هواجس فلسطينية من ربط سلاح المخيمات بمصير ترسانة «حزب الله»

سحبه من «فتح» حصراً يبقيه بيد «الفصائل الإسلامية»… والخارجين عن القانون

عنصر في الجيش اللبناني على متن آلية عسكرية على مدخل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت (إ.ب.أ)
عنصر في الجيش اللبناني على متن آلية عسكرية على مدخل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت (إ.ب.أ)
TT

هواجس فلسطينية من ربط سلاح المخيمات بمصير ترسانة «حزب الله»

عنصر في الجيش اللبناني على متن آلية عسكرية على مدخل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت (إ.ب.أ)
عنصر في الجيش اللبناني على متن آلية عسكرية على مدخل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت (إ.ب.أ)

انفجر جدل جديد في لبنان حول سلاح المخيمات الفلسطينية، بعد البيان الصادر عن «الفصائل الفلسطينية في لبنان»، رداً على خطوة تسليم بعض الأسلحة في مخيم «برج البراجنة» جنوب بيروت، ورفضت فيه الفصائل تسليم سلاحها، أُسوة بحركة «فتح».

وأشعل هذا الموقف نقاشاً واسعاً في لحظة يتصاعد فيها الخلاف اللبناني الداخلي بشأن حصر السلاح بيد الدولة، وقرأ البعض في رفض الفصائل لتسليم السلاح، محاولة لربط سلاح المخيمات بسلاح «حزب الله» في لبنان.

البيان يخدم «حزب الله»

ورأى مدير «مركز تطوير للدراسات»، هشام دبسي، أنّ البيان «جاء بلهجة توحي وكأنّه يعبّر عن موقف وطني فلسطيني جامع، بينما هو في الواقع يعكس وجهة نظر محدودة تمثل الفصائل الإسلامية مثل (حماس) و(الجهاد) والمجموعات غير المنضوية في منظمة التحرير». واعتبر أنّ «استخدام صيغة (الفصائل الفلسطينية)، يهدف إلى مصادرة المشهد الفلسطيني وخلق انطباع زائف بأنّ (منظمة التحرير) ضمن هذا الموقف، وهو أمر غير صحيح».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ما جرى خطير لأنه يحاول وضع هذا السلاح في خانة سياسية لبنانية داخلية، عبر ربطه بالمعادلة التي يستخدمها (حزب الله) لتبرير سلاحه، أي اعتباره جزءاً من مشروع المقاومة ومرتبطاً بحق العودة والتحرير، تماماً كما يربط (حزب الله) سلاحه بتحرير القدس ومواجهة الاحتلال».

الجيش اللبناني يواكب شاحنة محملة بالأسلحة سلمتها حركة «فتح» للسلطات (أ.ف.ب)

وتابع دبسي: «بهذا المعنى، البيان لم يكن مجرد إعلان موقف فلسطيني، بل تضمن بشكل واضح مساعدة سياسية لـ(حزب الله) في محاولته عرقلة خطة الحكومة اللبنانية المتعلقة بحصرية السلاح، فبينما تسعى الدولة إلى بسط سلطتها وحصر السلاح بيدها، يأتي هذا البيان ليمنح الحزب غطاءً إضافياً عبر القول إنّ الفلسطينيين أيضاً لن يسلموا سلاحهم ما دام الاحتلال قائماً. وهذا يخلق التباساً داخلياً يُضعف قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ قرارها».

تمديد الخلافات الفلسطينية

وشدّد على أنّ «خطورة البيان تكمن في أنّه يمدد الخلاف الفلسطيني-الفلسطيني إلى الداخل اللبناني، ويضع المخيمات في أجواء تصعيدية دائمة، ولو لم تتحول إلى اقتتال مباشر، لكنه يهيئ الأرضية لإفشال أي محاولة لمعالجة ملف السلاح الفلسطيني بشكل متدرج ومنسّق مع الدولة».

