المساعدات المالية... قصة تحويلات «مُعقدة» من مصر إلى غزة

تُعِين أُسراً لكنها تصطدم بعائق «العمولة»

فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في قطاع غزة (د.ب.أ)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

المساعدات المالية... قصة تحويلات «مُعقدة» من مصر إلى غزة

فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في قطاع غزة (د.ب.أ)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في قطاع غزة (د.ب.أ)

في وسط قطاع غزة، حيث نزحت شيماء سعد رفقة عائلتها قبل شهور، نظمت «موائد» لإطعام الأطفال والجيران من النازحين، معتمدة على أموال أُرسلت إليها مباشرة من مصر، وتحديداً من أحمد محمد (اسم مستعار)، وهو صحافي شاب، أقام مبادرة لدعم الأهالي.

يقول أحمد لـ«الشرق الأوسط» إنه فضل هذه الطريقة كاختصار لسكة المساعدات العينية الطويلة التي تلقى «عراقيل» على المعبر من قِبل الجانب الإسرائيلي، أو «تُنهب عند دخولها» من مجهولين، فلا تصل دائماً لمستحقيها، لكن تظل هذه الطريقة غير مضمونة، إلا لو وجدت من يتلقاها في غزة، وينفقها في الوجه الذي أُرسلت له.

عرض الصحافي فكرته على شيماء في يوليو (تموز) 2024، وهي تعمل أيضاً في مجال الإرشاد النفسي لأطفال القطاع، فوافقت فوراً، وقد قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أعجبتني الفكرة، خصوصاً مع وجود شقيقي في مصر، ومن ثم تصبح عملية التحويل المعقدة أيسر».

الفلسطينية شيماء سعد توزع الطعام

وتتمثل عقدة عملية التحويل في الشلل الذي أصاب السوق المصرفية الرسمية، وانحسار تدفق السيولة المالية، فبات تحويل الأموال يعتمد على 3 طرق فقط، وفق ما شرحته 8 مصادر تحدثت معهم «الشرق الأوسط» داخل مصر وفي القطاع.

تتمثل الطريقة الأولى في الإرسال عبر الحسابات البنكية، فرغم تعطُّل البنوك بشكلها النظامي، فإن تطبيقاتها ما زالت تعمل بشكل جيد في تحويل واستقبال الأموال، والطريقة الثانية عبر المحافظ الإلكترونية خصوصاً «فودافون كاش»، التي توجد كثير من شرائحها وتصل تغطيتها للقطاع، أو عبر تطبيق «إنستا باي»، أما الطريقة الثالثة فعبر وسطاء يتسلمون الأموال من مصر، ويقوم آخرون تابعون لهم في القطاع بتسليم الأموال للشخص المستفيد بالشيقل، بعد اقتطاع نسبة العمولة.

«السماسرة»

يمثل تسييل الأموال العقبة الكبرى بعد وصولها للقطاع، وهنا يأتي دور «السماسرة» الذين يحصلون عادة على عمولة تغيرت على مدار الحرب، بداية من 10 في المائة حتى وصلت الآن لنحو 50 في المائة.

صورة مأخوذة من فيديو نشره قائمون على مبادرة إطعام في غزة بأموال حُولت من مصر

وتوجد طريقة أخرى للاستفادة من الأموال المحولة بالشراء عبر «التحويل الإلكتروني»، أي شراء السلع مقابل تحويل قيمتها إلى البائع عبر حسابه، لكن هذه الطريقة تواجه عقبة أخرى في ارتفاع أسعار السلع بالتحويل الإلكتروني مقارنة بالأموال السائلة.

اعتمد الصحافي الشاب على الطريقة الأولى، فأرسل 10 آلاف جنيه (الدولار نحو 50 جنيهاً)، بعد تجميعها من أصدقاء له، إلى شقيق شيماء الذي لديه حساب بنكي فلسطيني، فحوَّل منه الأموال إلى شقيقته، واعتمد على أصدقاء له داخل القطاع في تسييل المبلغ بالشيقل لشقيقته.

وحصلت شيماء على الأموال دون اقتطاع عمولة؛ «ما انعكس في إطعام أكبر عدد ممكن»، كما أكدت، لكن مع الوقت قل من يقومون بهذا العمل كـ«خدمة» وتآكلت السيولة، واحتل المشهد «السماسرة» الذين «يغالي بعضهم في العمولة»، وفق شيماء.

