لماذا احتلال غزة أخطر ما يواجهه الغزيون منذ بداية الحرب؟

على وقع استمرار التصعيد الميداني الإسرائيلي

دخان القصف الإسرائيلي فوق دير البلح بوسط قطاع غزة السبت (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق دير البلح بوسط قطاع غزة السبت (رويترز)
TT

لماذا احتلال غزة أخطر ما يواجهه الغزيون منذ بداية الحرب؟

دخان القصف الإسرائيلي فوق دير البلح بوسط قطاع غزة السبت (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق دير البلح بوسط قطاع غزة السبت (رويترز)

منذ أن أعلنت إسرائيل نيتها تنفيذ عملية تهدف لاحتلال مدينة غزة، أو كما يطلق عليها من قبل بعض الجهات الأمنية الإسرائيلية «السيطرة» عسكرياً على المدينة التي تمثل عصب الحياة بالنسبة لقطاع غزة، ووجهه المشرق، زادت المخاوف فلسطينياً من أن تنفيذ مثل هذا المخطط سيكون الأخطر على الإطلاق منذ بداية الحرب.

وتمثل مدينة غزة الواجهة السياسية والاقتصادية والإعلامية والحياتية بالنسبة لقطاع غزة، وأكثر المناطق حيويةً على مختلف الأصعدة، وقد نفذت فيها إسرائيل منذ بداية الحرب البرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2023، العديد من العمليات التي استهدفت مختلف أحيائها بلا استثناء.

خيم تؤوي نازحين هربوا من الهجوم الإسرائيلي في مدينة غزة السبت (رويترز)

جغرافيا المدينة وعمليات سابقة

تعدّ الأحياء الشرقية من مدينة غزة، وتحديداً غالبية أجزاء حي الزيتون، وكذلك حيي الشجاعية والتفاح، من أكثر الأماكن تضرراً في مدينة غزة، يليها من جنوبها الغربي حي تل الهوى، وجزء من حي الرمال في وسطها الغربي، وبشكل جزئي تضررت أحياء من أجزاء مختلفة بالمدينة، مثل الدرج والبلدة القديمة والسامر والنفق والنصر والشيخ رضوان، ومخيم الشاطئ.

في بداية الحرب البرية الأولى، التي عملت فيها إسرائيل لأشهر في كافة أحياء المدينة، قبل أن تعود لبعض أحيائها وخاصةً الشجاعية والزيتون وتل الهوى عدة مرات وتنفذ بها عمليات مكثفة، أُجبر غالبية سكان مدينة غزة وشمال القطاع على النزوح إلى وسط وجنوب القطاع، وقد بلغ عددهم نحو مليون شخص، قبل أن تنجح مفاوضات وقف إطلاق النار التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) الماضي، بإعادتهم كأحد شروط نجاح المفاوضات وصفقة تبادل الأسرى حينها، في وقت كانت إسرائيل تحاول فيه التمسك برفض عودتهم، محاولة الاعتماد على خطة طرحها بشكل أساسي الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لتهجير سكان القطاع والبحث عن مكان بديل لهم.

خيم تؤوي نازحين هربوا من الهجوم الإسرائيلي في مدينة غزة السبت (رويترز)

وحين عاد النازحون إلى مدينة غزة ومناطق شمال القطاع، فوجئوا بحجم الدمار، الأمر الذي اضطرهم لاستخدام الخيام في مناطق سكنهم من أجل البقاء فيها، بعد معاناة شديدة وقاسية واجهوها خلال رحلات النزوح المتكررة من وسط إلى جنوب القطاع، وبالعكس، بفعل العمليات العسكرية التي طالت كافة مناطق القطاع.

