الأحداث الميدانية تتسارع بمدينة غزة على وقع «كمين للقسام»

وسط عملية برية إسرائيلية بطيئة... وتقدير دولي باستحالة النزوح الآمن

فتى فلسطيني يطل من وسط ركام مبنى دمره القصف الإسرائيلي في مخيم النصيرات للاجئين بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
فتى فلسطيني يطل من وسط ركام مبنى دمره القصف الإسرائيلي في مخيم النصيرات للاجئين بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

الأحداث الميدانية تتسارع بمدينة غزة على وقع «كمين للقسام»

فتى فلسطيني يطل من وسط ركام مبنى دمره القصف الإسرائيلي في مخيم النصيرات للاجئين بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
فتى فلسطيني يطل من وسط ركام مبنى دمره القصف الإسرائيلي في مخيم النصيرات للاجئين بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

تشهد الأحداث الميدانية في قطاع غزة، وتحديداً مدينة غزة، تسارعاً ملحوظاً مع قرب بدء تنفيذ العملية الإسرائيلية الواسعة المسماة «مركبات جدعون 2»، والتي تهدف لاحتلال المدينة بشكل كامل، وفصلها عن وسط وجنوب القطاع، وإجبار سكانها على النزوح إلى منطقة المواصي غرب خان يونس جنوباً.

وخلال ساعات المساء المتأخرة من الجمعة، تعرضت المناطق الجنوبية لمدينة غزة، وخاصةً حيي الزيتون والصبرة، لعشرات الغارات الجوية بشكل مفاجئ، أشبه بـ«الغارات الجنونية»، نتيجة الكثافة النارية المستخدمة، والتي هزت أرجاء المدينة.

عربات نقل نازحين على طول الطريق الساحلي عبر مخيم النصيرات للاجئين بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

«حدث أمني خطير»

وفور وقوع تلك الغارات، بدأت تتسرب معلومات من منصات للمستوطنين الإسرائيليين تشير لوقوع حدث أمني خطير، وقع في حي الزيتون، وتسبب بمقتل وإصابة العديد من الجنود، وفقدان 4 منهم، قبل أن يعلن لاحقاً العثور عليهم بحالة جيدة وسليمة، وسط التزام الصمت من الإعلام الرسمي العبري حتى ساعات صباح السبت.

وجاء الحدث بعد ساعات قليلة على تغريدة «أبو عبيدة»، الناطق باسم «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، التي قال فيها إن خطط احتلال مدينة غزة «ستكون وبالاً» على القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، سيدفع ثمنها الجنود الإسرائيليون الذين ستزيد فرص أسرهم.

وكما تؤكد مصادر ميدانية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، أن الهجوم الذي نفذه عناصر من «القسام» استهدف بشكل مباغت قوات إسرائيلية، تتمركز ما بين حيي الزيتون والصبرة جنوب المدينة.

فلسطينيون يفرون من الجنوب عبر الطريق الساحلي عبر مخيم النصيرات للاجئين بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ووفقاً للمصادر، فإن الهجوم المركب بدأ في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، بعد أن تمكن مقاومون من الوصول لمناطق تتمركز بها القوات الإسرائيلية داخل حي الزيتون عبر فتحات أنفاق تسللوا منها إلى المنطقة، وفاجأوا تلك القوات بإطلاق النار اتجاهها، وتفجير عبوات «العمل الفدائي»، وعبوات ناسفة زرعت بعضها سابقاً في إطار التجهيز للعملية، والتي لم تكتشفها قوات الاحتلال سابقاً، رغم أنها تعمل منذ فترة بالمنطقة.

