«فرقة أبو سراج»... من حي شعبي إلى أيقونة فنية سعودية

عصفت بها أزمة الخليج... واستأنفت تألقها لأربعة عقود

عمر العطاس في صباه يعزف على آلة المرواس (من أنواع الطبول) في سن الـ14 من عمره (فرقة أبو سراج)
عمر العطاس في صباه يعزف على آلة المرواس (من أنواع الطبول) في سن الـ14 من عمره (فرقة أبو سراج)
TT

«فرقة أبو سراج»... من حي شعبي إلى أيقونة فنية سعودية

عمر العطاس في صباه يعزف على آلة المرواس (من أنواع الطبول) في سن الـ14 من عمره (فرقة أبو سراج)
عمر العطاس في صباه يعزف على آلة المرواس (من أنواع الطبول) في سن الـ14 من عمره (فرقة أبو سراج)

من حي شعبي في جدة، انطلقت رحلة فنية لم يكن مخططاً لها، لكنها تألقت وامتدت لأكثر من 4 عقود، وأصبحت خلالها «فرقة أبو سراج للفنون الشعبية» علامة سعودية فارقة في التراث الموسيقي المحلي، وسافرت بألوان الفنون التقليدية السعودية إلى كثير من دول العالم، وقدمت فنون «الخبيتي» و«العجل» والطرب «الينبعاوي» الذي تفردت به، وطورته، معتمدة في ذلك على كوكبة من أبرع الشعراء والملحنين.

قائد «فرقة أبو سراج» الفنان عمر العطاس (فرقة أبو سراج)

الحلم بدأ في حي شعبيّ

بدأت القصة في مدرسة اليرموك بحي البغدادية الغربية، أحد أعرق أحياء مدينة جدة الساحلية، حين كان قائد الفرقة ومؤسسها عمر العطاس، في الرابعة عشرة من عمره. ومن خلال حفلات المدرسة نصف السنوية وحفل نهاية العام، كان العطاس يعزف ويغني مع بعض زملائه، في بيئة المدرسة التعليمية، دون أن يتصور للحظة حجم النجاح الذي سيتحقق لاحقاً. يستذكر عمر العطاس، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، موقفاً أثناء دراسته، وذلك عندما تعثر في مادة «الهندسة»، وأنشد حينها أغنية بلون «الينبعاوي»، وكان ذلك أول انتباهة منه إلى حجم ارتباطه بهذا الفن. وردد:

«بالله عليك

يا مدرس خفف الواجب قليل اليوم

حساب وعلوم وإنشاء وقواعد ونصوص

الهندسة طفشتني زي درس العلوم

أما الرياضة حبيبية ما أغيب عنها ولا يوم».

عمر العطاس في صباه يعزف على آلة المرواس (من أنواع الطبول) في سن الـ14 من عمره (فرقة أبو سراج)

ومضت الأيام، حتى عام 1403هـ، حيث اتضحت الرؤية، وأقر الجميع بضرورة تأسيس الفرقة التي كانت لا تزيد على 12 فرداً، على أن يترأسها عمر العطاس، لتنطلق بعدها رحلة البحث عن المكان، وتقديم الأجود من هذا التراث بشكل متطور ومغاير على ما كان عليه الحال في أداء وتقديم الفنون التقليدية. يقول العطاس: «تلقينا في بدايتنا دعماً جيداً من محمد مكوار، مالك إحدى قاعات الأفراح بجدة، من خلال إحياء حفلات الزواج في قاعته دون مقابل، من باب التسويق للفرقة، واستمر هذا الحال في ظل منافسة قوية مع عدد من الفرق الشعبية ومنها مجموعة (أبو هلال)، حتى وضعت فرقتنا نفسها في المشهد الثقافي»، مستذكراً أن أول مبلغ تقاضته الفرقة في إحدى المناسبات، بلغ نحو 4 آلاف ريال (ألف دولار)، والذي اعتُبر حينها مبلغاً كبيراً.