وبعد عودة إسرائيل لاحتلال مناطق شمال القطاع، وتحديداً بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا، اضطر سكان تلك المناطق لنصب خيامهم على طول شاطئ بحر مدينة غزة، غرباً، وكذلك في مناطق وسط المدينة وتحديداً حي الرمال، أرقى أحيائها، والذي تحول جزء منه إلى كومة ركام، وجزء آخر إلى مجرد مجمعات ومخيمات من الخيام التي تزداد من يوم إلى آخر بفعل تكرار النزوح، جراء العمليات الإسرائيلية التي طالت في الأشهر القليلة الماضية حَيّي الشجاعية والتفاح وجزءاً من حي الدرج، قبل أن تبدأ العملية الجديدة بحيي الزيتون والصبرة، الأمر الذي دفع سكانهما إلى النزوح غرب ووسط المدينة، فيما نزح آخرون إلى جنوب القطاع وعددهم قليل مقارنةً بالأعداد النازحة داخل المدينة.

فتاة فلسطينية تأكل أرزاً مطبوخاً حصلت عليه من مطبخ خيري في مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)

أخطر عملية

العملية التي بدأت فعلياً على الأرض منذ نحو أسبوع ونصف أسبوع بقصف جوي ومدفعي وتقدم بري محدود في الأحياء الجنوبية للمدينة، وتحديداً الشرقية منها (الزيتون والصبرة)، وكذلك من حدودها الشمالية للمدينة، وتحديداً مع بلدتي جباليا البلد والنزلة، ومنطقة أبو إسكندر في حي الشيخ رضوان، توصف بأنها الأخطر على الإطلاق، خاصةً في حال تعمقت وسارت كما خطط لها، وفق بعض التسريبات الإسرائيلية بشأنها.

ويعود خطر العملية الحالية لأسباب عدة؛ أبرزها تتمثل في إجبار نحو مليون فلسطيني على النزوح من مدينة غزة، وجميعهم يتكدسون في مناطق وسط وغرب المدينة، ولا يوجد مناطق أخرى يمكن أن يتجهوا إليها داخل المدينة أو شمال القطاع، باعتبار أن الأخيرة منطقة عسكرية وتسيطر إسرائيل عليها نارياً، وتستهدف كل من يدخلها.

فلسطينيون يحملون أكياس طحين (دقيق) حصلوا عليها من قافلة مساعدات عند مشارف بيت لاهيا شمال قطاع غزة السبت (أ.ب)

وتقول مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إنه في المرات الأولى كان من تبقى داخل المدينة وشمالها، يتنقل من مكان إلى آخر، وكانت هناك فرصة لذلك، وهذا أفشل مخططات التهجير كاملةً بداية الحرب، وبقي في المدينة وشمالها نحو 400 ألف فلسطيني، كانوا أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل للقبول بعودة النازحين لمناطق سكنهم حينها.

وترى المصادر أن نزوح سكان مدينة غزة وشمالها، هذه المرة قد يكون دون السماح بعودتهم إليها مرةً أخرى، وهذا أخطر ما يمثل هذه المرحلة، ما قد يدفع الاحتلال الإسرائيلي لاستخدام ذلك ورقةً مساومة بتسليم المختطفين مقابل عودتهم ودون أي ثمن آخر.

وتجمع مصادر ميدانية وسياسية على أن موقف «حماس» بالموافقة على الورقة المقترحة من الوسطاء في الأيام الماضية، كان بهدف إحباط تمرير هذه الخطة الإسرائيلية، وتدمير ما تبقى من مدينة غزة بشكل كامل.

فلسطينيون يعاينون مكاناً استهدفه القصف الإسرائيلي بدير البلح وسط قطاع غزة السبت (رويترز)

وقالت المصادر إن هذا الأمر دفع قيادة الفصائل الفلسطينية، التي كانت حاضرة في القاهرة، للتشاور مع قيادة «حماس» والدفع باتجاه الموافقة دون أي تعديلات على أي مقترح يقدم لها، وهذا ما حصل تماماً، مشيرةً إلى أن الجميع توافقوا على هذه المخاوف الخطيرة التي قد تستخدمها إسرائيل ورقة مساومة من جانب، وتشجع على عملية الهجرة خارج القطاع من جانب آخر، وهو ما تسعى إليه منذ نحو عامين مع بداية الحرب الحالية.