«المجاعة»

أقيمت المبادرة، وتكررت مرات عدة، قبل أن تصطدم بعقبة «المجاعة» يقول أحمد: «مع الوقت، زاد عدد من يرغب في المشاركة بالمبادرة بعدما رأوا صور الإطعام من غزة، لكن مع المجاعة التي أدت لقلة المواد في الأسواق، وارتفاع سعرها بشكل كبير توقفت المبادرة بعض الوقت».

تقول شيماء: «بعد تنظيم دورات عدة، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، وباتت وجبة غداء واحدة عبارة عن خبز وبقوليات، تحتاج لنحو 50 دولاراً، والأسرة قد تنفق في اليوم متوسط 200 دولار، ولم تعد التحويلات قادرة على استيعاب الزيادة في الأسعار، ونسب العمولة».

مؤخراً مع استئناف دخول المساعدات من مصر إلى غزة عبر معبر «كرم أبو سالم»، في يوليو (تموز) الماضي، بدأت الأسعار في التراجع بالأسواق، فتوضح: «بعدما وصل سعر كيلو الدقيق لـ100 شيقل (الألف جنيه مصري يساوي 70 شيقلاً)، انخفض لـ10 و20 شيقلاً».

لذا يستعد أحمد لاستئناف المبادرة، قائلاً إنهم «يفكرون في تقديم حلوى للأطفال، لو لم تكفِ الأموال المرسلة للإطعام»، مشيراً إلى أنه «رغم نجاح طريقة التحويل، لكنها لم تكن لتتم لولا وجود شخص ثقة في القطاع يستقبلها، فلا يمكن تحويل الأموال لأحد لا أتأكد من أنه سيرسلها لمستحقيها».

فلسطيني يتناول الطعام مع عائلته في جباليا وسط المجاعة التي يشهدها قطاع غزة (أ.ف.ب)

عائلات مُعيَّنة

مثّلت التحويلات المالية التي ترسلها عائلات غزية من مصر إلى ذويهم في القطاع أساساً تعتمد عليه كثير من الأسر. يقول الناشط الفلسطيني المقيم في مصر، رامي أمان، لـ«الشرق الأوسط»: «لو أرسلت 1000 جنيه فالمرسل إليه لا يتسلم الـ70 شيقلاً، قد يتسلمها في أحسن الأحوال 50 شيقلاً، إن لم يكن 30».

يفضل أمان الإرسال البنكي، ولا تسمح البنوك المصرية للفلسطينيين الذين جاءوا بعد الحرب، بفتح حسابات، لعدم حصولهم على «إقامة»، عدا بنك «أبو ظبي الإسلامي»، حسب أمان، قائلاً إن كثيراً من العائلات ترسل الأموال إلى أقاربهم من خلاله. يعتمد الناشط نفسه على هذه الطريقة في إرسال معونات إلى أقاربه.

عائق ارتفاع العمولة

يعجز صادق نعيم، وهو غزاوي علق في مصر بعد اندلاع الحرب بينما توجد كل عائلته من زوجة وأبناء وأب وأم وأشقاء في القطاع، عن إرسال أموال لعائلته منذ شهور، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «في بداية الحرب، كنت أرسل مبالغ بسيطة متمثلة في عدة آلاف جنيه، وكانت العمولة لا تزال من 10 إلى 20 في المائة، لكن مع تقدم الحرب، وارتفاع العمولة، رفض والدي أن أرسل لهم شيئاً، فيوميتي (يعمل في مطعم بمحافظة بورسعيد) لا تتعدى الـ250 جنيهاً، وحتى لو استطعت ادخار 4 آلاف جنيه، فستصل إليهم بما يعادل أقل من 2000 جنيه بعد العمولة، أي نحو 80 شيقلاً، لن يأتوا لهم إلا بـ3 كيلوغرامات من الدقيق».

الأمر نفسه واجهته السيدة الستينية سمر الشيخ، قائلة إنها لا تستطيع منذ شهور إرسال معونة لنجلها في غزة. تعمل السيدة في حضانة بمنطقة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة)، ولا تتحصل إلا على راتب ضئيل يكفي بصعوبة مصاريفها هي ونجلتها في مصر؛ لذا «حولت له مرة ما يعادل 100 شيقل»، قائلة: «مع ارتفاع العمولة وقلة ما أتحصل عليه، لم أعد قادرة على إرسال المزيد».