العطاس مع الفنان محمد عبده في إحدى المناسبات (فرقة أبو سراج)

الانتشار المحلي والدولي

أخذت الفرقة في الانتشار، والمشاركة في برامج التنشيط السياحي بالطائف منذ عام 1408هـ، كأول فرقة شعبية تقوم بهذا الدور، وامتدت دعواتها لاحقاً، كما يقول العطاس، إلى دول الخليج، مثل قطر والإمارات وعمان، بعد أزمة الخليج. وأوضح العطاس أن أول مشاركة رسمية خارج المملكة كانت عام 1411هـ في ليبيا، تحت إشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وبترشيح من الفنان سراج عمر. ولاحقاً، شاركت الفرقة في دول أوروبية، وقدمت ألواناً فلكلورية تمثل مناطق المملكة المختلفة، سواء بمشاركة الفرقة كاملة أو بعناصر مختارة، مع الحفاظ على الطابع التراثي المميز.

عمر العطاس يؤدي الطرب «الينبعاوي» أحد أشهر الفنون الشعبية (الشرق الأوسط)

الأزمات والتحديات

واجهت الفرقة تحديات كبيرة، أبرزها أزمة الخليج الثانية التي عصفت بالمنطقة عام 1990م، حين توقفت الحفلات والإنتاج، واكتفت الفرقة بتقديم الأغاني الوطنية فقط، مسجلة أعمالها للإذاعة بلا مقابل. ويروي العطاس أن الفرقة خلال هذه الفترة أصدرت 8 أغانٍ وطنية، أبرزها «الراية الخضراء» و«رايتي رايتي»، من كلمات الشاعر فهد السعيد، وألحان أحمد عمر، كما كادت أزمة مالية تؤدي إلى فقدان مقر الفرقة، لكن تدخلَ الأمير ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة (آنذاك)، بعد أن أخبره الشيخ عبد المحسن السميري بوجود مشكلة في دفع الإيجار، فقام الأمير ماجد على الفور بدعم الفرقة، واحتفظت بمقرها.

المزج بين التراث والتجديد

بدأت الفرقة في إنتاج «كاسيتات» موسيقية تميزت بالجمع بين الإبداع في التجديد وإحياء التراث، وفي الشريط الأول، من أصل 6 أغانٍ، كانت 4 منها جديدة كلياً، في حين كانت الأغنيتان المتبقيتان من التراث العربي، مع إضفاء تطوير موسيقي يلائم العصر؛ ما منح الفرقة هوية فنية متميزة منذ البداية.

كما أدخلت الفرقة آلات موسيقية جديدة مثل الناي والبزق، بجانب آلة الكمان والعود، إضافة إلى تطوير الإيقاعات، بما في ذلك الأنماط المستوحاة من الإيقاع المصري؛ ما أعطى العروض طابعاً فنياً متفرداً.

العطاس مع كابتن الاتحاد والمنتخب السعودي لكرة القدم أحمد جميل (فرقة أبو سراج)

الانطلاقة بعد الأزمة

يروي العطاس أنه بعد انتهاء أزمة الخليج الثانية في عام 1991، عادت الفرقة للحفلات تدريجياً، وطرحت إصدارها السابع الذي حمل اسم «ودعتك الله يا عز إنسان» الذي شهد إدخال آلة البزق لأول مرة، وتوسعاً في تنويعات الإيقاعات؛ ما أضفى بعداً جديداً على الأداء، كما أنتجت الفرقة أوبريت «جوال» عام 1411هـ، من كلمات فؤاد مبعاوي، وألحان عبد الله عقيل، وأداء شعري للشريف فيصل البركاتي، وأنتجته شركة «الجزيرة»، وكان علامة فارقة في تاريخها.

جائزة «أفضل فرقة عربية»

حصلت الفرقة على عدد من الجوائز الإقليمية والدولية التي حفزت مسيرتها، ومن أبرزها جائزة «أفضل فرقة عربية»، وجائزة «قوس أوروبا»، إضافة إلى أكثر من 250 شهادة تقدير وخطاب شكر من جهات رسمية وثقافية داخل المملكة وخارجها، تقديراً لمساهمتها في تطوير اللون «الينبعاوي» وإحياء التراث الفلكلوري.

