شروط إسرائيل تُعقّد «هدنة غزة» وتضع الوسطاء في «اختبار صعب»

نتنياهو يريد مفاوضات «تحت النار» ويتمسك بإطلاق جميع الرهائن

فلسطينيون ينقلون أمتعتهم على عربة يجرها حمار أثناء فرارهم من حي أبو إسكندر شمال مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينقلون أمتعتهم على عربة يجرها حمار أثناء فرارهم من حي أبو إسكندر شمال مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

شروط إسرائيل تُعقّد «هدنة غزة» وتضع الوسطاء في «اختبار صعب»

فلسطينيون ينقلون أمتعتهم على عربة يجرها حمار أثناء فرارهم من حي أبو إسكندر شمال مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينقلون أمتعتهم على عربة يجرها حمار أثناء فرارهم من حي أبو إسكندر شمال مدينة غزة (أ.ف.ب)

تصطدم مساعي وقف إطلاق النار في قطاع غزة، التي تنتظر رداً إسرائيلياً رسمياً على مقترح هدنة لمدة 60 يوماً، بشروط تمسَّك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بها لإنهاء الحرب؛ من بينها نزع سلاح «حماس»، وإطلاق سراح جميع الرهائن.

تلك الشروط التي تأتي تزامناً مع إعلان أممي هو الأول من نوعه بشأن حدوث المجاعة في غزة، وتلويح باستكمال الحرب، يراها خبراء، تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط»، تُعقّد أي جهود حالية يبذلها الوسيطان المصري والقطري، وتضع الوسطاء في «حرج كبير واختبار صعب» بعد نجاحهم في موافقة «حماس» على مقترح الـ60 يوماً، متوقعين أن يزداد الغضب الدولي تجاه نتنياهو دون أي ضغط حقيقي أميركي عليه، مما يزيد فرص التصعيد أكثر من التهدئة.

ونقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي، الجمعة، عن وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، قوله، عبر منصة «إكس»، إن «أبواب الجحيم» ستُفتح قريباً على «حماس» في مدينة غزة، إذا لم توافق «حماس» على شروط إسرائيل لإنهاء الحرب؛ وعلى رأسها إطلاق سراح جميع المحتجَزين، ونزع سلاح الحركة.

تلك التصريحات تأتي غداة إعلان نتنياهو، خلال تفقُّده وحدات عسكرية تُقاتل في غزة، أنه صادَقَ على خطط الجيش للسيطرة على مدينة غزة، و«هزيمة» حركة «حماس»، ووجّه ببدء مفاوضات فورية لإطلاق سراح جميع المحتجَزين، وإنهاء الحرب «بشروط مقبولة من إسرائيل».

وتحدثت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، الخميس، عن عدم وجود خطط «في هذه المرحلة» لإرسال وفد إسرائيلي إلى قطر أو مصر لإجراء محادثات حول وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، بينما نقلت صحيفة «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله: «عند تحديد مكان المفاوضات، سيأمر رئيس الوزراء بإرسال وفد إسرائيلي للتفاوض على جميع الرهائن - الأحياء والأموات - وعلى إنهاء الحرب بشروط إسرائيل».

امرأة فلسطينية مُسنة تنتظر مع أطفالها الحصول على طعام من مطبخ خيري بخان يونس (أ.ف.ب)

شروط إسرائيل، التي تكررت على ألسنة بعض مسؤوليها، تأتي في ظل عدم إرسال رد إسرائيلي رسمي بشأن المُقترح الجزئي الذي وافقت عليه «حماس»، الاثنين الماضي، ويدعو إلى الإفراج عن 10 رهائن و18 جثماناً محتجَزين في غزة، في مرحلةٍ أولى من هدنة لمدة ستين يوماً، على أن يجري إطلاق سراح الرهائن المتبقّين في مرحلة ثانية، في موازاةِ مفاوضات من أجل تسوية أشمل، بينما تُصر إسرائيل على أن يجري إطلاق جميع الرهائن دفعة واحدة، والتصعيد في آن واحد.

وصادَقَ الجيش الإسرائيلي على المُضي في خطة السيطرة على مدن قطاع غزة، مما دعا «الخارجية المصرية»، في بيان، الخميس، للإعراب عن «استهجانها الشديد للسياسات التصعيدية الإسرائيلية، والتوسع في احتلالها الأراضي الفلسطينية»، واعتبار ذلك «يعكس تجاهلاً كاملاً من قِبل إسرائيل لجهود الوسطاء، والصفقة المطروحة لوقف إطلاق النار، وللمطالب الدولية بإنهاء الحرب».