وبينت المصادر أن عناصر «القسام» انفصلوا إلى عدة مجموعات، وهاجموا القوات الإسرائيلية من أكثر من مكان، وكان يساندهم عن بُعد عناصر من المدفعية أطلقوا عدة قذائف هاون، إلى جانب قناصة أطلقوا النيران على قوات الإسناد التي وصلت لمكان الهجوم الأساسي، فيما كان الهجومان الآخران على نقاط قريبة من نقطة التمركز الأساسية بهدف منع وصول أي تعزيزات للمكان، وإحباط أي محاولات لإنقاذ الجنود الإسرائيليين في حال نجحت عملية أسر بعضهم.

ووفقاً لذات المصادر، فإنه إلى جانب الأسلحة الخفيفة (الكلاشنكوف) والعبوات الناسفة، استخدمت قذائف مضادة من طراز «ياسين 105» في الهجوم ذاته، مشيرة إلى أن بعض المقاومين الذين شاركوا في العملية قتلوا، فيما تمكن آخرون من الانسحاب.

واعتمدت «كتائب القسام» أسلوب الهجمات المباغتة من جديد في سلسلة من العمليات التي نفذتها مؤخراً في خان يونس جنوب القطاع، وبيت حانون شمالاً، وحاولت خلالها أسر جنود إسرائيليين، وهو أسلوب مماثل لما اعتمدته قبل نحو شهرين بسلسلة هجمات متتالية، قبل أن تعاود تنفيذ الهجمات مجدداً لكن هذه المرة بمشاركة أكبر عدد ممكن من المقاومين الذين ينفصلون في عدة مجموعات ويهاجمون أكثر من نقطة في آن واحد.

وأكدت المصادر ذاتها أن الهجوم الجديد شمل محاولة لأسر جنود إسرائيليين، لكن الظروف الميدانية وتدخل الطائرات الحربية والمروحية والمسيرة منع استكمال العملية، بفعل استخدامها لكثافة نارية هائلة بهدف إحباط الهجوم بشكل كامل.

فلسطينيون يشيعون قتلى سقطوا بنيران إسرائيلية خلال انتظارهم للحصول على مساعدات غذائية بمدينة غزة السبت (رويترز)

ولفتت إلى أن الهجوم وقع في منطقة يوجد بها الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من أسبوعين، ورغم ذلك لم ينجح في كشف بعض العبوات الناسفة المزروعة بالمكان، كما لم يكشف عن الأنفاق التي تسلل منها المقاومون للمنطقة، رغم أنه استخدم أطناناً من المتفجرات قبل دخول قواته البرية في تلك المنطقة، واستخدم سياسة الأرض المحروقة لتدمير أي أنفاق أو مقدرات للمقاومة، كما دمر عشرات المنازل فيها.

ولوحظ تكرار استخدام «كتائب القسام» نفس الهجمات بمناطق يعمل فيها الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة، وهي عبارة عن مناطق مدمرة بالكامل ويستحدث بها الجيش مواقع جديدة لتمركز قواته داخل القطاع.

وتفاخر ضباط إسرائيليون في لقاءات من داخل حي الزيتون مع وسائل إعلام عبرية نشرت تقارير مصورة من هناك في اليومين الماضيين، بأنهم استطاعوا القضاء على مئات المسلحين من «حماس»، كما أنهم لم يواجهوا مقاومة شديدة في ذلك الحي، سوى مرة واحدة أدت لإصابة ضابط بجروح طفيفة في يده برصاص مجموعة من المسلحين تم القضاء على بعضهم، متعهدين بتدمير ما تبقى في الحي الذي تنفذ فيه عملية برية للمرة السابعة على التوالي.

ووفقاً لما سربته منصات المستوطنين في ساعة مبكرة من صباح السبت، فإن الهجوم الكبير الذي نفذته «حماس» أدى لمقتل جندي قنصاً، وإصابة 11 جندياً بجروح خطيرة، إلى جانب عدد آخر بجروح متوسطة وطفيفة، ومن مجمل الإصابات 7 من بينهم 3 بحالة خطيرة، إثر انفجار عبوة ناسفة بناقلة جند من طراز «النمر» المصفحة.