وتصر إسرائيل على تنفيذ عمليتها بمدينة غزة فيما يبدو بهدف تحقيق هذه الأهداف، إلى جانب تعمد تدمير ما تبقى من المدينة، وهو ما أكده وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال، الجمعة، إن غزة ستكون مثل رفح وبيت حانون.

تفاصيل العملية

ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن العملية المرتقبة ستشارك فيها نحو 6 فرق، وستستمر من 4 إلى 5 أشهر، ولربما 6 أشهر، وستعتمد بشكل أساسي على تدمير المباني الشاهقة التي قد تستخدم في هجمات ضد قواتها، كما ستستهدف البنية التحتية في المدينة وملاحقة نشطاء «حماس».

دخان فوق مدينة غزة جراء قصف إسرائيلي السبت (رويترز)

وستبدأ العملية بحصار مدينة غزة من أطرافها، قبل أن يتم التوغل في عمقها، وصولاً إلى مناطق غربها التي تكتظ بالسكان، وكل ذلك مع اعتماد خطة بهدف نقل سكان المدينة إلى جنوب القطاع، ومحاولة إنشاء مستشفيات بالتعاون مع جهات دولية وإقامة مخيمات من الخيام لهم، وهي خطة فشلت في بداياتها، ما دفع الجيش الإسرائيلي للتواصل مع مسؤولين عن المستشفيات بالمدينة بالتجهز لنقلها إلى جنوب القطاع، قبل أن يكشف، صباح السبت، في إذاعة الجيش، عن أنه سيتم إعادة تأهيل مستشفى غزة الأوروبي شرق خان يونس، لخدمة سكان مدينة غزة بعد أن يتم إجلاؤهم منها مع بقاء سيطرة القوات الإسرائيلية على منطقة المشفى، وشق طريق خصيصاً له، وآخر نحو المستشفى الإماراتي برفح.

الوضع الميداني

ويتزامن ذلك مع استمرار القصف الجوي والمدفعي وعمليات النسف في مناطق متفرقة من الحدود الجنوبية والشمالية لمدينة غزة في إطار العملية الجارية، إلى جانب قصف مناطق أخرى من القطاع.

ونسفت القوات الإسرائيلية طوال ساعات الفجر والصباح في الزيتون والصبرة جنوب مدينة غزة، وكذلك بلدتا جباليا البلد والنزلة، عشرات المباني بفعل تفجير روبوتات مفخخة.

فلسطينيون يعاينون مكاناً استهدفه القصف الإسرائيلي بدير البلح وسط قطاع غزة السبت (رويترز)

وقتل ما لا يقل عن 43 فلسطينياً منذ فجر السبت وحتى ساعات الظهيرة (رقم مرشح للزيادة)، منهم ما لا يقل عن 19 من سكان خان يونس جنوبي القطاع، نتيجة استهدافات متكررة لخيام النازحين بمنطقة المواصي التي تصفها إسرائيل بأنها «إنسانية»، فيما قتل 3 فلسطينيين في غارات وسط القطاع، وعدد آخر بمدينة غزة، فيما أبلغ عن وجود ضحايا في مناطق قصفت ولم تستطع أي طواقم الوصول إليها بفعل القصف العنيف في حيي الصبرة والزيتون.

وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، فإنه وصل إلى مستشفيات القطاع، 61 قتيلاً، و308 إصابات، خلال الـ24 ساعة الماضية (من ظهيرة الجمعة إلى السبت)، ما رفع حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى 62622 قتيلاً و157673 مصاباً، بينما بلغت الحصيلة من مجملها، منذ الثامن عشر من مارس (آذار) الماضي، بعد استئناف إسرائيل للحرب عقب هدنة استمرت شهرين، إلى 10778 قتيلاً و45632 مصاباً.

بينما بلغ عدد من وصل إلى المستشفيات خلال ذات الفترة، من ضحايا المساعدات 16 قتيلاً و111 إصابة، ليرتفع إجمالي ممن وصلوا المستشفيات إلى 2076 قتيلاً، وأكثر من 15308 إصابات منذ نهاية مايو (أيار) الماضي.