وجدّد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الجمعة، خلال لقائه نظيره الياباني شيغيرو إيشيبا، على هامش قمة «تيكاد 9» التي تستضيفها مدينة يوكوهاما، موقف مصر الثابت الرافض لاستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، مستعرضاً مساعي وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«مجلس الوزراء المصري».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يرى أن شروط إسرائيل تعجيزية وتُعقّد فرص التوصل لهدنة في قطاع غزة، وتضع الوسطاء في اختبار صعب بين إحراجهم وإهدار مصداقيتهم، خاصة أنهم بذلوا جهوداً كبيرة لموافقة «حماس»، في اجتماعاتٍ رَعَتها القاهرة أخيراً. وقال إن نتنياهو يريد بإدارة المفاوضات «تحت النار» أن يُظهر أنه يذهب للمحادثات بصورة المنتصر، ولا يهمُّه الرهائن أو الاستقرار بالمنطقة.

في حين أوضح المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، أن التصريحات الإسرائيلية تكشف عن رغبة في عدم تنفيذ هدنة جزئية بغزة مع ضوء أخضر أميركي لاستكمال الحرب، مشيراً إلى أن التفاوض تحت «إطلاق النار» الذي يسعى له نتنياهو من أجل صفقة شاملة، مرتبط بشروط تعجيزية؛ بينها نزع سلاح «حماس»، وهذا يعني إفشال المحادثات واستمرار الحرب. ويعتقد أن الوسيطين المصري والقطري في موقف صعب، لكن اتصالاتهما، ولا سيما من الجانب المصري، تؤكد أنهما مُصران على استكمال الضغوط وتعزيز فرص التوصل لاتفاق ولو شامل؛ لكن بضمانات حقيقية.

فلسطينيون يحملون مساعدات تلقّوها من «مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة من الولايات المتحدة الشهر الحالي (د.ب.أ)

تلك التطورات شهدت أيضاً، الجمعة، إعلان «الأمم المتحدة» المجاعة في غزة، في أوّل إعلان من هذا النوع بالشرق الأوسط، بعدما حذّر خبراؤها من أن 500 ألف شخص باتوا في وضع «كارثي» وحمّلوا إسرائيل مسؤولية عرقلة إدخال المساعدات، وفق تقرير صادر عن هيئة خبراء أممية.

ورفضت «الخارجية الإسرائيلية»، في بيان، الجمعة، نتائج التقرير، وعَدّته يستند إلى «أكاذيب (حماس)»، وأنه لا وجود لمجاعة في غزة، بينما شكّك السفير الأميركي في إسرائيل، مايك هاكابي، في النتائج، قائلاً: «هل تعلمون مَن الذين يعانون الجوع؟ إنهم الرهائن الذين جرى خطفهم وتعذيبهم على أيدي (حماس)».

بينما طالبت حركة «حماس»، في بيان، الجمعة، بفتح المعابر، و«التحرك الفوري لوقف حرب الإبادة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع الفلسطيني»، في حين تقول منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة، في بيانات حديثة، إن 148 شخصاً تُوفوا جراء سوء التغذية في غزة، منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

ويرى أنور أن إعلان المجاعة في غزة، الأولى من نوعه، يعني أن رصيد نتنياهو الدولي نفد، وأن ذلك بداية ضغط دولي جديد يعزز جهود الوسطاء لإجبار إسرائيل على إبرام اتفاق يسهل من دخول المساعدات بكثافة، متوقعاً أن يذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي لاتفاق، سواء جزئي أم شامل، بعد لقطات سينمائية تُظهره منتصراً مثل التوسع في مدينة، أو قتل قيادي عسكري مقاوم أو ما شابه. ويعتقد الرقب أن التقرير الأممي بشأن إعلان المجاعة، الذي هاجمته إسرائيل وكذلك واشنطن، تأكيد جديد بأنهما غير راغبين في إقرار حلول للاستقرار في المنطقة حالياً، لكنه سيزيد الضغوط لوقف الحرب، مؤكداً أن عدم تغير الموقف الأميركي المنحاز لنتنياهو لن يقود لنجاح أي مفاوضات أو اتفاق حالياً، مهما كانت الضغوط.


مقالات ذات صلة

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

شمال افريقيا منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

محمد محمود (القاهرة)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي مركبات للشرطة الإسرائيلية تعمل أثناء مداهمة في الضفة الغربية... 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

الشرطة الإسرائيلية: مقتل شخصين في هجوم شنه فلسطيني 

قالت السلطات الإسرائيلية ​اليوم الجمعة إن شخصين قتلا في هجوم نفذه فلسطيني بالطعن والدهس في ‌شمال ‌إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز) play-circle

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.