دخان متصاعد عقب قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة السبت (أ.ب)

إلا أنه لاحقاً، حاول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أردعي التقليل من الهجوم، وشن هجوماً ملحوظاً على وسائل الإعلام العربية، نافياً بشدة خطف أي جنود إسرائيليين.

فيما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن 7 جنود أصيبوا بجروح متوسطة وطفيفة إثر انفجار عبوة ناسفة بناقلة جند مصفحة من طراز «النمر»، كما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، أن الجيش الإسرائيلي استخدم كثافة نارية كبيرة لإخلاء الجرحى من المنطقة.

ولم تكشف «كتائب القسام» من جانبها، حتى ظهر السبت، تفاصيل الهجوم الذي نفذ من قبل عناصرها.

الوضع الميداني

وفي إطار تواصل العمليات العسكرية على الأرض، لم تتوقف الغارات الجوية وعمليات النسف في الحدود الجنوبية (الزيتون والصبرة)، والشمالية (جباليا النزلة والشيخ رضوان)، لمدينة غزة، وسط تقدم بطيء للقوات البرية التي ما زالت تتمركز على أطراف تلك المنطقة.

فلسطينيون يفرون من القتال إلى المناطق الجنوبية على ظهر شاحنة عبر مخيم النصيرات للاجئين بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووفقاً لمصادر ميدانية، فإن قوات الاحتلال تسعى لشق طرق من بلدتي جباليا البلد والنزلة إلى منطقة أبو إسكندر في حي الشيخ رضوان، لتسهيل دخول القوات البرية إلى المنطقة.

نزوح

وتسبب ذلك باستمرار عمليات النزوح من مناطق جنوب وشمال مدينة غزة، حيث تتركز غالبية عملية النزوح إلى غرب المدينة، في ظل عدم توفر أماكن وغلاء أسعار المواصلات للنزوح جنوباً.

وذكرت القناة الـ12 العبرية، أنه وفقاً لتقديرات جهاز الأمن العام «الشاباك»، فإن 10 آلاف فلسطيني فقط نزحوا من مدينة غزة إلى جنوب القطاع، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وما زال يوجد فيها أكثر من مليون و300 ألف.

ونددت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميريانا سبولياريتش، بخطط إسرائيل لإخلاء مدينة غزة من سكانها تمهيداً للسيطرة العسكرية عليها، مؤكدةً أنه من المستحيل تنفيذ عملية إجلاء جماعية بصورة آمنة.

وقالت سبولياريتش، في بيان: «من المستحيل تنفيذ إجلاء جماعي لـ(سكان) مدينة غزة بطريقة آمنة وكريمة في ظل الظروف الحالية»، واصفة خطط الإجلاء بأنها «ليست غير قابلة للتنفيذ فحسب بل لا يمكن فهمها». وأضافت: «عملية إجلاء كهذه ستؤدي إلى حركة انتقال سكان هائلة لا يمكن لأي منطقة في قطاع غزة استيعابها، نظراً إلى حجم الدمار اللاحق بالمنشآت المدنية والنقص الحاد في الأغذية والمياه والملاجئ والرعاية الطبية».

دخان القصف الإسرائيلي فوق مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)

وتزامن ذلك مع استمرار الغارات الجوية التي استهدفت مناطق متفرقة من القطاع، ما خلّف أكثر من 48 قتيلاً منذ فجر السبت، وحتى ساعات ما بعد الظهيرة، من بينهم 12 في مجزرة طالت الأطفال والنساء، إثر قصف «فرن شعبي» في حي النصر غرب مدينة غزة، وهي المناطق المكتظة بالسكان.

وأعلنت وزارة الصحة بغزة، عن مقتل 66 فلسطينياً وإصابة 345 خلال آخر 24 ساعة (من ظهيرة الجمعة حتى السبت)، ما يرفع حصيلة العدوان الإسرائيلي، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى 63371 قتيلاً و159835 إصابة، منهم 11240 قتلوا منذ فجر الثامن عشر من مارس (آذار) الماضي، بعد اختراق إسرائيل لوقف إطلاق النار المؤقت الذي استمر لشهرين.

