«اليونيفيل» في لبنان: شاهد على مسار معقد بين الحرب والسلام

بدأت بوصفها قوة مؤقتة وتحولت إلى «استقرار إقليمي»

جنود من «اليونيفيل» يحتفلون بالذكرى الـ77 ليوم حفظ السلام التابع للأمم المتحدة في قاعدة مقرّ القوات بالناقورة جنوب لبنان 29 مايو 2025 (أ.ف.ب)
جنود من «اليونيفيل» يحتفلون بالذكرى الـ77 ليوم حفظ السلام التابع للأمم المتحدة في قاعدة مقرّ القوات بالناقورة جنوب لبنان 29 مايو 2025 (أ.ف.ب)
TT

«اليونيفيل» في لبنان: شاهد على مسار معقد بين الحرب والسلام

جنود من «اليونيفيل» يحتفلون بالذكرى الـ77 ليوم حفظ السلام التابع للأمم المتحدة في قاعدة مقرّ القوات بالناقورة جنوب لبنان 29 مايو 2025 (أ.ف.ب)
جنود من «اليونيفيل» يحتفلون بالذكرى الـ77 ليوم حفظ السلام التابع للأمم المتحدة في قاعدة مقرّ القوات بالناقورة جنوب لبنان 29 مايو 2025 (أ.ف.ب)

تشهد قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان منذ أشهر توترات متكررة تتخللها خروقات إسرائيلية جوية وبرية على وقع مواصلة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) تنفيذ مهامها عبر الدوريات الميدانية والتنسيق مع الجيش اللبناني، وهي التي باتت جزءاً ثابتاً من المشهد الحدودي على امتداد أكثر من أربعة عقود.

التأسيس عام 1978: قوة مؤقتة بهوية خاصة

أُنشئت قوة «اليونيفيل» عام 1978 بقرار من مجلس الأمن عقب الاجتياح الإسرائيلي للجنوب، ومنذ ذلك الحين تبدلت ظروف عملها وتوسعت صلاحياتها، لكن دورها ظل محل نقاش بين مختلف الأطراف اللبنانية والدولية حول فاعليتها وحدود تأثيرها.

وكان هدف وجودها تثبيت الانسحاب الإسرائيلي، ومساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها، غير أنّ التفويض الذي نشأت بموجبه حمل خصوصية لافتة، إذ يصفه أستاذ القانون الدكتور علي مراد بأنه «فصل سادس ونصف» من ميثاق الأمم المتحدة: أي أنها ليست قوة ردع كاملة تحت الفصل السابع، ولا بعثة مراقبة محضة تحت الفصل السادس، بل هي حلّ وسط منحها صلاحيات محدودة تعتمد على موافقة الدولة اللبنانية.

آليات «اليونيفيل» عند الحدود الجنوبية (رويترز)

هذا التفويض الهجين جعلها منذ البداية قوة مراقبة أكثر منها قوة ردع. إذ يلفت مراد إلى أن القوة الدولية «لم تُفوّض بفرض السلام بل فقط برصده، وهو ما يفسر عجزها في الثمانينات والتسعينات عن وقف الاعتداءات الإسرائيلية أو ضبط نشاط الفصائل الفلسطينية المسلحة. ومع ذلك، سمحت لها مرونتها السياسية بالاستمرار، وتجنب الاصطدام بالقوى المحلية والدولة المضيفة».

وطوال الثمانينات والتسعينات، لم تستطع «اليونيفيل» منع الاجتياحات الإسرائيلية (1982، 1993، 1996)، واكتفت بتوثيق الانتهاكات. ومع ذلك، يلفت مراد إلى أن «مرونتها السياسية مكّنتها من الاستمرار بوصفها حاجزاً دولياً حال دون انفلات الوضع نحو مواجهة أوسع».

مرحلة الاحتلال والانسحاب الإسرائيلي عام 2000

بين 1978 و2000، اقتصرت مهمة «اليونيفيل» وفق مراد «على المراقبة وتوثيق الانتهاكات في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي. ومع انسحاب إسرائيل في مايو (أيار) 2000، انتقلت البعثة إلى مرحلة جديدة، إذ تولّت مهمة التحقق من الالتزام بما عُرف لاحقاً بـ(الخط الأزرق). وقد مثّل ذلك بداية انخراط مباشر لها في مسألة حساسة تتعلق بترسيم الحدود، وإن بقيت دون سلطة تنفيذية حقيقية».

