«حزب الله» يُواجه المتغيرات اللبنانية برسائل سياسية وعسكرية

يوحي بامتلاكه أوراق الشارع... ومعارضوه يُشككون في قدراته

مناصرون لـ«حزب الله» يُطلقون شعارات مناهضة للولايات المتحدة خلال احتجاج على زيارة براك إلى مدينة صور بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
مناصرون لـ«حزب الله» يُطلقون شعارات مناهضة للولايات المتحدة خلال احتجاج على زيارة براك إلى مدينة صور بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يُواجه المتغيرات اللبنانية برسائل سياسية وعسكرية

مناصرون لـ«حزب الله» يُطلقون شعارات مناهضة للولايات المتحدة خلال احتجاج على زيارة براك إلى مدينة صور بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
مناصرون لـ«حزب الله» يُطلقون شعارات مناهضة للولايات المتحدة خلال احتجاج على زيارة براك إلى مدينة صور بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

وجّه «حزب الله» عدة رسائل سياسية وعسكرية تزامناً مع زيارة الموفد الأميركي توماس برّاك إلى لبنان، تبنّى بعضها وتعمّد تجاهل أخرى، التي توحي بأن هناك أوراقاً بإمكان الحزب أن يلعبها، رغم تشكيك معارضيه في قدرته على المواجهة، واعتبار أن تلك المنشورات معدة «للتسويق بين جمهوره».

ومنذ الأحد الماضي، عشية وصول الموفد برّاك إلى بيروت، الذي يصرّ على «حصرية السلاح» بيد السلطات الرسمية، تنوّعت الرسائل بين مضامين سياسية وعسكرية ومالية، بدأت من ظهور ملصقات في قرية في البقاع (شرق لبنان)، تدعو النساء للمشاركة في دورات تدريب على السلاح، قبل أن يليها بيان يوم الاثنين، دعا الحزب فيه إلى تحركات ميدانية، وسرعان ما ألغاها بطلب من رئيس البرلمان نبيه بري، فيما عملت وسائل إعلام محلية على تسريب معلومات عن تخصيصه مليار دولار لإعادة الإعمار، تبيّن أنها غير دقيقة، فيما كثّف جمهوره نشر فيديوهات عسكرية، وكان آخرها ظهور أمينه العام، نعيم قاسم، ببزّة عسكرية، وحمل بعضها شعارات ترفض تسليم السلاح.

أوراق داخلية

وبمعزل عن الدعوة للتحركات الميدانية، لم يتبنّ الحزب رسمياً تلك المنشورات، وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي بين جمهوره. وقالت مصادر مواكبة من كثب لطريقة عمل الحزب، إن تلك المنشورات، حتى لو لم يعتمدها، فإنها «تنطوي على رسائل سياسية وعسكرية»، لافتة إلى أن ما يُحاول الحزب تعميمه، يتلخّص في أنه «لا يزال يمتلك أوراقاً يمكن أن يلجأ إليها، ومن بينها التحركات المدنية في الشارع التي يُمكن أن تُربك البلد، وتُفرمل اندفاعاته باتجاه الاستقرار، وجذب الاستثمارات والتعويل على السياحة».

وأوضحت المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، أن الهدف من تعميم منشور حول تدريبات عسكرية للنساء «هو توجيه رسالة مزدوجة؛ أولاً إلى بيئته الداخلية، مفادها أن الدفاع عن النفس في حال اندلاع مواجهة مع أطراف سورية متاخمة لمناطقهم هو مسؤولية جماعية لا تقتصر على الرجال». أما مضامينها الموجهة إلى خصومه بأن «حمل السلاح لا يقتصر على المقاتلين، وسيكون عاماً بغرض الدفاع».

مناصرون لـ«حزب الله» يعتصمون في مدينة الخيام بجنوب لبنان رفضاً لزيارة الموفد الأميركي توماس برّاك (أ.ف.ب)

تعويض عن عجز

ويرى الباحث السياسي المعارض لـ«حزب الله»، علي الأمين، أن الدفع بتلك الرسائل «يُمثل تعويضاً عن عجزه على استخدام الزناد»، إذ «يستخدم وسائل أخرى لها علاقة بـ(البروباغندا)، وبث الأخبار الهجومية على الحكومة ورئيسها نواف سلام وشيطنته، أو يلجأ إلى مزيد من إظهار الشعور بالقوة والقدرة».