فيما قُتل 15 فلسطينياً وأصيب 206 من منتظري المساعدات في الفترة نفسها، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 2.218، و16.434 منذ نهاية مايو (أيار) الماضي، بعد فتح مراكز توزيع المساعدات الأميركية.

كما سجلت مستشفيات قطاع غزة، خلال الفترة نفسها، 10 حالات وفاة جديدة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، بينهم 3 أطفال، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 332 حالة وفاة، من ضمنهم 124 طفلاً.


مقالات ذات صلة

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

المشرق العربي وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم (الأحد)، إن حركة «حماس» الفلسطينية لا تعمل على نزع سلاحها.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)

غزة: أسلحة جديدة في أيدي المجموعات المسلحة المناهضة لـ«حماس»

ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بنشر مقاطع فيديو وصور لأسلحة جديدة ظهرت في أيدي عناصر المجموعات المسلحة الموجودة في مناطق السيطرة الإسرائيلية داخل غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون قرب مبانٍ مدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«مشروع شروق الشمس»... هل يبصر النور لتحويل غزة إلى مدينة عصرية؟

تسوّق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لـ«مشروع شروق الشمس» (Project Sunrise) بين الحكومات الأجنبية والمستثمرين، لتحويل ركام غزة إلى وجهة ساحلية مستقبلية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي طفل فلسطيني يعاني من سوء تغذية حاد يشرب الماء داخل خيمة عائلته بمخيم للنازحين في خان يونس (رويترز)

إسرائيل تحول الخط الأصفر إلى «مصيدة للموت» للغزيين

خلال الـ24 ساعة الأخيرة في قطاع غزة (منذ ظهر الخميس وحتى الجمعة)، قتل 4 فلسطينيين بينهم سيدة، في بلدة بني سهيلا شرق خان يونس.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إسرائيليون من حركات يمينية يقفون على تلة تشرف على غزة للمطالبة بإعادة احتلال القطاع (أ.ب)

إسرائيليون يعبرون الحدود إلى غزة مطالبين بإعادة احتلال القطاع

دخل العديد من الإسرائيليين إلى قطاع غزة رغم حظر الجيش، حيث رفعوا العلم الإسرائيلي في مستوطنة سابقة، مطالبين بإعادة احتلال القطاع الفلسطيني المدمر.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«قسد» تستهدف نقاطاً للأمن الداخلي في حلب

عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» في دير الزور بشرق سوريا (رويترز - أرشيفية)
عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» في دير الزور بشرق سوريا (رويترز - أرشيفية)
TT

«قسد» تستهدف نقاطاً للأمن الداخلي في حلب

عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» في دير الزور بشرق سوريا (رويترز - أرشيفية)
عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» في دير الزور بشرق سوريا (رويترز - أرشيفية)

ذكرت قناة «الإخبارية» السورية، الاثنين، أن «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها الأكراد شنت هجوماً استهدف نقاطاً لقوى الأمن الداخلي في حلب، في حين اتهمت «قسد» فصائل مسلحة تابعة لوزارة الدفاع بمهاجمة قواتها.

وأفاد «تلفزيون سوريا» باندلاع اشتباكات متقطعة بين قوات الجيش و«قوات سوريا الديمقراطية» في حلب الواقعة شمال البلاد.

بينما ذكر تلفزيون «حلب اليوم» نقلاً عن مصادره أن 5 جرحى وصلوا إلى مستشفى الرازي «بينهم عنصران من الدفاع المدني جراء إصابتهم برصاص قناصة (قسد) قرب دوار شيحان بحلب»، وأضاف المصدر نفسه أن «(قسد) تسحب عناصرها من الحواجز المشتركة مع الأمن الداخلي عند دوار شيحان بحلب، وتطلق النار بشكل مباشر على المدنيين».

