المساعدات المالية... قصة تحويلات «مُعقدة» من مصر إلى غزة

تُعِين أُسراً لكنها تصطدم بعائق «العمولة»

فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في قطاع غزة (د.ب.أ)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

المساعدات المالية... قصة تحويلات «مُعقدة» من مصر إلى غزة

فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في قطاع غزة (د.ب.أ)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في قطاع غزة (د.ب.أ)

في وسط قطاع غزة، حيث نزحت شيماء سعد رفقة عائلتها قبل شهور، نظمت «موائد» لإطعام الأطفال والجيران من النازحين، معتمدة على أموال أُرسلت إليها مباشرة من مصر، وتحديداً من أحمد محمد (اسم مستعار)، وهو صحافي شاب، أقام مبادرة لدعم الأهالي.

يقول أحمد لـ«الشرق الأوسط» إنه فضل هذه الطريقة كاختصار لسكة المساعدات العينية الطويلة التي تلقى «عراقيل» على المعبر من قِبل الجانب الإسرائيلي، أو «تُنهب عند دخولها» من مجهولين، فلا تصل دائماً لمستحقيها، لكن تظل هذه الطريقة غير مضمونة، إلا لو وجدت من يتلقاها في غزة، وينفقها في الوجه الذي أُرسلت له.

عرض الصحافي فكرته على شيماء في يوليو (تموز) 2024، وهي تعمل أيضاً في مجال الإرشاد النفسي لأطفال القطاع، فوافقت فوراً، وقد قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أعجبتني الفكرة، خصوصاً مع وجود شقيقي في مصر، ومن ثم تصبح عملية التحويل المعقدة أيسر».

الفلسطينية شيماء سعد توزع الطعام

وتتمثل عقدة عملية التحويل في الشلل الذي أصاب السوق المصرفية الرسمية، وانحسار تدفق السيولة المالية، فبات تحويل الأموال يعتمد على 3 طرق فقط، وفق ما شرحته 8 مصادر تحدثت معهم «الشرق الأوسط» داخل مصر وفي القطاع.

تتمثل الطريقة الأولى في الإرسال عبر الحسابات البنكية، فرغم تعطُّل البنوك بشكلها النظامي، فإن تطبيقاتها ما زالت تعمل بشكل جيد في تحويل واستقبال الأموال، والطريقة الثانية عبر المحافظ الإلكترونية خصوصاً «فودافون كاش»، التي توجد كثير من شرائحها وتصل تغطيتها للقطاع، أو عبر تطبيق «إنستا باي»، أما الطريقة الثالثة فعبر وسطاء يتسلمون الأموال من مصر، ويقوم آخرون تابعون لهم في القطاع بتسليم الأموال للشخص المستفيد بالشيقل، بعد اقتطاع نسبة العمولة.

«السماسرة»

يمثل تسييل الأموال العقبة الكبرى بعد وصولها للقطاع، وهنا يأتي دور «السماسرة» الذين يحصلون عادة على عمولة تغيرت على مدار الحرب، بداية من 10 في المائة حتى وصلت الآن لنحو 50 في المائة.

صورة مأخوذة من فيديو نشره قائمون على مبادرة إطعام في غزة بأموال حُولت من مصر

وتوجد طريقة أخرى للاستفادة من الأموال المحولة بالشراء عبر «التحويل الإلكتروني»، أي شراء السلع مقابل تحويل قيمتها إلى البائع عبر حسابه، لكن هذه الطريقة تواجه عقبة أخرى في ارتفاع أسعار السلع بالتحويل الإلكتروني مقارنة بالأموال السائلة.

اعتمد الصحافي الشاب على الطريقة الأولى، فأرسل 10 آلاف جنيه (الدولار نحو 50 جنيهاً)، بعد تجميعها من أصدقاء له، إلى شقيق شيماء الذي لديه حساب بنكي فلسطيني، فحوَّل منه الأموال إلى شقيقته، واعتمد على أصدقاء له داخل القطاع في تسييل المبلغ بالشيقل لشقيقته.

وحصلت شيماء على الأموال دون اقتطاع عمولة؛ «ما انعكس في إطعام أكبر عدد ممكن»، كما أكدت، لكن مع الوقت قل من يقومون بهذا العمل كـ«خدمة» وتآكلت السيولة، واحتل المشهد «السماسرة» الذين «يغالي بعضهم في العمولة»، وفق شيماء.

«المجاعة»

أقيمت المبادرة، وتكررت مرات عدة، قبل أن تصطدم بعقبة «المجاعة» يقول أحمد: «مع الوقت، زاد عدد من يرغب في المشاركة بالمبادرة بعدما رأوا صور الإطعام من غزة، لكن مع المجاعة التي أدت لقلة المواد في الأسواق، وارتفاع سعرها بشكل كبير توقفت المبادرة بعض الوقت».

تقول شيماء: «بعد تنظيم دورات عدة، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، وباتت وجبة غداء واحدة عبارة عن خبز وبقوليات، تحتاج لنحو 50 دولاراً، والأسرة قد تنفق في اليوم متوسط 200 دولار، ولم تعد التحويلات قادرة على استيعاب الزيادة في الأسعار، ونسب العمولة».

