«خريطة طريق» بين الرياض ونيودلهي لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري

السفير الهندي لـ«الشرق الأوسط»: الربط الكهربائي ركيزة أساسية للتوافق الاستراتيجي بين البلدين

ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال استقباله في جدة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أبريل الماضي (واس)
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال استقباله في جدة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أبريل الماضي (واس)
TT

«خريطة طريق» بين الرياض ونيودلهي لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري

ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال استقباله في جدة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أبريل الماضي (واس)
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال استقباله في جدة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أبريل الماضي (واس)

تعمل كل من الهند والسعودية بشكل حثيث على وضع خريطة طريق مشتركة لترسيخ شراكة ديناميكية تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، والاستثماري، والتجاري بين البلدين. وفي خطوة لتعميق هذه الشراكة، تم الإعلان عن إنشاء لجنتين وزاريتين جديدتين ضمن إطار مجلس الشراكة الاستراتيجية، إحداهما تُعنى بالتعاون الدفاعي والأخرى بالسياحة والثقافة.

هذا ما كشف عنه السفير الهندي لدى السعودية، الدكتور سهيل إعجاز خان، لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أن الجانبين «عملا بشكل وثيق لتنفيذ أجندة مشتركة مكثفة منذ انعقاد قمة القادة في جدة في أبريل (نيسان) 2025».

كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على رأس وفد كبير، ناقش خلالها مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، العلاقات التجارية والاستثمارية وقطاع الطاقة.

جلسة المباحثات الثنائية السعودية - الهندية (واس)

ولفت خان إلى أن وزير الكيميائيات والأسمدة الهندي، جي بي نادا، أقر خلال زيارته الأخيرة للمملكة في يوليو (تموز) 2025 التزامات بتوريد الأسمدة من السعودية إلى الهند على المدى الطويل. كما استعرض وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش غويال، الشهر الماضي، سبل التعاون الاقتصادي والاستثماري الثنائي في اجتماعات منفصلة عبر الإنترنت مع نظيره السعودي وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم، ووزير الاستثمار خالد الفالح.

وذكر السفير خان أن البلدين «يخططان لعقد عديد من الاجتماعات واللقاءات الثنائية رفيعة المستوى في المستقبل، ضمن إطار اللجان الوزارية الأربع لمجلس الشراكة الاستراتيجية، مع توقع مشاركة وزارية قوية في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار لعام 2025»، التي تنعقد في نسختها التاسعة في الرياض في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل تحت عنوان «مفتاح الرخاء: فتح آفاق جديدة للنمو».

وأضاف خان: «في الفعاليات متعددة الأطراف التي تستضيفها المملكة هذا العام، سنشارك رسمياً بشكل رفيع المستوى في الدورة 26 للجمعية العامة لمنظمة السياحة العالمية، والمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، وكلاهما في نوفمبر (تشرين الثاني). وفي معرض المجوهرات الهندي - السعودي العالمي (ساجكس 2025)، خططنا لمشاركة شاملة من قطاع الأعمال الهندي».

السفير الهندي لدى السعودية د. سهيل إعجاز خان (الشرق الأوسط)

تطور التعاون الاقتصادي

قال خان إن التجارة بين البلدين شهدت نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. ففي السنة المالية 2024-2025، بلغ حجمها نحو 42 مليار دولار. وتُعدّ الهند الآن ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، بينما تحتل المملكة المرتبة الخامسة بالنسبة إلى الهند، فيما تنوعت التجارة بشكل كبير.

تقوم الهند بتصدير سلع هندسية، وأرز، ومواد كيميائية، ومركبات، ومنسوجات، ومنتجات غذائية، وأحجار كريمة، ومجوهرات للمملكة. وفي المقابل، تستورد الهند النفط الخام، وغاز البترول المسال، والأسمدة، والبلاستيك، والمواد الكيميائية من المملكة.

وأشار خان إلى وجود زخم قوي لتوسيع التجارة، خصوصاً في القطاعات الواعدة مثل الأدوية، والأغذية المصنعة، والتصنيع المتقدم، والأحجار الكريمة والمجوهرات، والسلع الهندسية ذات القيمة العالية. وتوقع أن تكون اتفاقية التجارة الحرة المرتقبة بين الهند ومجلس التعاون الخليجي نقطة تحول كبيرة من شأنها أن تطلق العنان لإمكانات أكبر في التجارة والاستثمار.