على الجانب الآخر، قالت «قسد» في بيان إن اثنين من أفرادها في حلب أصيبوا بجروح إثر هجوم نفذته فصائل مرتبطة بوزارة الدفاع السورية على حاجز في دوار الشيحان.
وحملت قوات سوريا الديمقراطية حكومة دمشق «المسؤولية الكاملة عن هذه الاعتداءات».

وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء أن «قسد» شنت هجوماً بقذائف (آر.بي.جي) والهاون على محيط حي الأشرفية والمنطقة الممتدة من دوار شيحان إلى دوار الليرمون في حلب. وأفادت الوكالة الرسمية بإغلاق طريق غازي عنتاب-حلب بسبب هجمات «قسد».

وتأتي الاشتباكات في الوقت الذي قال فيه وزير الخارجية أسعد الشيباني، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان، إن الحكومة السورية «لم تلمس مبادرة جدية» من «قسد» لتنفيذ اتفاق العاشر من مارس (آذار)، مشيراً إلى أنها تماطل في تنفيذ الاتفاق الذي يقضي بدمجها في مؤسسات الدولة.

وأضاف الشيباني: «قدمنا مقترحاً لـ(قسد) للمرونة، وتسلمنا ردها بالأمس، وتقوم وزارة الدفاع الآن بدراسته. أي تأخر من (قسد) في الاندماج مع الجيش السوري سيؤثر سلباً في استقرار المنطقة الشرقية».

وقال وزير الخارجية التركي إنه «لا نية لـ(قسد) لإحراز تقدُّم في اتفاق 10 مارس»، مضيفاً أن التنسيق بينها وبين إسرائيل يؤخر التوصل لنتيجة. وتابع قائلاً: «اندماج (قسد) في الحكومة السورية سيكون في صالح الجميع».


إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)
ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)
TT

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)
ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)

طلبت إيطاليا رسمياً من لبنان، إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بجنوب البلاد بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، وهو مطلب رحب به لبنان، معتبراً أن وجود هذه القوات، إلى جانب قوات أوروبية أخرى تشارك روما هذه الرغبة، «يساعد الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من التلال والأراضي التي تحتلها»، حسبما قال الرئيس اللبناني جوزيف عون.

وقرر مجلس الأمن الدولي أواخر أغسطس (آب) الماضي، تمديد مهمة قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل) لمرة أخيرة مع وضع برنامج لانسحابها عام 2027، بعدما طالبت إسرائيل والولايات المتحدة بذلك. ونص قرار المجلس، الذي تم تبنيه بالإجماع، على «تمديد تفويض (اليونيفيل) مرة أخيرة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2026، والبدء بعملية تقليص وانسحاب منسقة وآمنة بدءاً من 31 ديسمبر 2026 ضمن مهلة عام واحد».

وزير الدفاع الإيطالي

وشدد وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو، خلال لقائه بالرئيس اللبناني جوزيف عون في بيروت الاثنين، على دعم إيطاليا للبنان في المجالات كافة، لا سيما في مجال حفظ الأمن والاستقرار بالجنوب، مشيراً إلى أن بلاده ترغب في إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، لافتاً إلى وجود دول أوروبية أخرى تنوي أيضاً اتخاذ الموقف نفسه.

وقال كروسيتو إن هذه الخطوة تهدف إلى دعم الجيش اللبناني في مهامه بالجنوب، لأن إيطاليا تعتبر أن أمن لبنان والمنطقة والبحر المتوسط يتحقق من خلال تعزيز دور الجيش اللبناني وتوفير الإمكانات الضرورية له، حسبما أفادت الرئاسة اللبنانية.