فيما سجلت مستشفيات قطاع غزة، خلال الفترة نفسها، 8 حالات وفاة جديدة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، بينهم طفلان، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 281 حالة وفاة، من ضمنهم 114 طفلاً.


مقالات ذات صلة

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

المشرق العربي وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم (الأحد)، إن حركة «حماس» الفلسطينية لا تعمل على نزع سلاحها.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)

غزة: أسلحة جديدة في أيدي المجموعات المسلحة المناهضة لـ«حماس»

ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بنشر مقاطع فيديو وصور لأسلحة جديدة ظهرت في أيدي عناصر المجموعات المسلحة الموجودة في مناطق السيطرة الإسرائيلية داخل غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون قرب مبانٍ مدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«مشروع شروق الشمس»... هل يبصر النور لتحويل غزة إلى مدينة عصرية؟

تسوّق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لـ«مشروع شروق الشمس» (Project Sunrise) بين الحكومات الأجنبية والمستثمرين، لتحويل ركام غزة إلى وجهة ساحلية مستقبلية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي طفل فلسطيني يعاني من سوء تغذية حاد يشرب الماء داخل خيمة عائلته بمخيم للنازحين في خان يونس (رويترز)

إسرائيل تحول الخط الأصفر إلى «مصيدة للموت» للغزيين

خلال الـ24 ساعة الأخيرة في قطاع غزة (منذ ظهر الخميس وحتى الجمعة)، قتل 4 فلسطينيين بينهم سيدة، في بلدة بني سهيلا شرق خان يونس.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إسرائيليون من حركات يمينية يقفون على تلة تشرف على غزة للمطالبة بإعادة احتلال القطاع (أ.ب)

إسرائيليون يعبرون الحدود إلى غزة مطالبين بإعادة احتلال القطاع

دخل العديد من الإسرائيليين إلى قطاع غزة رغم حظر الجيش، حيث رفعوا العلم الإسرائيلي في مستوطنة سابقة، مطالبين بإعادة احتلال القطاع الفلسطيني المدمر.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تقرير: أميركا وحلفاؤها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار غزة

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

تقرير: أميركا وحلفاؤها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار غزة

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصادر مطلعة، اليوم الاثنين، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، في ظل سعي إدارة الرئيس دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

وقالت المصادر إنه جرت دراسة واشنطن كمكان محتمل للمؤتمر الذي قد يُعقد مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير، وأن مصر من بين عدة مواقع أخرى قيد الدراسة.

وأضاف مصدر أن المؤتمر لن يُعقد على الأرجح إلا بعد أن يُكمل المسؤولون تشكيل «مجلس السلام» بقيادة ترمب، والمقرر أن يشرف على الحكومة الانتقالية، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل و«حماس» في أكتوبر.

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأشارت «بلومبرغ» إلى أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف التقى مسؤولين من مصر وتركيا وقطر في فلوريدا خلال عطلة نهاية الأسبوع لبحث تنفيذ وقف إطلاق النار.

وأضافت أن المؤتمر جزء من جهد أوسع نطاقاً للحفاظ على زخم خطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي والمؤلفة من 20 بنداً، والتي قُسّمت إلى مرحلتين، تهدف الأولى إلى وقف القتال وتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، أما المرحلة الثانية، والأكثر صعوبة، فتتمثل في الانتقال إلى إدارة طويلة الأمد لغزة، مع نزع سلاح «حماس» وتشكيل قوة دولية لتحقيق الاستقرار.

وذكرت «بلومبرغ» أن مسؤولين أميركيين أقروا بصعوبة المرحلة الثانية، إذ يواجه مجلس السلام العديد من التساؤلات، بدءاً من تحديد أعضائه، كما لم يتم بعد إنشاء قوة الاستقرار الدولية، في حين أن أصعب مهام المرحلة الثانية ربما تكون نزع سلاح «حماس».