القرار «1701» وتحول المهمة

شكلت حرب يوليو (تموز) 2006 نقطة تحول رئيسية في عمل القوات الدولية، حيث إن إصدار مجلس الأمن القرار «1701» غيّر طبيعة «اليونيفيل» جذرياً. ارتفع عدد عناصرها إلى نحو 15 ألف جندي من أكثر من 40 دولة، وأُنشئت قوة بحرية لمراقبة الساحل ومنع تهريب السلاح. وتحولت بذلك إلى بعثة متعددة الأذرع، لكن دورها بقي مرتبطاً بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية، ولم يُمنح لها تفويض مطلق باستخدام القوة.

رئيس بعثة وقائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) المعين حديثاً اللواء ديوداتو أبانيارا (أ.ف.ب)

يوضح مراد أنّ «هذا التحوّل جعلها أقرب إلى بعثة حفظ سلام متكاملة الأركان، لكن ضمن خطوط حمراء واضحة، إذ لم يمنحها القرار تفويضاً مطلقاً باستخدام القوة، بل أبقى دورها مرتبطاً بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية». وهكذا، بقيت «اليونيفيل» رغم توسّعها محكومة بالمعادلة نفسها: كبيرة في الحجم، ومحدودة في القدرة على فرض قرارات مجلس الأمن.

الاستثناء اللبناني في تاريخ الأمم المتحدة

يصف مراد التجربة اللبنانية بأنها «استثناء في تاريخ (الأمم المتحدة)»، موضحاً أنّ «بعثات مشابهة مثل قوة سيناء أو بعثة كوسوفو أو تيمور الشرقية انتهت أو تبدلت بعد سنوات محدودة، بينما بقيت (اليونيفيل) أكثر من أربعة عقود». هذا الاستمرار يعكس، بحسبه، «في آنٍ واحد عجز الدولة اللبنانية عن فرض سيادتها الكاملة جنوباً، وإصرار المجتمع الدولي على إبقاء قوة تضمن الحد الأدنى من الاستقرار على خط مواجهة مفتوح بين إسرائيل و(حزب الله)».

التوترات الراهنة: بين التوثيق والردع الجزئي

منذ خريف 2023، أعادت المواجهات على الحدود إبراز دور «اليونيفيل». فهي، كما يوضح مراد، «توثّق الخروق الإسرائيلية بدقة، وتشكّل كابحاً نفسياً وسياسياً للتصعيد، لكنها عملياً أقرب إلى شاهد دولي يرفع تقارير ويؤمّن مظلة ردع جزئية، أكثر من كونها قوة قادرة على تعديل موازين القوى الميدانية». وبذلك، تبقى «اليونيفيل» قوة تعمل على امتصاص التوتر لا على حله، وتلعب دور «وسيط ميداني» أكثر منه «قوة فرض سلام».

التأثير المحلي: اقتصاد واجتماع

وجود آلاف الجنود الدوليين انعكس مباشرة على القرى الجنوبية. فقد انتعشت الأسواق المحلية بفعل الإيجارات والتجارة الصغيرة، فيما أدى الاحتكاك إلى انفتاح اجتماعي وثقافي، خصوصاً مع تعدد الجنسيات المشاركة. لكن في المقابل، ولّد هذا الوجود حساسيات بسبب الدوريات وحرية الحركة. يقول أحد سكان بنت جبيل: «(اليونيفيل) تمثل عاملاً اقتصادياً، لكن في الأمن لا يمكن الاتكال عليها».

جنود من الكتيبة الهندية في «اليونيفيل» يشاركون في تمارين يوغا مع مواطنين لبنانيين ببلدة إبل السقي الجنوبية (إ.ب.أ)

التمديد السنوي: من إجراء روتيني إلى استقرار إقليمي

لم يعد التمديد السنوي لـ«اليونيفيل» تفصيلاً إجرائياً. يوضح مراد أنّه أصبح «ساحة تجاذب دولي، فرنسا تعد (اليونيفيل) ضرورة استراتيجية لشبكة الاستقرار في المتوسط، والولايات المتحدة وإسرائيل تضغطان من أجل تحديد أفق زمني لإنهاء مهمتها، فيما يتمسك لبنان الرسمي بها بوصفها عنصراً لا بديل عنه لحماية الجنوب، وتخشى الدول العربية من فراغ أمني قد يفتح الباب أمام انفجار جديد». وبالتالي، فإن مستقبلها لم يعد شأناً تقنياً بل يعد ملفاً سياسياً يتصل مباشرة بموقع لبنان في معادلة الاستقرار الإقليمي.

شاهد على مسار معقد بين الحرب والسلام

بعد أكثر من أربعة عقود، تبقى «اليونيفيل» بحسب أحد أبناء الجنوب، «شاهداً على مسار معقد بين الحرب والسلام. لم توقف الاعتداءات الإسرائيلية، ولم تنزع سلاح (حزب الله)، لكنها أسهمت في تجنب حرب شاملة». فهي قوة مؤقتة تحولت إلى حضور مزمن، تعمل ضمن تفويض محدود، وتعكس بوجودها توازنات داخلية وإقليمية ودولية. ومع استمرار التصعيد على الحدود، يظل مستقبلها مرهوناً بالقرار «1701»، وبالتجاذب الدولي حول دور لبنان وحدود استقراره.