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو (الرئاسة اللبنانية)

ويبلغ عدد الدول التي تتألف منها «اليونيفيل» 49 دولة، حيث تشارك بما مجموعه 9,923 جندياً لحفظ السلام، وتتصدر إيطاليا قائمة الدول الأوروبية بالعديد، إذ بلغ عدد الجنود المشاركين 1,099 جندياً، فيما يبلغ عدد الجنود الإسبان في البعثة 824 جندياً، و762 فرنسياً، و414 آيرلندياً، و217 بولندياً، و221 ألمانياً. أما كبرى البعثات، فهي من إندونيسيا بـ1232 جندياً.

وأشار كروسيتو إلى أن بلاده تواصل اتصالاتها بهدف تثبيت الاستقرار في الجنوب، وتتابع تطورات التفاوض الذي بدأه لبنان، وسوف تعمل كي تتحقق نتائج عملية منه، لأنه لا مصلحة لأحد في استمرار التوتر بالجنوب، وعلى إسرائيل أن تدرك هذا الأمر جيداً. وأكد الوزير الإيطالي أن المساعدات الإيطالية للجيش سوف تستمر وفق ما تم الاتفاق عليه مع وزير الدفاع اللبناني خلال محادثاتهما اليوم.

لبنان يرحب

من جهته، أبلغ عون وزير الدفاع الإيطالي بأن لبنان يرحب بمشاركة إيطاليا ودول أوروبية أخرى في أي قوة تحل محل القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) بعد اكتمال انسحابها عام 2027، وذلك لمساعدة الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من التلال والأراضي التي تحتلها.

جنود في الكتيبة الإيطالية بـ«اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة مع الجيش اللبناني (اليونيفيل)

وقال الرئيس عون إن خيار التفاوض الذي اعتمده لبنان، وكلف سفيراً سابقاً ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، هدفه وقف الأعمال العدائية، وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي، وإعادة الأسرى المعتقلين في إسرائيل، وإعادة السكان الجنوبيين إلى قراهم وممتلكاتهم، مضيفاً: «لبنان ينتظر خطوات إيجابية من الجانب الإسرائيلي، ونعتمد على دول صديقة مثل إيطاليا، للدفع في اتجاه إنجاح العملية التفاوضية، والوصول إلى نتائج إيجابية».

وأكد الرئيس عون لوزير الدفاع الإيطالي أن لبنان بلد محب للسلام، ولا يريد الحرب؛ بل يعمل لحفظ الأمن وحماية الحدود وبسط سيادة الدولة، وهذا ما يجب أن يتولاه الجيش اللبناني بالتعاون مع الدول الصديقة الراغبة في مساعدته، «لا سيما أننا تعلمنا من الحروب المتتالية على أرضنا، أنه لا يمكن أن ينتصر فريق على آخر، ولا بد في النهاية من التفاوض».

ولفت رئيس الجمهورية إلى أن الجيش هو العمود الفقري لضمان الاستقرار؛ ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة كلها التي تتأثر حكماً بما يكون عليه الواقع الأمني في لبنان. وأشار إلى أهمية توفير الدعم للجيش الذي لا تقتصر مهماته على الحدود فقط؛ بل على كل لبنان، «وبالتالي فإن أي مساعدة تقدمها الحكومة الإيطالية للجيش اللبناني والقوى المسلحة اللبنانية هي موضع شكر وتقدير من الدولة اللبنانية».

سياسياً، اعتبر رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل، أنّ المرحلة المقبلة تشكّل امتحاناً حاسماً للدولة اللبنانية و«حزب الله»، مشدداً على أنّ استكمال انتشار الجيش وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي هما المعيار الفعلي لتجنيب لبنان حرباً جديدة وإطلاق مسار الاستقرار.

وقال الجميل بعد لقائه السفير الأميركي لدى لبنان ميشال عيسى، إن «الطريقة الوحيدة لحماية لبنان ومنع تكرار المآسي هي بسط سلطة الجيش اللبناني على كامل الأراضي اللبنانية»، مضيفاً: «كل منطقة يوجد فيها الجيش تكون محمية، وكل منطقة خارجة عن سلطة الدولة وسيادتها تكون عرضة للخطر، خصوصاً في الجنوب».