وقال دبسي: «إذا لم يتم التعامل بجدية مع هذا المنحى، فإنّ ما جرى قد يتحول إلى مقدمة لإجهاض خطة الحكومة اللبنانية الخاصة بحصرية السلاح، بما يخدم أجندة (حزب الله) الإقليمية، ويضع الدولة اللبنانية أمام تحدٍّ إضافي في صراعها على السيادة».

المخيمات في دائرة الخطر

ورغم موافقة «فتح» على تسليم السلاح، فإن الفصائل الأخرى، سواء أكانت مقربة أو متباعدة سياسياً مع «منظمة التحرير»، تحفظت على الخطوة، وحاول بعضها ربط رفضها لتسليم السلاح، بالحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان، فيما ربط آخرون تسليم السلاح بقضايا أمنية وبـ«حق المقاومة».

عناصر من قوى الأمن الفلسطيني ينتشرون في مخيم برج البراجنة جنوب بيروت (أ.ب)

ويقول الحقوقي الفلسطيني فؤاد بكر، إنه يرى في البيان «ناقوس خطر يعبّر عن مخاوف الفلسطينيين من أن يُزجّ بالمخيمات في مخططات تصفية تطال حق العودة نفسه». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن البيان الذي صدر باسم الفصائل الفلسطينية حول موضوع السلاح في مخيم برج البراجنة يعكس مخاوف حقيقية لدى الفلسطينيين من سيناريوهات تتجاوز لبنان نحو مصير قضية اللاجئين برمتها».

وأوضح بكر أنّ «هناك أكثر من نوع للسلاح الفلسطيني: الأول مرتبط بالصراع مع إسرائيل ويخضع للتوازنات الإقليمية، مثل الذي تملكه حركتا (حماس) و(الجهاد الإسلامي)، والثاني هو السلاح الذي تنسقه (منظمة التحرير الفلسطينية) مع الدولة اللبنانية في إطار الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني، والثالث هو السلاح المتفلت بيد تجار المخدرات والأسلحة والمطلوبين».

وأضاف: «المفارقة أنّ من يطرح اليوم فكرة تسليم السلاح هم فصائل (منظمة التحرير) نفسها، أي الجهة الشرعية التي تنسق مع الدولة اللبنانية. لكن إذا سلّمت المنظمة سلاحها، فمن سيبقى يحمل السلاح داخل المخيمات؟ سيحمله المتفلتون والمجرمون، وهذا خطر على الفلسطينيين واللبنانيين معاً».

كما نبّه بكر من وجود «دعاوى قضائية لبنانية لاسترداد أراضٍ توسعت عليها المخيمات منذ سنوات»، متسائلاً: «هل نحن أمام خطة تهجير مقنّعة؟ لبنان يرفض التوطين لكنه عملياً يدفع نحو التهجير، فيما الفلسطيني يرفض الاثنين معاً، لأنه يريد الحفاظ على حقه في العودة».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)

لبنان: سلام يستبق لقاء ترمب - نتنياهو لإسقاط ذرائعه بتوسعة الحرب

يترقب اللبنانيون، مع بدء التحضير لانطلاقة المرحلة الثانية من الخطة التي أعدتها قيادة الجيش لاستكمال تطبيق حصرية السلاح والتي كشف عنها رئيس الحكومة نواف سلام.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني يعاينون السيارة التي تم استهدافها في بلدة عتقنيت (قضاء صيدا) وأدت إلى مقتل 3 أشخاص بينهم عنصر بالجيش اللبناني (إ.ب.أ)

نفي لبناني «قاطع» لأي صلة بين جنود الجيش و«حزب الله»

لم تكن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت، مساء الاثنين، سيارة قرب مدينة صيدا مجرّد حادث أمني موضعي، بل حملت أبعاداً سياسية وأمنية تتجاوز مكانها وتوقيتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي استعراض عسكري مؤخراً في شوارع محافظة السويداء رُفع خلاله العلم الإسرائيلي وصورة نتنياهو (مواقع)

كيف خططت إسرائيل لاستغلال ملف الدروز لإرباك حكم الشرع؟

«واشنطن بوست» تكشف تحويل إسرائيل آلاف الدولارات إلى أشخاص، استعداداً لتفعيلهم بعد سقوط بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)

خاص تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

تحقيقات لبنانية ترجّح فرضية اختطاف إسرائيل ضابطاً متقاعداً، بعد معطيات عن استدراج منظّم وارتباط القضية بملف الطيار المفقود رون آراد.