واشنطن تتدخل لتهدئة الاشتباكات بين «قسد» والأمن السوري

أفراد مسلحون من الشرطة العسكرية التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» يشاركون في مظاهرة تحت شعار «بإرادتنا سنحمي ثورتنا» في القامشلي السورية الأربعاء الماضي (رويترز)
أفراد مسلحون من الشرطة العسكرية التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» يشاركون في مظاهرة تحت شعار «بإرادتنا سنحمي ثورتنا» في القامشلي السورية الأربعاء الماضي (رويترز)
TT

واشنطن تتدخل لتهدئة الاشتباكات بين «قسد» والأمن السوري

أفراد مسلحون من الشرطة العسكرية التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» يشاركون في مظاهرة تحت شعار «بإرادتنا سنحمي ثورتنا» في القامشلي السورية الأربعاء الماضي (رويترز)
أفراد مسلحون من الشرطة العسكرية التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» يشاركون في مظاهرة تحت شعار «بإرادتنا سنحمي ثورتنا» في القامشلي السورية الأربعاء الماضي (رويترز)

أفادت مصادر في واشنطن للشرق الأوسط، بأن المبعوث الأميركي توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، يجريان اتصالات لتهدئة الاشتباكات التي اندلعت مجدداً، الاثنين، بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والجيش السوري في حيي الشيخ مقصود والأشرفية عند مدخل حلب الشمالي، بهدف منع تصعيد تستفيد منه «داعش»، وتستفيد منه قوى إقليمية معادية.

واندلعت الاشتباكات بعد استهداف قناصة قوات (قسد) للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية في انتهاك لاتفاقيات وقف إطلاق النار المبرمة بين الجانبين حيث يقاوم الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة خطط الاندماج في الحكومة الانتقالية في دمشق خوفاً من فقدان الحكم الذاتي شمال شرقي سوريا.

ويخيم شبح التدخلات الإيرانية على هذه الاشتباكات التي تستهدف تقويض سيطرة الحكومة السورية الجديدة، حيث كشفت تقارير استخباراتية أميركية، أن إيران تقوم بتكثيف جهودها للحفاظ على تدفق الأسلحة إلى سوريا وإلى ميليشياتها في المنطقة، والتكيف مع الإجراءات التي اتخذتها دمشق لتفكيك الطرق غير المشروعة لتهريب الأسلحة.

كما أشارت عدة تقارير إلى قيام «قسد» بتعزيز علاقاتها مع «حزب الله» في لبنان، وعقدت اجتماعاً سرياً في بيروت مع ممثلين من «حزب الله» برئاسة عمار الموسوي بهدف تقييم التحديات الأمنية في سوريا وسط الخلافات بين «قسد» وحكومة أحمد الشرع مع تجدد الاشتباكات العسكرية بين الجانبين.

دبلوماسيون عاينوا نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني خلال جولة برفقة الجيش اللبناني بجنوب لبنان (مديرية التوجيه)

3 ممرات للتهريب

قال تقرير بمعهد دراسات الحرب (isw) إن إيران تعيد إحياء طرق التهريب، ومساعدة تنظيم «داعش» لشن هجمات داخلية لتقويض ثقة الولايات المتحدة بالشريك السوري، محذراً من تصاعد صراعات بالوكالة وانتشار شبكات التهريب في ظل حالة عدم الاستقرار التي تمر بها سوريا خلال المرحلة الانتقالية.

وكشفت التقارير أن تهريب الأسلحة الإيرانية إلى سوريا يتخذ مزيجاً من المسارات التقليدية وأخرى جديدة، لكن الطرق البرية والشاحنات تظل هي الأساسية في المسارات التي تتخذها طهران لتهريب الأسلحة عبر 3 ممرات أساسية، الأول من بغداد إلى دمشق عبر الرمادي والبوكمال ودير الزور وتدمر، والثاني من طهران عبر البصرة وبغداد والتنف إلى دمشق، أما الأقل نشاطاً فهو الطريق الثالث من إيران عبر الموصل والحسكة إلى اللاذقية؛ ما يسهل نقلها لاحقاً إلى «حزب الله» في لبنان. وتولي إيران أهمية كبيرة لشمال شرقي سوريا الذي تسيطر عليه «قوات سوريا الديمقراطية».