ويحكي قائد الفرقة عن تحقيق حلم تأسيس الفرقة وتألقها التاريخي، فيقول: «لم نفكر يوماً أن نصبح فرقة لها انتشار وحضور بهذا الحجم، كنا نتمنى فقط أن يكون لدينا مرواس بحري، وأن نتمكن من إحياء حفلات بسيطة. وما جعلنا نصل إلى ما نحن عليه اليوم هو الأشخاص المساندون من المؤسسين والمبدعين».

وقال أبو سراج إن الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز أحد أبرز الشخصيات التي دعمت الفرقة، وتجلى دعمه في الكثير من المواقف، ومنها عندما اعتمد «فرقة أبو سراج» عام 1412هـ، لتأدية الأناشيد العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة، والتي تزيد على 13 أغنية. وعرفاناً بالجميل، قامت الفرقة بتقديم أغنية خاصة للأمير سلطان بن عبد العزيز، بعد عودته من رحلة للعلاج عام 1415هـ، وجاء في مطلعها: «ترانا بخير بوجودك... يا كاسي الليل من جودك».

«فرقة أبو سراج» تؤدي فن «الخبيتي» الذي ينتشر في غرب السعودية (الشرق الأوسط)

قصة صمود وإبداع

ورغم الظروف والتحديات التي واجهتها، ظلت «فرقة أبو سراج» علامة فنية، تجمع بين الأصالة والإبداع، وحافظت بصمودها على الاستمرار، وتحولت الفرقة من حي شعبي، وحلم في عهد الصبا، إلى إرث ثقافي يُحتذى به، وأيقونة موسيقية تُمثل السعودية في المحافل الداخلية والخارجية.

وأشاد العطاس بما تعيشه السعودية من تقدم وازدهار في مختلف المسارات، ومنها الجانب الثقافي الذي يحظى بدعم من وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان، ورئيس الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وقال: «سيبقى الموروث الفني الشعبي لأجيال وأجيال قادمة، وسيساهم هذا الدعم في وجوده بشكل لافت في المحافل الدولية».


مقالات ذات صلة

منال ملّاط لـ«الشرق الأوسط»: التجارب لا تكسرنا... بل تزيدنا قوة

الوتر السادس ملّاط خلال احتفالها في إطلاق {حياتي الثالثة} (منال ملاط)

منال ملّاط لـ«الشرق الأوسط»: التجارب لا تكسرنا... بل تزيدنا قوة

تكمل الفنانة منال ملّاط نجاحاتها في المجال الفني. أصدرت أخيراً «ميني ألبوم» غنائياً بعنوان: «حياتي الثالثة»، ويتضمن 5 أغنيات.

فيفيان حداد (بيروت)
الوتر السادس برأي صبري أن نجاح الفنان لا يتحقق من مرة واحدة فقط (حسابه على {إنستغرام})

رامي صبري: أحافظ على هويتي الفنية ولا أنظر إلى الأرقام ونسب الاستماع

يرى الفنان رامي صبري أن ألبومه الجديد «أنا بحبك إنت» قد حقق كل ما كان يطمح إليه، مؤكداً أنه قدم من خلاله رؤيته الفنية الكاملة

محمود إبراهيم (القاهرة)
يوميات الشرق وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)

رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

يُقدّم برنامج «صدى الوادي» سلسلة من الحفلات التي تستضيف أبرز الفنانين في العالم العربي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق يُقدم «أسبوع الرياض الموسيقي» سلسلة فعاليات وعروضاً موسيقية متنوعة في الفضاءات العامة (الشرق الأوسط)

«أسبوع الرياض الموسيقي» يحتفي بالمواهب الإبداعية في الفضاءات العامة

يُقدم «أسبوع الرياض الموسيقي» سلسلة فعاليات Fringe وعروضاً موسيقية متنوعة في الفضاءات العامة خلال الفترة من 7 إلى 10 ديسمبر

يوميات الشرق شعار مسابقة الأغنية الأوروبية 2025 يظهر على لافتة (د.ب.أ)

مع التصويت على مشاركة إسرائيل... مسابقة «يوروفيجن» تواجه اختباراً كبيراً

تواجه مسابقة الأغنية الأوروبية «لحظة فاصلة» يوم الخميس عندما يصوت أعضاء الهيئة المنظمة للمسابقة على ما إذا كان بإمكان إسرائيل المنافسة في نسخة العام المقبل.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (جنيف)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.