وبين جميع الرسائل، يُشير الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «عنوان المال هو الأهم»، بالنظر إلى أن الحزب «يعرف أن العنصر الحيوي والأساسي لارتباط البيئة به هو استمراره في توفير الموارد المالية للمحازبين، ومواصلة صرف كل المتعلقات بالجرحى والشهداء». ومع أنه يُؤكد أن الحزب لن يتورط في مواجهة داخلية، لكنه يرى أنه «يقوم باستنفار بيئته بعناوين متعددة، من بينها اتهامات للدولة بسحب السلاح كي تُصبح مكشوفة أمام إسرائيل، ويقول في فحوى رسائله إنه لن يكون بلا سقف أمام (مجموعة انبطاحيين) يريدون تسليم رأس بيئته للرئيس السوري أحمد الشرع».

رسالة الإمكانات المالية

وتتصدّر تلك الرسائل ما جرى نشره عن تخصيصه مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو ما لم تَثبُت صحته. ويرى مصدر نيابي معارض للحزب أن التسريبات غير الدقيقة عن ذلك تنطوي أيضاً على رسائل مزدوجة، فمن جهة «يُحاول طمأنة بيئته بأنه عازم على إعادة الإعمار في حال فشل خطة إعادة الإعمار عبر الدولة»، في حين تحمّل رسالة لخصومه السياسيين، مفادها أن «المساعي لتطويق الحزب مالياً ومحاصرة موارده، لم تنجح بالكامل».

ويقول المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن ما يُحاول الحزب تثبيته مفاده أن «أي محاولة لمقايضة السلاح بإعادة الإعمار، لن تتم»، وذلك في توقيت حسّاس، يسبق مؤتمر المانحين الذي تستضيفه باريس خلال الشهر المقبل، لإعادة إعمار ما هدمته الحرب، علماً بأن التقديرات الوزارية اللبنانية تُشير إلى أن بعض المانحين «يشترطون إنجاز سحب السلاح قبل دفع مساعدات مالية لإعادة الإعمار».

إرباك سياسي

وتُشير تلك الرسائل، في خلاصتها، إلى أن الحزب «يعاني إرباكاً سياسياً»، حسبما يقول الأمين، ذلك أنه «يعرف أن الاستمرار في القتال، ومواجهة كل المحيط، هو أقرب إلى انتحار منه لأي إنجاز سياسي متوقع»؛ لذلك «يعوض عبر تشكيل حالة من الضوضاء وملء الفراغ الهائل الناتج عن العجز أمام إسرائيل، بمحاولة الاعتداد بأنه قوي، ويلجأ فيه إلى التخويف من احتمالات نهاية السلاح».

مناصرون لـ«حزب الله» يرفعون شعارات مناهضة للولايات المتحدة في مدينة صور بجنوب لبنان الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)

وعلى ضوء التطورات السياسية، يقول الأمين إن الحزب «يلعب منفرداً من دون شريك»، موضحاً: «لا آخر يواجهه ويسائله، ولا جهة مثالية تعاديه؛ لذلك يحاول خلق خصومة مع رئيس الحكومة نواف سلام، ما يُعزز التقديرات بأنه مربك، فلا هو قادر على القيام بحرب أهلية ضد أي طرف، ولا حتى ضد الجيش، كما أنه في الوقت نفسه لا يريد أن يقاتل إسرائيل لأنه عاجز عن قتالها، كما أنه يُدرك أن أفق المواجهة محسوم، ولا يتورط في توفير أي ذريعة لإطلاق حرب ولا يدفع لذلك». وإذ يشير إلى أن الناس «بحاجة إلى أمل»، يقول إن الرسائل التي يدفعها «لا تتخطى كونها موجهة لجمهور موجه، ومعدة للاستهلاك في الفضاء الإلكتروني».