مقالات ذات صلة

ترمب يهدد بضرب إيران مجدداً إذا أعادت بناء قدراتها النووية والصاروخية

شؤون إقليمية جانب من لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع مار-أ-لاغو بفلوريدا (رويترز)

ترمب يهدد بضرب إيران مجدداً إذا أعادت بناء قدراتها النووية والصاروخية

في لقاء غير رسمي أمام الصحافيين أثناء استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع مار-أ-لاغو بفلوريدا، أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتصريحات.

هبة القدسي (واشنطن)
تحليل إخباري يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري لقاء ترمب - نتنياهو... ما المكاسب والخسائر المنتظرة لـ«اتفاق غزة»؟

اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل حيز التنفيذ قبل شهرين، لن يكون بعد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما قبله.

محمد محمود (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع ثنائي في مقر إقامة ترمب مارالاغو في بالم بيتش بفلوريدا 29 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ترمب: سأدعم هجوماً سريعاً على إيران إذا عاودت بناء برنامجها النووي

أكد الرئيس الأميركي ترمب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الاثنين، أنه سيدعم هجوماً سريعاً على إيران إذا عاودت بناء برنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)

الأردن يندد بإقرار الكنيست الإسرائيلي قانوناً يستهدف خدمات «الأونروا» في غزة

ندد الأردن بإقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يستهدف عمل ووجود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويقوض قدرتها.

«الشرق الأوسط» (عمان)
خاص المقدم أحمد زمزم اغتيل برصاصات عدة أطلقها مسلحون على سيارته (المركز الفلسطيني للإعلام)

خاص «حماس» تعدم شخصاً أدانته بقتل أحد ضباطها

أعدمت حركة «حماس»، الأحد، فلسطينياً اعتقلته وأدنته بالمشاركة في قتل أحمد زمزم، الضابط في جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الحركة، في هجوم وقع وسط غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«التحالف» ينفذ ضربة «محدودة» على معدات عسكرية وصلت ميناء المكلا اليمني

لقطة من شريط فيديو نشره التحالف توثق المعدات العسكرية التي استهدفتها الضربة المحدودة (التحالف)
لقطة من شريط فيديو نشره التحالف توثق المعدات العسكرية التي استهدفتها الضربة المحدودة (التحالف)
TT

«التحالف» ينفذ ضربة «محدودة» على معدات عسكرية وصلت ميناء المكلا اليمني

لقطة من شريط فيديو نشره التحالف توثق المعدات العسكرية التي استهدفتها الضربة المحدودة (التحالف)
لقطة من شريط فيديو نشره التحالف توثق المعدات العسكرية التي استهدفتها الضربة المحدودة (التحالف)

أعلنت قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن تنفيذ ضربة جوية «محدودة» استهدفت دعما عسكريا خارجيا بميناء المكلا.

وقال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف اللواء الركن تركي المالكي إنه «في يومي السبت والأحد الماضيين، رصد دخول سفينتين قادمتين من ميناء الفجيرة إلى ميناء المكلا دون الحصول على التصاريح الرسمية من قيادة القوات المشتركة للتحالف، حيث قام طاقم السفينتين بتعطيل أنظمة التتبع الخاصة بالسفينتين وإنزال كمية كبيرة من الأسلحة والعربات القتالية لدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بالمحافظات الشرقية لليمن (حضرموت، المهرة) بهدف تأجيج الصراع، ما يعد مخالفة صريحة لفرض التهدئة والوصول لحلٍ سلمي، وكذلك انتهاكًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216».

وأوضح اللواء المالكي أنه «استنادًا لطلب فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني لقوات التحالف باتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين بمحافظتي (حضرموت والمهرة)، ولما تشكله هذه الأسلحة من خطورة وتصعيد يهدد الأمن والاستقرار، فقد قامت قوات التحالف الجوية صباح اليوم بتنفيذ عملية عسكرية (محدودة) استهدفت أسلحة وعربات قتالية أفرغت من السفينتين بميناء المكلا، بعد توثيق ذلك ومن ثم تنفيذ العملية العسكرية بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية وبما يكفل عدم حدوث أضرار جانبية».

وأكد اللواء المالكي «استمرار قيادة التحالف في خفض التصعيد وفرض التهدئة في محافظتي (حضرموت والمهرة) ومنع وصول أي دعم عسكري من أي دولة كانت لأي مكون يمني دون التنسيق مع الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف بهدف انجاح جهود المملكة والتحالف لتحقيق الأمن والاستقرار ومنع اتساع دائرة الصراع».