ضبط صواريخ من نوع «سام - 7» معدة للتهريب خارج البلاد في البوكمال شرق سوريا (سانا)

وكشفت التقارير أن الشحنات تشمل عبوات ناسفة وقذائف «هاون» وألغاماً مضادة للدبابات ومتفجرات بلاستيكية وصواريخ مضادة للطائرات وأنظمة دفاع جوي وقاذفات قنابل يدوية وطائرات من دون طيار. وتسربت تقارير عن شبكة أنفاق تحت الأرض بالقرب من الحدود السورية العراقية في البوكمال يرجح أن «الحرس الثوري» الإيراني أنشأها منذ عام 2018، وكان يستخدمها لنقل الأسلحة عبر سوريا إلى «حزب الله».

وتشير التقارير إلى أن الحكومة السورية الجديدة لا تملك قدرات واضحة لفرض السيطرة على جميع أراضيها، وأنها تحتاج إلى سنوات؛ كي تتمكن من ضبط الحدود، ومنع التهريب عبر أراضيها.

إحباط المحاولات

تجتهد السلطات السورية في التصدي لمحاولات التهريب الإيرانية، وفي ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أشادت القيادة المركزية الأميركية بالقيادة في دمشق، لاعتراضها شحنات متجهة إلى «حزب الله».

الخبير بشؤون الشرق الأوسط عطا محمد تبريز، ذكر أنه «لا توجد تقارير موثقة حول تصرفات إيران، لكن وسائل إعلام مختلفة نشرت تقارير حول جهود طهران لإعادة بناء قوات موالية لها في سوريا»، مضيفاً، أنها «تحاول التعاون مع القوات المعارضة لحكومة الشرع، وتضخيم أصواتها»، مؤكداً أنه لا إمكانية لقبول نفوذ إيران مرة أخرى في سوريا.

مراسم إعادة جثامين الجنود الأميركيين الذين قُتلوا في هجوم لتنظيم «داعش» في (أ.ب)

ويقول مايكل نايتس، الباحث الأول بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إنه على الرغم من أن انهيار نظام بشار الأسد أمر مشجع، فإن هذا لا يعني أن إيران، الداعم السابق لنظام الأسد، ستتخلى ببساطة عن استخدام سوريا لإعادة تشكيل «حزب الله» في لبنان.

ويشير نايتس إلى أنه مع رفع العقوبات عن سوريا، من المفترض أن تشهد تدفقاً من المركبات والأموال والمساعدات الإنسانية ومواد إعادة الإعمار والسلع الاستهلاكية، ومعظمها يتم عبر النقل بالشاحنات من الدول المجاورة. ويمكن لإيران بسهولة استخدام هذا التدفق لإعادة إمداد أذرعها في سوريا والعراق ولبنان بالسلاح.

ويحذر نايتس من أن إيران ليس لديها أي تردد في إبرام ترتيبات تكتيكية مع الجماعات الجهادية السنية - مثلما حدث في الماضي مع تنظيم «القاعدة» و«طالبان» - وقد تتبنى هذا التكتيك في سوريا مع تنظيم «داعش».


ائتلاف السوداني يطرح «مبادرة شاملة» لحسم ملف رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
TT

ائتلاف السوداني يطرح «مبادرة شاملة» لحسم ملف رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

أعلن ائتلاف «الإعمار والتنمية»، الذي يقوده رئيس الوزراء بحكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، الاثنين، أنه بصدد طرح «مبادرة سياسية شاملة» لحسم منصب رئاسة الوزراء وإنهاء حالة الانسداد.

وذكر إعلام «تيار الفراتين»، الذي يتزعمه السوداني، في بيان، أن الأخير ترأس اجتماعاً دورياً للائتلاف في مكتبه، خُصص لمناقشة التطورات المتسارعة في المشهد السياسي، ومراجعة نتائج الحوارات المكثفة التي أجراها الائتلاف مع القوى السياسية والوطنية خلال المرحلة الماضية، فضلاً عن تثبيت ملامح رؤيته لإدارة الدولة في الاستحقاق المقبل.