هذه الرسائل من زاوية سياسية، تعكس سعي الحزب إلى «الحدّ من اندفاعة الدولة المعنوية لحصر السلاح عقب القرار الحكومي»، و«تشويه الصورة المعنوية للدولة داخل بيئته»، وفق ما يرى الأمين، الذي أشار أيضاً إلى أنه لم يلحظ «أي جرأة في خروج مسيرات الدراجات النارية خارج حدود الضاحية؛ حيث كانت هيبة الجيش حاضرة»، ويضيف: «في دلالات الرسائل والتحركات، يحاول الحزب خلق حصانة نسبية له في بيئته، مفادها أن الدولة لا تستطيع الاقتراب من تلك البيئة، وهذا يؤدي عملياً إلى مزيد من منع تسرب الدولة إلى المجال الشيعي، وتعزيز اعتقاد الجمهور العام أن الدولة عجزت، في حين لا يزال الحزب قادراً على المواجهة».


مقالات ذات صلة

هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

تحليل إخباري مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

ينتظر الجيش اللبناني قراراً سياسياً يفترض أن تتخذه الحكومة للانتقال مطلع العام لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة التي كان قد وضعها لحصرية السلاح.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي ضبط صواريخ من نوع «سام 7» معدة للتهريب خارج البلاد في البوكمال شرق سوريا (سانا)

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

رجحت مصادر أن تكون الجهة التي كان من المفترض تهريب دفعة صواريخ «سام 7» إليها عبر الأراضي السورية هي «حزب الله» بلبنان، الذي كان يقاتل أيضاً إلى جانب نظام الأسد.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

لبنان: سلام يدافع عن «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات الواسعة

دافع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام عن مشروع قانون استرداد الودائع المصرفية المجمدة منذ عام 2019، واصفاً إياه بـ«الواقعي» و«القابل للتنفيذ».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مودعون يرفعون لافتات اعتراضية على مشروع قانون استعادة الودائع خلال تحركات شعبية على طريق القصر الجمهورية (الشرق الأوسط)

انطلاقة «غير آمنة» لمشروع قانون الفجوة المالية في لبنان

كشف توسّع موجة الاعتراضات على مشروع قانون «الفجوة» المالية، حجم العقبات التي تعترض الوصول إلى محطة تشريع القانون في البرلمان.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

طلبت إيطاليا رسمياً من لبنان، إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بجنوب البلاد بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، وهو مطلب رحب به لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

غزيّون تحت القصف يخشون تهجيراً جديداً شرق «الخط الأصفر»

أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

غزيّون تحت القصف يخشون تهجيراً جديداً شرق «الخط الأصفر»

أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

في بلدة بني سهيلة بجنوب قطاع غزة، لا تجد أم أحمد قديح جواباً لأطفالها الذين يرتجفون خوفاً مع كل غارة إسرائيلية، ويسألونها: لماذا لا يغادرون للنجاة نحو غرب خان يونس، حيث تتركز حركة النزوح؟

خلال الأسبوع الأخير، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات مكثفة على المناطق الشرقية من خان يونس، أي تلك الواقعة شرق الخط الأصفر، حيث يعيش عشرات آلاف الفلسطينيين في خيام أو منازل تضررت جراء حرب ضروس استمرت لعامين.

تقول قديح (40 عاماً)، المقيمة مع أطفالها في خيمة إلى جوار منزلها المدمر: «لا ننام طوال الليل بسبب الخوف لتواصل القصف في المنطقة الشرقية»، مضيفة أنّ أطفالها يسألونها: «لماذا لا ننزح من المنطقة، أصوات الانفجارات لا تتوقف، إلى أين سنذهب؟ وأنا لا أملك جواباً؛ لأنه فعلياً لا يوجد بديل حقيقي»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

صورة لرضيع متوفى في مستشفى ناصر نتيجةً لسياسة إسرائيلية مستمرة تُقيّد بشدة الوصول إلى الأدوية وحليب الأطفال والمعدات الطبية الأساسية وأنظمة التدفئة (د.ب.أ)

وتتابع أن «منطقة المواصي (غرب خان يونس) ممتلئة بالكامل بالخيام»، مشيرة إلى أن البقاء قرب المنزل المدمر «أهون علينا من المجهول».