نمو الشراكات والشركات

ووفق خان، فإن القطاع الخاص الهندي ينظر إلى السعودية على أنها مركز للفرص، حيث تستكشف الشركات الهندية السوق السعودية بنشاط، لا سيما في ضوء الفرص التحويلية المتاحة في إطار «رؤية المملكة 2030».

وارتفع عدد الشركات الهندية المرخص لها في المملكة بشكل كبير من 400 شركة في 2019 إلى أكثر من 2900 شركة بحلول عام 2023، مع استثمارات ضخمة. ونقل كثير من الشركات الهندية مقراتها الإقليمية إلى السعودية، ويشارك عدد منها في برنامج «اكتفاء» التابع لشركة «أرامكو السعودية».

ولفت خان إلى أن الشركات الهندية تسهم بشكل كبير في المشاريع الضخمة ضمن «رؤية 2030»، التي تمتد لتشمل البنية التحتية المدنية، والطاقة، ونقل الكهرباء، والنفط والغاز، والطاقة المتجددة.

وقال: «تلعب شركاتنا التكنولوجية دوراً محورياً في التحوّل الرقمي في السعودية. هناك اهتمام متزايد من الشركات الهندية بقطاعات الرعاية الصحية، والأدوية، والضيافة، والخدمات اللوجيستية، والتعدين، والمعادن، والمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والشركات الناشئة، وهي قطاعات حيوية لمستقبل كلا الاقتصادين».

وأكد خان أن الفرص ليست من جانب واحد، فالشركات السعودية لديها أيضاً فرص هائلة للاستثمار في تحول الهند إلى اقتصاد متطور، خصوصاً في قطاعات البنية التحتية، والخدمات اللوجيستية، والطاقة المتجددة، والصحة، والمرافق. ولفت إلى أن السعودية تعهدت باستثمار 100 مليار دولار في الهند، مشيراً إلى أن التعاون التجاري المتنامي بين البلدين سيكون حجر الزاوية في الشراكة الثنائية المستقبلية.

مشروع الربط الكهربائي

تظل الطاقة ركيزة أساسية في العلاقات الهندية - السعودية، فمع سعي الهند للتحول إلى اقتصاد متطور بحلول عام 2047، ستزداد احتياجاتها من الطاقة، وستظل المملكة شريكاً موثوقاً واستراتيجياً في تلبية هذه الاحتياجات. وأوضح خان أن «المستقبل أخضر»، وأن الهند لديها هدف طموح لإنتاج 500 غيغاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وتتعاون بنشاط مع المملكة في مجال الطاقة النظيفة والمستدامة، بما في ذلك الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والهيدروجين.

ويُعد مشروع ربط الشبكات الكهربائية أحد مجالات التعاون المهمة، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم في عام 2023 حول الربط الكهربائي، والهيدروجين الأخضر، وسلاسل التوريد. وسيتم استكشاف الجدوى الفنية والتجارية لربط الشبكات الكهربائية بين البلدين، وهي مبادرة تُكمل أيضاً الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEEC) الذي يهدف إلى بناء شبكة طاقة إقليمية أكثر تكاملاً واستدامةً وأماناً.

العلاقات السعودية - الهندية

أكد السفير الهندي أن المملكة تُعد من أكثر الشركاء الاستراتيجيين ثقةً للهند، وأن العلاقات بينهما تستند إلى نسيج غني من الروابط الحضارية، والثقافية، والتجارية التي تعود إلى قرون. وقد تطورت هذه العلاقة إلى شراكة استراتيجية شاملة تشمل مجالات الدفاع والأمن والتجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والصحة والتعليم والثقافة.

وقد عكست الزيارة الأخيرة لرئيس وزراء الهند إلى المملكة في أبريل 2025 قوة هذه الروابط المتنامية، حيث أجرى لقاءات مثمرة للغاية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وأسفرت المباحثات عن اتفاقية لإنشاء مصفاتين كمشروع مشترك بين البلدين في الهند، ومذكرات تفاهم في مجالات الصحة، والتعاون البريدي، والتعاون الفضائي، والرياضة، بالإضافة إلى المجالات الدفاعية، والأمنية، والتجارية، والاستثمارية، والطاقة، والتكنولوجيا، والزراعة، والثقافة. وتجسيداً لتعميق الشراكة الاستراتيجية خلال السنوات القليلة الماضية وفق خان، قرر المجلس إنشاء لجنتين وزاريتين جديدتين في إطار مجلس الشراكة الاستراتيجي، إحداهما لجنة التعاون الدفاعي والأخرى لجنة التعاون السياحي والثقافي.