وأشار الجميّل إلى ضرورة انتقال الجيش اللبناني فور انتهاء المهلة المحددة في خطته إلى منطقة شمال الليطاني، موضحاً أن «منطقة جنوب الليطاني باتت خالية من أي سلاح، وهذا أمر يجب أن يُعلن رسمياً في وقت قريب، كي يشعر أهل الجنوب بالأمان ويتوقف تعرضهم للقصف والأذى».


صمت مالك سفينة «النيترات» يراكم تعقيدات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)
من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

صمت مالك سفينة «النيترات» يراكم تعقيدات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)
من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)

لم تحقق مهمة المحقّق العدلي في ملفّ انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار غايتها في العاصمة البلغارية صوفيا، إذ لم يتمكن من استجواب مالك الباخرة روسوس إيغور غريتشوشكين، جرّاء اعتصام الأخير بالصمت، ورفضه الإجابة عن الأسئلة، وهو ما زاد تعقيدات التحقيق الذي يراوح مكانه منذ سنوات بين العوائق القانونية، والسياسية الداخلية، والحسابات الدولية.

وكان البيطار توجّه الأربعاء الماضي إلى صوفيا، لاستجواب غريتشوشكين، مالك سفينة أقلت نيترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020، وهو موقوف في صوفيا منذ ثلاثة أشهر، بموجب مذكرة توقيف صادرة عن القضاء اللبناني، ومعممة عبر الإنتربول الدولي. وعقد البيطار جلسة في حضور وكيلته، وقضاة بلغاريين، في مكان الاحتجاز المؤقت، حيث جرى توجيه الأسئلة له عبر قاضي تحقيق بلغاري، التزاماً بالأصول القانونية المعتمدة في التعاون القضائي الدولي.

قاضي التحقيق اللبناني في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار (الوكالة الوطنية للإعلام)

وقال مصدر قضائي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إنّ المدعى عليه «رفض الإجابة عن أي سؤال، ملتزماً الصمت كلياً، باستثناء عبارة واحدة، حين قال إنه يكتفي بالإفادة التي سبق أن أدلى بها خلال استجوابه من قبل شعبة المعلومات اللبنانية في قبرص في العام 2020، وليس لديه ما يضيفه بشأنها.

تهرّب من المواجهة

وأضفى الصمت مزيداً من الشكوك حول دور غريتشوشكين وسفينته التي نقلت نيترات الأمونيوم من جورجيا إلى مرفأ بيروت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 في خطوة اعتبرها مصدر قضائي رفيع «محاولة واضحة للتهرّب من مواجهة أسئلة يعتبرها التحقيق أساسية في تحديد المسؤوليات».

لكن المصدر أثنى عبر «الشرق الأوسط» على «التعاون الكامل الذي أبداه القضاء البلغاري مع المحقّق العدلي، سواء على مستوى القضاة، أو إدارة السجن في صوفيا»، مشيراً إلى أن الفريق القضائي البلغاري «أجرى محاولات متكررة لإقناع غريتشوشكين بالإدلاء بأقواله، إلا أنّه أصرّ على موقفه، وامتنع نهائياً عن التحدّث».

علامات استفهام

وقال إن «امتناع مالك السفينة روسوس هو حق قانوني له، إلا أنّه يطرح علامات استفهام كبرى حول ما يحمله من معطيات قد تكون مفصلية في رسم صورة كاملة لمسار شحنة نيترات الأمونيوم منذ تحميلها وحتى انفجارها»، لافتاً إلى أن البيطار كان «يهدف إلى كشف حقيقة من اشترى نيترات الأمونيوم ولصالح من؟ وهل أن حمولة الباخرة كانت بالفعل ذاهبة إلى موزمبيق، أو أن هناك عملية تحايل غيرت وجهتها إلى مرفأ بيروت؟».