وفي شمال شرقي خان يونس، يقول عبد الحميد الفرا (70 عاماً) إن عائلته تقيم على أنقاض منزلها المدمر جزئياً، مؤكداً أن «بقاءنا هنا (...) ليس لأننا بأمان، بل لأننا لا نجد مكانا آخر»، قبل أن يضيف بنبرة من التحدي: «لن نخرج من هنا (...) هذه أرضنا مهما اشتد القصف سنبقى، والتهجير لن يكون حلاً لنا، بل مأساة جديدة».

وحسب الفرا، لم تعد المواصي قادرة على استيعاب مزيد من النازحين، بينما يرى أن استمرار نسف المنازل في المناطق الشرقية يهدف إلى «إفراغ المنطقة بالكامل من شرق الخط الأصفر».

والخط الأصفر الخاضع لسيطرة إسرائيل، وهو خط ترسيم بموجب هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» دخلت حيّز التنفيذ منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول).

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زمير الخط الأصفر بأنه «الحدود الجديدة» مع إسرائيل.

وقال الجيش إن ضرباته تعود إلى «تهديدات» الفصائل الفلسطينية.

وأوضح في بيان إلى «وكالة الصحافة الفرنسية» أن عملياته «الحالية في غزة وانتشاره على وجه الخصوص في منطقة الخط الأصفر، تتمّ لمواجهة تهديدات مباشرة من منظمات إرهابية في غزة».

«لا خيام ولا طعام ولا دواء»

اندلعت الحرب في غزة في السابع من أكتوبر 2023، عقب هجوم غير مسبوق شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، وأسفر عن مقتل 1221 شخصاً، حسب إحصاء لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» استناداً إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

ومنذ اندلاع الحرب، قُتل أكثر من 70 ألف شخص في غزة، وفق وزارة الصحة في القطاع، في حين نزح معظم سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وكثيرون منهم مرات عدة.

ومنذ سريان وقف إطلاق النار، يتبادل الطرفان بانتظام الاتهامات بخرقه.

وحسب المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، فإن بعض السكان يغادرون منازلهم بسبب القصف، لكن الأعداد تبقى محدودة؛ ذلك أن «لا خيارات أمام المواطنين، كثيرون يفضّلون البقاء رغم مخاطر الموت بسبب القصف، ولا مكان آمناً في القطاع».

ويشير بصل إلى أن الجيش الإسرائيلي «كثَّف في الأسابيع الأخيرة القصف الجوي والمدفعي يومياً على خان يونس ومناطق أخرى في القطاع لترحيل الناس؛ لتبقى المناطق الشرقية خالية أمام الاحتلال».

سيدات ينتظرن استلام حصص غذائية مُتبرع بها في مطبخ خيري بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

يصف رئيس بلدية خان يونس علاء البطة القصف الإسرائيلي بأنه «خروق لاتفاق وقف إطلاق النار»، عادَّاً أنّه يهدف إلى «تهجير الناس من مناطقهم»، وطالب بتدخل عاجل لوقف تلك الخروق؛ إذ إن «مئات آلاف النازحين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة لا خيام ولا طعام ولا دواء».

وفي بلدة خزاعة، يقول محمود بركة (45 عاماً) إن القصف المدفعي «لا يتوقف» في المناطق الشرقية، وإن أصوات الانفجارات «قريبة جداً».

يسير الناس وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويلفت بركة إلى أن الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات نسف يومية للمنازل «وكأننا في ساحة حرب. هدف الاحتلال إخافتنا».

ويردف: «لا ننام طوال الليل. أطفالي ما زالوا يرتجفون من الخوف وأيضاً من البرد، نحن نعيش مأساة حقيقية، لكن فعلياً لا يوجد خيار ولا بديل أمامنا إلا البقاء هنا».

ويأمل بركة بانتهاء هذا الوضع مع بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي، مؤكداً: «نحاول استرجاع حياتنا بالتدريج؛ فنحن تعبنا جداً».