«التحالف» يطلب إخلاء ميناء المكلا اليمني استعداد لتنفيذ عملية عسكرية

لقطة عامة لميناء المكلا اليمني (أرشيفية)
لقطة عامة لميناء المكلا اليمني (أرشيفية)
TT

«التحالف» يطلب إخلاء ميناء المكلا اليمني استعداد لتنفيذ عملية عسكرية

لقطة عامة لميناء المكلا اليمني (أرشيفية)
لقطة عامة لميناء المكلا اليمني (أرشيفية)

دعا تحالف دعم الشرعية في اليمن، اليوم، جميع المدنيين إلى الإخلاء الفوري لميناء المكلا في محافظة حضرموت حتى إشعار آخر، مؤكدًا أن هذا الإجراء يأتي في إطار الحرص على سلامتهم.

وأوضح التحالف أن طلب الإخلاء يهدف إلى حماية الأرواح والممتلكات، وذلك بالتزامن مع الاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية في محيط الميناء، داعيًا الجميع إلى الالتزام بالتعليمات الصادرة والتعاون لضمان أمنهم وسلامتهم.

وكان المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف اللواء الركن تركي المالكي، قد صرح السبت الماضي، أنه استجابة للطلب المُقدم من رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي بشأن اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين بمحافظة (حضرموت) نتيجة للانتهاكات الإنسانية الجسيمة والمروّعة بحقهم من قبل العناصر المسلّحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، واستمرارًا للجهود الدؤوبة والمشتركة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في خفض التصعيد وخروج قوات الانتقالي وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن وتمكين السلطة المحلية من ممارسة مسؤولياتها فإن قوات التحالف تؤكد أن أي تحركات عسكرية تخالف هذه الجهود سيتم التعامل المباشر معها في حينه بهدف حماية أرواح المدنيين وانجاح الجهود السعودية الإماراتية.

وأكد اللواء المالكي استمرار موقف قيادة القوات المشتركة للتحالف الداعم والثابت للحكومة اليمنية الشرعية، كما أنها تهيب بالجميع تحمل المسؤولية الوطنية وضبط النفس والاستجابة لجهود الحلول السلمية لحفظ الأمن والاستقرار.


«أرض الصومال»... الاعتراف الإسرائيلي يؤجّج مخاوف «التهجير» و«القواعد العسكرية»

جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
TT

«أرض الصومال»... الاعتراف الإسرائيلي يؤجّج مخاوف «التهجير» و«القواعد العسكرية»

جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

زاد الاعتراف الإسرائيلي الأخير بـ«أرض الصومال» كـ«دولة مستقلة» من مخاوف تهجير الفلسطينيين إلى الإقليم الانفصالي وإقامة قواعد عسكرية لإسرائيل بالمنطقة المطلة على ساحل البحر الأحمر.

وحذر رئيس وزراء الصومال، حمزة عبدي بري، من «إشعال الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، بسبب خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أرض الصومال»، وقال إن هذه الخطوة «ستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة من السودان والصومال وباقي البلدان».

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، الاعتراف بـ«أرض الصومال» كـ«دولة مستقلة ذات سيادة»، في اعتراف رسمي هو الأول بـ«الإقليم الانفصالي» داخل الصومال، في خطوة اعتبر رئيس إقليم أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبد الله عرو، أنها «لحظة تاريخية».

ولاقى الاعتراف الإسرائيلي إدانات عربية وإسلامية وأفريقية، وأصدرت دول عربية وإسلامية، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، بيانات أكدوا فيها رفضهم التام للخطوة الإسرائيلية.

وربط رئيس الوزراء الصومالي بين الاعتراف الإسرائيلي وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وقال في تصريحات متلفزة لقناة «القاهرة الإخبارية»، الأحد، إن «كل المؤشرات تؤكد أن نتنياهو يريد تهجير الغزيين إلى أرض الصومال»، وأكد أن «بلاده لن تقبل بهذا الأمر»، مشيراً إلى أن «الشعب الفلسطيني من حقه أن يعيش على أرضه، وأن تكون له دولته المستقلة».

ويرى بري أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» هو «جزء من خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي لإقامة ما يسمى بـ(إسرائيل الكبرى)»، وأشار إلى أن «إسرائيل تسعى لاستغلال الظروف السياسية والإقليمية الراهنة، معتبرة أن وجودها في شمال الصومال قد يتيح لها التحكم في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مع إمكانية إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة».