جنود من الكتيبة الفرنسية في «اليونيفيل» ببلدة عيتا الشعب جنوب لبنان (أرشيفية - إ.ب.أ)


مقالات ذات صلة

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

المشرق العربي جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

طالب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلّام، خلال لقاء مع وفد من سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بتوفير قوة أممية مساندة لملء أي فراغ محتمل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

طالب الرئيس اللبناني جوزيف عون وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب من جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

وصفت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة النبطية في مايو 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

حسمت إسرائيل الخميس التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» جراء المفاوضات المدنية مع لبنان، أو عزلها عن المسار العسكري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
TT

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)

رأى الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الجمعة، أن تسمية السلطات اللبنانية مدنياً في اللجنة المكلفة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، هي بمثابة «سقطة» تضاف إلى «خطيئة» الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب.

وخلال حفل حزبي، قال قاسم في خطاب عبر الشاشة: «نرى أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس» من أغسطس (آب)، في إشارة إلى القرار الحكومي بنزع سلاح الحزب، لكنه أكد في الوقت نفسه تأييده خيار الدبلوماسية الذي تتبعه السلطات لوقف الهجمات الإسرائيلية.

وانضم، الأربعاء، مندوبان مدنيان لبناني وإسرائيلي إلى اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، في أول لقاء مباشر منذ عقود، قالت الرئاسة اللبنانية إن هدفه «إبعاد شبح حرب ثانية» عن لبنان.


سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
TT

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)

طالب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلّام خلال لقاء مع وفد من سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (الجمعة)، بتوفير قوة أممية مساندة لملء أي فراغ محتمل بعد انتهاء ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بنهاية عام 2026.

وذكرت الرئاسة اللبنانية في بيان أن سلّام طرح خلال اللقاء مع وفد مجلس الأمن إمكانية أن تعمل هذه القوة تحت إطار «هيئة الأمم المتحدة» لمراقبة الهدنة، أو أن تكون قوة حفظ سلام محدودة الحجم ذات طابع مشابه للقوة العاملة في هضبة الجولان بسوريا.

وقرر مجلس الأمن الدولي في أغسطس (آب) الماضي تمديد ولاية «اليونيفيل»، التي أنشئت في 1978 بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، حتى نهاية العام المقبل. ومن المنتظر أن تبدأ «اليونيفيل» عملية انسحاب تدريجي من جنوب لبنان بعد انتهاء ولايتها.


مقتل فلسطيني في نابلس وسط هجمات للمستوطنين

جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
TT

مقتل فلسطيني في نابلس وسط هجمات للمستوطنين

جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

قُتل فلسطيني، الجمعة، إثر إطلاق قوات إسرائيلية النار اتجاهه خلال اقتحامها قرية أودلا، جنوب نابلس، شمال الضفة الغربية، في وقت تصاعدت فيه هجمات المستوطنين بمناطق متفرقة من الضفة، ووسط تحذيرات رسمية من استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين.

وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية، بمقتل الشاب بهاء عبد الرحمن راشد (38 عاماً) برصاص الاحتلال في بلدة أودلا، بينما ذكرت طواقم الهلال الأحمر أن راشد أُصيب برصاصة في رأسه بشكل مباشر، وجرت محاولات لإنعاشه وإنقاذ حياته في عيادة طوارئ بلدة بيتا، إلا أنه فارق الحياة فيها.

وقالت مصادر محلية لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن قوات الاحتلال اقتحمت وسط القرية ومحيط المسجد القديم في أودلا، وأطلقت الرصاص الحي وقنابل الغاز السام والصوت تزامناً مع خروج المصلين من المسجد؛ ما أدى إلى اندلاع مواجهات، وإصابة شاب بالرصاص الحي بالرأس أُعلن مقتله لاحقاً.

جنود إسرائيليون خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

وشنَّت القوات الإسرائيلية، فجر وصباح الجمعة، حملة اعتقالات طالت ما لا يقل عن 6 فلسطينيين، في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، داهمت خلالها عشرات المنازل، وأخضعت سكانها لتحقيق ميداني، كما عاثت في المنازل خراباً.

وأضرم مستوطنون، فجر الجمعة، النار في مركبتين، وكتبوا شعارات عنصرية، خلال هجومهم على قرية الطيبة شرق رام الله، التي داهموها وسط حماية من جيش الاحتلال، قبل أن ينسحبوا منها بعد تصدي السكان لهم.