يوسف دياب (بيروت)

قائد الجيش اللبناني: أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
TT

قائد الجيش اللبناني: أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)

جدد قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، التأكيد على أن الجيش بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح (في جنوب الليطاني)، وأنه يجري التقييم والدراسة والتخطيط بكلّ دقة وتأنٍّ للمراحل اللاحقة، مشيراً إلى أن أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة.

جاء حديث هيكل خلال ترؤسه اجتماعاً استثنائيًاً، حضره أركان القيادة وقادة الوحدات والأفواج العملانية وعدد من الضباط، تناول فيه آخر التطورات التي يمر بها لبنان والجيش في ظل المرحلة الاستثنائية الحالية، وسط استمرار الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية.

نهضة الوطن

واستُهل الاجتماع بدقيقة صمت استذكاراً لأرواح شهداء الجيش والوطن، وآخرهم العسكري الذي استشهد جراء غارة إسرائيلية مساء الاثنين على طريق القنيطرة - المعمرية في قضاء صيدا.

وخلال الاجتماع، هنّأ العماد هيكل الحاضرين والعسكريين جميعاً بمناسبة عيدَي الميلاد ورأس السنة، وأكد أنه «في ظلّ المرحلة الحساسة والتحديات الكبيرة التي يمر بها لبنان، فإنّ تضحيات العسكريين وجهودهم المتواصلة، على اختلاف رتبهم ووظائفهم، هي ركن أساسي في نهضة الوطن ومستقبله»، عادّاً «أنّهم يُشاركون في صنع تاريخ لبنان، انطلاقاً من المبادئ الثابتة للمؤسسة العسكرية، وأن هذه المبادئ لن تتغير مهما كانت الضغوط».

من جهة أخرى، تطرّق العماد هيكل إلى زيارته الأخيرة إلى فرنسا، لافتاً إلى «الإيجابية التي لمسها خلال اجتماعاته حيال الأداء المحترف للجيش»، مشيراً إلى أنّ «هذا الأداء أصبح محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة، رغم اتهامات تطلَق بين حين وآخر، ومحاولات تضليل إسرائيلية تهدف إلى التشكيك في أداء الجيش وعقيدته».

مؤتمر دعم الجيش

وتحدث هيكل بشأن المؤتمر المرتقَب لدعم الجيش بداية العام المقبل، قائلاً: «أحد أهم أسباب الثقة والدعم للجيش هو وفاؤه بالتزاماته وواجباته في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما في الجنوب، رغم الإمكانات المتواضعة، وهذا أمر أثبتته التجربة»، مؤكداً أنّ «عناصرنا يُظهِرون أقصى درجات الإخلاص والتفاني إيماناً برسالتهم، وهذا ما رأيناه خلال مهام عدة نفذتْها الوحدات العسكرية في المرحلة الماضية، وتعرّضت خلالها لأخطار كبيرة، من دون أن يؤثر ذلك في معنوياتها وعزيمتها، وسط تضامن من جانب الأهالي، وتعاون فاعل بين المؤسسة العسكرية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية وقوات الـ(يونيفيل)».

وأضاف: «نطمح إلى تعزيز قدرات الجيش كي يصبح الحامي والضامن لأمن اللبنانيين، ويملك القدرة للدفاع عن أهلنا على امتداد الأراضي اللبنانية، فإيماننا بالجيش هو إيمانٌ بهذا الدور الأساسي المنوط به. يتطلب ذلك دعماً وازناً ونوعيًاً، وهو ما تدركه الدول الشقيقة والصديقة التي تتوجه إلى توفير هذا الدعم للجيش وسائر المؤسسات الأمنية».