الدخان يتصاعد من موقع انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 (رويترز)

ونقل المصدر القضائي عن مسؤولي السجن المؤقت الذي يحتجز فيه غريتشوشكين أن الأخير «يعاني وضعاً نفسياً صعباً منذ اعتقاله» في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي في صوفيا، أثناء توجهه من قبرص إلى موسكو. وأوضحت أن البيطار أبلغه بأنه «ليس متهماً، بل مشتبه به، وإذا ما أدلى بإفادته قد يكون ذلك سبباً لوقف الإجراءات القائمة بحقه، لكن ذلك لم يغير شيئاً بقناعاته». وأوضح المصدر أن غريتشوشكين «أجلس على كرسي وضع مقابل القاضي البيطار، حيث أغمض عينيه بيديه ولم ينظر إلى المحقق العدلي، ولا حتى للقضاة البلغاريين، مكتفياً بالقول أنا لا أعرف لماذا أنا مسجون هنا؟ وليس لدي ما أقوله».

مواكبة أمنية

في الإطار اللوجستي، والمواكبة الأمنية والدبلوماسية للمهمّة، علمت «الشرق الأوسط» أن مهمة البيطار «أحيطت بعناية كبيرة، حيث توجّه من منزله إلى مطار رفيق الحريري الدولي بمواكبة من مخابرات الجيش اللبناني، ومتابعة حثيثة من وزير العدل عادل نصّار». ووفق المعلومات فإنّ سفيرة لبنان في بلغاريا رحاب أبو زين «لعبت دوراً مهمّاً في تهيئة الظروف الملائمة لإنجاح مهمة البيطار في صوفيا، حيث استقبلته في المطار، ورافقته إلى مكان إقامته، كما تولّت السفيرة شخصياً تأمين كاتب محضر التحقيق، ومترجمين اثنين، وسبق ذلك أن نسّقت مع السلطات البلغارية لتأمين المواكبة الأمنية له»، مشيرة إلى أن ذلك «عكس جدّية الجانب اللبناني في استكمال التحقيق رغم العراقيل».

وإزاء هذا التطوّر، يطرح السؤال مجدداً عن مصير غريتشوشكين: هل ستفرج عنه السلطات البلغارية أم ستسلّمه إلى لبنان؟ حتى الآن، لا يوجد جواب حاسم. إلا أنّ المصدر القضائي يؤكد أنّ لبنان «لم يفقد الأمل بإمكانية تسلمه، لا سيما أن محكمة الاستئناف البلغارية ستعقد جلسة هذا الأسبوع للنظر في طعن النائب العام بقرار رفض تسليمه». وشدد على أنه «حتى لو أطلقت بلغاريا سراحه فإن مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه ما زالت سارية المفعول، وتتيح توقيفه في أي بلد يتوجّه إليه، باستثناء روسيا التي يحمل جنسيتها».

تقدير سيادي

في هذا السياق، يلفت المصدر القضائي إلى أنّ قرار بلغاريا المحتمل بعدم التسليم، في حال تثبيته «لا يشكّل سابقة ملزمة لدول أخرى، فلكل دولة تقديرها السيادي، وتعاونها القضائي قد يتغيّر تبعاً للضمانات المقدّمة، والظروف السياسية، والقانونية المحيطة بكل حالة»، لافتاً إلى «وجود أمل كبير بأن تقرر محكمة الاستئناف في بلغاريا تسليمه إلى لبنان، وأن سفيرة لبنان في صوفيا تتابع عن كثب تطورات هذا الملفّ مع السلطات البلغارية».

ووفق المصدر فإن «مذكرة التوقيف الغيابية بحق مالك السفينة روسوس ستبقى سارية المفعول، وإن البيطار فور عودته إلى لبنان سيقرر الخطوات التي سيتخذها في حال رفضت محكمة الاستئناف في صوفيا تسليمه إلى لبنان».