وشددت الحكومة الصومالية، في بيان لها الجمعة، على «الرفض القاطع للاحتلال والتهجير القسري للفلسطينيين»، وأكدت أنها «لن تقبل أبداً بجعل الشعب الفلسطيني بلا جنسية»، كما أكدت «عدم السماح بإنشاء أي قواعد عسكرية أجنبية أو ترتيبات على أراضيها من شأنها جرّ الصومال إلى صراعات بالوكالة، أو استيراد العداوات الإقليمية والدولية».

اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة بعد الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)

ويعتقد الباحث والمحلل السياسي من إقليم أرض الصومال، نعمان حسن، أن «حكومة الإقليم لن تقبل بتهجير الفلسطينيين إليه»، وقال إن «السلطة في (أرض الصومال) أعلنت بوضوح رفضها التهجير، باعتبار أنه سيعرقل أي حلول سياسية أمام استكمال الاعتراف بالإقليم كدولة مستقلة»، منوهاً بأن «هناك رفضاً شعبياً أيضاً لهذا الطرح».

وفي الوقت ذاته، فإن حسن يرى، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «حكومة (أرض الصومال) لن تمانع إقامة قواعد عسكرية إسرائيلية على أرض الإقليم، شريطة ألا تضر بدول الجوار»، وقال إن «الإقليم يحتاج أن يكون جاهزاً لأي تدخل من الخارج، على وقع التطورات الأخيرة، خصوصاً مع الرفض العربي والإسلامي للاعتراف الإسرائيلي».

ويظل الاعتراف بالاستقلال «الهدف الأساسي الذي تسعى إليه حكومة (أرض الصومال)»، وفق نعمان حسن، الذي عدّ أن «هذه الخطوة لن تضر بمصالح أي دولة أخرى».

في حين يرى المحلل السياسي الصومالي، حسن محمد حاج، أن الاعتراف الإسرائيلي «يثير مخاوف من تأثيره على إعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية للإقليم، من خلال فتح الباب أمام التهجير للسكان المحليين أو للفلسطينيين إلى أرض الإقليم، بذرائع مثل التنمية أو إقامة مناطق أمنية ومرافق سيادية».

وأشار حاج، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المخاوف تتزايد من تحول الاعتراف إلى مدخل لإقامة قواعد عسكرية أو مرافق استخباراتية إسرائيلية على ساحل البحر الأحمر ومنطقة باب المندب»، عاداً أن ذلك «سيضع الإقليم في قلب صراع المحاور الدولية، ويحوله من قضية داخل الصومال إلى ساحة لتنافس إقليمي ودولي»، وأشار إلى أن «مخاطر سيناريوهات (التهجير والعسكرة) ستمتد أثرها للمحيط الإقليمي والأفريقي بتأجيج التوترات القبلية وإضعاف فرص الحلول السياسية الشاملة».

وينظر عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، والمستشار بـ«الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية»، اللواء عادل العمدة، إلى تأثير ما يحدث في «أرض الصومال» باعتبار أنه «يرسخ لمفاهيم سلبية عن الانفصال لدى الحركات التي تشجع على ذلك، ما يعزز من مسألة التفتيت والتقسيم بين الدول الأفريقية»، وقال إن «تقسيم الصومال سيؤثر على الاستقرار الإقليمي والدولي؛ لارتباط هذه المنطقة بمصالح استراتيجية لغالبية دول العالم».

ويعتقد العمدة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «إسرائيل تريد من خطوة الاعتراف بـ(أرض الصومال)، فتح جبهة جديدة من الصراع في المنطقة، للفت أنظار المجتمع الدولي عما يحدث في قطاع غزة»، وقال إن «الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته جزء من الحفاظ على الأمن القومي العربي والمصري في منطقة البحر الأحمر».

ويعوّل الصومال على الدعم الإقليمي والعالمي لسيادته في مواجهة التحركات الإسرائيلية، وفق بري الذي قال في تصريحاته إن بلاده «تستخدم القنوات الدبلوماسية كخيار لمواجهة قرار نتنياهو»، إلى جانب «استخدام الإجراءات القانونية للدفاع عن وحدة» بلاده، لافتاً إلى أن «الدستور لا يسمح لـ(أرض الصومال) بالقيام بهذا الفعل».

ويعلن إقليم أرض الصومال انفصاله من جانب واحد عن جمهورية الصومال الفيدرالية منذ عام 1991، ولم يحظَ باعتراف دولي طوال هذه الفترة.