مؤخراً مع استئناف دخول المساعدات من مصر إلى غزة عبر معبر «كرم أبو سالم»، في يوليو (تموز) الماضي، بدأت الأسعار في التراجع بالأسواق، فتوضح: «بعدما وصل سعر كيلو الدقيق لـ100 شيقل (الألف جنيه مصري يساوي 70 شيقلاً)، انخفض لـ10 و20 شيقلاً».

لذا يستعد أحمد لاستئناف المبادرة، قائلاً إنهم «يفكرون في تقديم حلوى للأطفال، لو لم تكفِ الأموال المرسلة للإطعام»، مشيراً إلى أنه «رغم نجاح طريقة التحويل، لكنها لم تكن لتتم لولا وجود شخص ثقة في القطاع يستقبلها، فلا يمكن تحويل الأموال لأحد لا أتأكد من أنه سيرسلها لمستحقيها».

فلسطيني يتناول الطعام مع عائلته في جباليا وسط المجاعة التي يشهدها قطاع غزة (أ.ف.ب)

عائلات مُعيَّنة

مثّلت التحويلات المالية التي ترسلها عائلات غزية من مصر إلى ذويهم في القطاع أساساً تعتمد عليه كثير من الأسر. يقول الناشط الفلسطيني المقيم في مصر، رامي أمان، لـ«الشرق الأوسط»: «لو أرسلت 1000 جنيه فالمرسل إليه لا يتسلم الـ70 شيقلاً، قد يتسلمها في أحسن الأحوال 50 شيقلاً، إن لم يكن 30».

يفضل أمان الإرسال البنكي، ولا تسمح البنوك المصرية للفلسطينيين الذين جاءوا بعد الحرب، بفتح حسابات، لعدم حصولهم على «إقامة»، عدا بنك «أبو ظبي الإسلامي»، حسب أمان، قائلاً إن كثيراً من العائلات ترسل الأموال إلى أقاربهم من خلاله. يعتمد الناشط نفسه على هذه الطريقة في إرسال معونات إلى أقاربه.

عائق ارتفاع العمولة

يعجز صادق نعيم، وهو غزاوي علق في مصر بعد اندلاع الحرب بينما توجد كل عائلته من زوجة وأبناء وأب وأم وأشقاء في القطاع، عن إرسال أموال لعائلته منذ شهور، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «في بداية الحرب، كنت أرسل مبالغ بسيطة متمثلة في عدة آلاف جنيه، وكانت العمولة لا تزال من 10 إلى 20 في المائة، لكن مع تقدم الحرب، وارتفاع العمولة، رفض والدي أن أرسل لهم شيئاً، فيوميتي (يعمل في مطعم بمحافظة بورسعيد) لا تتعدى الـ250 جنيهاً، وحتى لو استطعت ادخار 4 آلاف جنيه، فستصل إليهم بما يعادل أقل من 2000 جنيه بعد العمولة، أي نحو 80 شيقلاً، لن يأتوا لهم إلا بـ3 كيلوغرامات من الدقيق».

الأمر نفسه واجهته السيدة الستينية سمر الشيخ، قائلة إنها لا تستطيع منذ شهور إرسال معونة لنجلها في غزة. تعمل السيدة في حضانة بمنطقة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة)، ولا تتحصل إلا على راتب ضئيل يكفي بصعوبة مصاريفها هي ونجلتها في مصر؛ لذا «حولت له مرة ما يعادل 100 شيقل»، قائلة: «مع ارتفاع العمولة وقلة ما أتحصل عليه، لم أعد قادرة على إرسال المزيد».


مقالات ذات صلة

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان اليوم الخميس إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

تقرير: إسرائيل تصدر أوامر إخلاء جديدة في شرق حي التفاح بمدينة غزة

أصدر الجيش الإسرائيلي، مساء اليوم (الخميس)، «أوامر إخلاء» جديدة للمواطنين في شرق حي التفاح بمدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة )
شؤون إقليمية آلية عسكرية إسرائيلية في مستوطَنة سنور قرب مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة يوم الخميس (إ.ب.أ) play-circle

واشنطن تؤنب إسرائيل: تصريحاتكم الاستفزازية تُبعد الدول العربية

أعربت أوساط أمريكية رفيعة عن امتعاضها من التصريحات الإسرائيلية المتلاحقة حول الاستيطان في قطاع غزة والضفة الغربية، وعدّتها «استفزازية».

نظير مجلي (تل أبيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق

محمد محمود (القاهرة)
أوروبا البابا ليو الرابع عشر يلقي أول رسالة له بمناسبة عيد الميلاد (أ.ف.ب)

بابا الفاتيكان يتحدث عن معاناة غزة في قداس الميلاد

تحدث بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر في أول قداس عيد ميلاد له، اليوم الخميس، عن مواطني غزة «الذين يتعرضون للأمطار والرياح والبرد منذ أسابيع».

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.