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بشأن تأخير بدء مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، الذي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقعها الحالية، وتولي سلطة مؤقتة إدارة القطاع بدلاً من حكومة حركة «حماس»، إضافة إلى نشر قوة استقرار دولية.


هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

ينتظر الجيش اللبناني قراراً سياسياً يفترض أن تتخذه الحكومة للانتقال مطلع العام لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة التي كان قد وضعها لحصرية السلاح.

وقد أتت تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام عبر «الشرق الأوسط» ليعلن الانتقال قريباً لحصر السلاح بين نهري الليطاني والأولي، لتؤكد أن الأسابيع الأولى من العام الجديد ستكون حاسمة في هذا المجال. إلا أن تشدد «حزب الله» ورفضه رفضاً قاطعاً تسليم سلاحه شمال نهر الليطاني يطرح علامات استفهام كبيرة حول خطة الدولة للتعامل معه، علماً أن مقربين منه عدّوا موقف سلام الأخير «خطوة تنازلية جديدة يسعى إليها لبنان الرسمي من دون أي خطوة مقابلة من الطرف الإسرائيلي».

ويبدو واضحاً أن تعامل الحزب مع ما وصفها بـ«الخطوات التنازلية» التي اضطر للرضوخ إليها جنوب الليطاني، سواء من خلال استلام الجيش سلاحه ومواقعه العسكرية أو امتناعه عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة أو تعيين مدني في الوفد الذي يفاوض إسرائيل، لن يكون مماثلاً لتعامله مع احتمال التوسع لتطبيق خطة حصرية السلاح شمال الليطاني دون موافقته على ذلك.

عناصر من الجيش اللبناني بمحاذاة شاحنة تعرَّضت لغارة إسرائيلية في ساحل جبل لبنان الجنوبي الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

ويربط الحزب أي خطوة في هذا الاتجاه، بمجموعة شروط، أبرزها انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وإعادة الأسرى ووقف الاعتداءات والشروع في إعادة الإعمار، علماً أنه يربط مصير سلاحه شمال النهر بـ«استراتيجية دفاعية وطنية» يتم التفاهم عليها داخلياً.

الواقع العسكري

وحسب المعلومات، فإن عناصر وضباط الجيش التزموا طوال الفترة الماضية خلال مهماتهم بحصر السلاح جنوب الليطاني بتعليمات واضحة بعدم الاقتراب من مواقع شمال الليطاني، علماً أن مصادر أمنية تؤكد أنه وبالتوازي مع المهام الميدانية التي كانت تحصل جنوب النهر كانت هناك إجراءات حاسمة تتخذ شمالاً، أي على مختلف الأراضي اللبنانية، وبالتحديد لجهة منع نقل السلاح كما التصدي لأي محاولات تهريب له على الحدود اللبنانية - السورية.

وعما إذا كان الجيش جاهزاً لاستكمال تنفيذ الخطة التي وضعتها القيادة، وبالتالي الانتقال إلى المنطقة الواقعة بين نهري الليطاني والأولي، تقول المصادر الأمنية لـ«الشرق الأوسط»: «الخطة وُضعت لتُنفَّذ، والانتقال إلى هذه المرحلة يتطلب قراراً سياسياً»، لافتة إلى أن «تشدد (حزب الله) ورفضه التسليم يعني وضع الجيش بمواجهة مع عناصره؛ ما قد يهدد السلم الأهلي، وهو ما يُعدّ خطاً أحمر بالنسبة لرئاسة الجمهورية وقيادة الجيش».

محاذير سحب السلاح بالقوة

ويستبعد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور هلال خشان انتقال الدولة اللبنانية لتطبيق قرارها حصرية السلاح شمال الليطاني بالقوة، عادَّاً أن «لبنان دولة ناعمة، وهناك دائماً بالنسبة إليها ثغرة بين اتخاذ القرار وتنفيذه».

ويرى خشان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ألا خيارات أمام الدولة، «وهي تحاول أن تماطل وتطالب بتمديد المهلة المعطاة لها لحصر السلاح حتى أواخر عام 2026».