وزاد: «بنى البلدان أطراً مؤسسية قوية، بما في ذلك لجنة وزارية معنية بالتجارة والاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا، وفريق العمل رفيع المستوى للاستثمار برئاسة مشتركة بين وزير الطاقة السعودي والسكرتير الخاص لرئيس الوزراء الهندي. وتُكمّل رؤيتنا الاقتصادية (رؤية الهند 2047) و(رؤية المملكة 2030) كل منهما الأخرى».

واختتم السفير حديثه بتأكيد أن الهند والسعودية شريكان اقتصاديان موثوقان، وأن شراكتهما حيوية لازدهارهما، ولصمود واستقرار الاقتصاد العالمي في ظل حالة عدم اليقين العالمية.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان ووزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى) play-circle 02:29

«ملتقى الميزانية»: الإنفاق الحكومي السعودي «يتحرر» من «الدورة الاقتصادية»

شكّل «ملتقى الميزانية السعودية 2026» منصة حكومية استراتيجية لتحليل مستهدفات الميزانية التي أقرّها مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد وزيرا «النقل» و«الإسكان» في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى)

«ملتقى الميزانية»: مبادرات تطوير البنية التحتية تدعم «النقل» و«الإسكان» وتوسع فرص الاستثمار

أكد وزيرا «النقل» و«الإسكان» أن القطاعين شهدا نهضة كبيرة، مع استثمارات ضخمة توسع الوظائف وتوفر وحدات سكنية للأسر المستفيدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الإبراهيم يتحدث وإلى جانبه وزير المالية في ملتقى «ميزانية السعودية 2026»... (الشرق الأوسط)

السعودية: لدى «هيوماين» فرصة لقيادة الاقتصاد الوطني مثل «أرامكو»

أعلن وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الإبراهيم، أن المملكة تستعد لدخول مرحلة جديدة سيكون فيها الذكاء الاصطناعي المحرك الأكبر للنمو غير النفطي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المهندس أحمد العوهلي محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية (الملتقى)

ملتقى الميزانية: تقدم كبير في توطين الإنفاق العسكري بالسعودية

كشف المهندس أحمد العوهلي، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، عن تطورات نوعية شهدها قطاع الصناعات العسكرية في السعودية خلال السنوات الست الماضية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
TT

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل، وذلك وسط توقعات متزايدة بأن يقدم البنك على رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وقال وزير إنعاش الاقتصاد مينورو كيووتشي إن الحكومة «تأمل أن يواصل بنك اليابان إدارة السياسة النقدية بالشكل المناسب لتحقيق استقرار التضخم عند 2 في المائة، بالتعاون الوثيق مع الحكومة»، مضيفاً أن قرار رفع الفائدة وآلياته أمر يعود للبنك المركزي وحده.

وفي مؤتمر منفصل، أعرب كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيّهارا عن قلق طوكيو من التحركات السريعة من جانب واحد في سوق العملات، خصوصاً مع تراجع الين لمستويات قرب 155 للدولار. وقال كيّهارا: «نراقب السوق عن كثب، ومستعدون لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد التحركات المفرطة أو غير المنتظمة، بما في ذلك سلوكيات المضاربة». وتأتي تلك التصريحات في حين يقترب بنك اليابان من إنهاء مرحلة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض بعد عقود من السياسات التيسيرية.

وفي تحليل نشرته «رويترز»، أفاد مسؤولون بأن رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي بدأت تنتهج خطاباً أكثر حذراً تجاه الأسواق بعد ارتفاع حاد في عوائد السندات اليابانية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ 2007. وخلال اجتماع مع فريقها الاقتصادي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضت وزيرة المالية ساتسوكي كاتاياما على تاكايتشي مخططاً يوضح تسارع عمليات بيع السندات وارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما جعل تعبيرات رئيسة الوزراء «أكثر جدية»، وفق مصدر مطّلع. وتاكايتشي، التي تُعد من ورثة «أبينوميكس»، تواجه تحدياً كبيراً في تمويل خطتها التحفيزية البالغة 137 مليار دولار، والمعتمدة في جزء كبير منها على إصدار ديون جديدة. وتحاول رئيسة الوزراء تهدئة الأسواق، نافية أن تواجه اليابان سيناريو مشابهاً لـ«صدمة تراس» في بريطانيا عام 2022، التي شهدت انهيار السندات والإطاحة بالحكومة على خلفية تمويل خطط إنفاق غير ممولة.

