل هذه الفعالية المهمة».

أما الفنان أحمد دريم فقد رصد بعدسته البيوت القديمة والمشربيات والأبواب والأعتاب والمعابد في قنا، في إطار احتفائه بما سمّاه «عظمة المكان». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من أندر الصور التي أشارك بها تلك التي تجسد تميز محافظة قنا بما يُعرف بـ(الأعتاب)، التي تكاد تنفرد بها من حيث الكيف والكم. لقد نشأتُ في الصعيد، وزرت كل أنحائه، ولم أشاهد مثل روعة هذه الأعتاب ولا عددها إلا في قنا».

وأوضح: «(الأعتاب) هي نوع من الترحيب بالزائر، وتعريفه بالبيت وساكنيه من خلال كلمات أو قصيدة بالعربية، وأحياناً بالقبطية، تحكي تاريخ المنزل وتفاصيل بنائه، وتُزيَّن برسوم أو موتيفات أو آيات قرآنية»، مشيراً إلى أن زوار المعرض انبهروا بجمالها ولم يكونوا على دراية بأنها لا تزال موجودة حتى اليوم.

كما ضمّت الفعالية أيضاً، معرضاً للحرف التقليدية المميزة لمحافظة قنا مثل: نسيج الفركة، والخزف والفخار، وصناعة الحصير، والكليم اليدوي، والمشغولات الجلدية، ومنتجات خشب السرسوع، ومشغولات النحاس والحُلي. وأُتيح للزوار المشاركة في ورش حيّة تفاعلية لتجربة نول الفركة ودولاب الفخار، وصناعة الحصير، إلى جانب تذوق أكلات وصناعات غذائية تقليدية مثل: العيش الشمسي، والعسل الأسود، والقصب، والفطير.

وتقول نعيمة محمد، الشريكة المؤسسة لعلامة «نوبت»: «نشارك في فعالية (قنا ذاكرة الجنوب) بمجموعة كبيرة من منتجات حرفة الفركة النقادي، والكليم، والحقائب، والملابس التراثية».
وترى أن أهمية الحدث تنبع من دوره في تنشيط السياحة: «من يشاهد معرض الصور أو الفنون اليدوية المميزة لقنا سيصبح شغوفاً بزيارة المحافظة للتعرف على روائعها وخصوصية المكان».
وتتابع: «كما تساعد الفعالية على التعريف بالعلامات المصرية في الجنوب، التي تتميز بالعمل اليدوي وتراث يمتد لآلاف السنين، ما يدعم تسويق منتجاتها. وهو أمر مهم على مستويات عدة، أهمها البعد الاجتماعي؛ إذ إن علامة (نوبت) هدفها الأساسي هو التمكين الاقتصادي للسيدات، حيث يعمل معنا نحو 25 سيدة من قنا داخل الورش، فضلاً عن عدد من الوحدات الإنتاجية في المنازل، وسيدات يعملن بدوام جزئي».