وهذه المرة السادسة التي تتعرَّض فيها البلدة لهجمات، يتخللها إحراق مركبات وخط شعارات عنصرية، منذ بداية العام الحالي، حيث تَزَامَنَ هذا الاعتداء مع بدء استعدادات البلدة لاستقبال عيد الميلاد المجيد، حيث جرى، أمس، افتتاح سوق «ميلادي» بحضور عدد من الدبلوماسيين وأهالي البلدة التي تقطنها غالبية مسيحية.

في حين قطع مستوطنون خطوطاً ناقلة للمياه في خربة الدير بالأغوار الشمالية، بينما شرع آخرون - بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي - في حراثة أرض وزراعتها بعد السيطرة عليها من فلسطينيين، في منطقة خلايل اللوز جنوب شرق بيت لحم، بينما اعتدى آخرون على المزارعين في خربة يرزا شرق طوباس، ومنع آخرين من فلاحة أراضيهم ورعي مواشيهم في قرية الزويدين ببادية يطا جنوب الخليل.

فلسطيني يمر قرب جنود إسرائيليين خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (أ.ف.ب)

وأخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلية، بإزالة المئات من أشجار الزيتون على جانب الشارع الرئيسي بمسافة كيلومتر واحد، من أراضي بلدة تقوع جنوب شرقي بيت لحم، بعد أن علّقت إخطارات على الأشجار وواجهات المنازل.

البرغوثي

يأتي هذا التصعيد الميداني، في وقت ذكرت فيه هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، أن اتصالاً هاتفياً من رقم إسرائيلي، ورد لعائلة القيادي الفلسطيني، الأسير مروان البرغوثي، ادَّعى فيه المتصل أنه أسيرٌ مُحرَّرٌ أُفرج عنه فجر الجمعة من سجون الاحتلال، أثار حالةً من الهلع والقلق في أوساط عائلة البرغوثي بعد أن أبلغهم المتصل بأن حالته صعبة وخطيرة جداً.

وأوضحت الهيئة أنه وبعد المتابعة والتواصل، تبيَّن أن المعلومات التي نُقلت للعائلة تتحدث عن اعتداء وحشي تعرَّض له البرغوثي على يد السجانين الإسرائيليين، حيث ادعى المتصل أن «جزءاً من أذنه قد قُطع، وتعرَّضت أضلاعه وأصابع يده وأسنانه للكسر، وذلك خلال جولات متكررة من التعذيب والتنكيل».

مروان البرغوثي يحضر جلسة مداولات بمحكمة الصلح في القدس (أرشيفية - رويترز)

وأشارت الهيئة إلى أن هذا الاتصال شكَّل حالةً من الذعر لدى أسرة البرغوثي ولدى الشعب الفلسطيني بأكمله، وقد جرت محاولة الاتصال بالرقم ذاته دون جدوى، مؤكدةً أن هناك حالات سابقة تم تسجيلها تتضمَّن تهديداً وتخويفاً ومضايقات لعائلات الأسرى، مشددةً على استمرار عملها المشترك والمكثف مع القيادة الفلسطينية والأصدقاء والمتضامنين الدوليِّين للوقوف على حقيقة حالة البرغوثي، مع تحميل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عمّا يتعرَّض له الأسرى داخل السجون الإسرائيلية.

وفي أعقاب ذلك، حذَّرت الرئاسة الفلسطينية من خطورة ما يتعرَّض له الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية من انتهاكات خطيرة ووحشية، تمس كرامتهم الإنسانية، وتهدد حياتهم بشكل مخالف وسافر للقوانين والمواثيق الدولية كافة، وفي مقدمتها اتفاقات جنيف الـ4.

وأدانت الرئاسة الفلسطينية، بشكل خاص، ما يتعرَّض له البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» من اعتداءات متواصلة وإجراءات انتقامية خطيرة، محملةً الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن سلامته وسلامة جميع الأسرى في سجونها. مؤكدةً أن «استمرار هذه الانتهاكات بحق الأسرى يُشكِّل جريمة حرب مكتملة الأركان، تعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة في التنكيل بالأسرى الفلسطينيين، في محاولة لكسر إرادتهم ومعاقبتهم جماعياً». وفق نصِّ بيانها.

وطالبت الرئاسة المجتمع الدولي، ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتحرك الفوري والعاجل لتحمُّل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، والضغط على الحكومة الإسرائيلية؛ لوقف هذه الانتهاكات فوراً، وضمان الحماية الدولية للأسرى، وتمكينهم من حقوقهم التي كفلتها الشرائع الدولية، مؤكدةً العمل الدؤوب على إطلاق سراحهم جميعاً، وعلى رأسهم البرغوثي.