جنود في الجيش اللبناني يسيرون في نفق حفره «حزب الله» في منطقة زبقين بجنوب لبنان في وقت سابق وسيطر عليه الجيش بعد الحرب (أرشيفية - أ.ب)

ويؤيد خشان وجهة النظر القائلة بأن محاولة سحب السلاح بالقوة «ستؤدي إلى حرب أهلية وانفراط عقد الجيش وانشقاق الضباط الشيعة»، موضحاً أن «الجيش بتركيبته وعقيدته لا يحارب طائفة أو مجموعة وازنة».

أما عن موقف «حزب الله»، فيرجّح خشان أن يتعاطى الحزب مع أي محاولات لمواجهته بالقوة وفق المنطق القائل «عليّ وعلى أعدائي»، متحدثاً عن «مزاج عام مسيطر لدى الشيعة في لبنان برفض تسليم السلاح؛ لأن ذلك يعني الإطاحة بكل الإنجازات التي تحققت للطائفة خلال أكثر من 40 عاماً». ويضيف: «كما أن الحزب غير مهتم بطروحات تقول بإعطائه امتيازات سياسية مقابل السلاح، فهو الذي بقي مسيطراً على الحياة السياسية في لبنان طوال السنوات الماضية، يُدرك أن امتيازات كهذه لا تدوم».

ويرى خشان أن الحزب وبطرحه الاستراتيجية الدفاعية، «يحاول شراء الوقت لعلمه بأن أي نقاشات داخلية لا يمكن أن تصل إلى نتائج في هذا الملف، وهو ما اختبرناه لسنوات طويلة»، مرجحاً أن «يؤدي هذا الواقع لتصعيد إسرائيلي غير واضح إذا ما كان سيرتقي لحرب».

الحزب يرفض

ويؤكد الكاتب السياسي الدكتور قاسم قصير المطلع من كثب على موقف «حزب الله» أن الحزب «يرفض مطلقاً الانتقال لحصر السلاح شمالي الليطاني ويعدّ أن المسؤولية اليوم أمام الدولة والجيش اللبناني والحكومة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال وإطلاق الأسرى»، لافتاً إلى أنه «من غير الواضح بعد كيف ستتم ترجمة عملية الرفض، خاصة بعدما قال الشيخ نعيم قاسم بوضوح في آخر خطاب له إن السلاح مثل الروح والأرض ولن يتم التخلي عنه».

وعما إذا كان الحزب قد يقبل في مرحلة ما مبادلة سلاحه بامتيازات سياسية، يقول قصير لـ«الشرق الأوسط»: «الحزب لا يطالب بامتيازات سياسية مقابل السلاح، لكنه يطالب بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، والاحتلال الإسرائيلي، وإطلاق الأسرى، وإعادة الإعمار، ويعلن الاستعداد للحوار حول الاستراتيجية الدفاعية أو القومية... وغير ذلك لا توجد مطالب لدى الحزب».


الشيباني وأبو قصرة في موسكو لإجراء مباحثات

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق في موسكو (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق في موسكو (أ.ب)
TT

الشيباني وأبو قصرة في موسكو لإجراء مباحثات

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق في موسكو (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق في موسكو (أ.ب)

وصل وفد سوري يضم وزيري الخارجية والدفاع إلى العاصمة الروسية موسكو اليوم الثلاثاء، وفق ما أعلنت إدارة الإعلام بوزارة الخارجية والمغتربين السورية.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن الإدارة قولها إن وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني ووزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ومسؤولون في الاستخبارات العامة وصلوا إلى موسكو لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس.

وفي يوليو (تموز) الماضي، التقى أبو قصرة نظيره الروسي أندريه بيلوسوف في موسكو بحضور كل من الشيباني ورئيس الاستخبارات العامة حسين سلامة، حيث شهد اللقاء مباحثات بشأن عدد من القضايا العسكرية المشتركة.
وأكد الشيباني، خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، آنذاك، أن «الحوار مع روسيا خطوة استراتيجية تدعم مستقبل سوريا»، موضحاً أن «سوريا تتطلع إلى تعاون وتنسيق كامل مع روسيا لدعم مسار العدالة الانتقالية فيها، كما أن التعاون مع روسيا يقوم على أساس الاحترام».