حصرية السلاح

وجدد هيكل التأكيد على أن «الجيش بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من خطته»، في إشارة إلى المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، وأنه «يُجري التقييم والدراسة والتخطيط بكلّ دقة وتأنٍّ للمراحل اللاحقة، ويأخذ مختلف المعطيات والظروف في الحسبان»، مشيداً بـ«نجاح الوحدات في مختلف المهام، بما في ذلك حفظ الأمن ومراقبة الحدود وحمايتها في ظل التنسيق القائم مع السلطات السورية».


نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)

قال حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، إنه التقى، الثلاثاء، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وأجريا محادثات ركزت على جهود تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ووقف التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وأضاف عبر منصة «إكس»: «أكدنا خلال اجتماعنا في عمّان ضرورة أولوية وقف إطلاق النار في غزة والالتزام بكل بنود اتفاق وقف إطلاق النار والتقدم نحو المرحلة الثانية من الاتفاق وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وربط جهود تحقيق الاستقرار بأفق سياسي واضح لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين».

وشدد الجانبان على أن مستقبل قطاع غزة يجب أن يستند إلى وحدته وارتباطه بالضفة الغربية، وأن تتولى السلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولية القطاع وفق قرار مجلس الأمن رقم 2803.

وذكر نائب الرئيس الفلسطيني أنه ناقش مع الصفدي أيضاً «التدهور الخطير في الضفة الغربية المحتلة»، وأكدا ضرورة تكاتف كل الجهود الإقليمية والدولية «لوقف الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التي تدفع نحو تفجر الأوضاع وتقوض فرص تحقيق السلام العادل والدائم على أساس حل الدولتين».

في غضون ذلك، أدانت السلطة الفلسطينية، الثلاثاء، خطة إسرائيل لإنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، واصفة إياها بأنها «خطوة خطيرة» تهدف إلى «إحكام السيطرة الاستعمارية على الأرض الفلسطينية بأكملها».

وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان إنّ هذه الخطة هي «امتداد مباشر لسياسات الأبارتهايد والاستيطان والضمّ، بما يقوّض حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ويدمّر أي أفق حقيقي للاستقرار».

وكانت السلطات الإسرائيلية قد أعلنت الأحد موافقتها على إنشاء 19 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، وهو إجراء تقول إنه يهدف إلى «منع إقامة دولة فلسطينية».


لبنان: سلام يستبق لقاء ترمب - نتنياهو لإسقاط ذرائعه بتوسعة الحرب

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
TT

لبنان: سلام يستبق لقاء ترمب - نتنياهو لإسقاط ذرائعه بتوسعة الحرب

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)

يترقب اللبنانيون، مع بدء التحضير لانطلاقة المرحلة الثانية من الخطة التي أعدتها قيادة الجيش لاستكمال تطبيق حصرية السلاح، والتي كشف عنها رئيس الحكومة نواف سلام لـ«الشرق الأوسط»، وتقع بين ضفتي نهر الليطاني جنوباً والأولي شمالاً، رد فعل «حزب الله».

فهل يصرّ الحزب في تفسيره لوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، على أن حصريته تبدأ وتنتهي في جنوب الليطاني، ولا تمتد إلى المناطق الأخرى حتى الحدود الدولية للبنان مع سوريا، أم أنه سيعيد النظر في موقفه؛ كون تنفيذ الخطة يأتي في سياق بسط سلطة الدولة على أراضيها كافة تطبيقاً للقرار 1701؟

التفسير الأحادي

فالتفسير الأحادي لـ«حزب الله» يتعارض كلياً مع تأييده تطبيق القرار 1701؛ لأن التزام لبنان بوقف الأعمال العدائية ليس محصوراً ببسط سلطة الدولة على جنوب الليطاني، وإلا لما نص الاتفاق على أن يبدأ من جنوبه ليشمل لاحقاً الأراضي اللبنانية كافة، لا سيما أن الاتفاق أتى على ذكر هذا القرار 7 مرات ومعطوفاً، كما يقول مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، على القرارات السابقة لمجلس الأمن، وتحديداً الـ1559 الذي ينص على نزع سلاح جميع الميليشيات، وعلى الـ1680 المتعلق بضبط الحدود اللبنانية - السورية لمكافحة التهريب، وترسيمها براً وبحراً.

الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

وسأل المصدر الوزاري عن الأسباب التي تكمن وراء إصرار الحزب على تفسيره للاتفاق، بخلاف الآخرين؟ مع أن ممثلَيه الوزيرَين علي حمية ومصطفى بيرم في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كانا أيداه ولم يسجلا اعتراضاً عليه، رغم أنه، أي ميقاتي، نأى بنفسه عن الدخول طرفاً في المفاوضات التي تولاها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالإنابة عن نفسه وبتفويض من الحزب، وقيل في حينه بأن الأخير يحتفظ بكلمة السر ولا يبوح بها إلا لـ«أخيه الأكبر»، على حد قول أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بينما يحجبها عن ميقاتي.

بري (يمين) يصافح هوكستين في بيروت خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية 2022 (رويترز)

ولفت إلى أن بري لم يتصرّف من تلقاء نفسه عندما توافق مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين على اتفاق لوقف النار بالتشاور مع الحزب لقطع الطريق على تفلته لاحقاً من الاتفاق.

وكشف عن أنه كلف معاونه السياسي النائب علي حسن خليل التواصل مع نظيره في الحزب حسين خليل، وكانت حصيلته تأييد «الثنائي الشيعي» للاتفاق. وقال إن الحزب كان أول من تسلم من «أخيه الأكبر» نسخة عنه، بالتلازم مع تبنّيه ورعايته من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.

وتوقف أمام قول قاسم بأن حصرية السلاح تبدأ وتنتهي في جنوب النهر. وسأل، كيف يوفّق بين مشاركته في حكومة سلام بالوزيرين الطبيبين محمد حيدر وراكان نصر الدين والتي تبنّت خطاب القسم باحتكار الدولة السلاح وأدرجته في بيانها الوزاري، وبين تفلّته من تعهّده متهماً رئيسها بارتكاب خطيئة بموافقته على حصريته؟

محاكاة البيئة

ورأى المصدر أنه يتفهم خلفية الموقف الذي اتخذه قاسم في محاكاته لبيئته لإخراجها من الإرباك، لكن تمسكه باستراتيجية الصبر لن يقدّم أو يؤخر؛ لأن شراءه للوقت ليس في محله، ويرفع من منسوب الضغط بالنار الذي تتبعه إسرائيل، في حين يفتقد الحزب لمن يقف إلى جانبه سوى بري الذي لن يتركه وحيداً ويصرّ على استيعابه للإمساك بيده للانخراط في التسوية لتحرير الجنوب.

وأكد أن الحزب، وإن كان يطالب بعدم التسليم مجاناً بسيطرة الجيش على جنوب الليطاني من دون أي مقابل بإلزام إسرائيل بالقيام بخطوة في مقابل إخلائه جنوب النهر، يتفق مرحلياً، في هذا الخصوص، مع رئيسي الجمهورية العماد جوزيف عون والحكومة نواف سلام، وأيضاً مع الرئيس بري، لكنهما سرعان ما يفترقان مع الحزب على خلفية احتفاظه بسلاحه، كما قال قاسم، لو اطّبقت السماء على الأرض.

وأضاف أن عون يتّبع سياسة النفَس الطويل في حواره مع «حزب الله»، وإنما لبعض الوقت، في حال لم يؤدّ إلى إحداث تقدّم يوحي باستعداده لمراجعة حساباته وصولاً للوقوف فعلاً لا قولاً خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي.

جنود في الكتيبة الإيطالية بـ«يونيفيل» خلال مهمة مشتركة مع الجيش اللبناني (يونيفيل)

وقال إن حوار عون و«حزب الله» ممثلاً برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد لم ينقطع، وإن كان متقطعاً، لكنه لم يتطور إيجابياً ولا يزال محصوراً بتواصل المستشار الرئاسي العميد المتقاعد أندريه رحال برعد وفريقه المكلف الحوار.