وتكشف التحليلات أن تراجع مشتريات بنك اليابان وشركات التأمين المحلية يضع عبئاً كبيراً على سوق السندات؛ إذ تشير تقديرات بنك أوف أميركا إلى أن صافي المعروض سيرتفع بـ11 تريليون ين إضافية في 2026. وقال مدير محافظ في طوكيو: «خطة تاكايتشي تعتمد على نمو اقتصادي قوي... لكن إذا لم يتحقق هذا النمو، فلن يبقى إلا جبل الديون». كما بدأ بعض المستثمرين بالرهان على مزيد من انخفاض الين وارتفاع عوائد السندات، بسبب التوقعات برفع الفائدة قريباً.

من جانبه، قال محافظ بنك اليابان كازو أويدا إن هناك «عدم يقين» بشأن المستوى المناسب لرفع الفائدة مستقبلاً، لافتاً إلى أن المعدل الطبيعي (الحيادي) في اليابان يتراوح بين 1 في المائة و2.5 في المائة. ومن المتوقع أن يصبح مؤتمر أويدا الصحافي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحدث الأكثر أهمية للأسواق، مع محاولة المستثمرين استشراف مسار التشديد النقدي في 2026.


الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)

يواصل الاقتصاد اليوناني مسار التعافي بثبات، بعدما سجل نمواً بنسبة 0.6 في المائة في الربع الثالث من 2025 مقارنة بالربع السابق، مدفوعاً بارتفاع الاستثمارات وتحسن الاستهلاك المحلي، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن هيئة الإحصاء اليونانية يوم الجمعة.

وجرى تعديل نمو الربع الثاني بالخفض إلى 0.4 في المائة، إلا أن الربع الثالث أظهر ديناميكية أقوى في القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية، في مؤشر على استمرار زخم النمو رغم الضغوط التي تواجه الاقتصاد الأوروبي عموماً.

وأظهرت البيانات المعدلة موسمياً ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي النهائي بنسبة 0.6 في المائة، حيث ارتفع استهلاك الأسر بنسبة 1.2 في المائة، وزاد إنفاق القطاع الحكومي بنسبة 2.3 في المائة. ويعكس هذا الاتجاه تحسناً في ثقة المستهلكين، وتوسّعاً في الطلب المحلي، وهو عامل أساسي في اقتصاد يعتمد على الاستهلاك والسياحة.

وسجّل إجمالي تكوين رأس المال الثابت، وهو مؤشر رئيسي لقياس الاستثمار في الأصول طويلة الأجل، مثل المنشآت والبنية التحتية، ارتفاعاً لافتاً بلغ 3.5 في المائة، مقارنة بالربع السابق. ويأتي هذا التحسن في إطار سعي أثينا إلى جذب مزيد من الاستثمارات المدعومة بإصلاحات هيكلية وبرامج تمويل أوروبية ضمن خطة التعافي من آثار الجائحة.

كما سجّلت الصادرات، وخدمات السياحة التي تُعد ركيزة مهمة للدخل القومي، ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.2 في المائة. وفي حين تراجعت الواردات إجمالاً بنسبة 1.6 في المائة، وكانت الواردات السلعية الأكثر تأثراً بتراجع بلغ 2.3 في المائة، فقد ارتفعت واردات الخدمات 1 في المائة. وساهم تراجع الواردات في تخفيف الضغط على الميزان التجاري خلال الربع الثالث.