وأشار البيان إلى أن ائتلاف «الإعمار» يعمل على «بلورة مبادرة سياسية متكاملة» تهدف إلى كسر حالة الانسداد السياسي، وإنهاء المراوحة التي عطّلت حسم ملف رئاسة مجلس الوزراء، من خلال طرح معالجات «واقعية» تستند إلى التوافق الوطني والاستحقاق الدستوري.

وأكد أن المبادرة تمثل خطوة سياسية مسؤولة لإعادة تحريك العملية السياسية ووضعها على مسارها الصحيح، مشيراً إلى أن تفاصيلها ستُطرح أمام قوى «الإطار التنسيقي» في اجتماعه المرتقب، بما يفتح الباب أمام تفاهمات سياسية جادة تفضي إلى تشكيل حكومة مستقرة وقادرة على إدارة المرحلة المقبلة.

وشدد البيان على أن المبادرة «تنطلق من قناعة راسخة لدى قيادة (تيار الفراتين) وائتلاف (الإعمار والتنمية) بضرورة حسم الخيارات السياسية بعيداً عن التسويف، والعمل على تشكيل حكومة قوية وفاعلة تعبّر عن تطلعات الشارع العراقي، وتضع أولويات الإصلاح والاستقرار السياسي والاقتصادي في صدارة برنامجها الحكومي».

إلى ذلك، قال العضو في ائتلاف «الإعمار والتنمية»، قصي محبوبة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المبادرة ستكون عبارة عن شروط الائتلاف لاختيار رئيس الوزراء».

ولم يدلِ محبوبة بتفاصيل أخرى حول المبادرة، مكتفياً بالقول إن «تفاصيلها ستُعلن كاملة في اجتماع قوى (الإطار) المتوقع مساء اليوم (الاثنين)».

ويرجّح مصدر مسؤول في قوى «الإطار التنسيقي» أن تتمحور مبادرة السوداني حول «اختيار شخصية أخرى من داخل ائتلاف (الإعمار والتنمية) لشغل منصب رئاسة الوزراء، بالنظر إلى الممانعة التي تبديها بعض أطراف (الإطار) حيال تولّي السوداني ولاية ثانية».

ولا يستبعد المصدر، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «تتضمّن مبادرة السوداني آلية اختيار رئيس الوزراء الجديد، سواء عبر انتخابات داخلية بين الشخصيات المتنافسة داخل (الإطار)، أو من خلال اتفاق أغلبية قادة (الإطار)».

وأضاف المصدر أنه «من غير المتوقع أن يقبل قادة (الإطار) بأي شروط يطرحها تحالف السوداني؛ فهم لا يمانعون تقديم شخصية أخرى غيره للمنصب، لكن من دون إلزام أو شرط بقبولها لشغل المنصب».

ويؤكد المصدر أن رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي «لا يزال متمسّكاً بترشيحه لمنصب رئيس الوزراء، ويرفض تولّي السوداني المنصب لولاية ثانية، في مقابل وجود بعض القيادات الداعمة لبقاء السوداني، لكن وفق شروط جديدة تضمن توازنَ المصالح بين أطراف (الإطار التنسيقي) كافة».

وكان «الإطار التنسيقي» قد دعا، الأسبوع الماضي، إلى عقد جلسة مجلس النواب وانتخاب هيئة رئاسته، بعد إخفاقه في التوافق على اختيار مرشح لرئاسة الوزراء.

ويتوقع أغلب المراقبين استمرار حالة عدم الاتفاق على اسم محدد لرئاسة الحكومة، خصوصاً مع الفسحة الزمنية التي تفصل القوى السياسية عن مواعيد انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان، ثم انتخاب رئيس الجمهورية الذي سيكلّف الكتلة الكبرى بتقديم مرشحها لرئاسة الوزراء، وهي إجراءات تمتد لمدّة تصل إلى ثلاثة أشهر كحدٍّ أعلى وفق التوقيتات الدستورية.

وكان رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد قد حدّد، الأسبوع الماضي، يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي موعداً لعقد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، والتي يُفترض أن يجري خلالها انتخاب رئيس المجلس ونائبَيه.