سياسة الإنكار

وأكد أن قيادة الحزب توكل أمر التفاوض على سلاحها لإيران بدلاً من أن تُقدم على خطوة شجاعة بوضعه بعهدة الدولة لتقوية موقفها في المفاوضات التي ترعاها لجنة الـ«ميكانيزم»، وهذا ما يحتّم عليها مراعاتها المزاج الشيعي الذي يتوق لعودة النازحين إلى قراهم، بدلاً من اتباعه سياسة الإنكار لما حل به من خسائر لا تقدّر سياسياً ومادياً.

كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد بالقصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)

وقيل للمصدر بأن تفرّد سلام بالكشف عن التحضير للمرحلة الثانية قوبل برفض «صامت» من «حزب الله»، يُفترض أن يظهر للعلن، بذريعة أنه يبيع مواقف مجانية لواشنطن، وكان جوابه بأنه لم يحدد موعداً لانطلاقة هذه المرحلة وربط تحديده بتقييم مجلس الوزراء للإنجاز الذي حققه الجيش في جنوب النهر، بموازاة ما ستقرره الـ«ميكانيزم» في اجتماعها في السابع من الشهر المقبل.

التعهد الأميركي

ولفت إلى أن ما قاله سلام لا يشكّل تفرداً في موقفه، وإنما جاء انسجاماً مع الخطة التي أعدتها قيادة الجيش وتبنّتها الحكومة ومحصورة بتطبيق حصرية السلاح على مراحل، وبالتالي لا نية لديه لإلزام الحكومة بموقف من خارج بيانها الوزاري. وقال بأن الرؤساء على موقفهم بإلزام إسرائيل القيام بخطوة مماثلة لسيطرة الجيش على جنوب النهر، وهذا ما يضع الإدارة الأميركية أمام تعهدها بتطبيق تلازم الخطوات قبل أن تتراجع عنه بذريعة عدم تجاوب إسرائيل.

واستبعد اتهام سلام بحرق المراحل. وقال بأنه اختار الوقت المناسب لإعلام المعنيين دولياً وإقليمياً بضرورة أن ينعم لبنان بالاستقرار، وأن الحكومة ملتزمة بحصرية السلاح ولن تتراجع عنها، ولا بد من تنفيذها، متمنياً على «حزب الله» إعادة النظر في سلوكه لإسقاط ما تتذرع به إسرائيل، وإن كانت ليست في حاجة إلى الذرائع لتواصل خروقها.

التوقيت المناسب

وأكد المصدر أن سلام اختار التوقيت المناسب لتمرير رسالة الحكومة، وأن لا مشكلة بينه وبين عون. وقال بأنه أراد من توقيته أن يحاكي الرئيس دونالد ترمب استباقاً لاستقباله رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في 29 الحالي؛ لعله يضغط لضبط أدائه ولجم تهديده بتوسعة الحرب، ما دام أنه صامد على التزامه باستكمال تطبيقه لحصرية السلاح. ورأى أنها تتلازم مع استعداده للانتقال للمرحلة الثانية من خطة الجيش، وهو يراهن على حث أصدقاء لبنان للتدخل لدى ترمب لإلزام نتنياهو القيام بخطوة، في مقابل صمود عون والحكومة أمام تعهدهما بحصريته.

كما أن توقيت سلام، حسب المصدر، يأتي في سياق تمرير رسالة للدول التي شاركت في الاجتماع التحضيري لدعم الجيش الذي استضافته باريس بإصرار حكومته على تطبيق حصرية السلاح بما يتيح للبنان تحديد مكان وزمان انعقاده بعد أن تبنّت عقده في شباط (فبراير) المقبل، من دون أن يعفي «حزب الله» من مسؤوليته بتسهيل تطبيق حصريته، وأن تحفّظه يبقى تحت سقف تسجيل موقف لاسترضاء بيئته بتكرار قوله باستعادته لقدراته العسكرية، على أن يمتنع حتى إشعار آخر عن استخدامها في ظل الخلل في ميزان القوى. وإلا ما هو تفسير قاسم بطمأنته للمستوطنات في شمال فلسطين بأن لا خطر عليهم؟ وما المانع من أن تنسحب طمأنته على اللبنانيين الذين هم بأمس الحاجة لعودة الاستقرار إلى بلدهم من بوابة الجنوب؟