وفي تطور لافت يعزز صورة التعافي الاقتصادي، انخفض معدل البطالة في اليونان خلال الربع الثالث إلى 8.2 في المائة، مقارنة بـ8.6 في المائة في الربع الثاني، وفق بيانات هيئة الإحصاء الصادرة يوم الخميس. وحسب الأرقام، فقد بلغت البطالة بين النساء 10.6 في المائة مقابل 6.2 في المائة للرجال. وكان ما يقرب من 59 في المائة من العاطلين عن العمل هم من العاطلين لفترات طويلة (12 شهراً فأكثر). ويمثل هذا المعدل الأدنى للبطالة منذ أكثر من عقد، في بلد كان قد سجّل معدلات بطالة تجاوزت 27 في المائة خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربته قبل سنوات.

وتعتمد اليونان في نموها على مزيج من نشاط السياحة القوي وارتفاع الاستهلاك المحلي وتحسّن الاستثمارات المرتبطة بخطة التعافي الأوروبية، إضافة إلى إصلاحات مالية وهيكلية دعمت ثقة المستثمرين. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، بما في ذلك ارتفاع الأسعار، وتكاليف الاقتراض الأوروبية، واستمرار حساسية الاقتصاد تجاه أي تباطؤ في قطاع السياحة... لكن بيانات الربع الثالث تعطي انطباعاً بأن اليونان تسير بثبات نحو تعزيز نموها الاقتصادي بعد سنوات من التقشف والأزمات.


سوق الإسكان البريطاني يواصل التباطؤ في نوفمبر قبل إعلان الموازنة

صورة عامة لمشروع «وايتستابل هايتس» السكني الجديد في بريطانيا (رويترز)
صورة عامة لمشروع «وايتستابل هايتس» السكني الجديد في بريطانيا (رويترز)
TT

سوق الإسكان البريطاني يواصل التباطؤ في نوفمبر قبل إعلان الموازنة

صورة عامة لمشروع «وايتستابل هايتس» السكني الجديد في بريطانيا (رويترز)
صورة عامة لمشروع «وايتستابل هايتس» السكني الجديد في بريطانيا (رويترز)

أظهرت بيانات صادرة عن «بنك هاليفاكس» للتمويل العقاري، يوم الجمعة، أن سوق الإسكان في المملكة المتحدة شهد تباطؤاً في نوفمبر (تشرين الثاني)، سواء على أساس شهري أو سنوي، في فترة ما قبل إعلان موازنة الحكومة.

وأشار «بنك هاليفاكس» إلى أن أسعار المنازل ظلت مستقرة في نوفمبر، منخفضة عن نمو نسبته 0.5 في المائة سجل في أكتوبر (تشرين الأول). وعلى أساس سنوي، تباطأ نمو أسعار المنازل إلى 0.7 في المائة مقارنةً بزيادة 1.9 في المائة في أكتوبر، وهو أضعف معدل منذ مارس (آذار) 2024. ولفت البنك إلى أن هذا التباطؤ السنوي يعكس إلى حد كبير تأثير ارتفاع الأسعار القوي خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفق «رويترز».

وقالت أماندا برايدن، رئيسة قسم الرهن العقاري في «هاليفاكس»: «تباطأ النمو السنوي إلى 0.7 في المائة، وهو أضعف معدل منذ مارس 2024، على الرغم من أن هذا يعكس إلى حد كبير التأثير الأساسي لنمو الأسعار الأقوى بكثير في العام الماضي». وأضافت: «حتى مع التغييرات التي طرأت على ضريبة الدمغة في الربيع، وبعض الشكوك المحيطة بموازنة الخريف، ظلت قيم العقارات ثابتة نسبياً».

وأظهرت مؤشرات أخرى في سوق الإسكان البريطاني تباطؤاً مماثلاً، يُعزى إلى حذر مشتري المنازل قبل إعلان موازنة وزيرة المالية راشيل ريفز في 26 نوفمبر.

وأظهرت بيانات من شركة الإقراض المنافسة «نايشن وايد»، يوم الثلاثاء، أن أسعار المنازل ارتفعت بنسبة 0.3 في المائة في نوفمبر، وأن النمو السنوي تباطأ إلى 1.8 في المائة.

وأوضحت برايدن أن القدرة على تحمل تكاليف الإسكان كانت عند أعلى مستوياتها منذ عام 2015، وتوقعت نمواً تدريجياً في أسعار العقارات خلال العام المقبل، مدعوماً بنشاط مطرد وخفض محتمل لأسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا.

ويتوقع على نطاق واسع أن يقوم بنك إنجلترا بخفض تكلفة الاقتراض بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.75 في المائة خلال ديسمبر (كانون الأول).